أعلن الرئيس الجنوب إفريقي، سيريل رامابوزا، الذي عاد لتوه من السعودية، أن المملكة العربية السعودية أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).
ونقلت محطة SABC الإذاعية المحلية عن رئيس جنوب إفريقيا قوله: أعرب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رغبة المملكة العربية السعودية في الانضمام إلى مجموعة “بريكس” وتجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية ليست الدولة الوحيدة التي تسعى إلى عضوية (بريكس).
كما أشار رامابوزا إلى أن جنوب إفريقيا ستترأس مجموعة “بريكس” في عام 2023، وقال إنه في العام المقبل، ستعقد قمة “بريكس” برئاسة جنوب إفريقيا، وسيجري النظر في مسألة توسيع مجموعة “بريكس”، وإن هناك عددا من الدول على اتصال مع “بريكس” حول هذه المسألة.
ما هي مجموعة بريكس؟
بريكس هو مختصر للحروف الأولى باللغة الإنجليزية للدول المكونة للمنظمة وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وعقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يكاترينبورغ، روسيا في يونيو/حزيران 2009، حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، ويعد التكتل صاحب أسرع نمو اقتصادي في العالم، حيث تسهم دول “بريكس” بنحو 22% من إجمالي الناتج العالمي وهدفها بطريقة غير مباشرة منافسة مجموعة السبع التي تمثل 60 بالمئة من الثروة العالمية، فيما تمثل دول بريكس 40 بالمئة من مساحة العالم حيث إنها تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة.
وقد أخذت البريكس اهتماما أكبر من السابق بعد الحرب الروسية – الأوكرانية والتشتت الحاصل في النظام العالمي والاتجاه نحو تكتلات جيو-سياسية وجيو-اقتصادية أو جيو-استراتيجية. برزت أهمية البريكس خصوصا بعد الاجتماع الأخير الذي ضم تقريبا عشرين دولة بينهم السعودية، الجزائر، إندونيسيا، وماليزيا. وأصبحت هذه المنظمة تضاهي وتوازي منظمات مثل مجموعتي السبع والعشرين”.
ما أهمية ضم السعودية إلى بريكس؟
اعتبر المستشار المالي والمصرفي الاقتصادي السعودي ماجد الصويغ، أن دعوة الصين للمملكة العربية السعودية للانضمام إلى تكتل “بريكس”، يؤكد على أن المملكة تسير بخطى واثقة وعالمية نحو رؤية 2030، في جميع المجالات والقطاعات، وتسجيل تقدم ملحوظ في الجوانب الاقتصادية.
وأضاف إن هذا النظام يهدف إلى إنهاء الحالة المركزية وتغيير نمط الحوكمة الاقتصادية وضعفها التي تشكلت في السنوات الماضية في الاقتصاد العالمي، والتي باتت واضحة للعيان منذ عام 2009، وجاءت الدعوة نظرًا لدور المملكة الفعال وتطبيق الحوكمة على الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة والنتائج التي أظهرتها هذه الشركات من أرباح ونمو وفكر إداري مبني على استراتيجيات وخطط واضحة يضمن لها الاستدامة، ليعود بالنفع على الناتج المحلي، ويعكس صورة الاقتصاد الحقيقي للسعودية.
ويرى الصويغ أن انضمام المملكة لهذا التكتل من شأنه أن يساعد على تحويله إلى نظام اقتصادي قوي بمفهوم ومعايير حديثة تواكب تحديات الاقتصاد العالمي، حيث إن المملكة بقوتها العالمية والاقتصادية وموقعها الجغرافي بين القارات الثلاث يدعمها لوجستيًا من أجل تفعيل هذا الحراك الاقتصادي، مؤكدًا أنه سيعود بالفائدة على المشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة، وكذلك يخدم قطاع المشاريع الكبرى، وخاصة مع تحديث وتسريع الأنظمة والإجراءات الحكومية عن طريق الرقمنة، والاستفادة من التطور التقني والإلكتروني على مستوى المملكة كافة.
وتابع: “هذا الانضمام في حال تم، سيكون له وزنه وثقله وخاصة أن المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وهذا يدعم أي حراك اقتصادي لها، من أجل خوض التحديات والمنافسة في أي مجال، ما يجعلها محط أنظار العالم للتعاون والشراكة، فالمملكة باتت لاعبًا أساسيًا في أي حراك قادم لتغيير الخارطة التجارية والاقتصادية في العالم”.
ما الفوائد التي ستعود على السعودية من هذا الانضمام؟
اعتبر الدكتور فواز كاسب العنزي، المحلل السعودي، أن نظام بريكس يعتبر من أنظمة التحالف الدولي الاقتصادية، وهو قائم على الدول ذات الاقتصاد الكبير، والدخل القومي المرتفع على المستوى العالمي، وجاء إنشاء هذا النظام لموازنة أحادية القطب على المستوى العالمي للولايات المتحدة الأمريكية وتوسعها.
وأضاف إن هذا التكتل أعطى للدول الأعضاء نوعا من التوازن ونوعًا من التبادل التجاري السريع، لإنعاش اقتصادياتها، وخلال السنوات الماضية أثبت هذا النظام قوته على المستوى العالمي ودفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى المزيد من التحديات والتحالفات الاقتصادية مع أوروبا.
ويرى أن دعوة الصين أحد الدول المؤسسة للنظام للمملكة العربية السعودية، تأتي في ظل الأهمية الاقتصادية والجغرافية والسياسية للمملكة، فدخول الرياض في هذا التحالف من شأنه أن يقطع شوطًا كبيرًا في عملية التخطيط اللوجيستي والتأمين لمنتجات تلك الدول وتوزيعها على مستوى العالم، ولا سيما في ظل التطور اللافت الذي أدخلته المملكة في قطاع الصناعة والنقل وإضافة الكثير من الموانئ، وتقدمها على مستوى مؤشر نظام الملاحة البحرية.
وأوضح أن هذا النظام الاقتصادي هو نوع من التنوع الاستراتيجي لتغيير البوصلة الغربية الأوروبية بقيادة أمريكا إلى تكتل الشرق وفي مقدمته روسيا والصين والهند، وهو ما ينعكس إيجابًا على اقتصاد المملكة، التي تبحث دائمًا عن توسيع دائرة الشراكة وتوسيع المصالح المشتركة مع دول متقدمة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل.
وأكد أن مشاركة السعودية في هذا النظام العالمي هو نوع من التخطيط الاستراتيجي لخطوة الاعتماد على أحادية الشريك الاستراتيجي في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتغيرة بقوة، ولا سيما بعد الأحداث في أوكرانيا.
السعودية ومستقبل “التكتلات الاقتصادية”
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي اللواء المتقاعد، محمد الحربي، أن السعودية تنظر إلى بريكس على أنها “منظمة اقتصادية تركز على نظام مالي يوازي سويفت وتهتم بسلاسل التوريد العالمية”.
وسويفت هو نظام مالي عالمي تأسس عام 1973 يتركز على تحويل الأموال حول العالم ويعمل كنظام تراسل آمن يربط أكثر من 11000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة.
وردا على غزو أوكرانيا، عزلت بنوك روسيا من نظام سويفت العالمي ضمن حزمة العقوبات التي تبنتها الدول الغربية ضد موسكو، حيث تزيد تلك الخطوة من عزل روسيا عن النظام المالي العالمي.
وفي خطابه عبر الفيديو خلال قمة بريكس الأخيرة، قال الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، إن روسيا “تعيد توجيه” تدفقاتها التجارية إلى دول بريكس وغيرها من “الشركاء الدوليين الموثوق بهم”، وفقا لنص بيان الكرملين.
وأضاف إن التحالف “يطور آليات بديلة موثوقة للتسويات الدولية” و”يستكشفون إمكانية إنشاء عملة احتياطي دولية على أساس سلة عملات بريكس”.
وقال الحربي إن بريكس هي منظمة “ذات طابع اقتصادي وليس أيدولوجي”، موضحا أن “المستقبل للتكتلات الاقتصادية” بعد أن “أثبتت التحالفات العسكرية أنها غير مستدامة باستثناء الناتو”.
وأضاف إن العالم “يشهد رسم خارطة جيوسياسية متقدمة وحديثة نظرا لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية و(مشاكل) سلاسل التوريد والغذاء، إضافة إلى انخفاض النمو الاقتصادي العالمي والتضخم بما يشمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
وأشار إلى أن “جميع الدول تقيم الموقف وفق مصالحها الخاصة ومن ثم المصالح المشتركة … الأمن والاقتصاد متلازمان لا يمكن فصلهما”.
وتعد السعودية واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط الخام في العالم، حيث تمتلك 15 بالمئة من احتياطيات النفط العالمية، وعضو مؤسس في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وقال الحربي إن “السعودية ودول مجلس التعاون بصفة عامة بدأت عام 2015 في مرحلة أولى بالتنوع والتوازن في العلاقات الاستراتيجية والشراكات الدولية.. وتعززت هذه السياسية وفق المصالح المشتركة لدول المجلس بعد اجتماع العلا مطلع العام 2021”.
العالم يعيش الآن مرحلة التكتلات بين الدول التي تجمعها المصالح المشتركة والقوية والمؤثرة في محيطها الإقليمي، والولايات المتحدة الأمريكية شريكة في العديد من التكتلات مع دول بعيدة عن جغرافيتها مثل إنجلترا وأستراليا، وكذلك الهند، وهو الأمر الذي دفع الصين للتفكير في خلق تكتلات اقتصادية وسياسية وازنة.
فالصين تعلم جيدًا أن ضم السعودية وبعض الدول الأخرى القوية لهذا التكتل يضيف له قوة كبيرة، من حيث قوة التأثير في أسواق النفط والغاز العالمية، وقوة الموقع الاستراتيجي، في المقابل يسمح التكتل لهذه الدول بالاستفادة اقتصاديًا واستثماريًا، ويصبح قوة مساندة للدول الأعضاء على النطاق الدولي والإقليمي.
كما أن المملكة العربية السعودية تمثل ثلث دول الأوبك، وأكبر الدول المؤثرة في أسعار النفط العالمية، والصين تعد من أكبر مستوردي العالم للنفط والغاز. وبهذا تكون الصين وروسيا قد وجهتا ضربة قوية لأحادية القطب التي ترغب بها الولايات المتحدة الأمريكية.