بينما تحاول أمريكا إظهار رغبتها في إنهاء الحرب في اليمن، لكنها في الوقت نفسه عززت دورها العسكري في البلاد، قضية تظهر أن مسؤولي البيت الأبيض لديهم خطط لمستقبل اليمن. وحول هذا السياق، حذرت حركة أنصار الله مؤخرا من مؤامرة أمريكية وبريطانية لإحداث جولة جديدة من التوترات في البلاد، في إشارة إلى وصول عدد من القوات الأمريكية إلى محافظة “حضرموت” اليمنية.
وقال علي القحوم، أحد قادة أنصار الله: “الأمريكيون لهم وجود كبير في حضرموت ويحاولون إقامة قاعدة عسكرية في هذه المحافظة، وهناك أيضا قاعدة عسكرية في محافظة المهرة، ونحن نعلم عن وجود كبير للقوات البريطانية هناك، وهم يتخذون إجراءات للسيطرة على موارد تلك المحافظة النفطية المهمة، وهدف وخطة الأمريكيين في هذه المرحلة هو إبقاء اليمن في دولة محايدة لا سلام ولا حرب. يمكن رؤية التحركات الأخيرة للولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا في الجزر اليمنية، والغرض منها تعزيز السيطرة على مضيق “باب المندب”. ويتطلع الأمريكيون إلى إقامة قاعدة عسكرية في محافظة حضرموت”.
وأشار إلى أن وصف استحقاقات المرتبات ورفع الحصار بأنها مطالب “مستحيلة” و”متطرفة” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الأمن الدولي، يشير بوضوح إلى أن تحالف العدوان ليس في وارد التوجّـه نحو أي حَـلّ حقيقي. وأوضح القحوم أن مساعي العدو لإبقاء البلد تحت الوصاية تتوازى مع مساعيه المتسارعة للسيطرة على الممرات المائية التي يطل عليها اليمن، وعلى رأسها مضيق باب المندب الذي يحاول تحالف العدوان تثبيت وتوسيع نفوذه فيه من خلال احتلال جزيرة ميون. وحول الوضع في الجزيرة، أشار القحوم إلى أن الإمارات تحاول فرض تغيير ديموغرافي خطير هناك، من خلال تهجير المواطنين اليمنيين وتغيير الهُــوِيَّة الأصلية للسكان، كما سبق وفعلت في جزيرة سقطرى.
وأكد أن تحَركات الأعداء في جزيرة ميون تأتي في سياق محاولة المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة لاستباق المتغيرات العالمية، حَيثُ تسعى دول الغرب للاستحواذ على مضيق باب المندب لاستخدامه كمنطقة نفوذ في الصراع الدولي، وَأَيْـضاً لتأمين مصالح الكيان الصهيوني. وأوضح أن الهدف الرئيسي لتواجد القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية في البحر هو تأمين السيطرة على باب المندب، وأن “حماية الملاحة الدولية” مجـرد دعاية لتبرير هذا التواجد الذي يشكل خطراً على اليمن والمنطقة.
وأكد القحوم أن صنعاء تراقب كُـلّ تحَرّكات الأعداء ومشاريعهم في جزيرة ميون، وأنها لن تقبل باحتلال الجزيرة وتغيير هُــوِيَّتها تحت أي عنوان. وأوضح أن مؤتمر الأمن البحري الذي تم الإعلان عن الإعداد له، سيقدِّمُ صورةً واضحةً عن عناصر القوة التي تمتلكها صنعاء لحماية الجزر والمياه الإقليمية وخطوط الملاحة، مذكِّراً بأن هناك تعاظماً كبيراً في القدرات العسكرية الوطنية. وأضاف إن على الاحتلالَ الإماراتي أن يفهمَ بأن مشاريعَه في جزيرة ميون لن تطول؛ لأَن صنعاءَ معنية باتخاذ الخطوات اللازمة لطرد الاحتلال.
نهب موارد اليمن النفطية
حضرموت هي أكبر محافظة في اليمن وغنية بموارد النفط والغاز، ولهذا الغرض طورت الولايات المتحدة خطة جديدة لهذا البلد. ورأت واشنطن أن السعودية والإمارات يمكنهما احتلال اليمن وتنصيب حكومة تعتمد عليهما وتنفيذ خططهما بسهولة، لكن مثل هذا الهدف لم يتحقق والآن أنصار الله في موقع عسكري متفوق وأصبح الأمر أكثر صعوبة على المعتدين.
إن أمريكا قلقة من حقيقة أن أنصار الله، بسبب قوتها العسكرية، يمكن أن تسيطر على المناطق الجنوبية من اليمن وتعلن نفسها المنتصر في الحرب. لأن هذا العمل، إضافة إلى تشويه صورة المملكة العربية السعودية وداعمها الرئيسي أمريكا في العالم، من ناحية أخرى، فإن موارد اليمن من النفط والغاز ستقع أيضًا في أيدي أنصار الله، وبالتالي فهم يحاولون منع تحرير اليمن بنشر قواتهم العسكرية في حضرموت الغنية بموارد النفط والغاز.
محافظتا حضرموت وشبوة غنيتان بالنفط والغاز، وباستخراج هذه الموارد سيتم حل جزء كبير من مشاكل اليمنيين، وفي اتفاقيات وقف إطلاق النار، كان من شروط أنصار الله أن يتم دفع رواتب موظفي الحكومة من عائدات النفط والغاز من المحافظات الخاضعة للسيطرة، لكن مجلس الرئاسة اليمني أصر على توفير ميزانيته من رسوم دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة غربي هذا البلد. لذلك، فإن الولايات المتحدة، التي فشلت في تحقيق خططها في اليمن من خلال جيش التحالف السعودي، تريد تنفيذ نفس الخطة التي نفذتها في شمال سوريا في اليمن والسيطرة على موارد الطاقة في البلاد.
ويأتي وصول القوات الأمريكية إلى حضرموت بعد أن استهدفت جماعة أنصار الله ناقلة نفط سعودية كانت تخطط لنهب الثروات النفطية في ميناء الضبه بعملية بطائرة مسيرة قبل أسابيع. وهذه العملية التي وصفها أنصار الله بأنها إنذار صغير للمعتدين، ستتواصل على نطاق واسع إذا استمر الاحتلال بنهب ثروات اليمن النفطية.
ومن القضايا الأخرى التي أثرت في قرار أمريكا حول الوجود في اليمن احتمال تعاون قبائل جنوبية مع أنصار الله، وهي القبائل التي تعاونت مع التحالف السعودي منذ بداية الحرب وكانت تقاتل قوات أنصار الله خلال ذلك الوقت، ويقال إنهم في الآونة الأخيرة، أعطوا إشارات لأنصار الله تظهر أنهم يريدون وقف الصراع وتشكيل حكومة مستقلة للجنوب.
وعلى الرغم من أن أنصار الله والجيش اليمني يعارضان بشدة انفصال واستقلال الجنوب، إلا أن وقف الأعمال العدائية في هذا الوقت سوف يرفع العبء عن أكتاف أنصار الله للتركيز بقوة أكبر على المناطق التي يحتلها المرتزقة السعوديون والإماراتيون، وهذه القضية هي مكلفة لواشنطن وحلفائها، ولهذا السبب ينوون الاستيلاء على المناطق الغنية بالنفط جنوب اليمن.
التعامل مع العملية المحتملة لأنصار الله ضد المعتدين
من ناحية أخرى، تنوي أمريكا زيادة دعمها العسكري لحلفائها من خلال الوجود في اليمن، في الوقت نفسه الذي تحاول فيه عقد هدنة مع أنصار الله، لمساعدة التحالف السعودي في حالة فشل المفاوضات. وأثارت قضية (عدم تجديد وقف إطلاق النار) قلق مسؤولي البيت الأبيض بسبب تصاعد التوترات بين إيران والسعودية في الأسابيع الأخيرة ومزاعم حول وقوع هجمات عسكرية من قبل وسائل الإعلام الغربية.
ولقد حذر أنصار الله من أنه في حالة استمرار الاحتلال، فإنه سيستأنف عملياته الصاروخية والطائرات المسيرة ضد المنشآت النفطية في السعودية والإمارات، بل حذروا الشركات الأجنبية من مغادرة السعودية والإمارات في أسرع وقت ممكن. ومع ذلك، فإن حركة أنصار الله عازمة على معاقبة المعتدين وهذا تهديد لواشنطن. لأن الغربيين يواجهون أزمة طاقة بعد بدء الحرب في أوكرانيا، وأي هجوم على المنشآت النفطية في هذه الدول يمكن أن يفاقم الأزمة.
رغم أن مسؤولي البيت الأبيض غاضبون من القرار الجديد للسعوديين بخفض إنتاجهم النفطي في إطار “أوبك بلس”، إلا أنهم لا يريدون خلق فجوة في صادرات النفط السعودية إلى الأسواق العالمية في الوقت الراهن. ومن ناحية أخرى، فإن معارضة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لطلب الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط بعد الأزمة الأوكرانية جعلت واشنطن تعتقد أنه بدلاً من الاعتماد على مشيخات الخليج الفارسي، فإنها ستنهب رسميًا موارد اليمن من النفط والغاز من أجل جعل تقليل اعتمادها في تأمين الطاقة على هذه المشيخات، وتكون قادرة على بيع هذه الموارد للأوروبيين المحتاجين بسعر باهظ.
ومن أجل منع تقدم أنصار الله، تحاول أمريكا والسعودية تحريض بعض القبائل ضد هذه الحركة، حتى يتم تحويل انتباه الجيش واللجان الشعبية عن التركيز على المناطق الغنية بالنفط. ولهذا الغرض، اندلعت اشتباكات في الأسابيع الأخيرة في محافظة الجوف وقرب محافظة صعدة، مسقط رأس قوات أنصار الله. ومن خلال فتح جبهة جديدة للصراع في الجوف، تحاول أمريكا جر الصراعات من المناطق الجنوبية إلى شمال اليمن، لكي تتمكن من أخذ نفط وغاز هذا البلد بأمان.
إن أمريكا التي بدأت الحرب في اليمن قبل ثماني سنوات وأعطت الضوء الأخضر للسعودية، كان لديها خطة لمثل هذه الأيام، ومع مرور الوقت، تصبح الأبعاد الخفية للأهداف الأمريكية أكثر وضوحا. وإضافة إلى حقيقة أن الحرب في اليمن جعلت شركات الأسلحة الأمريكية أكثر ثراءً، فإن نهب مواردها النفطية والغازية سوف يملأ خزائن واشنطن، وهي موارد تمثل حصة ملايين اليمنيين ويمكن أن تحل المشاكل الاقتصادية لليمنيين الفقراء ولكن جشع المحتلين لا يسمح بمثل هذا الشيء.