مع بدء العد التنازلي على موعد صافرة انطلاق المونديال الأكثر تكلفة على الإطلاق، تجد قطر نفسها أمام سيل متعاظم من الانتقادات والهجمات، بسبب مواضيع شتّى تتراوح من مناخ الإمارة الحارّ ومجتمعها المحافظ، إلى سجلّها في مجال الحريّات وحقوق الإنسان، ولا سيّما حقوق المرأة والعمّال المهاجرين.
حيث قدّم وزير الشباب والرياضة الجزائري، عبد الرزاق سبقاق، دعم بلاده الكامل لدولة قطر في مواجهة الحملات المعادية لتنظيمها كأس العالم، وذلك في تأكيد للتصريحات السابقة التي صدرت على أعلى مستوى في الجزائر حول هذا الموضوع.
وقال سبقاقفي تصريح لوكالة الأنباء القطرية، إن الاستراتيجية التي انتهجتها قطر في تنظيم كأس العالم 2022، ستُبهر العالم، مشيراً إلى أنه “لا يوجد أدنى شك في الإمكانيات التي سخرتها قطر لإنجاح هذا الموعد الكروي العالمي، وخاصة من حيث التنظيم وجاهزية البنى التحتية”.
وأبرز الوزير الجزائري أن “قطر ستُتعب من سيحتضن كأس العالم بعدها، فهي التي خططت ونفذت وأبهرت العالم في وقت قياسي لتنفرد بالريادة المطلقة من حيث الجاهزية، التنظيم، وتوفير سبل الراحة والرفاهية”. واعتبر سبقاق أن الانتقادات التي طالت قطر مؤخراً، “جاءت من أقلام مأجورة تخدم مصالح ضيقة، وهي زوبعة في فنجان”، معتبراً أن “قطر تملك منتخباً شاباً وسيرفع راية قطر وراية العرب عالياً”.
من جانبه، قال عز الدين ميهوبي، المرشح السابق للرئاسة الجزائرية، إن الحملة الشرسة التي تواجهها قطر من جهات عديدة وخاصة في أوروبا من قبل دوائر إعلامية وسياسية، ارتفع نسقها هذه الأيام بشكل هستيري، وبلغ حدّاً لا يوصف.
واعتبر ميهوبي، الذي اشتغل من قبل في الصحافة الرياضية، أن “الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ابتزاز سياسي غير أخلاقي، وتعبيراً عن خيبة أمل في كسر إرادة بلد عربي صغير مساحة وشعباً، لكنه كبير في طموحه وقدرته على كسب رهان التحدي في مقارعة الكبار، وفرض الاحترام في عالم تحكمه الأفيال”، على حد وصفه.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أكد، قبيل عقد القمة العربية، دعم الجزائر الكامل لاحتضان قطر لمونديال كرة القدم 2022. كما ندّد بـ”الحملات المشبوهة التي تستهدفها”. وقال الرئيس تبون في هذا الصدد لوكالة الأنباء القطرية ”بطولة العالم في قطر ستبقى محفورة في تاريخ القدم”. قبل أن يتابع: “قطر ستفاجئ العالم بمستوى التنظيم المحكم في كل المجالات”.
وعلى الرغم من ان بعض دول العربية كانت تراهن على عدم قدرة قطر على تنظيم هذه البطولة العالمية في هذا الزمن الوجيز ولن تسطيع دولة صغيرة في آسيا مثل قطر أن تكون قادرة على إجراء هذه المنافسة، إلا أن قطر قالتها وعلى الملأ على لسان إعلامها ومسؤوليها أن العالم سيرى أن الدول لا تقاس بمساحاتها، وأن البطولة ستحقق نجاحاً استثنائياً، وسنستخلص من هذه البطولة الدروس والعبر لنعلم بشكل أفضل من هو الصديق ومن العدو، وستكون سبباً في تقارب دولنا وتوحيد كلمتها لمواجهة ما يحيط بها من أخطار تهدد كياننا ووجودنا.
ومازالت بعض الجهات الإعلامية الأوروبية تقوم بهجمات شرسة والقيام بمحاولات فاشلة للتأثير على انطلاق هذه البطولة، والتشكيك لدى المنظمات العالمية في عدم قدرة دولة قطر على استضافة هذه البطولة أو اتهامها باتهامات باطله في شأن حقوق العمال وغيرها من الاتهامات والتي ليس لها أي دليل توثيقي.
فهذه الدول الأوروبية ووسائل إعلامها التي تقود تلك الحملات المشبوهة ضد استضافة قطر تناست قضايا عديدة وجوهرية، أو أنها لم تولها الأهمية ذاتها التي أولتها لملف استضافة قطر للبطولة، وهو ما يدل على أن تلك الأصوات التي تعالت وبُحت مدعية أنها تدافع عن حقوق الإنسان، استخدمت الحجة الأخيرة كغطاء يخفي الأحقاد المفضوحة، وإلّا أين هي حقوق الإنسان من جثث أطفال المهاجرين التي تقذفها أمواج البحر الأبيض المتوسط على سواحل أوروبا الإنسانية الغناء، أو من جياع إفريقيا التي تستبيح أوروبا ثرواتها، أم إن تلك الحقوق لا تنتهك “حسب زعمهم” سوى في بلادنا، وكما قال وزير الخارجية القطري “ليست لدى الحكومة (الألمانية) مشكلة معنا عندما يتعلق الأمر بشراكات أو استثمارات في مجال الطاقة”، إذا فالمشكلة في استضافة قطر للبطولة وليس دفاعاً عن حقوق الانسان .
وفي مواكبة للاستعارة العنصرية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، المستعمر الليتواني إيهود باراك (المولود باسم إيهود بروغ)، في عام 2002 عندما وصف إسرائيل بأنها “فيلا في الغابة”، أعلن رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال الأسابيع الماضية أن «أوروبا حديقة. لقد بنينا حديقة… لكن بقية العالم ليس حديقة تماماً، بقية العالم.. أغلب بقية العالم هو غابة. الغابة يمكن أن تغزو الحديقة، وعلى البستانيين أن يتولوا أمرها…».
بهذا التصريح الذي يعيدنا قروناً إلى الوراء خرج علينا جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي. كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، الذي أثار بخطابه هذا حالة غضب كبرى في أنحاء كثيرة من العالم، وقال منتقدو خطابه إنه كان مليئاً بالعنصرية والإمبريالية، ويعكس وجهات نظر عفا عليها الزمن بشأن التفوق الأوروبي.
وعبّر عن هذا فيليب مارليير، الخبير في السياسة الفرنسية والأوروبية، قائلاً إن هذا التشبيه مسيء بشكل رهيب، له نغمات استعمارية وعنصرية قوية. بينما قال ديونيس سينوزا، محلل المخاطر السياسية والباحث في مركز دراسات أوروبا الشرقية، إن على بوريل الاعتذار باسم الاتحاد الأوروبي عن تصريحاته هذه.
إن من الواضح أن جوزيب بوريل ما زال يعيش بفكر عصور ما قبل اختراع العجلة، فهذا الخطاب العنصري عفا عليه الزمن، ولم يعد صالحاً للاستخدام في عصرنا هذا، وخاصة بعد أن تبدلت المواقع، وتغيرت الحقائق على الأرض، واختلف مفهوم الغابة والحديقة، وارتدى كثير من أهل «الحدائق» جلوداً تبدو أكثر نعومة من جلود الثعابين، لكنهم أشد سُميّةً منها، وأصبحت العنصرية هي السمة الغالبة على أولئك الذين كانوا يلصقون هذه الصفة بالشعوب الأخرى، في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الشعوب أكثر تسامحاً وتقبلاً للآخر منهم.