بعدما قامت روسيا في الشهور الماضية بإغلاق خط نورد ستريم ١ لمرات عديدة بحجج تقنية كتور بين سيمينز للضغط على أوروبا بسبب العقوبات، يتهمها الغربييون الآن بتفجير خط الغاز الخاص بها، والذي كان بامكانها ايقافه من راحة مكتب مكيّفٍ، فماذا حدث؟
النتيجة ليست واضحة حتى هذه اللحظة ولكن يبدو بأن انابيب الغاز انهارت، الضرر لا يمكن تقدير حاليا، ولكن هولندا وألمانيا والسويد تشيران إلى عمل تخريبي ذي ابعاد بيئية كارثية، وفيما أعلنت هيئات المسح الجيولوجي في الدانمارك والسويد وألمانيا أنها سجلت الاثنين الماضي اهتزازات تشبه تلك الناجمة عن انفجارات أكثر منها زلازل،
وفي حين رجحت الاستخبارات الألمانية أن غواصين وضعوا عبوات متفجرة في مسار أنبوب “نورد ستريم” (Nord Stream)، وصفت روسيا الاتهامات الموجهة لها بمهاجمة نورد ستريم بـ”الحمقاء”.
عمل تخريبي بهذا الحجم يحتاج لمقدرات دول، خصوصا في منطقة تخضع لمراقبة نشطة من حلف الناتو، من هم المشتبه بهم إذن؟
في المقاربات وتعليقا على بدء مشروع نورد ستريم أشار دونالد ترامب أثناء ولايت إلى أن برلين تعتبر “سجينة” موسكو، من المنطقي أن تسعى الولايات المتحدة لإيقاف نورد ستريم حتى تطلق عنان ألمانيا لدعم أوكرانيا دون قيود وتحفظات رغم قيامها باتخذا اجراءات علنية تعقد علاقتها مع روسيا.
من جهة أخرى تطمح بولندا في أن تصبح موزعا للغاز الطبيعي في القارة الأوروبية وهو ما سيعود عليها بالكثير من الفوائد المالية من خلال فرض الرسوم والضرائب فالمستفيد الأكبر من هكذا عمل هي بولندا، والمستبعد الأول هي روسيا، لماذا؟ كما قلنا فإن روسيا كان يمكنها إطفاءه بسهولة، وهي حتى لو لم ترد تشغيله، فلماذا تقوم بعمل يخرب استثمارا قامت به بمليارات الدولارات لما يمكنها تحصيله مجاناً؟ أو حتى لماذا تلغي أي مفاوضات طاقة مستقبلية؟
كما يبدو من الخارطة، كان النورد ستريم ٢ بالإضافة لل١ ليحرم بولندا من دور جيوسياسي مهم جداً، ذلك أن أهمية خط يامال ستنخفض طردياً بحال تشغيل الإثنين، فتفقد أهميتها كممر ترانزيت للغاز، هذا من جهة، من جهة أخرى، التفجير هناك سيسبب أضراراً بيئية كبيرة على سواحلها، فهل كان ذلك يستحق؟
المستفيد الثاني هي أوكرانيا التي كانت تقف على أعتاب “كارثة اقتصادية” كما يصفها مسؤولون، وذلك بسبب مشروع “نورد ستريم 2” (Nord Stream 2) لنقل الغاز، حيث يتجاوز الخط الروسي الألماني -بشكل تام- شبكات النقل الأوكرانية، ويهدد أوكرانيا بخسارة نحو مليارين إلى 3 مليارات دولار سنويا من رسوم العبور.
وعليه فإن خط الغاز نورد ستريم كان يهدد بقاءه بتحويل شبكات نقل الغاز في أوكرانيا، من ثروة إلى خردة إن صح التعبير، مع تهديد الكثيرين بخسارة وظائفهم.
المستبعد الثاني هي ألمانيا، وهي على الرغم في فرضها للعقوبات على روسيا والتي ستؤدي إلى تفكيك صناعتها المحرّكة بالطاقة الروسية الرخيصة تدريجياً ولخسارتها لجزء كبير من ناتجها المحلي، قدرتها على التصدير، ودورها الجيوسياسي بواقع الحال لصالح دول هامشية أكثر وأضعف بكثير مثل بولندا.
كما ولصالح اعتمادها الكلي على الغاز المسال الأغلى بكثير والآتي عبر البحار وخصوصا من امريكا. المستفيد الأول هي الولايات المتحدة، والتي أنها ترى بأن أوروبا “مدمنة” على الغاز الروسي، وهي إذن لها كل الدوافع (مع ذيلها بريطانيا) لتعالج هذا الإدمان بالنار وبالقوة ولو أدى ذلك لخسارة اوروبا لصناعتها وناتجها المحلي المتأتي من مصادر الطاقة الروسية.
على ما يبدو فإن الولايات المتحدة تفضل أوروبا ضعيفة تابعة تماما في لعبة تغيير التوازن العالمي الجديد على أن تملك أدنى هامش من المناورة أو الإستقلالية، والساسة الأوروبييون يلحقون بها بدون أي سؤال.
فيما يلي بايدن يجيب على أسألة الصحفيين في ٧ فبراير، قبل بدء الحرب في أوكرانيا، وهو يقول بالحرف بأنه يعرف كيف يوقف نورد ستريم٢ حتى ولو كان ملكاً لألمانيا ويقع تحت سيادتها ولا علاقة للولايات المتحدة به.