كَحاملةِ طائراتٍ جاثمة وسط المحيط الهندي، تنظر قيادة المنطقة العسكرية الأميركية الوسطى CENTCOM، لجزيرة سقطرى اليمنية. ولأجل السيطرة عليها، “سخّرت” الولايات المتحدة، منذ انتهاء الحرب الباردة، أدواتها. وفيما عمّدت محاولاتها أخيراً، بالتدخل المباشر بمساعدة إماراتية، أرسلت صنعاء رسالتها بطائرات مسيّرة حلّقت للمرة الأولى في أجواء الجزيرة، في توقيت تشهد فيه الخريطة اليمنية تثبيتاً لمعادلات جديدة تشكّل منعطفاً استراتيجياً في مسار الحرب والمرحلة المقبلة.
وفق العقيدة العسكرية الأميركية، فإن مَن يحكم سيطرته على هذه النقطة، يُحكِم قبضتَه على البحار السبع الرئيسية في العالم. ولإدراكها بأن الحرب البحرية في تلك المنطقة، هي مفتاح الحل السياسي الذي سيفضي لوقف إطلاق النار -اذا ما فشلت كل المفاوضات- عمدت القوات المسلحة اليمنية، وفق ما أكد مصدر في حكومة صنعاء لوكالة سبوتنيك الروسية، إلى ارسال “طائرات مسيرة، من نوع “راصد” المختصة بالاستطلاع والاستخبارات حلقت للمرة الأولى منذ بداية الحرب في أجواء محافظة أرخبيل سقطرى”.
وفي الوقت الذي تشير المعلومات الواردة، أن هذا “النوع من الطائرات مهمته الأولى الاستطلاع وجمع المعلومات وليست مهام قتالية”، كشف رئيس الاستخبارات العسكرية والاستطلاع، اللواء عبدالله الحاكم، أن “المواجهة البحرية المتوقَّعة قد تكون من أشدّ المعارك مع تحالف العدوان”.
وبالتالي، فإن الطائرات المسيّرة التي وصلت لجزيرة سقطرى، والتي كانت هذه المرة استطلاعية، قد تكون قتالية إذا لزم الأمر، ليس فقط على الجزيرة، بل في أجواء الطرق الملاحية الدولية أيضاً، في الخليج وباب المندب. على غرار الطائرات المسيرة التي نفذت ضربات موضعية، في عملية الضبة، والتي كان باستطاعتها استهداف السفينة بالفعل.
حيث تابع المصدر نفسه، ان “الطائرات كانت تجوب سماء الجزيرة، وتلك العملية التي نفذتها القوات الجوية التابعة للجيش واللجان الشعبية التابعة لحكومة الإنقاذ، تعني أن القوات المتواجدة على الجزيرة سواء كانت أمريكية أو إماراتية وإسرائيلية أصبحت ضمن بنك أهداف القوة الصاروخية اليمنية”.
منذ عام 1979، دخلت الجزيرة ضمن المشروع الأميركي للرد على عملية اغتيال السفير الأميركي في أفغانستان، أدولف دابسفي، في شباط/ فبراير من العام نفسه. بعد ان اعتبرتها واشنطن انها الضربة القاضية التي جاءت بعد تراكم عدد من الاحداث في ذلك الوقت، كانسحاب بريطانيا من جنوب اليمن، ثم سقوط الشاه في ايران وانسحاب باكستان وتركيا تباعاً من منظمة المعاهدة المركزية.
ونتيجة حاجتها لتعويض الخلل في موازين القوى مقابل الاتحاد السوفياتي، آنذاك، عمدت واشنطن، لإرسال فريق عمل على حاملة طائرات إلى بحر العرب والإسراع في إرسال المساعدات العسكرية العاجلة إلى اليمن الشمالي، حنيها، ونظام التحذير والمراقبة المحمول جواً إلى السعودية. بعد اعتقادها بأن هذا ما سيساعد على تطبيق استراتيجية تطويق الاتحاد السوفياتي.
وبذلت الولايات المتحدة جهداً لتوزيع سيطرتها على المناطق المحيطة بتلك المنطقة، حيث قامت بنشر قواتها الخاصة واطلاق محادثات شاملة مع كل من كينيا والصومال وعمان واليمن، تخوفاً من استهداف سوفياتي في المحيط الهندي وباب المندب.
بعد أكثر من 40 عاماً، يبدو انه على واشنطن، القلق مجدداً. لكن هذه المرة، ليس من يد سوفياتي تنطلق من خلف البحار، بل من على بعد أقل من 500 كلم، من السواحل اليمنية بالتحديد. وهذا ما أكده عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله، علي القحوم، والذي أشار إلى ان “الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا يرتبون لتصعيدٍ جديد ضد اليمن من خلال تحَرّكاتهم في المحافظات والجزر المحتلّة”، مُشيراً إلى المشاريع الاستيطانية في جزيرة ميون. ومؤكداً على أنها “لن تدوم طويلاً” وأن صنعاء “لديها القوة الكافية لفرض السيادة الكاملة على المياه الإقليمية وحماية خطوط الملاحة الدولية في المنطقة”.
وبينما تبقى كل الخيارات مفتوحة بانتظار ما ستفرزه المفاوضات الجارية بين كل من صنعاء والرياض، تدرك الولايات المتحدة، التي لا تريد تصعيداً يؤثر على حركة النفط في الخطوط الملاحية الدولية، ان صنعاء جادة في تهديداتها، وانها تمتلك القدرة العسكرية والاستخبارية اللازمة لتنفيذها.