مَثـلَت مَوافقة البنك الدولي على منح حكومة المرتزِقة 300 مليون دولار من حقوق السحب الخَاصَّة باليمن، ترجمةً واضحةً لإصرار تحالف العدوان ورعاته الدوليين على مضاعفة معاناة الشعب اليمني، ورفض تلبية مطالبه الإنسانية والقانونية المحقة، وهو ما ينسف كُـلّ دعاياتهم بشأن الحرص على السلام ودعم مفاوضات تجديد الهُــدنة، الأمر الذي ينذر بتعقيدات جديدة قد تدفع بالأمور نحو التصعيد.
المرتزِق رشاد العليمي، رئيس ما يسمى “مجلس القيادة” الذي شكّله العدوّ، كان قد أشاد قبل أَيَّـام قليلة بدور الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في تعزيز فرع البنك المركزي في عدن بـ300 مليون دولار من حقوق السحب الخَاصَّة، وهو ما يعني أن الإدارةَ الدوليةَ للعدوان تقفُ بشكلٍ مباشرٍ وراء قرار البنك الدولي.
ويبدو بوضوح أن هذا الخطوة جاءت كرد انتقامي من قبل إدارة تحالف العدوان على قرار صنعاء بشأن حظر تصدير النفط ومنع نهب إيراداته، حَيثُ وقع قرار صنعاء كمصيبة على رؤوس المرتزِقة الذين تعوّدوا على تقاسُم حصة من عائدات النفط الخام وإيداع الباقي في البنك الأهلي السعوديّ، في إطار عملية نهب واسعة ومدروسة تهدف لتمويل استمرار الحرب، وحرمان اليمنيين من فوائد الثروة الوطنية في الوقت نفسه.
وطيلةَ الفترة الماضية، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية حشدَ ضغوطٍ على صنعاء للسماح باستمرار نهب الثروة الوطنية، لكن صنعاء رفضت ذلك، مؤكّـدة أن إيرادات النفط والغاز يجب أن تُخصَّص لصرف مرتبات الموظفين وتحسين الخدمات؛ باعتبَار ذلك خطوةً أَسَاسيةً نحو السلام واستحقاق عاجل لا مجال لتأجيله.
تمسك الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار نهب النفط وسرقة إيراداته كان واضحًا، وتسبب في إفشال تفاهمات جيدة كان قد تم الوصول إليها مع دول العدوان، لكن استئناف التصدير بدون موافقة صنعاء لا زال أمراً عسيراً للغاية، ولهذا فَـإِنَّ اللجوء إلى استخدام حقوق السحب الخَاصَّة جاء على الأرجح كمحاولة للالتفاف على قرار صنعاء وتوفير مصدر بديل لتمويل المرتزِقة ومضاعفة الأعباء الاقتصادية على البلد في الوقت نفسه.
سنتعامَلُ مع قرار البنك الدولي كعملٍ عدائي
في الوقت الذي ربما تعتقدُ فيه دولُ العدوان والأطرافُ الدولية الراعية لها أنها قد تمكّنت من لَيِّ ذراع صنعاء وإفشال معادلتها لحماية الثروات، فَـإِنَّها في الواقع تتسبب في تعقيدات إضافية قد ترتد بتداعيات عكسية عليها؛ لأَنَّ صنعاء أكّـدت أنها لن تقف مكتوفةَ اليدين أمام محاولة العبث بحقوق البلد.
وفي هذا السياق، علّق نائب وزير الخارجية حسين العزي على قرار البنك الدولي بتأكيد واضح على أن صنعاء “ستتعامل مع أي إجراء من هذا النوع كعمل عدائي ومشاركة لاأخلاقية في العبث بحقوق اليمن وفي تمويل عدوان قائم ضد شعبنا المظلوم والمحاصر ما سيعرض البنك الدولي للمساءلة القانونية”.
وأضاف: “سنجبر البنكَ الدولي على التعويض العادل كحق قانوني لصنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية”.
وحذر العزي البنك الدولي “من ضخ أيَّة مبالغ لأي فرع من فروع البنك المركزي في أراضينا اليمنية المحتلّة؛ باعتبَار ذلك تورطاً مكشوفاً في تمويل مرتزِقة متمردين عيّنتهم عواصم خارجية بلادنا في حالة حرب معها”، مطالبًا البنك الدولي باحترام أهدافه المعلنة والنأي بنفسه عن دعم الفاسدين والإرهابيين المناوئين للشعب اليمني.
هذه التحذيراتُ تنطوي على رسائلَ واضحة لدول العدوان ورعاتها، مفادُها أن محاولة الالتفاف على استحقاقات الشعب اليمني والبحث عن أوراق جديدة لمضاعفة المعاناة والضغط على صنعاء لن تؤدي إلا إلى قتل ما تبقى من الثقة المطلوبة للمضي في مسار التهدئة والبحث عن حلول؛ لأَنَّ حقوق السحب لا تختلف كَثيراً عن عائدات النفط الخام، واستخدامها كمصدر بديل لتمويل المرتزِقة هو أمرٌ لن تسمح صنعاء بأن يمر مرور الكرام، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب اليمني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وبالتالي فَـإِنَّ إقدامَ البنك الدولي على تسليم حقوق السحب للمرتزِقة، سيفتحُ مرحلةً جديدةً ستلقي بظلالها على المشهد بأكمله، بحيث تضطر صنعاء لفرض معادلات ومتغيرات جديدة للرد على تعنت العدوّ.
ملامحُ هذه المتغيرات برزت في رسالة أُخرى وجّهها نائبُ وزير الخارجية حسين العزي وجاء فيها أن: “الضرباتِ القادمةَ لن تكون تحذيرية“، وأن “الثروات النفطية ستبقى محرَّمة على العدوّ ومرتزِقته ولن يحصلوا على قطرةٍ منها لا في السلم ولا في الحرب، إلى أن يعود ريعُها بالكامل للشعب”.
هذه الرسالةُ كانت أوضحَ بكثيرٍ من سابقاتها في التأكيد على أن صنعاء لا زالت تمتلِكُ خياراتِ الرد والردع على كُـلّ انتهاكات العدوّ وخطواته التصعيدية بما يكافئها في القوة ويتواءم مع متطلبات المرحلة.
قد يتمكّن المرتزِقة من نهب دفعة جديدة من حقوق الشعب اليمني بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا، لكنهم سيصطدمون بنتائجَ سلبيةٍ أطولَ أمداً وأوسع تأثيراً، ولن يكونَ بوسع الأمريكيين والبريطانيين الالتفافُ عليها أَو التخفيفُ من آثارها؛ لأَنَّها ستدفعُ بالأمور نحو مرحلة جديدة تضيق فيها خيارات العدوّ أكثرَ ويصبح الحَلّ الوحيد فيها هو إعادة حقوق الشعب اليمني وتلبية مطالبه.
الولايات المتحدة في الواجهة
موافقةُ البنك الدولي على منح حكومة المرتزِقة حقوق السحب الخَاصَّة، جددت التأكيدَ على أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشكل مكثّـف ومباشر على إعادة ضبط المشهد اليمني وفقاً لمصالح ورغبات البيت الأبيض تحت مظلة حالة “اللا حرب واللا سلام” التي قال رئيس الجمهورية إنها نتيجةٌ لوصول بعض أطراف دول العدوان إلى إدراك لحتمية الخسارة وحاجتها إلى تغيير موقفها.
هذا يعني أن الولايات المتحدة عادت مجدّدًا إلى الواجهة وبشكل مباشرة لإدارة كُـلّ العمليات العدوانية ضد الشعب اليمني، وأنها تحاولُ أن تستغلَّ إيجابية صنعاء في التعاطي مع مأزِق السعوديّة والإمارات لاستخدام المزيدِ من الأوراق، خلف واجهة المرتزِقة.
هذا ما أكّـدته كُـلُّ الخطوات المباشرة التي أقدمت عليها الولاياتُ المتحدة خلال الفترة الأخيرة بدءًا من إفشال التفاهمات بين صنعاء ودول العدوان، ومُرورًا بالزيارات الدبلوماسية والعسكرية إلى حضرموت، وُصُـولاً إلى استخدام حقوقِ السحب الخَاصَّة كمصدر لتمويل المرتزِقة والجماعات الإجرامية بدلاً عن إيرادات النفط الخام التي منعت صنعاء نهبها، وبين هذه المحطات العديد من الخطوات والتحَرّكات الأُخرى التي أخذت فيها الولايات المتحدة على عاتقها مهمةَ محاولة إبقاء المشهد بأكمله تحت سيطرتها سياسيًّا وعسكريًّا، بما في ذلك تحَرّكاتها في البحر والممرات المائية.
هذا يعني أن مَأزِقَ السعوديّة والإمارات يزدادُ صعوبةً؛ لأَنَّ عدمَ تمكُّنهما من اتِّخاذ قرار تلبية مطالب الشعب اليمني، يعرّضهما لتداعياتٍ خطيرةٍ ستترتبُ على التحَرّكات الأمريكية العدوانية؛ لأَنَّ صنعاء قد أكّـدت أكثرَ من مرة أنها لن تقبَلَ بفرضِ حالة اللا حرب واللا سلام.