لطالما كانت قضية الطاقة أحد المكونات الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، ومنذ اكتشاف النفط في الشرق الأوسط، وخاصة في المملكة العربية السعودية، وضعت هذه الدولة أعينها الجشعة على موارد الطاقة المدفونة في هذه المنطقة، وخلال العقود الماضية قامت شركات النفط الأمريكية، بسرقة نفط الشرق الأوسط، بما في ذلك موارده النفطية، واعتبروا السعوديين مصدر ثروتهم.
وبعد الحرب العالمية الثانية، دأبت الولايات المتحدة، بحجة دعم أمن دول الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول العربية، على نهب ثرواتها النفطية باستمرار.
أصبحت مصادر الطاقة نفسها أساس تدخلات أمريكا في الدول المذكورة وأثرت على سياساتها الخارجية، وسهلت هذه الظروف على واشنطن السيطرة على موارد النفط والغاز وثروات الدول العربية، حتى أن الولايات المتحدة من خلال سيطرتها على موارد الطاقة في هذه الدول، كثفت تدخلاتها العسكرية فيها، وأقامت قواعد عسكرية عديدة.
لكن في الوضع الحالي، بعد أزمة الطاقة الكبيرة في أمريكا وأوروبا نتيجة حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، والتي زودت الاتحاد الأوروبي بنسبة عالية من الغاز خلال السنوات الماضية، أصبحت موارد الطاقة المدفونة في الشرق الأوسط، خاصة في غرب آسيا، وكذلك منطقة البحر الأبيض المتوسط، مهمة بالنسبة للولايات المتحدة. لكن التطورات الأخيرة في المنطقة تظهر أن الدول العربية تراجعت إلى حد كبير عن سياساتها السابقة بالسماح للأمريكيين بالسيطرة الكاملة على موارد الطاقة في هذه الدول ورسمت استراتيجية جديدة في هذا الصدد.
وفي هذا السياق، يمكن أن نذكر اصطفاف السعودية لقرار روسيا خفض إنتاج النفط، الأمر الذي أغضب الأمريكيين وأثار جدلاً كبيراً في العلاقات بين واشنطن والرياض في الأسابيع القليلة الماضية. ويعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن المملكة العربية السعودية، مثل حلفاء واشنطن الآخرين بعد حرب أوكرانيا، قررت عدم التضحية بمصالحها والامتثال للسياسات الأمريكية.
وفي هذا السياق، يقول هو كيمو، نائب الأمين العام للمنتدى الخمسين لتكامل الاقتصاديات الرقمية الحقيقية: إن “الولايات المتحدة تغير تركيزها الاستراتيجي من الشرق الأوسط إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفي مثل هذه الخلفية، فإن بلدان الشرق الأوسط لم يعد بإمكانها الاعتماد على الحماية الجيوسياسية للولايات المتحدة مثل ما كان في السابق، لذلك ليس لديهم حافز لاتباع الولايات المتحدة”.
لكن بصرف النظر عن دوافع السعودية كحليف للولايات المتحدة لمواجهة هذا البلد في مجال النفط، فإن التطور الكبير الذي حدث في مجال الطاقة بالمنطقة مرتبط بقوة جبهة المقاومة في استعادة لبنان لحقوله البحرية. ومن خلال استعادة ثروته النفطية والغازية من النظام الصهيوني المحتل في البحر الأبيض المتوسط ، بسبب المواقف الحاسمة لحزب الله والسيد حسن نصر الله، جعل لبنان المحور الأمريكي الصهيوني غير قادر على الاستمرار في نهب موارد الطاقة اللبنانية من أجل التصدير إلى أمريكا وأوروبا.
لذلك، فشل رهان أوروبا والولايات المتحدة على الاستخدام الكامل للغاز في المنطقة المتنازع عليها في لبنان وفلسطين المحتلة، وبعد اتفاق الترسيم البحري، المتوقع الانتهاء منه خلال الأسبوع المقبل، بعيدًا عن التدخلات الأمريكية، يمكن للبنان استخدام مواردها البحرية بشكل مستقل لحل الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بها.
من جهة أخرى، رسم اليمنيون استراتيجية جادة لحماية نفطهم وغازهم من نهب التحالف السعودي والأمريكيين والأوروبيين، وقامت حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية باستهداف ميناء “الضبة” بمحافظة حضرموت في جنوب هذا البلد، لأن تحالف العدوان كان يخطط لنقل مليوني برميل من النفط الخام اليمني من هذا الميناء، لكن قوات انصار الله استهدفوا هذا الميناء بهجوم بطائرة دون طيار.
وبهذه الطريقة رسم اليمنيون خطهم الأحمر للتحالف السعودي والأمريكي والأوروبي وجميع المعتدين وحذرهم من قطع أي يد تمدها لنهب ثروة اليمن. وأكدت مصادر اقتصادية في صنعاء أن هذه العملية التحذيرية حملت رسالة لجميع السفن العاملة في قطاع النفط الخام اليمني.
وهذا العمل من قبل الجيش اليمني هو أيضا تغيير كبير في مستوى الاستراتيجية العسكرية اليمنية، والتي أثبتت أنه بالإضافة إلى الدفاع عن وطن هذا البلد ضد عدوان التحالف السعودي الأمريكي، لديه أيضا القدرة على حماية الثروة والموارد الطبيعية لليمنيين.
لذلك يمكن القول إن تغييراً جوهرياً حدث ضد الاستراتيجية الأمريكية في نهب ثروات المنطقة، ما يشير إلى بداية فترة المواجهة مع سرقات الولايات المتحدة، وخاصة في مجال النفط والغاز في المنطقة. حتى أن بعض المراقبين يعتقدون أن قصر اليد الأمريكية من الموارد الطبيعية لدول المنطقة يمكن أن يكون مقدمة لانهيار هيمنة واشنطن في غرب آسيا وربما في الشرق الأوسط بأكمله.
وفي هذا الصدد نفذ أنصار الله، الجمعة الماضية، عملية إنذار في ميناء الضبة النفطي بمحافظة حضرموت الخاضعة لاحتلال المعتدين. وتم تنفيذ هذا الهجوم عندما دخلت ناقلة نفط عملاقة الميناء المذكور لنقل مليوني برميل من النفط الخام. وكانت هذه الناقلة تعتزم نقل النفط المحصود من حقول المسيلة غرب حضرموت إلى جهة مجهولة.
وقال العميد يحيى سريع الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية عن تفاصيل هذا الهجوم: “في هذا الهجوم تم بذل جهد للحفاظ على البنية التحتية لليمن وسلامة السفينة وطاقمها، ولكن في أداء واجباتها تجاه وقف ومنع دخول أي سفينة تسعى لنهب ثروات الامة اليمنية، لن نتردد في ضربها”. وأضاف، إن اليمن قادرة على القيام بعمليات إنذار للدفاع عن الوطن وحماية موارده، مؤكدا: “مرة أخرى نحذر جميع الشركات للانصياع لقرارات صنعاء وتجنب أي محاولة لنهب موارد اليمن”.
ومحافظة حضرموت هي أكبر منتج للنفط في اليمن، وقد ضحى المرتزقة السعوديون والإماراتيون بحياتهم مرارًا وتكرارًا لنهب نفط البلاد في المناطق المحتلة. وبعد انتهاء وقف إطلاق النار، حذر قادة أنصار الله مرارًا وتكرارًا من أنه إذا لم يغادر المعتدون اليمن ولم يسلموا موارد الطاقة في البلاد؛ فإن اليمنيين لديهم القدرة على استعادة مواردهم النفطية.
ويمكن تقييم الهجوم على ميناء الضبة، وهو أول عمل جاد لجماعة أنصار الله ضد التحالف السعودي الإماراتي بعد عدم تمديد وقف إطلاق النار، من عدة أبعاد. وعلى الرغم من أن قوات أنصار الله لم تبدأ العملية الصاروخية والطائرات المسيرة ضد المعتدين التي وعدهم بها، إلا أنه من خلال مهاجمته لميناء الضبة، أظهروا سيطرتهم كاملة على المعلومات النفطية في اليمن التي يتم نهبها من قبل المعتدين وأنه يمكنهم القيام بعمليات لمنع نهب هذه الموارد.
وكان الهجوم الأخير نوعًا من التحذير والمساعدة في إعلام رؤساء الرياض وأبو ظبي أنه بعد هذا لن يتم تقييد أنصار الله وأنهم سوف يراقبون عن كثب جميع تحركات المعتدين. وسبق أن قال اليمنيون إن لديهم العديد من بنوك المعلومات من أعماق السعودية والإمارات، وكذلك مرتزقتهم في اليمن، والتي يمكنهم استهدافها إذا لزم الأمر. وأظهر هذا الهجوم أنه، على عكس مزاعم السعوديين، فإن أنصار الله الآن هم الذين يدفعون بالتطورات في اليمن بناءً على إرادتهم وأن لهم اليد العليا في التطورات الميدانية.