من المُتوقّع أن يُلقي السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” وزعيم المُقاومة الإسلاميّة خطابًا مساء السبت المُقبل في الحفل التّكريمي للراحل السيّد محمد علي الأمين، حيث تتوقّع مصادر عديدة أن يتضمّن هذا الخطاب ردًّا حاسمًا على سياسة المُماطلة الإسرائيليّة الأمريكيّة على المطالب والشّروط اللبنانيّة فيما يتعلّق لحقل “كاريش” وحُقول الغاز اللبنانيّة الأُخرى في مياه البحر المتوسّط، بصمته أو بصواريخه، وسنشرح ذلك لاحقًا.
اختيار توقيت هذا الخِطاب يوم السبت يستمدّ أهميّته كونه جاء بعد يومٍ واحد (الجمعة) من وصول رسالة خطيّة مُتوقّعة من المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين تتضمّن الرّد الإسرائيلي على المطالب والمُقترحات اللبنانيّة الرسميّة.
إلياس أبو صعب نائب رئيس مجلس النوّاب اللبناني الذي عقد اجتماعات مع المبعوث هوكشتاين ومسؤولين أمريكيين آخرين في نيويورك الأسبوع الماضي، أعلن الاثنين أنه، أيّ هوكشتاين، سيبعث برسالةٍ خطيّةٍ إلى الرئاسة اللبنانيّة قبل نهاية الأسبوع الحالي.
أعين جنرالات الاحتِلال على الخطاب القادم والقلق مرسومًا على وجوههم
عدم زيارة المبعوث الأمريكي المُحتَملة إلى لبنان وتسليم هذا الرّد إلى الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، أثار العديد من التّساؤلات والتكهّنات حول احتِمالات عدم تضمّنه (الرّد) تنازلات إسرائيليّة تتجاوب مع المُقترحات اللبنانيّة، ومن غير المُستَبعد أن السيّد نصر الله على عِلمٍ مُسبَقٍ بمضمون هذه الرّسالة، وعلى ضُوءِ ذلك نتوقّع أنّ ردّه قد يأتي في الخِطاب المذكور سلبًا أو إيجابًا، ولهذا ستتسمّر أعين المسؤولين وجِنرالات دولة الاحتِلال أمام شاشات التّلفزة والقلق مرسومًا على وجوههم.
الانعقاد المُفاجِئ لجلسة مجلس النوّاب اللبناني صباح اليوم الخميس بدعوةٍ من رئيسه السيّد نبيه بري لانتخاب رئيس للبنان لم يكن من قبيل الصّدفة، وقد يكون مُتناغمًا مع خطاب السيّد نصر الله السبت، ففشل المجلس في انتخابِ رئيس، وتصويت نوّاب كُتلة المُقاومة وحُلفائهم بحواليّ 66 ورقةً بيضاء، وانسحابهم لعدم توفير الغِطاء الدّستوري لجولةٍ ثانية، وتأكيد السيّد بري بأنه لن يدعو لعقد جلسة ثانية للمجلس للانتخاب إلا بعد التّوافق على رئيس
وهي عمليّة قد تستغرق أشْهُرًا، ممّا يعني أنّ أمام لبنان خِيارين، إمّا التّمديد للرئيس عون الذي تنتهي مُدّته أواخِر شهر تشرين أوّل (أكتوبر) المُقبل، أو غرق البِلاد في فراغٍ رئاسيّ، والرئيس هو المُفوّض بتوقيع أيّ اتّفاقٍ لترسيم الحُدود، وحُظوظ الأولى أيّ التّمديد هي الأكبر، هُناك سوابق في هذا الصّدد حيث جرى التّمديد للرئيسين إلياس الهواري، إميل لحود.
“حزب الله” سيخرج الكاسِب الأكبر حتّى الآن، أيّاً كان مضمون رسالة هوكشتاين الخطيّة، سواءً إذا سلّمها بنفسه أو عبر السّفارة الأمريكيّة في بيروت، فهذا التّعجيل في الوِساطة الأمريكيّة، وتأجيل استِخراج الغاز من حقل “كاريش” المُتنازع عليه، أو التوصّل إلى اتّفاقٍ في نهاية المطاف يُلبّي مطالب وطُموحات الدّولة اللبنانيّة
فإنّ هذا يعني خُنوع دولة الاحتِلال ورُضوخها لتهديدات السيّد نصر الله ومُسيّراته ورِجاله وصواريخه للمرّة الأولى في تاريخها مُنذ قِيامها على أرضِ فِلسطين قبل 74 عامًا، فالحزب جاء للبنان بالمازوت الإيراني المجّاني، وهو يستعدّ وبالقُوّة لاستِخراج الغاز اللبناني “الحلال” المُنقِذ مَصحوبًا بمِئات المِليارات من الدّولارات.
عدم استخراج الغاز من حقل “كاريش” لم يكن لأسبابٍ تقنيّة، وإنّما خَوفًا ورُعبًا من صواريخ حزب الله، وبعد توصّل حُكومة الكيان وأجهزة مُخابراتها أنّ السيّد نصر الله لن يتراجع ثانيةً واحدةً عن تنفيذه لتهديداته بضرب “الطوّافة” اليونانيّة المُكلّفة باستِخراج الغاز من الحقل المذكور ابتداءً من شهر أيلول (سبتمبر) الحالي، وربّما كُل الطوّافات الأُخرى على طُول السّاحل الفِلسطيني المُحتَل.
بنيامين نِتنياهو كذّابٌ مُحترف، بل هو شيخ الكذّابين في دولة الاحتِلال وربّما مِنطقة الشّرق الأوسط بأسْرها، ولكنّه شذّ عن هذه القاعدة قبل بضعة أيّام عندما اتّهم خصمه يائير لابيد رئيس الوزراء بالخُضوع للسيّد نصرالله وتهديداته، وتقديم تنازلات كبيرة للتوصّل إلى اتّفاقٍ مع لبنان سيُؤدّي إلى تدفّق المِليارات على “حزب الله”، وبِما يُؤهّله لمُضاعفة وتطوير قُدراته الصاروخيّة والمُسيّراتيّة والعسكريّة الأُخرى.
“إسرائيل” تتفاوض وصاروخ حزب الله مُصَوّبٌ إلى رأسها، وإذا تراجعت، وتنازلت، وهذا غير مُستَبعد، فإنها سابقةٌ خطيرة، تعني الاعتراف بفُقدانها لقوّتها وتفوّقها العسكري القادر على الحسم في المِنطقة، وهذا بداية الانهيار الوجودي، إن لم يكن ذروته، أمّا إذا تراجعت وماطلت فإنّها تفتح على نفسها أبواب جهنّم، وعليها تلقّي أربعة آلاف صاروخ دقيق ومِئات المُسيّرات المُلغّمة يوميًّا.
تطورات لبنان والمنطقة
لا نُريد أن نستبق الأحداث، ونتكهّن بما يُمكن أن يكشف عنه السيّد نصر الله في خِطابه المُقبل، لأنّنا بكُل بساطة لا نعرف، ولكن كُل ما ذكرناه من وقائع يجعل من الصّعب تجاهل ليس فقط تطوّرات المُفاوضات اللبنانيّة غير المُباشرة مع دولة الاحتِلال، ونتائج الوساطة الأمريكيّة بالتّالي، وإنّما المِنطقة برمّتها التي تقف حاليًّا فوق صفيح مُلتهب السّخونة، فصمْت السيّد نصر الله وعدم تناول هذه المُفاوضات قد يعني أمْرين، الأوّل وجود اتّفاق، أو إبقاء أوراقه وخِياراته قريبة من صدره،
والحديث قد يعني قطع الطّريق على سياسة المُماطلة، وكسْب الوقت الإسرائيليّة، تحت ذريعة انتِظار انتِخابات الكنيست في أوّل تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبل ونتائجها بذريعة أن حُكومة لابيد الحاليّة انتقاليّة مُؤقّتة لا تملك الصلاحيّة لتوقيع اتّفاقاتٍ حُدوديّة، وبُدون نِقاشها في برلمانٍ مُنتخب بتفويضٍ شعبيّ كامِل، وفي جميع الأحوال لن يتردّد السيّد في اعتِقادنا عن اتّخاذِ قرار إطلاق الطّلقة الأولى، مثلما فعل قبيل حرب تمّوز 2006.
السيّد نصر الله في خِطابه، أو خِطاباته المُقبلة، قد يُقرّر مُستقبل لبنان سلمًا أو حربًا، وربّما مُستقبل المِنطقة، والأهم والأخطر مُستقبل دولة الاحتِلال الإسرائيلي، فهو القويّ الذي يملك القُدرة ولا يتردّد في اتّخاذ القرار، يقول ويُنفّذ، وسنكون من أبرز المُنتَظرين.. والأيّام بيننا.
عبدالباري عطوان