أفاد بنك إنجلترا إن كثيراً من الارتفاع في تكلفة المعيشة ناتج من تأثيرات عالمية، فيما اعترف محافظ “بنك إنجلترا” أندرو بيلي الأسبوع الماضي بأن اقتصاد بلاده كان بالفعل في حالة ركود سيستمر حتى النصف الأول من عام 2024، وسيكون الأطول أمداً منذ 100 عام، رصدت صحيفة “صنداي تايمز” المؤشرات الاقتصادية التي قالت إنه يجب القلق بشأنها.
وكان هدف “بنك إنجلترا” هو إبقاء معدل التضخم عند اثنين في المئة، لكن المعدل الحالي يزيد قليلاً على 10 في المئة أي أعلى بخمس مرات، ويتوقع البنك أن يظل هكذا للأشهر الستة المقبلة، بعد أن وصل إلى ما يقرب من 11 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) ومع ذلك، فإن ذروة التضخم هذه أقل من 13 في المئة التي كان البنك يتوقعها في أغسطس (آب)، قبل أن تعلن الحكومة أنها ستساعد الأسر في ضمان أسعار الطاقة.
وقال وزير الدولة في الحكومة البريطانية أوليفر دودن “إن الحكومة البريطانية مضطرة إلى اتخاذ قرارات مهمة وصعبة في شأن الضرائب والإنفاق في إطار سعيها إلى سد العجز في الموازنة، إلا أنه أحجم عن الكشف عن التدابير المحتملة”.
ويعمل رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزير المالية جيريمي هنت على وضع خطط لسد عجز لا يقل عن 40 مليار جنيه استرليني (45.50 مليار دولار)، ومن المرتقب الكشف عن أولى خططهما للموازنة في الـ17 من نوفمبر (تشرين الثاني).
ويقول المسؤولون “إن المشاورات لا تستثني أي خيار، بما في ذلك تمديد ضريبة استثنائية على شركات الطاقة وخفض الإعفاء الضريبي على الدخل من توزيعات الأرباح”.
وقال دودن لشبكة “سكاي نيوز” إنه “صحيح أننا نتخذ قرارات صعبة، ولكن يتعين أن أوضح لكم ولمشاهديكم أنه ستكون هناك للأسف قرارات أكثر صعوبة بكثير في بيان الخريف”. وأضاف، “أن الحكومة مضطرة إلى اتخاذ قرارات صعبة في شأن الضرائب والإنفاق مع التركيز في الوقت نفسه على حماية الفئات الضعيفة”.
في حين أن كثيراً من الارتفاع في تكلفة المعيشة ناتج من تأثيرات عالمية، بما في ذلك الحرب الروسية في أوكرانيا، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة وبعض المواد الغذائية الأساسية، إلى جانب أن هناك عوامل محلية تلعب دوراً أيضاً من بينها انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات على رغم انخفاض أسعار الشحن.
البطالة
كان لدى بريطانيا سوق عمل ضيقة بشكل غير متوقع قبل عام، حيث بلغ معدل البطالة 3.5 في المئة، وهو أدنى مستوى منذ عام 1974، وهناك عدد من الوظائف الشاغرة، نحو 1.3 مليون، وهو عدد الأشخاص نفسه الذين يبحثون عن عمل.
لكن “بنك إنجلترا” يتوقع أن يرتفع معدل البطالة إلى 6.4 في المئة في غضون ثلاث سنوات، في نهاية فترة توقعه، مع اقتراب الركود، واعترف بأن تنبؤاته كانت متوازنة بدقة، ويمكن أن تظل سوق العمل تميل لصالح العمال لفترة أطول إذا احتفظت الشركات بالموظفين الذين عملت بجد لتوظيفهم منذ تخفيف قيود “كوفيد”، لكن البنك قال إن السوق يمكن أن تسير في الاتجاه الآخر، في حين ورد أن الطلب على الموظفين قد انخفض بشكل حاد للغاية في بعض استطلاعات الأعمال، وانخفضت بعض مؤشرات الوظائف الشاغرة عن ذروتها السابقة.
وتعتمد المؤشرات على ما يحدث لهؤلاء الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و64 سنة، والذين يعدون “غير نشطين”، ولا يبحثون عن عمل وليسوا متقاعدين رسمياً، والسؤال هو، هل يمكن أن يصبحوا نشيطين؟ فقد وجدت دراسة نمط الحياة لمن هم أكبر من 50 سنة من مكتب الإحصاءات الوطنية أن 65 في المئة من العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و59 سنة يفكرون في العودة إلى العمل لدعم مداخيلهم، وسيكون ذلك أحد الآثار الجانبية لأزمة تكلفة المعيشة.
الأجور
أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل “بنك إنجلترا” يراقب سوق العمل هو تأثيرها في الأجور، فعندما يكون هناك طلب على العمال، يكون للناس قدرة أكبر على المساومة ويمكنهم رفع الأجور، وتحدث بيلي في الماضي عن الحاجة إلى تقييد الأجور من ذوي الدخل المرتفع لأنهم إذا تمكنوا من دفع أسعار أعلى، فيمكنهم المساعدة في زيادة التضخم.
وارتفع إجمالي الأجور بنسبة ستة في المئة في الأشهر الثلاثة حتى أغسطس (آب)، ويتوقع البنك أن يستمر في الارتفاع في الأشهر المقبلة، ومع ذلك، فإن الأجور عند هذا المستوى لا تواكب التضخم، ويتوقع وكلاء البنك الذين يأخذون الاستطلاعات من الشركات في جميع أنحاء البلاد، أن الزيادات في الأجور في العام المقبل ستكون بسبب قيام أرباب العمل بمساعدة الموظفين على التعامل مع أزمة تكلفة المعيشة.
الرهون العقارية
نحو 30 في المئة من الأسر البريطانية لديها رهن عقاري، وعديد منها يواجه مدفوعات أعلى بعد التحركات الكبيرة في التوقعات بشأن الارتفاعات المستقبلية في سعر الفائدة الأساسي لـ”بنك إنجلترا”، وقد زادت هذه النسبة ثلاثة أرباع نقطة مئوية إلى ثلاثة في المئة الأسبوع الماضي، وتتصور الأسواق المالية أن المعدل الأساسي سيبلغ ذروته عند 4.5 إلى 4.75 في المئة.
وهناك نحو 20 في المئة من الأشخاص الحاصلين على قروض عقارية على صفقات متغيرة السعر، لذلك بعد ثماني زيادات في المعدل الأساسي منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سيسددون بالفعل أقساطاً أعلى. ومع ذلك، سلط البنك الضوء على أصحاب المنازل الذين لديهم صفقات بأسعار ثابتة، فيما يصل قرابة مليوني قرض عقاري (نحو ربع الإجمالي) إلى نهاية مدة القروض المحددة من الآن وحتى نهاية العام المقبل.
وتوقع “بنك إنجلترا” أن مدفوعات الفائدة السنوية يمكن أن ترتفع بما يقل قليلاً عن ثلاثة آلاف جنيه استرليني (3.4 ألف دولار) للعميل الذي لديه رهن عقاري بقيمة 130 ألف جنيه استرليني (147.9 ألف دولار) لمدة 20 عاماً، على افتراض أن لديه معدلاً ثابتاً قدره اثنين في المئة يرتفع إلى 5.5 في المئة.
وعلى رغم أن المدخرين قد يستفيدون من عوائد أعلى على حساباتهم، إلا أن طلب المستهلكين قد يتضرر بشدة من تأثير ارتفاع تكلفة الاقتراض وارتفاع التضخم، وسيشعر أصحاب الدخل المنخفض على وجه الخصوص بالضيق لأنهم ينفقون أكثر نسبياً على الإسكان والطاقة، من أولئك ذوو الدخل المرتفع، الذين قد يكون لديهم أيضاً احتياطي من المدخرات يمكنهم استخدامه لمواصلة الإنفاق.
عدم يقين الأعمال
لا تستثمر الشركات في الاقتصاد بالقدر الذي كانت عليه قبل “كوفيد”، حيث ظل مسح الاتجاهات الصناعية الذي أجراه الاتحاد البريطاني للصناعة “CBI” حول التفاؤل التجاري سلبياً في الربع الثالث.
وأفاد المسح بأن عدم اليقين في شأن المستقبل وسط مخاوف من ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الطلب يلقي بثقله على نوايا الاستثمار. في حين أنه من دون هذا الإنفاق من قبل الشركات قد يكون من الصعب على الاقتصاد التوسع.