تحدثت صحيفة “إنترسبت” الأمريكية في تقرير عن احتمال تدخل السعودية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريکي، من خلال قرار أوبك بلس خفض إنتاج النفط.
يذکر هذا التقرير نقلاً عن سارة لي ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة “من أجل الديمقراطية في العالم العربي”: “ولي العهد السعودي يستخدم النفط كوسيلة للتأثير في الانتخابات النصفية، لكسب المزيد من الجمهوريين المنحازين له، ويحاول ولي العهد السعودي أن يظهر لنا أنه يسيطر على كل شيء، حتى ديمقراطيتنا”.
وأضافت إنترسبت: “لقد زادت أمريكا من قوة هذا البلد في سوق النفط، من خلال مساعدة السعودية وفرض عقوبات على منتجي النفط الرئيسيين، إيران وفنزويلا. وعلى بايدن الآن الاستفادة من الأزمة الحالية وتقليل اعتماد أمريكا على الرياض، ومراجعة العقوبات على إيران وفنزويلا”.
التدخل الواضح
كشفت وزارة الخارجية السعودية، في بيان نشر منتصف الشهر الجاري، أنه قبل قرار أوبك بلس بخفض إنتاج النفط، طلبت الولايات المتحدة من الرياض تأجيل هذا القرار لمدة شهر.
وهذا يدل على أن بايدن حاول منع تأثير خفض إنتاج النفط على انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، وأن يتخذ أعضاء أوبك بلس قراراتهم بعد الانتخابات، حتى لا يتأثر مرشحو الحزب الديمقراطي بارتفاع الأسعار.
وفي هذا الصدد، قال “خالد الترعاني”، الباحث في العلاقات الدولية والقضايا الأمريكية، لموقع “عربي 21” حول هذا الموضوع: “كان خفض إنتاج النفط من قبل أوبك بلس، في الواقع تدخلاً واضحًا في الانتخابات بمساعدة الفصيل المتحالف مع ترامب في الحزب الجمهوري.”
وأضاف الترعاني: “ليس من الواضح ما هي أوراق الضغط التي يمتلكها ترامب على ابن سلمان، حيث دخلت السعودية علی الخط بهذه الطريقة الفجّة والجريئة إلى حد ما، وحاولت مناصرة الجمهوريين دون خوف من هذا العمل وعواقب هذا التدخل الواضح”.
وأكد: “في الوقت الذي کان الوضع يسير لمصلحة الحزب الديمقراطي، أدى ارتفاع أسعار النفط نتيجة انخفاض الإنتاج إلى إرباك الديمقراطيين. لذلك، إذا فاز الديمقراطيون في مجلسي الشيوخ والنواب، يجب أن نتوقع موقفاً قاسياً في الحكومة الأمريكية والكونغرس ضد السعودية ومعاقبة محمد بن سلمان”.
ويرى الترعاني: “قضية العلاقات السعودية الأمريكية لا تديرها الرياض، لأن السعوديين لا يملكون القدرة على إدارة هذه القضية بهذا النوع من الغطرسة. بمعنى أنه، على سبيل المثال، يدخل جو بايدن السعودية ويتم الترحيب به كموظف عادي؛ وهذا يدل على أن من يتولى القضية لديه معلومات أمنية واستخباراتية حول أسرار كيفية إدارة الأمور في واشنطن، ولا أعتقد أن الرياض لديها المعلومات والقدرة على إدارة مثل هذا الملف المعقد”.
وأوضح: الرياض لا تستطيع إدارة هذه القضية، ليس لأنها غير قادرة، نعم قد يكون لديها تكنوقراط وخبراء، لكن مواجهة إدارة بايدن بهذه الطريقة في رأيي تتطلب شيئين. أولاً، فهم التكوين الداخلي للحكومة الأمريكية الحالية، وثانيًا، الوصول إلى المعلومات التي تحمي السعودية من المواجهة مع البيت الأبيض.
وقال هذا الباحث في العلاقات الدولية والقضايا الأمريكية، إنه يعتقد أن تدخل السعودية في انتخابات الكونغرس النصفية يتم من خلال جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب. لقد منحت حكومة الرياض كوشنر ملياري دولار وسط احتجاج الخبراء السعوديين، ومن الواضح أن علاقات الرياض معه غامضة وتتجاوز القضايا الاقتصادية والاستثمارية.
وأكد الترعاني: “بعد عام من مغادرة ترامب البيت الأبيض، كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن كوشنر تلقى ملياري دولار من الرياض، وهذا يدل على أن علاقة السعودية بترامب وجزء من فريقه مستمرة، وأن السعوديين يريدون منه ومؤيديه العودة إلى السلطة.”
الأسباب الاقتصادية
لكن على عكس كل التصريحات المذكورة أعلاه، قال المحلل السياسي “عماد الجبوري” لموقع عربي 21، إنه من غير المرجح أن تسعى الرياض للتأثير على عملية انتخابات الكونغرس النصفية من خلال خفض إنتاج النفط.
وأضاف إن هذا القرار ليس خاصاً بالرياض فقط، بل الحكومات الأعضاء الأخرى التي صوتت جميعها لخفض إنتاج النفط، كانت تسعى إلى خلق التوازن في الاقتصاد العالمي.
وتابع الجبوري: “إذا قبلنا أن خفض إنتاج النفط كان خدمةً لترامب ضد بايدن، فهذا لا يعني أن السعودية تدخلت في قضايا الانتخابات الأمريكية، لكن ينبغي اعتباره مجرد مصادفة”.
وعن اتهام واشنطن للرياض بدعم روسيا، قال: “الجميع يعلم أن رغبة السعودية في روسيا تستند إلى أحدث التقييمات للبيئة الدولية. ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن جو بايدن كان قد وعد من قبل بأنه سيحول السعودية إلى دولة معزولة.”
بدوره قال “توماس ليبمان”، وهو کاتب وخبير في العلاقات السعودية الأمريكية، لموقع عربي 21، إنه لا يستطيع التصديق بأن السعودية سعت للتدخل في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، عبر خفض إنتاج النفط من خلال أوبك بلس.
وأضاف: “لا شك في أن محمد بن سلمان يفضل وجود ترامب في البيت الأبيض على بايدن، لكن فكرة أن ابن سلمان سيعرض للخطر علاقته بالكامل مع الولايات المتحدة من أجل تعزيز موقعه في الكونغرس، ليست منطقيةً ودقيقةً.”
يذكر أن سفيرة الرياض لدى الولايات المتحدة “ريما بنت بندر” قالت في مقابلة مع شبكة سي إن إن منذ فترة: “سمعت أن كثيرين يتحدثون عن إصلاح أو مراجعة العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة؛ أعتقد في الواقع أن هذا شيء إيجابي، لأن المملكة العربية السعودية اليوم ليست المملكة العربية السعودية نفسها التي كانت عليها قبل خمس أو عشر سنوات.”
وذکرت بنت بندر عن توتر بلادها مع واشنطن: “من الواضح أننا وصلنا إلى نقطة الخلاف، وحاول الكثيرون جعلها تبدو سياسيةً، لكن هذه ليست قضيةً سياسيةً، بل هي مجرد قرار اقتصادي يعتمد على 40 أو 50 عامًا من الخبرة في تبني الاتجاهات.”
يشار إلی أنه في بداية شهر أكتوبر، أعلن أوبك بلس أنه سيخفض إنتاجه من النفط. وبعد الإعلان عن هذا القرار، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلة مع شبكة سي إن إن، إن هذا الإجراء ستكون له عواقب على العلاقات بين واشنطن والرياض.