تتكاثف، يوماً بعد يوم، المؤشّرات إلى احتمال عودة الأوضاع في اليمن إلى ما قبل الهدنة، في ظلّ استمرار التعثّر في مفاوضات تمديدها وتوسيعها، وغياب أيّ علامة على إمكانية تَحلحلها قريباً.
وإذ يُسجَّل استغلال كلّ من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات حالة اللاحرب واللاسلم من أجل تعزيز وجودها في المحافظات الجنوبية والشرقية، تقرأ صنعاء في ذلك، إلى جانب وقائع أخرى من بينها استمرار عمليات التحشيد العسكري ووضْع قيود جديدة على مطار صنعاء وميناء الحديدة، تذخيراً لـ«قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أيّ لحظة»
وبعيداً عن استحقاقات التهدئة، وفي ما يُناقض تماماً المساعي الهادفة إلى منْع انهيار اتّفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في الثاني من نيسان الفائت، دفعت السعودية والولايات المتحدة، خلال الأيام الماضية، بالمزيد من قوّاتهما إلى محافظات اليمن الجنوبية والشرقية الغنية بالنفط والموانئ الاستراتيجية.
وبالمِثل، عمدت الإمارات إلى استغلال حالة اللاحرب واللاسلام السائدة، لتكريس سيطرتها على جزيرتَي سقطرى وعبد الكوري في الخليج الهندي، وتعزيز نفوذها في جزيرة ميون الاستراتيجية المطلّة على مضيق باب المندب وخطوط الملاحة الدولية في الساحل الغربي.
وفي هذا السياق، أكّدت مصادر متابعة، لـ«الأخبار»، وصول دفْعة جديدة من القوات الأميركية على متْن طائرة شحن عسكرية إلى مطار الريان، الذي يحتضن قاعدة عسكرية أميركية – إماراتية في حضرموت شرقي البلاد منذ عام 2016.
وأشارت المصادر إلى أن هذه التعزيزات الجديدة جاءت، في ظاهرها، بناءً على طلب من الحكومة الموالية لـ«التحالف» في مدينة عدن، تحت مبرّر حماية الموانئ النفطية الجنوبية التي تسبّبت قوات صنعاء بوقْف تصدير النفط منها الشهر الفائت، من خلال استهدافها ميناء الضبة.
ويأتي ذلك بالتوازي مع تحرّكات سعودية في وادي حضرموت منذ أسابيع، تستهدف تجنيد نحو 30 ألف عنصر جديد من أبناء المحافظة، في مقابل سعْي الإمارات لتثبيت تواجدها في جزيرة ميون، حيث أفادت السلطات المحلّية في محافظة تعز بعملية تهجير يتعرّض لها سكّان الجزيرة منذ أيام على أيدي قوّات إماراتية.
من جانبها، تُواصِل صنعاء رصْد تلك التحرّكات التي تصفها بـ«المستفزّة للشعب اليمني»، وتدرس الردّ «المناسب» عليها. وفي هذا السياق، اتّهم رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، الولايات المتحدة بإفشال مساعي السلام في اليمن، وإجهاض التقدّم الذي أحرزتْه الوساطات الإقليمية والدولية خلال الفترة الماضية، واصفاً الوضع الحالي بـ«القنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في أيّ لحظة».
وأشار المشاط، خلال تدشين «مدوّنة العمل السلوكي» في صنعاء، إلى أن «هناك أطرافاً مستفيدة من الحرب تدْفع نحو عودة التصعيد العسكري وانهيار المفاوضات»، مضيفاً أن «مفاوضات الهدنة سبق لها أن وصلت إلى مستوى جيّد، إلّا أن المبعوث الأميركي، تيم لينيدركينغ، تعمّد إفشالها خلال جولته السابقة في المنطقة».
وإذ لفت إلى وجود تفاهمات غير معلَنة مع أطراف إقليمية لإدامة اتّفاق وقف إطلاق النار، فقد أضاف أن صنعاء «تمنح بعض دول العدوان فرصة لإعادة النظر بعد أن اقتنعت تلك الدول بأنها خاسرة».
المفاوضات لا تزال متعثّرة فيما تغيب أيّ مؤشّرات إلى انفراجة فيها في المدى المنظور
وجاء كلام المشاط في وقت لا تزال فيه المفاوضات متعثّرة، من دون وجود أيّ مؤشّرات إلى انفراجة فيها في المدى المنظور، وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية مطّلعة «الأخبار»، موضحةً أن الحراك الديبلوماسي الأميركي الذي شهدتْه الرياض أخيراً، تَركّز حول ضمان إمدادات الطاقة، في وقت اختتم فيه المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، زيارة للسعودية، ناقش فيها مع سفراء «الدول الراعية للسلام» سُبل إحياء الهدنة، في محادثات وُصفت بـ«الجيّدة». وللغاية نفسها، يُجري المبعوث الأميركي لقاءات مع السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وعدد من القيادات السعودية واليمنية.
ومع ذلك، لا ترى صنعاء جدّية في هذا الحراك، كونه يتجاهل، من وُجهة نظرها، المطالب الإنسانية الملحّة، وعلى رأسها صرف مرتّبات الموظفين والمتقاعدين، وفتْح طرقات تعز والمحافظات الأخرى، وتسهيل حركة المواطنين والبضائع مِن وإلى ميناء عدن.
ميدانياً، شهد عدد من الجبهات، ومنها مأرب، تصعيداً ملحوظاً، يُضاف إلى استمرار عمليات التحشيد جنوباً خصوصاً في الضالع وأبين ولحج. وينضمّ هذا المؤشّر إلى مؤشّرات أخرى حول احتمال عودة الأوضاع في اليمن إلى مرحلة ما قبل الهدنة، كاستمرار احتجاز سفن المشتقّات النفطية ومنْع دخولها ميناء الحديدة، واستخدام «التحالف» طائرات من دون طيّار لشنّ هجمات جوّية في جنوب الحديدة، ووضع شروط جديدة على الراغبين في السفر جوّاً من صنعاء إلى الأردن، تَمثّلت في الحصول على موافقة الجهات الأمنية في الحكومة الموالية لـ«التحالف» قبل السفر، وموافاة الجانب الأردني بالموافقة اليومية قبيل كلّ رحلة جوّية.
الاخبار اللبنانية