في ظل مرحلة حرجة تمر بها جراء الحرب المستمرة، أدانت محكمة فرنسية في 14 سبتمبر/أيلول 2022، الخطوط الجوية اليمنية “بالقتل غير العمد”.
وجاءت الإدانة على خلفية حادث تحطم طائرة يمنية وقعت قبالة جزر القمر بالمحيط الهندي عام 2009 أسفرت عن مقتل 152 شخصا بينهم 66 فرنسيا.
وقضت المحكمة بتغريم شركة الطيران 225 ألف يورو، ودفع تعويضات وتكاليف قانونية تزيد على مليون يورو. وأتى الحكم وسط مرحلة صعبة تمر بها الخطوط اليمنية منذ 8 أعوام جراء الحرب التي نتج عنها إغلاق معظم مطارات اليمن والرحلات المباشرة من وإلى المطارات الرئيسة.
محاكمة متأخرة
وفي 9 مايو/أيار 2022، بدأت في العاصمة الفرنسية باريس أولى جلسات محاكمة شركة الخطوط الجوية اليمنية، بعد قرابة 13 عاما على تحطم إحدى طائراتها التجارية قبالة جزر القمر في الحادث.
وقال رئيس جمعية أهالي الضحايا سعيد السوماني، إن القضاء الفرنسي خلص إلى أن الخطوط اليمنية ارتكبت أخطاء جسيمة، ووصف الحكم بأنه ممتاز ويتفق مع التوقعات.
ووقع الحادث مساء 29 يونيو/حزيران 2009 عندما كانت الطائرة اليمنية من طراز “أيرباص” (الرحلة 626) تستعد للهبوط في عاصمة جزر القمر موروني، وفيها طاقم مؤلف من 11 شخصا و142 راكبا بينهم 66 فرنسيا.
لكن قبل الوصول إلى الساحل ببضعة كيلو مترات، وتحديدا في الساعة 22:53 بالتوقيت المحلي، تحطمت الطائرة في المحيط الهندي، وأسفر الحادث عن مقتل جميع من كانوا فيها، باستثناء ناجية وحيدة.
وكانت الناجية هي بهية بكاري التي تمسكت في البحر بقطعة من الطائرة طوال 11 ساعة قبل أن ينقذها زورق صيد في اليوم التالي للحادث. وأدلت الناجية الوحيدة التي خسرت أمها في الحادث بشهادتها في 23 مايو 2022، أمام المحكمة الفرنسية.
وبعد الحادث بأسابيع عثر على الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، لكن التحقيق بقي متعثرا طوال السنوات الماضية مع اتهامات للفريق الملاحي بالتقصير، دون معلومات واضحة عن سبب التأخير.
ويرى متابعون لملف القضية أن فرنسا أعادت فتح ملف تحطم طائرة اليمنية في الوقت الحالي، مستغلة وضع اليمن وظروفه بهدف الهروب من مسؤوليتها في إسقاط الطائرة اليمنية أثناء مناورات عسكرية بالقرب من جزر القمر.
وقال الصحفي صقر أبو حسن الذي أعد أول تقرير حول الحادثة نشر حينها في صحيفة اليوم السعودية إنه يتذكر جيدا أثناء بحثه عن تفاصيل القضية أن معلومات تسربت ومن ثم أكدتها وكالات إعلام عالمية بعد ذلك عن أن سقوط الطائرة اليمنية جرى بصاروخ فرنسي.
وقال أبو حسن إن قطعا عسكرية فرنسية كانت موجودة بالقرب من مكان تحطم الطائرة اليمنية وأنها كانت تقوم بمناورة عسكرية غير معلنة، وفق ما نشر موقع “المساء برس”، في 12 مايو 2022. وأكد أن الحديث عن المناورة العسكرية الفرنسية قرب جزر القمر ورد أيضا في تصريح لمسؤول في تلك الدولة.
كما أشار الصحفي اليمني إلى حديث الفتاة الناجية عقب انتشالها من البحر والتي قالت إن انفجارا عنيفا تعرضت له الطائرة قبل تحطمها وسقوطها في الماء.
انقلاب مفاجئ
يوافق ما ذكره الصحفي اليمني تصريحات إعلامية لصحفيين يمنيين، وحديث لمسؤول سابق في الخطوط الجوية، رفض الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع.
أكد المسؤول السابق لـ”الاستقلال”، أن “فرنسا عبر شركة أيرباص منحت حينها الخطوط الجوية اليمنية صفقة لعدد 10 طائرات أيرباص 350، كتعويض غير معلن عن الحادث”.
بالإضافة “إلى إعفاء اليمنية من مبالغ مالية من رسوم طائرة أيرباص 330 المستأجرة، لكن بسبب الحرب والأوضاع التي مر بها اليمن تحولت القضية إلى العكس”.
وأكد المسؤول اليمني أن “الصفقة ما زالت قائمة رغم الضغط على الرئيس السابق لمجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية (أحمد العلواني) للتنازل عنها”. وشدد بالقول: “القضية في صفنا لو جرى الضغط وفتح التحقيقات حول المتسبب بضرب الطائرة بالليزر لكن الضعيف دائما هو الخسران”.
وأوضح أن “التحقيقات التي خلصت لها السلطات الفرنسية حول أن الطيار لم يأخذ الدورة الكاملة التي تسمح له بالهبوط في مطار موروني في حالة الضباب غير دقيقة، وأن الطيار سبق وهبط في نفس المطار دون أي إشكاليات”.
وتساءل الكاتب اليمني، يحيى الحمادي عن سبب عودة ملف قضية الطائرة اليمنية المنكوبة وبشكل عكسي بعد 13 عاما على الحادثة. وأضاف في منشور له على حسابه بموقع “فيسبوك” “كيف تحولت القضية من مطالبة اليمن لفرنسا بالتعويض، إلى مطالبتها هي بدفع التعويضات لذوي الضحايا”.
وأضاف الحمادي أن “الطائرة أسقطت بصاروخ من غواصة للبحرية الفرنسية كانت تجري مناورات عسكرية قبالة جزر القمر التي سقطت فيها الطائرة”.
وكانت التحقيقات الأولية الفرنسية قد أكدت ذلك، وبرهنت عليه بتمزق أجساد الضحايا وعدم التعرف على ملامحهم، كما قال.
من جانبه قال رئيس مركز نشوان للدراسات والإعلام، عادل الأحمدي إن فرنسا قدمت عشر طائرات لشركة الخطوط الجوية اليمنية كتعويض غير معلن على تسببها في إسقاط إحدى الطائرات اليمنية قرب جزر القمر.
وأضاف “كنت في أبريل 2011 ضمن الوفد الصحفي المرافق لإدارة طيران اليمنية وتوجهنا إلى باريس ثم مصنع طائرات أيرباص في مدينة تولوز”.
وأردف: “عدنا إلى صنعاء بأول طائرة جديدة ضمن سرب طائرات عددها عشر كتعويض غير معلن من فرنسا على تسببها في إسقاط إحدى طائرات اليمنية”.
إهمال ومطامع
بدوره أكد المسؤول السابق في شركة الخطوط الجوية اليمنية، أن “عدم متابعة مكتب الخطوط الجوية اليمنية في باريس للقضية بسبب إغلاقه أضعف حجتهم القانونية والمتابعة لسير القضية”.
وأضاف لـ”الاستقلال” أن “الشركة تحتفظ بجميع الأوراق حول ما جرى الاتفاق عليه مع الجانب الفرنسي”. وبين أن “الأهالي هم من يرفعون الدعاوى ضد الخطوط الجوية اليمنية في كل مرة رغم الاتفاق المسبق ودفع التأمين للضحايا”.
وأعادت تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على قطاع الطاقة ملف النفط والغاز المسال في اليمن إلى الواجهة، بعد بروز مؤشرات عدة على اهتمام أوروبي بإعادة إحياء صادرات البلد المتوقفة منذ نحو ثماني سنوات بسبب الحرب.
وهو ما يفسر فتح السلطات الفرنسية لملف الطائرة اليمنية في هذا التوقيت، بالتزامن مع الحراك الدولي الغربي للبحث عن الغاز البديل والتي يعد اليمن إحدى المحطات والخيارات التي لا تزال رئيسة فيه حتى اللحظة، وفق مراقبين.
وتسعى شركة “توتال” الفرنسية، المستثمر الرئيس للغاز الطبيعي المسال في اليمن، لإعادة تصديره من حقول صافر في مأرب عبر ميناء بلحاف في شبوة المتوقفة منذ بدء الحرب.
وتهدف لمواجهة أي أزمات محتملة في سوق الطاقة على خلفية الأزمة التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا. و”اليمنية” شركة النقل الجوي الحكومية الوحيدة في اليمن باستثناء شركات النقل الداخلية “بلقيس والسعيدة”.
ويزداد سوء خدمات “اليمنية” يوما بعد آخر، رغم أن تذاكرها تعد ضمن الأغلى بالعالم وفقا لإحصائيات المنظمة الدولية للنقل الجوي (إياتا).
وخلال السنوات الأخيرة لم تبذل إدارة الشركة أي جهود لتحديث أسطولها منذ عودة نشاطها بعد تحرير عدن من مليشيا الحوثي عام 2015.
تداعيات مكلفة
وتعليقا على قرار القضاء الفرنسي قال المحامي توفيق الحميدي، إن “الحكم الصادر جاء بموجب القانون الفرنسي والمعاهدات الخاصة بالتعويضات الخاصة بالأضرار الناجمة التي تسببها حوادث الطيران”.
وأضاف لـ”الاستقلال”، أن “الاختصاص ينعقد للقضاء الفرنسي بهذه القضية لوجود ضحايا يحملون الجنسية الفرنسية على متن الطائرة، والحكم ليس به أي بعد سياسي، وطبيعة الأحكام تصدر بعد الاستكمال أمام القضاء”.
وأوضح بالقول: “باعتقادي، تنفيذ الحكم سيكون ملزما على الشركة اليمنية سواء من أي حسابات بنكية متوفرة أو مخاطبتها عبر الجهات القانونية لأن مثل هذه الأحكام قد تذهب إلى الحجر على أصول ثابتة للشركة بما فيها الطيران”.
الجدير ذكره، أن السلطات الفرنسية هي من حققت ولم تشرك اليمن في التحقيق وجزر القمر التي سقطت الطائرة في أراضيها بالقرب من مطارها (موروني).
ونفى محامو الشركة عقب صدور الحكم في 14 سبتمبر 2022 ارتكاب أي مخالفات، قائلين إن الشركة أصبحت “كبش فداء”، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
وانضم حوالي 560 شخصا إلى الدعوى كمدعين، وكثير منهم من المنطقة المحيطة بمرسيليا في جنوب فرنسا، موطن العديد من الضحايا.
وقال محامي أحد المدعين، كلود لينهارد، خلال المحاكمة: “مجتمع بأكمله كان على متن هذه الطائرة”.
وأمام شركة الخطوط الجوية اليمنية عشرة أيام للطعن على قرار المحكمة، وأشار محامو الشركة إلى أنهم سيستأنفون القرار.
وكشف وزير النقل في الحكومة اليمنية عبدالسلام حميد، في مقابلة مع صحيفة “الإتحاد الإماراتية” في 17 أغسطس 2022، أن شركة الخطوط الجوية اليمنية تكبدت خسائر وصلت إلى نحو 75 مليون دولار نتيجة لفقدان أصولها بسبب الحرب.
وبلغت حجم الأضرار والخسائر في قطاع النقل اليمني 12 مليار دولار و318 مليونا و 628 ألف دولار وفق بيان لوزارة النقل التابعة للحوثيين في 6 سبتمبر 2022.