من غير المرجح أن تصبح الانتخابات التي جرت لتوها في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر فضائحية من سابقتها، مع وجود القوات في الشوارع. ومع ذلك، فهي أكثر أهمية من انتخابات 2020.
تعزز هذه الانتخابات ذلك التوجه الذي ظهر للمرة الأولى آنذاك: عدم الإيمان بأمانتها والطعن الحتمي في نزاهتها أو حتى عدم الاعتراف بالنتائج من قبل الجانب الخاسر. أي أن آلية إضفاء الشرعية على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية قد توقفت عن العمل، وهو ما يفتح الباب للديكتاتوريين.
كثير منا لطالما كره الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الشر الذي تقترفه خارج حدودها، لطالما دائما ما اعتقدنا أنها تتمتع داخلها بنموذج يحتذى به. اليوم أصبح هناك عدد أقل من المؤمنين بنموذج الولايات المتحدة.
فالتعذيب في سجون وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وما كشف عنه إدوارد سنودن من مراقبة الحكومة الأمريكية لمواطنيها، كانت الضربات الأولى لصورة الولايات المتحدة. ثم انهمرت الضربات تباعا كالمطر، والآن أصبح 73% من الأمريكيين أنفسهم غير راضين عن الطريقة التي تسير بها الأمور في البلاد.
تتحول الولايات المتحدة إلى دولة من “دول المؤخرة” Shithole Country، مثلما وصف دونالد ترامب ذات مرة دول أفريقيا. فالأزمة المنهجية الدائمة والمتفاقمة لا تدمر الاستقرار السياسي داخل البلاد فحسب، بل إنها تدمر بشكل تدريجي كامل النظام الأمريكي لإدارة العالم من خلال المعايير والتقييمات وجوائز السلام ووسائل الإعلام وهوليوود.
إضافة إلى ذلك، تدمر الأزمة أساس ثروة الولايات المتحدة الأمريكية: الإيمان بالدولار.
تتمثل الأزمة المنهجية في عدم القدرة على الحفاظ على السلطة بالطرق القديمة، وأهمها التحكم بالعقل وغسيل الأدمغة في ظل شكل ديمقراطي سطحي للحكومة في الولايات المتحدة، وهو ما يعني أنه في مرحلة ما سيتم استبدال هذا النموذج بآخر.
نحن نرى كيف تستخدم “الدولة العميقة” بايدن المخرف كدمية تتحمل مسؤولية انهيار الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يتم اتخاذ القرارات، في هذه الحالة، من قبل من هم وراء الكواليس.
وتلك الفترة الرئاسية الثانية، بما في ذلك ولاية ترامب، التي تقوم فيها “الدولة العميقة” بالحكم، وإن لم تكن تحكم علنا، فعلى الأقل لا تحتاج إلى غلالة ديمقراطية لسلطتها وتعارض علانية إرادة الشعب والمؤسسات الرسمية للسلطة.
لكن هذا التوجه يتطور، وجرعة الأمس غير كافية بالفعل. وإذا كانت الأساليب بريئة بما فيه الكفاية أثناء ولاية ترامب، مثل المضايقات في الصحافة والتخريب في حالة “حياة السود مهمة” BLM ثم تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والدفع بالقوات إلى الشوارع، فقد زادت المخاطر الآن، ويجب أن تصبح الأساليب أكثر صرامة.
والأزمة الاقتصادية المتزايدة ستؤدي حتما إلى تطرف المواجهة وأساليب الصراع داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
يحدث كل ذلك على خلفية تصاعد وتيرة المواجهة العسكرية مع روسيا، وقريبا مع الصين. ويبدو أن الصدام العسكري المباشر بين روسيا و”الناتو” في عام 2023 يصبح حتميا بشكل متزايد.
ومن الواضح أن الانهيار الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية مع الانتقال إلى التضخم المفرط وتبخر المعاشات التقاعدية وغيرها من المدخرات للمواطنين سيحدث أيضا في عام 2023، ومن غير المرجح أن يحدث ذلك دون أعمال شغب، ما سيتطلب من السلطات زيادة العنف من أجل الحفاظ على سيطرتها على الشارع. علاوة على ذلك، فإن أعمال الشغب هذه ستحمل إلى حد كبير طابعا عرقيا.
كل هذا يصير التساؤل بشأن إعلان حالة الطوارئ في الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة معينة، ومن المحتمل جدا أن يتم إلغاء انتخابات 2024 الرئاسية. بل أعتقد أن هذه القضية بالذات ستصبح القضية الرئيسية على جدول الأعمال السياسي المحلي للولايات المتحدة بحلول بداية عام 2024.
وفي ظل حالة الطوارئ، فإن انتخاب رئيس شرعي سيمنح الجمهوريين السلطة لفترة غير محددة، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لـ “الدولة العميقة”.
وفقا لذلك، فمن المرجح أن يبقى من في السلطة نهاية عام 2023 في السلطة إلى أجل غير مسمى، وربما لعقود. لكن بايدن يقع على بعد خطوة واحدة من العالم الآخر، ونائب الرئيس كامالا هاريس ليست كفؤ. فمن سيحكم طوال تلك العقود؟
في الوقت نفسه، ستعتمد السلطات، على أي حال، على العنف والقمع للحفاظ على النظام، بما يتضمنه ذلك مما لا أستبعده من التصفية الجسدية لزعماء المعسكر المناهض لـ “الدولة العميقة”.
باختصار، فقد وصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى طريق مسدود بشأن العديد من المعايير الحاسمة. ولم تعد الأدوات الخفية لإدارة المجتمع تعمل، وأعتقد أن النظام سوف يمر بمرحلة من العنف الشديد وفي النهاية سيبسط حكم مجلس عسكري أو ستغرق البلاد في الفوضى.
المحلل السياسي الروسي / ألكسندر نازاروف.