هل نحن على أعتاب الاحتفال بالذكرى الجديدة للجلاء.. لا اتحدث عن طرد المستعمر الأجنبي بل اقصد المستعمر العربي.. أتمنى ان يكون اليوم هو يوم الجلاء الثاني للمستعمرين الجدد الذين غزوا بلادنا قبل ثمانية اعوامٍ بدعم امريكي بريطاني غربي صهيوني.. وبغطاءٍ دوليٍّ أممي.. ليس ذاك فحسب بل أرادوا ان يمنحوه صفة التحالف الإسلامي.
لكن الثلاثين من نوفمبر 67 لم يتحقق بالأماني فحسب بل سالت لأجله الدماء وبفضل عزم الرجال وتوحد الشعب من اقصى اليمن الى أقصاه تحطمت أمواج الغزاة على صخرة هذه الأمة العظيمة وغابت على أثر التضحيات الجسام “مملكة اليزابيث” التي قالوا أنها لا تغيب عنها الشمس.
اليوم بات اليمن على أعتاب طرد المستعمرين الجدد.. نعم نقول ذاك وايدينا على الزناد وصفحات التاريخ قد امتلأت بملاحم التضحيات والصمود وقوى العدوان باتت منكسرةً تبحث عن مظلة هدنةٍ زائفةٍ تستظل بها من صواريخنا ومسيراتنا التي باتت أقرب إلى سمائهم من بقائها على أرضنا.
لم يعد اليوم لشذوذ المرتزقة سوى الأثر على حياة المساكين ومعاناتهم في المدن المحتلة أما هوى الناس هناك فقد صار يميل مع كل رياح لطرد الغزاة والمستعمرين الجدد وباتوا يحنون لأن يرفعوا من جديد راية الاستقلال والإجلاء لآخر مستعمرٍ كما فعلوا ذاك من عدن قبل أربعة وخمسين عاماً.
اليوم ومن جديد تتلون الأفعى البريطانية الرقطاء بكل لونٍ لتثبت ان روحها الاستعمارية الملعونة لم تتغير وان غيرت جلودها. في حوارٍ مع “صحيفة الشرق الأوسط السعودية” الصادرة من لندن يؤكد سفير المملكة المتحدة ان بلاده تدعم استمرار التهدئة ولا ترغب في عودة الحرب كما انها لا تمانع من اشراك صنعاء في المجلس الرئاسي الصوري الذي ليس اكثر من أداة استعمارية بقناعٍ جديد.
في الحقيقة فإن الانجليز اكثر براعةً من الأمريكان حينما يتعلق الأمر باللف والدوران واللعب على خيوط المتناقضات بل ان الحقيقة التي لا يستطيع ان ينكرها المراقب المنصف ان كل تواجدٍ استعماريٍّ امريكيٍّ في أيٍّ من بلاد الدنيا مرتبطٌ بتآمرٍ بريطاني لعين.. شاهدنا ذاك في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا ونعيشه واقعاً حيّاً هنا في اليمن.
تحضرنا اليوم عبارةٌ قالها أحد المعلقين على مباريات كأس العالم المقامة في قطر تعليقاً على اللقاء الكروي الذي جرى بين الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة البريطانية.. يومها قال ذاك المعلق ان هذه المواجهة تجري بين البنت وأمها. نعم.. الامريكان هم الشر الذي خرج من الرحم الاستعماري البريطاني.. ليس ذاك فحسب بل ان كل خطوة استعمارية تبدأها واشنطن لها منطلقٌ ومركزٌ في لندن وكل مخططٍ صهيوني امريكي لا بد ان يكون للانجليز يدٌ متآمرةٌ فيه.
يضيف السفير البريطاني في حواره مع الصحيفة السعودية انه يأمل ان يكافح اليمنيون للتوحد للخروج من هذا الوضع الذي لا يزال يطلق عليه اسم “الأزمة” ويتجاهل هذا الثعلب ان بلاده بمعية الأمريكان والصهاينة وكل قوى العدوان هي من تعمل على تمزيق هذا البلد وتكرّس النزعات الانفصالية في جنوبه.
لا يستطيع البريطانيون ان يخفوا حنينهم لمدينة عدن التي أرادوا يوماً أن تكون درّة التاج الملكي البريطاني فلا تزال ساعة “بيج بن” بنسختها العدنية شاهداً على حالة التوأمة التي أراد الانجليز فرضها بين العاصمة البريطانية وهذه المدينة التي كانت بالنسبة لهم حلماً حوّله اليمنيون الى سراب بعد اكثر من مائة وثلاثين عاماً من الاحتلال.
يقول السفير البريطاني ان السؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرح اليوم هو “كيف يمكن لليمنيين ان يتقاسموا السلطة والموارد” لكن خلف هذا التساؤل غير البريء سؤالٌ آخر اكثر لؤماً منه خلاصته انه “كيف يمكننا ان ننتزع من اليمنيين ثرواتهم من جديد بعد ان منعت مسيرات صنعاء الناقلات العملاقة من دخول موانئنا ونهب نفطنا..!
الغزل الخبيث الذي يحاول السفير البريطاني ان يلعبه مع صنعاء بشأن رغبة بلاده في توحد اليمنيين وشراكتهم جميعاً في الحكم وراءه هدفٌ اكثر خبثاً هو رغبة لندن في استغلال حالة الهدنة والتراخي للاستمرار في نهب ثرواتنا لأن توقف عمليات نهب النفط اليمني هو الكابوس الذي يؤرق الامريكان والبريطانيين والاماراتيين والسعوديين وكل قوى العدوان التي تكالبت على بلادنا.
السؤال الذي يجب ان يطرح في ذكرى الاستقلال المجيد يا سفير الانجليز هو “متى سنحتفل بذكرى الجلاء الجديد وبطرد المستعمرين الجدد الذين كنتم انتم والامريكان ولا تزالون وراءهم”.. الجواب على هذا التساؤل المشروع قد بدأ بالفعل وكانت قطع يد ناهبي النفط اليمني أول نقاطه التي توضع في مسيرة استقلال الجديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
نصـر القريطي