تعيش الأوساط الإسرائيليّة على كل مستوياتها، حالة هستيريّة شديدة، وإنّ أكثر ما يثير الغضب الصهيونيّ حاليّاً، هو الفلسطينية بشكل لا يشبه أيّ مرحلة سابقة أبداً، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه الذين أجرموا بشدّة بحق هذا الشعب منذ اليوم الأول لاستعمارهم الإباديّ، وإنّ عبارة “عرين الأسود” لها صدى بالنسبة للجميع اليوم داخل فلسطين وخارجها.
وهي مجموعة فرضت تطورات جديدة ومؤثرة للغاية في الضفة الغربية تشكيلها عقب إجرام إسرائيليّ طويل، وهي مجموعات تضم المقاومين في البلدة القديمة في نابلس ولا تنتمي لأي فصيل محدد، ولها إسناد شعبيّ فلسطينيّ وعربيّ يمجد المقاومة والتضامن مع القضية الفلسطينية وشعبها، في ظل الأوضاع المتوترة للغاية في الضفة، نتيجة مواصلة سياسة الاعتداء الإسرائيليّة التي تنتهجها القوات الإسرائيليّة الباغية.
كابوس “إسرائيل” الجديد
“عرين الأسود باتت كابوس إسرائيل الجديد”، هكذا يصف بعض الكتاب اليوم المقاومة الفلسطينية من الجيل الشاب، في الوقت الذي باتت في الضفة الغربية تشكل نقطة أمنية ساخنة جدًا ويتم التعامل معهما بحذر شديد للغاية تماماً كالعاصمة الفلسطينية القدس، بعد أن أقرّت القيادة الصهيونيّة بـ”الخطر المحتمل” في الضفّة الغربيّة المُحتلّة واعترافها أنّه “أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر”، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967،.
وإنّ ما تخشاه القيادة الإسرائيلية هو إيصال شرارة اللهب من قبل مجموعة عرين الأسود إلى المدن والبلدات الواقعة في أراضي 48، وهذا ما بدأ يحصل بالفعل، حيث استطاعت أن تربك حسابات القيادات الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى التي بدأت ترسم حكايات انتصار جديدة للمقاومة الشعبية، كما أنها بعثت الأمل في نفوس الفلسطينيين بسرعة فائقة، لم تكن في حسبان الإسرائيليين.
وبعد أن برهن المقاومون الجدد “عرين الأسود” أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة، باتت تلك المجموعة ظاهرة مقاومة جديدة موحدة شعارها واضح، القدس بوصلتها، شبابها أُسود كما كل أبناء هذا الشعب الذي يتعرض لإبادة جماعية في الداخل والخارج، يرتدون زياً موحّداً، وتغطي مخازن بنادقهم قطع قماش حمراء تدل على أن الرصاص الذي بحوزتهم لا يطلق إلا لهدف دقيق للغاية، هو الاحتلال الغاصب لأرضهم، بآلته العسكرية وقواته ومستوطنيه.
وبالاستناد إلى أنّ الشعب الفلسطينيّ مجمع على أن المسؤولية الوطنية تستوجب حماية بلدهم ومقاوميه في الضفة الغربية، والحفاظ على مسار المواجهة ضد الاحتلال، سطع نجم مجموعة “عرين الأسود” انطلاقاً من البلدة القديمة في نابلس بالضفة، بعد تنفيذها سلسلة عمليات فدائية استهدفت قوات الاحتلال المعدية، وإعلانها الرسمي الواضح أن غطرسة العدو بقتل وسفك دماء الفلسطينيين تفرض عليهم كمقاومين خوض معارك متجددة لا يتوقع العدو الإسرائيلي شكلها ولا يقرأ طبيعتها مسبقاً.
حيث تشهد الضفة الغربية التي احتلتها العصابات الصهيونية عام 1967، مواجهات بين الفلسطينيين والمحتلين بشكل منتظم، وتنفذ قوات العدو بين الحين والآخر اقتحامات تحت مبرر “اعتقال مطلوبين” وتنفذ إعدامات ميدانية، ويعيش في الضفة المحتلة حوالى 3 ملايين فلسطينيّ، إضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يُقر المجتمع الدوليّ بأنّها خارج الشرعية الدولية.
ومع تقدم مجموعة العرين في وجدان الفلسطينيين بقوّة، تزداد الحسابات الإسرائيلية ارتباكاً في هذه المرحلة، في ظل تصاعد مؤشر عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل يصفه البعض بأنه “دراماتيكي”، ففي إحصائية دقيقة نشرها مركز المعلومات الفلسطيني، كشف أن محافظات الضفة الغربية المحتلة شهدت في شهر أيلول/سبتمبر الماضي 833 فعلاً مقاوماً، تنوعت بين إلقاء حجارة ومحاولات وعمليات طعن بالسلاح الأبيض (السكين) أو بالدعس باستخدام السيارات، وإطلاق النار وزرع أو إلقاء عبوات ناسفة، أدت إلى مقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 آخرين، بعضهم بجراح خطرة.
فيما شهد النصف الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، عمليات مقاومة أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي ومجندة إسرائيلية أخرى وإصابة 42 آخرين بعضهم جراحهم خطرة، ناهيك عن فشل العدو في احتواء الوضع في شمال الضفة (جنين، ونابلس، وطولكرم)، وازدياد الأمر صعوبةً عليه بعد تصاعدها في أكثر من مدينة وتكرار عمليات إطلاق النار ضد جنوده ومستوطنيه خلال الفترة الماضية.
وفي الوقت الذي يدعو فيه المقاومون بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة، تزداد حالتا القلق والإرباك من جراء الفعل المقاوم لمجموعة عرين الأسود، تحدثت عنهما صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية التي وصفت عناصرها بالمقاومين الجدد، أو بـ “مقاومي الجيل الثالث” في الضفة الغربية الذين يعدون الأشد خطراً على أمن كيان الاحتلال.
وقالت إن جيش العدو بدأ يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم الأكثر جرأة وشجاعة، ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام، ولا يهمهم انكشاف شخصياتهم على صفحات التواصل الاجتماعيّ، لتبقى الضفة الغربية ورجالها عنوان المرحلة القادمة التي ستغير كل المعادلات على الساحة الفلسطينيّة المستعمرة من العصابات الصهيونيّة، كما يقول كثيرون.
انتفاضة فلسطينية متصاعدة
مع اعتراف الكيان بأن “إسرائيل تواجه انتفاضة بين انتفاضتين”، وأنّ ذلك يتسبب في عدم تمتع الإسرائيليين حتى “بنصف السلام والراحة”، وإقرار مصادر أمنيّة صهيونيّة واسعة الاطلاع بأنّه في الواقع الحاليّ، لا يوجد حلّ عسكريّ عندما يُقرِّر كلّ شابٍ فلسطينيٍّ أنْ يأخذ سلاحًا، وفق ما نقلته عنها صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، يحل سيناريو تفجر انتفاضة جديدة مسلحة في وجه الكيان الذي أمعن في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، بالأخص في الضفة الغربيّة المحتلة التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة.
وبما أن أجهزة الأمن الإسرائيليّة تعيش ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، لم تعد الضفة الغربية الخاصرة الأضعف لـ”إسرائيل” أمنياً، بحكم أنه ليس من السهل السيطرة عليها في حال اندلاع انتفاضة في وقت تشهد فيه هي حالاً من الهشاشة الأمنية.
إذ لم يعد الاحتلال بأجهزته الأمنية قادراً على فرض سيطرته في ظل اتساع عمليات المجموعات الفلسطينية المقاومة التي خلقت بيئة حاضنة للمقاومة الفلسطينية، فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كماً ونوعاً، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر هناك بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم، حيث أكّدت صحيفة “هآرتس” العبرية، في وقت سابق، أن “حكومة التغيير الإسرائيلية” حققّت رقما قياسيا من ناحية قتل الفلسطينيين في هذا العام.
واليوم نجد أن الإسرائيليين يعترفون بشكل كامل بمواجهة انتفاضة ذات صفات مختلفة ونتائج مذهلة، حيث إنّ الدوائر الأمنية الإسرائيلية لم تكن مستعدة لقبول تشكيل الانتفاضة إلا بعد فترة طويلة من اندلاعها، وبعد العمليات الاستشهادية للفلسطينيين، والتي وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة وبعد أن انتشرت الانفجارات في مناطق وأماكن مختلفة، فقد ساهم توسع الاستيطان على نحو غير مسبوق، وانتهاكات الاحتلال في القدس في زيادة التفاف الشباب الفلسطيني والالتحاق بالكتائب المقاومة، وأبرزها كتيبة “عرين الأسود”.
كما عزّز هذا المسار إحصائيات سابقة تعكس أرقاماً حقيقية لتنامي الفعل المقاوم، إذ سجلت إحصائية رصدت فيها عمليات المقاومة خلال العامين المنصرمين، ففي عام 2020 نفذت 29 عملية إطلاق نار، وفي عام 2021 نفذت 191 عملية، وهذه الأرقام تشكل هاجساً أمنياً للعدو المجرم.
كذلك، يعيش في الكيان الإسرائيليّ قلقاً عارماً من استخدام الشبكات الاجتماعية، التي تحل محل الروابط التي كانت تميز العمليات المنظمة سابقًا، تحدث اللواء الإسرائيليّ يتسحاق بريكـ مؤخراً أنّ “إسرائيل” فقدت السيطرة في الضفة الغربية، ويستند على معلومات إسرائيليّة تفيد بأنّ القوات الإسرائيليّة بوضعها اللوجستي الحاليّ، غير مستعدة للقتال في الضفة الغربية، فعقب سنوات من التحذيرات التي لم تصغ لها حكومة العدو على المستويين الداخليّ والخارجيّ.
ويتحدث الإسرائيليون أنّهم باتوا جميعًا “تحت الحصار”، أي انتقال عمليات إطلاق النار من شمال الضفة إلى داخل “الخط الأخضر”، وإقدام خلايا المقاومة التي تنشط في جنين ونابلس، بتنفيذ عمليات داخل المدن التي تعج بالمستوطنين، والدليل أن جيش العدو في الأسابيع الأخيرة بدا بالفعل غير قادر على السيطرة على الوضع مع انتشار موجة المقاومة في جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
في الختام، ستفشل حكومة نتنياهو في القضاء على حالة المقاومة المتصاعدة في فلسطين بل ستزداد الأمور سوءاً عن أيام حكومة لابيد، بعد أن باتت مجموعة “عرين الأسود”، تشكل معادلة قوية في الصراع مع المستعمرين، وأصبحت قادرة على قلب الموازين في الضفة المحتلة والقدس بعد أن نجحت في تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال ومستوطنيه إلى حالة من الرعب المتواصل، وكل هذا بهدف تعميم حالة المقاومة وإشعال الضفة بركاناً في وجه المعتدين، للانعتاق من الاحتلال وإجرامه غير المسبوق.