كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الثلاثينيات من عمره، ولم يكن بعد مسؤولًا رسميًا عن المملكة السعودية، لكنه قاد حربًا كارثية في اليمن، واختطف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وسجن مجموعة من أفراد العائلة المالكة والنخب في عملية ابتزاز الفندق، وأعلن حصارًا على قطر وكاد أن يغزوها.
وبعدها بفترة قصيرة، دخل الصحفي جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في تركيا، وقيل إنه خرج مقطعًا في أكياس. “هل نحن أمام صدّام حسين جديد؟” تساءلت الصحافة العربية والغربية بعد كل هذه الأحداث. وتساءل السياسيون: هل هو شخص يثق به قادة العالم الآخرون؟ أما الشعوب: فتتساءل إن كان سيبقى موجودًا لمدة 50 عامًا.
نشأ في عالم بلا عواقب
بينما يتلقى العديد من النخب وأولاد الملوك العرب تعليمهم في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو دول غربية أخرى، بقي محمد بن سلمان في السعودية، الأمر الذي دفع المحللين الغربيين للاعتقاد بأن هذا جعله أقل انسجامًا مع طرق التفكير الغربية، وبقي كوالده محبًا للصحراء ويأكل اللحم بيديه، على عكس إخوته أصحاب اللكنة البريطانية ومربي الخيول.
وعام 2007، عندما قدّم إخوته طلبات الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، رفض محمد بن سلمان الذهاب إلى السفارة الأمريكية والسماح لهم بأخذ بصماته”. مع ذلك، سمّى المشاريع الكبرى الخاصة برؤية 2030 بأسماء أجنبية، لعل ذلك كان بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية. “أريد أن أكون الإسكندر العظيم التالي”، يقول بن سلمان لأصدقائه.
الواقع أن المرء لا يحتاج إلى أن يتعلّم في الغرب لكي يتمكن من هذه النقلة من تاريخ المملكة، يكفي أن يكون محبطًا وساخطًا من وضع والده أمير الرياض الذي كان من الصعب جدًا أن يصبح ملكًا، والذي باع أرضًا لإعالة عائلته الملكية. كل ذلك بالإضافة إلى طباعه القاسية والنرجسية إذ كان أميرًا ثريًا محاطًا برجال. “لقد نشأ في عالم بلا عواقب”. يقول مسؤول أمريكي سابق عايش هذه العائلة.
إلى ذلك، يعطي بن سلمان انطباعًا بشعوره بالراحة من الأعراف الغربية، وهي السمة التي اكتسبها كل جيله نتيجة العولمة والغزو الثقافي الأمريكي من خلال الألعاب الالكترونية والانترنت وقبلها وسائل الإعلام، انعكست في رؤيته تحت عنوان 2030.
كيف وصل إلى السلطة؟
كان بن سلمان يشعر أنه من الدرجة الثانية مقارنة بأقربائه من العائلة المالكة، ويقول أحد مساعديه، إنه شعر بالحاجة إلى التميز منذ سنّ مبكرة، إذ كان والده يحتلّ مرتبة دنيا في الترتيب الملكي على العرش، وكانت مرتبته نسبةً لإخوته الأكبر منه أدنى بكثير من مرتبة والده.
فهو الابن السادس للابن الخامس والعشرين من أبناء الملك المؤسس، ولم يكن يوجد من الأسباب ما يدعو للظن أنه يمكن أن يرتقي إلى أعلى السلّم. إلا أنه استفاد من الموت الفجائي لشقيقه الأمير فهد، وفي العام التالي شقيقه أحمد دون أن يتم الإفصاح عن الأسباب الحقيقية للحالتين، فقط سكتة قلبية.
انقلب على محمد بن نايف الذي كان التالي في ترتيب العروش، وفرض عليه ضغوطاً وسرَّب معلومات مُحرجة وفضائحيّة عنه إلى صحف الغرب. ومحمد بن نايف كان وثيق الصلة بأجهزة استخبارات الغرب، لأنه كان متعاوناً، وقدّم خدمات في تعذيب المعتقلين للحصول على معلومات كانت دول الغرب تريدها.
ولم يكتفِ بن سلمان بذلك، بل شنَّ حملة ضد أفراد مرموقين في العائلة (بمعايير العائلة) لإبعادهم عن المنافسة. إن غياب المنافسة ضدّه كان نتيجة عملية قسريّة، كشفت صحيفة الغارديان عن حقائق صادمة حول هذا الانقلاب، لقد أجبره على توقيع خطاب استقالة ومبايعة له، وتم حجب دواءه الخاص به، وقيل له أنه إذا لم يتنحى عن طيب خاطر، فإن وجهته التالية ستكون المشفى، وسيتمّ اغتصاب أفراد عائلته.
لقد كانت هناك صراعات داخل العائلة السعوديّة من قبل، مثل جناح فيصل والسديريّين ضد الملك سعود، لكن حدّة الصراع الحالي واستعمال القوّة المسلّحة لعزل أولاد العمّ والأعمام سجّلا سابقة خصوصاً في السطو على ثروات أقرباء له، بالإضافة إلى رجال أعمال نافذين في المملكة.
ما وراء الترفيه: قمع واعتقالات
قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن نهج ولي العهد محمد بن سلمان بإغراق السعودية بفعاليات الترفيه يحمل أهدافًا خفية للتغطية على قمع الحريات السياسية الحاصل في السعودية. وقد بيّنت في التقرير أن محمد بن سلمان، عمل على تكريس عقد اجتماعي جديد في البلاد بمنح الشباب حريات اجتماعية مثل الذهاب إلى السينما والرقص وارتداء الملابس غير التقليدية، مقابل الصمت عن قمع الحريات السياسية وعدم انتقاد الحكومة.
من جهتها قالت منظمة “سند” لحقوق الإنسان إن السلطات السعودية تبدّد المال العام على الترفيه للتغطية على القمع والانتهاكات الجسيمة للحريات التي تشهدها المملكة بما في ذلك حظر أي معارضة سلمية. كما يعاني السعوديون اليوم من الحرمان من حقوقهم في التوظيف والسكن والدعم المالي، نتيجة هدر الأموال على أشياء غير ملزمة وغير ضرورية للشعب، لا سيما المهرجانات التي أقيمت خلال العامين الماضيين، وكذلك المسابقات الرياضية والحفلات الموسيقية وغيرها.
بين “جمهورية الخوف” لصدّام و”مملكة الخوف” لبن سلمان
ينتشر الخوف داخل المملكة العربية السعودية بسبب سياسات بن سلمان. وهو يعمل على تعزيز سلطته محليًا وإقليميًا من خلال الترهيب والسخاء الاقتصادي. لقد سحق محمد بن سلمان خصومه المحليين والإقليميين، وكما أطلق على ديكتاتورية صدام “جمهورية الخوف”، تتحول المملكة تدريجيًا إلى “مملكة الخوف”، حتى أن رؤية 2030 قائمة على الخوف، حيث السجن لم يعارض الرؤية، وتم طرد وتهجير قبيلة كاملة لأجل أحد المشاريع، وغيرها من التعديات.
ومثلما تحدّث صدام حسين بلغة الإصلاح لتعزيز قبضته على السلطة، مثله فعل بن سلمان. وكلاهما استخدما العداء لإيران باعتبارها سببًا في عدم الاستقرار الإقليمي لحشد القوى الأجنبية والحصول على دور مركزي في المنطقة. كلاهما أيضًا استخدم الأسلحة الكيماوية ضد خصومهم، الأول استخدمها ضد إيران والأكراد الثاني ضد اليمن، وكما اجتاح صدّام دولة عربية مجاورة لأهداف السيطرة، كاد بن سلمان أن يجتاح قطر في محاولة للتقليل من نفوذها.
ناهيك عن تعرّض منطقة القطيف للانتهاكات الممنهجة، وكلا الديكتاتورين هدم المناطق التراثية واستخدم الشعائر الدينية لمحاربة أعدائه. إلا أنّ الجدير ملاحظته، أن صدام عاش في مرحلة الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، واليوم يصنع بن سلمان ديكتاتوريته على أنقاض الأحادية القطبية.