قبل إقدام المحتل البريطاني على الانسحاب من جنوب اليمن حاول الكيانُ الصهيوني تحريضَ بريطانيا على الإبقاء على جزيرة ميون الاستراتيجية والمطلّة على مضيق باب المندب، وذلك من خلال الدفع بلندن من أجل محاولة تدويل قضية باب المندب ومطالَبة الأمم المتحدة بوضع وصايتِها على الجزيرة وتحويلها إلى منطقة دولية.
وكان وزيرُ خارجية الكيان الصهيوني في 29 يونيو 1966م أي قبل اسْتقلَال جنوب اليمن بعام واحد فقط قد قال: إذا سقطت جزيرة بريم (ميون) في أيدي غير صديقة فقد ينجم موقفٌ خطيرٌ كما حدث في خليج العقبة وعلى نطاق أخطر، مطالباً بريطانيا بعدم الانسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى وضعها تحت الإدارة الدولية.
وشهد العام 1969م أولَ محاولة إسرائيلية لاحتلَال الجزيرة عن طريق أثيوبيا وهو ما تكشف عنه الوثائقُ الرسميةُ لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وما قاله رئيس وزراء دولة الجنوب وقتها الذي تحدث للجامعة العربية بالقول إن هناك تحركات ومحاولات إسرائيلية وبمساعدة أثيوبية لاحتلَال جزيرة ميون واستعمالها فيما بعدُ كورقة رابحة في أية تسوية قادمة بالشرق الأوسط.
وكانت إسرائيل وقتها قد تمكّنت بالفعل من إنشاء قاعدة عسكرية في جزر أثيوبية 1967م (قبل اسْتقلَال اريتريا) وأبرزها في حالب وديمرا ودهلك، ورصدت بعضُ الدول العربية النشاطَ الإسرائيلي في تلك الجزر القريبة من اليمن ومن باب المندب، حيث قدرت تقارير سريّة عربية، التواجُــدَ العسكري الأجنبي بـ 900 جندي من جنسيات أميركية وبريطانية و100 خبير إسرائيلي.
كانت اليمنُ (بشطرَيها وقتها) قد عبرت عن مخاوفها من التواجُدِ العسكري المكثف لإسرائيل جنوب البحر الأحمر، مطالبةَ الجامعة العربية لحث الدول الأعضاء فيها على التحرُّك لمجابهة هذا التحرك الخطير الذي يستهدفُ الأمنَ القوميَّ العربي، إلا أن الدول العربيةَ كانت لا تزالُ تعيشُ آثارَ نكسة حزيران 1967م التي كان مِن أحد أهم أسبابها إغلاق مصر مضيق تيران في وجه السفن التجارية الإسرائيلية.
وتتحدَّثُ بعضُ المصادر التاريخية أن تحذيراتِ اليمن من النشاط العسكري الصهيوني في منطقة جنوب البحر الأحمر قد لاقت استجابةً من الدول العربية مطلعَ العام 1971م، حيث كلّفت الجامعة العربية لجنةً برئاسة سوريه للوقوف على طبيعة النشاط الإسرائيلي، غير أن اللجنةَ لم تقُم بأي شيء يُذكَرُ، وما هي إلا أشهر حتى تقدمت دولة السودان بتقاريرَ بناءً على معلوماتٍ اسْتخبَاريةٍ تؤكد ما ورد في التقارير اليمنية.
تواجد صهيوني وبعثات عسكرية
وأمامَ حالة العجز والوهن العربي قرّر الكيان الصهيوني توسيعَ نشاطه العسكري في منطقة جنوب البحر الأحمر، وذلك من خلال مضاعَفة التواجد العسكري وإرسال المزيد من القِطَع الحربية إلى القواعد العسكرية الجديدة في دهلك وحالب، إضافة إلى إرسال أول بعثة عسكرية وذلك في شهر إبريل 1970م، حيث قامت البعثة بزيارة أثيوبيا ومن ثم القيام بجولة اسْتطلَاعية في المنشآتِ العسكرية الإسرائيلية في الجزر الأثيوبية (الإريترية) والقيام بجولات بحرية في الممرات الدولية بباب المندب وجنوب البحر الأحمر.
ولأَهميّة مواقع الجزر اليمنية في البحر الأحمر قرّرت البعثة القيام بزيارة لبعض الجزر اليمنية ومنها (زقر، جبل الطير) حيث خرجت البعثة بتوصيات أبرزها ضرورة توسيع التواجُد العسكري الإسرائيلي ليشملَ الجزرَ اليمنية التالية (الطير، كمران – حنيش الصغرى – ميون).
وتؤكد مصادرُ تاريخية أن مجموعة اسْتطلَاعية إسرائيلية مسنودة بوحدة صغيرة من الكوماندوز الإسرائيلي قد تمكنت من الوصول إلى جزيرة زُقَــر اليمنية (تبعُدُ عن الساحل 32 كيلو متراً) وتركيب أجهزة رَصْد وتنصُّت حديثة وَاستمر تواجدها في الجزيرة لأشهر بعد ذلك التأريخ، حيث لم تعلم السلطات اليمنية بذلك الاحتلَال نتيجةَ ضعف الدولة اليمنية وعدم وجود قوات بحرية يمنية ولم يتم كشف الاحتلَال الإسرائيلي لزقر إلا بعد سنوات حين تحدثت بذلك وسائل إعلام أميركية وغربية.
وأمامَ التقارير العربية والمخاوف التي أبدتها الدولُ العربيةُ من التواجد العسكري الصهيوني جنوب البحر الأحمر قام رئيسُ أركان الجيش الإسرائيلي حاييم بارليف في 6 سبتمبر أيلول من العام 1971م بزيارةٍ إلى المنشآت العسكرية الإسرائيلية في الجزر جنوب غرب البحر الأحمر.