بالتزامن مع الزيادة الكبيرة في معدل عمليات المقاومة الفدائيّة في الضفة الغربية المحتلة، وتأكيد مختلف الأوساط التابعة للعدو، أنّ تلك المنطقة التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة باتت خطرة للغاية على الكيان الذي تعيش أجهزته الأمنيّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة.
ناهيك عن تعرض حكومة العدو لانتقادات لاذعة نتيجة لجرائمها وجاهزيتها القتالية في الضفة الغربية، نصح صحفي صهيوني رؤساء الحكومة الجديدة في الكيان الصهيونيّ بالامتناع عن تقديم وعود مضللة في هذا الصدد، الشيء الذي اعتبر اعترافاً بقوة المقاومة الفلسطينية، ولا سيما في الضفة التي حذّر ضباط صهاينة من فقدان السيطرة الإسرائيليّة فيها.
حكومة أفشل من سابقتها
في الوقت الذي تعيش فيه أجهزة الأمن الإسرائيليّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين لدى العدو، نظرًا لكثافة عمليات المقاومة ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، اعترف يوسي يهوشوع، المراسل العسكريّ لصحيفة يديعوت أحرونوت، بأنّ الحكومة الجديدة للكيان الصهيوني لن تكون قادرة على وقف عمليات المقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
وهذه التصريحات دقيقة للغاية حيث إنّ الضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كماً ونوعاً، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر هناك بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم والتبؤات بزيادة ذلك في عهد حكومة نتنياهو. “وزراء حكومة العدو المستقبلية يجب أن يتجنبوا أي تعليقات ووعود لا يستطيعون الوفاء بها”، هذا ما جاء على لسان الصحفيّ الذي أكّد أن الحكومة المستقبلية لا يمكنها التفكير في أشياء لا تستطيع الحكومة الحالية القيام بها، مشدّداً على أن الحكومة الجديدة لن تكون قادرة على وقف العمليات الفلسطينية.
وبالتالي اعتراف جديد من “إسرائيل” بهزيمتها الكبرى في الضفة الغربية، بالتزامن مع مجموعة كبيرة من الإجراءات من عمليات المقاومة الفلسطينيّة، نتيجة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيليّ، حيث أوضح محللون صهاينة أن العام الحاليّ يسجل بالفعل أرقامًا قياسيّة في أعداد القتلى الصهاينة. أيضاً، وفي ظل إقرار مسؤولين أمنيين بارزين في حكومة العدو فإنّ المسؤولين الصهاينة لا يملكون حلولا كبيرة لمواجهة عمليات المقاومة المتصاعدة بشكل أدهش تل أبيب وجعلها في انتظار أيام سود لم تكن تتخيل يوماً بأنّها ستشهدها.
حيث وقفت مشلولة أمام تهديد عمليات الطعن والدهس، بل بدأت قوات العدو تتخذ خطوات جديّة وإن كانت غير مؤثرة قلقاً من تطور الأمور بشكل مفاجئ كما حدث في الأشهر المنصرمة، وخاصة بعد أن أثبت المقاومون أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة، والدليل هي الحملات الإسرائيليّة الفاشلة ضدّهم نتيجة أكثر من أمر أهمها أنّهم غير منظمين بمقرات ومؤسسات محددة والآخر أنّهم منتشرون بكثرة في كل مناطق الضفة، ولديهم تنسيق بسيط ومهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ، وهو ما عجز الإسرائيليون عن وقف تأثيره.
عجزٌ أمنيّ وعسكريّ إسرائيليّ
“أجهزة الأمن الإسرائيلية ليس لديها أي وسيلة لوقف العمليات الفردية للفلسطينيين”، عبارة تؤكّد أنّ تطور مجموعة (عرين الأسود)، وهي مجموعة فرضت التطورات الجديدة في الضفة الغربية تشكيلها، وتضم المقاومين في البلدة القديمة في نابلس ولا تنتمي لأي فصيل محدد، ولدت من رحم شبكات التواصل الاجتماعيّ، وتمكنت من تنفيذ عمليات في الضفة، وسط تصعيد عمليات المقاومة من إطلاق النار ومحاولات الدهس ضد قوات الاحتلال وعصابات مستوطنيه.
والتي تتزايد نتيجة اعتداءات العدو على محافظات الضفة، ما يعني أنّ الإسرائيليين يعترفون بشكل كامل بمواجهة انتفاضة ذات صفات مختلفة ونتائج مذهلة، حيث إنّ الدوائر الأمنية الإسرائيلية لم تكن مستعدة لقبول تشكيل الانتفاضة إلا بعد فترة طويلة من اندلاعها، وبعد العمليات الاستشهادية للفلسطينيين، والتي وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة وبعد أن انتشرت الانفجارات في مناطق وأماكن مختلفة.
وعلى هذا الأساس، يعيش الكيان الإسرائيليّ قلقاً عارماً من استخدام الشبكات الاجتماعية، التي تحل محل الروابط التي كانت تميز العمليات المنظمة سابقًا، وتتحدث القيادات العسكريّة للعدو أنّ “إسرائيل” فقدت السيطرة في الضفة الغربية، ويستندون على معلومات إسرائيليّة تفيد بأنّ القوات الإسرائيليّة بوضعها اللوجستي الحاليّ، غير مستعدة للقتال في الضفة الغربية.
فعقب سنوات من التحذيرات التي لم تصغ لها حكومة العدو على المستويين الداخليّ والخارجيّ، يتحدث الإسرائيليون أنّهم باتوا جميعًا “تحت الحصار”، أي انتقال عمليات إطلاق النار من شمال الضفة إلى داخل “الخط الأخضر”، وإقدام خلايا المقاومة التي تنشط في جنين ونابلس، بتنفيذ عمليات داخل المدن التي تعج بالمستوطنين، والدليل أن جيش العدو في الأسابيع الأخيرة بدا بالفعل عاجزاً عن السيطرة على الوضع مع انتشار موجة المقاومة في جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
إضافة إلى ذلك، حاول الشاباك والجيش الصهيوني بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية تدمير جماعة المقاومة وبالأخص “عرين الأسود” في نابلس لكنهم فشلوا في ذلك، حيث باتت تلك المجموعات كابوساً حقيقيّاً بالنسبة للصهاينة، ومن الصعب للغاية مواجهة المقاومة الفلسطينية من الجيل الشاب.
في الوقت الذي باتت فيه الضفة الغربية تشكل نقطة أمنية ساخنة جدًا ويتم التعامل معهما بحذر شديد للغاية تماماً كالعاصمة الفلسطينية القدس، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967، وإنّ ما تخشاه القيادة الإسرائيلية، وقد استطاعت أن تربك حسابات القيادات الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى التي بدأت ترسم فيها حكايات الانتصار للمقاومة الشعبية، كما أنها بعثت الأمل في نفوس الفلسطينيين بسرعة فائقة، لم تكن أبداً في حسبان المحتلين.
وبالإشارة إلى تسجيل أكبر عدد من عمليات المقاومة في الضفة الغربية هذا العام، و خسارة الصهاينة 29 مستوطنًا وجنديًا مقارنة بالسنوات الـ 17 الماضية، يعيش المجتمع الإسرائيليّ حالة غير مسبوقة من الانقسام والضياع بسبب الثقة المفقودة بحكوماته الفاشلة في إدارة أيّ أزمة على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ وهذا لن يتغير أبداً مع قدوم نتنياهو، وخاصة أنّ العدو العنصريّ يعيش مرحلة من الهزائم المتتاليّة.
وبالأخص بعد الحرب الهمجيّة الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان على الضفة الغربيّة، والتي تركت تل أبيب وقياداتها على كل المستويات في صدمة من نتائج تلك المعركة الصعبة بعد الرد الحازم لأبطال المقاومة الفلسطينيّة الجدد والتي تتصدر مجموعة “عرين الأسود” اسمهم في الوقت الحاليّ، وتأتي تلك التصريحات الإسرائيليّة من جديد لتعبر بوضوح عن حجم الغضب والرعب الصهيونيّ من الانتصارات الفلسطينيّة والتي كان شبان المقاومة اليافعون أبطالها بامتياز، دون أدنى حل لدى الإسرائيليين للتخلص من حالة المقاومة.
وبالتالي، غدا الصهاينة أمام موقف صعب للغاية، بعد أن عمدوا إلى استخدام القوة المفرطة للقضاء على حالة المقاومة بالضفة الغربية، الشيء الذي قلب السحر على الساحر وانعكس ذلك بشكل مباشر على حالة المقاومة، فالكيان الإسرائيليّ ومن يدعمه ويقف معه من عصابات صهيونيّة أو دول أو حكومات عولوا دائماً على دمويّته المفرطة، لتبقى الضفة عنوان المرحلة القادمة التي ستغير كل المعادلات على الساحة الفلسطينيّة المستعمرة من العصابات الصهيونيّة وبعض المتخاذلين، وإنّ تطور أساليب المواجهة والمقاومة في الضفة الغربية.
وتأكيد الوقائع أنّ الاحتلال بدأ يفقد السيطرة باعتراف وسائل الإعلام العبرية، لا يعني فقط أنّ “إسرائيل” فشلت في ضبط إيقاع الساحة الفلسطينيّة فقط، بل يعيش مجتمعها ترنحاً لم يشهده في وقت سابق في مواجهة المقاومة تماماً مثل حكوماته، فالعمليات المسلحة في المنطقة تطورت وتصاعدت بشكل كبير وبصور متعددة، ولا مجال للعودة خطوة للوراء بالنسبة للأبطال والفدائيين الذين استطاعوا بما أوتوا من قوّة احتجاز “إسرائيل” ومستوطنيها كرهائن، لكن الخوف الأكبر بالنسبة لهم في هذا المرحلة، هو ما سيأتي بعد، ويتجسد ذلك في مواجهة جديدة لا تجيدها عصابات الاحتلال التي تسعى لإبادة شعب بأكمله وسلب أرضه بقوتها العسكريّة الاستعماريّة.
خلاصة القول، من الصعب على الإسرائيليّ الذي يدير الأمور بالسيف والنار باعتباره قوة احتلاليّة مدججة بكل أنواع الأسلحة أن يتخلى عن إجرامه وعنصريّته في ليلة وضحاها، حيث سيشهد العالم على فشل حكومة نتنياهو في القضاء على حالة المقاومة المتصاعدة في فلسطين، بل ستزداد الأمور بلا شك سوءاً بالنسبة للإسرائيليين عن أيام حكومة لابيد، جراء الفعل المقاوم لمجموعات المقاومة الجديدة، بما ينهي أمن كيان الاحتلال للأبد.
وخاصة أن جيش العدو بدأ يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم الأكثر جرأة وشجاعة، ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام، ولا يهمهم انكشاف شخصياتهم على صفحات التواصل الاجتماعيّ، ما شكّل معادلة قوية في الصراع مع الاحتلال الغاصب، وبات الشعب الفلسطينيّ قادراً على قلب الموازين في الضفة المحتلة والقدس بعد أن نجح في تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال ومستوطنيه إلى حالة من الرعب المتواصل، والهدف الأول والأخير الانعتاق من العصابات الصهيونيّة التي جُلبت من أصقاع الأرض.