لا عتب على تحفظ أي يمني عن متابعة مونديال كأس العالم، ناهيك عن تشجيع فريق عربي ومنه المنتخب المغربي الشقيق، المشارك جيشه في العدوان على اليمن، والمطبع نظامه السياسي مع صهاينة الكيان، فالجرح غائر بالنزيف من طلقات التآمر والغدر لإخوة يوسف بعدوان أنظمة التطبيع الموالية لحلف المفسدين في الأرض، جراح غائرة بآلاف الشهداء وثمة مليون جريمة وأطنان من الأشلاء والدماء مازالت رصاصات وشظايا تكوي صدور اليمنيين ذهابا وإيابا.
لكن، ما لكن..
أو بالمحلية ليكن، نعم، ليكن..
عندما يعمل العدو الصهيوني بكامل طاقته على تعويم حالة التطبيع كأمر واقع، وعندما يحاول فرض التحالف معه كخيار استراتيجي يستبدل العداء له بعداوة افتراضية مع المقاومين له فوق أي أرض وتحت أي سماء..
وعندما يسمى التضامن مع فلسطين (معاداة للسامية) وجريمة مقوننة بعقوبات تأديبية..
وعندما يشتاط الصهيوني غيظا من حضور العلم الفلسطيني، وتكتب صحف أوروبية عن معاداة السامية، فلا يمكن بأي حال أو مقياس اعتبارها مجرد مباراة أو محفل رياضي، لايمكن اعتبارها إلا معركة مواجهة هامة يجني حصادها محور المقاومة جرعة وعي هائلة، ويتجرع علقمها صهاينة الكيان هزيمة وانعزال مميت أنفق لتجنبه الكثير.
مع مونديال كأس العالم تبين -يقينا- لنخب الصهاينة أن مابني طوال عقدين لترسيخ الهزيمة وفرض التطبيع على الشعوب لم يكن سوى ناطحات سحاب ورقية أكدت المؤكد، بأن تطبيع المطبعين لايساوي الحبر الذي كتبت به، أظهر مواطني الدول المطبعة في المونديال -ما كنا نعتبره صمت الرضا لتوجه حكوماتهم- وذلك مقياس لايقل شأنا عن أي مقياس آخر لمدى إهتمام المواطن العربي بقضيته المركزية.
لاعبو المنتخب المغربي أنفسهم رفعوا الأعلام الفلسطينية قبل أعلام المغرب.. ربما قد لايرى البعض أهمية لذلك من موقع متقدم كمواطن تحت قيادة لها موقف واضح مع محور المقاومة، لكن عندما تكون معركة الوعي ساحة مواجهة للتدجين أو الإنتصار للقضية الفلسطينية وترسيخ حالة العداء لليهود الصهاينة، فلا داعي للتردد أو التأخر.
تضامن الشهيد القائد مع المجرم الزنداني عندما أرادت أمريكا لعب إحدى مؤامراتها في اليمن، وتحالفنا مع الخائن عفاش عندما حضر المحتل الخارجي -بصرف النظر عن النوايا- ولن نتردد بحال عاد الخونة لصوابهم وطلبوا مؤازرتنا لطرد الإحتلال، سنقاتل معا عدونا المشترك متسامين عن كل جراح، إعادة تقييم المواقف او الإنخراط في مواجهة غير متوقعة ليست حماقة، بل دين وأخلاق.
تاريخيا ورغم عداوة اليمن مع الأتراك قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى رفض الإمام يحيى حميد الدين عروض التحالف مع الاستعمار البريطاني ضد السلطنة العثمانية.
يورد الفقيد عبدالله البردوني في كتابه قضايا يمنية صفحة 50 ذلك قائلا: ((ان الثورة اليمنية قيادة واتباعاً رفضت العروض الإنجليزية التي امتدَّت إلى الشريف حسين في الحجاز والشريف الإدريسي، وقال الإمام يحيى: ان التُرك أقرب إلينا من الإنجليز، ولن نقاتلهم من أجل بريطانيا وإنما من أجل بلدنا)).
هذا الموقف الوطني -رغم فظاعة الأتراك- كلف الإمام يحيى واليمن حقد بريطاني أورده الرحالة والمستكشف الألماني هانز هولفريتز في كتابه “اليمن من الباب الخلفي” صفحة 137 بالقول: ((أرادت بريطانيا معاقبة الإمام فاستولت على منطقة الحُديدة ومينائها وانتزعتها من اليمن، وهكذا أضاعت اليمن آخر ما تبقى لها من منافذ بحرية بعد أن كانت قد أضاعت عدن في الماضي)).
وفي عام 1934م عرضت الإمبراطورية الإيطالية على الإمام يحيى مساعدة عسكرية ضد الإحتلال السعودي، ورفض الإمام يحيى العرض الإيطالي وقال للطليان: ((إن آل سعود عرباً ومسلمين ولن نتحالف مع الاجانب ضد العرب والمسلمين)).. وأكثر من ذلك، أضطر الإمام يحيى لتوقيع معاهدة الطائف لإفتقاره لإمكانيات استمرار الحرب.
في المقاربات قد تصبح بعض المواقف مجرد تفاصيل عندما ترتبط بقضية أكبر، عندما يتعلق الأمر بحدث يشاهده أكثر من 5 مليار شخص من أصل 8 مليار بشري، فليس هناك محفل عالمي أفضل من المونديال لتنفيذ ضربات جراحية تصيب نظريات تعويم التطبيع والتدجين في مقتل، ومن بوابة تشجيع المغرب.
قد يراها البعض ساحة مواجهة هامشية لاترقى لمصطلح مواجهة، لكنها حتما معركة وعي من العيار الثقيل، ومن يقول بغير ذلك لايمكن أن يكون صادقا في مواجهات المقاومة الفلسطينية مع الكيان، أو صادقا في معركة الصرخة ضد المستكبرين في المساجد، أو صادقا في معارك الأمعاء الخاوية التي يسطرها أسرى المقاومات الفلسطينية في سجون الإحتلال، فجميعها قد ترى غير جدوائية من الناحية العملية، لكنها معارك في المكان والزمان الذي كان وسيكون موطئ يغيظ الكفار، كانت صاروخا أو شعارا أو أمعاء خاوية يقدم أصحابها رسالة يفهمها العدو جيدا، فهو من يعتبر رفع لاعبي المنتخب المغربي للعلم الفلسطيني معاداة للسامية تستوجب عقوبات وغرامات.
ــــــــــــ
جميل أنعم العبسي