إن التحذيرات التي بات يطلقها سياسيون ومحللون وخبراء عرب ويمنيون حاليا من وجود مخطط سعودي إماراتي وبإسناد مباشر من أمريكا وإسرائيل لتقسيم اليمن ونهب ثرواته، كانت حكومة صنعاء قد أطلقتها منذ الأيام الأولى للعدوان.. غير أن ارتهان بعض القوى اليمنية والارتماء المطلق في أحضان العدو أعمى أبصارها وبصيرتها فبقيت تتجاهل وتتعامى إلى اليوم رؤية هذه الحقائق، حتى وقد أصبحت في دائرة الاستهداف المباشر من قبل الغزاة والمحتلين.
ولقد اتهمت حكومة صنعاء دول التحالف السعودي بسرقة ثروات اليمن النفطية، وكانت هددت مراراً باستهداف الشركات والسفن المتورطة في سرقة النفط والغاز اليمنيَّين، واللذين يغطيان 80% من الموازنة العامة للدولة.
وحسب حكومة صنعاء، فإن التحالف السعودي يقوم ببيع ملايين البراميل بواسطة سفن عملاقة، تأتي بوتيرة شبه شهرية إلى الموانئ اليمنية، كما يظهر في مواقع رصد حركة الملاحة الدولية. وقالت وسائل إعلام يمنية إن “قيمة ما تم نهبه من عائدات النفط الخام والغاز، خلال شهر أيار/مايو، بلغت قرابة 180 مليار ريال يمني، وهو ما يكفي لصرف مرتبات موظفي الدولة لنحو ثلاثة أشهر”، في إشارة إلى أن موظفي الدولة لم يتقاضوا رواتبهم منذ أعوام.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن السفير السعودي محمد آل جابر المشرف على عملية نهب ثروات ظهر بكل بجاحة خلال لقائه في الرياض، المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ والسفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن، ليتحدث عن الإيرادات المحلية وأهمية إيداعها لمرتزقته من أجل صرف المرتبات للموظفين فيما ينهب المدعو آل جابر من عائدات النفط المنهوب في البنك الأهلي السعودي 20 % من عائدات النفط اليمني متجاهلاً اعتماد الدولة خلال الفترة الماضية على مبيعات النفط والغاز في صرف المرتبات.
وفي وقت سابق كشفت تقارير اقتصادية وإعلامية أن عائدات إنتاج النفط الخام ومبيعات الغاز المنزلي التي نهبها تحالف العدوان الأمريكي السعودي منذ بداية العام الحالي تزيد عن ترليون و206 مليارات 154 مليون ريال، بما يغطي فاتورة مرتبات الموظفين والمتقاعدين لعام ونصف العام.
وحسب التقارير من خلال تتبعها لمعدل إنتاج النفط الخام والغاز المنزلي وعائداتهما خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2022م، فإن إجمالي إنتاج النفط الخام بلغ 18,299,400 برميلا، فيما بلغ إنتاج الغاز المنزلي 337 ألف طن متري منذ مطلع العام الجاري. وأشارت إلى أن عائدات صادرات النفط ومبيعات الغاز المنزلي خلال 4 أشهر من الهدنة بلغت 689 مليارا و173 مليونا، وبما يغطي مرتبات 9 أشهر لجميع الموظفين.
كما كشفت مصادر مطلعة خلال الأيام الماضية أن المرتزق رشاد العليمي رئيس ما يسمى المجلس الرئاسي، تنصل عن الاتفاق ودعا حكومة صنعاء، إلى صرف مرتبات الموظفين حسب وسائل إعلام ممولة من قبل تحالف العدوان ما أظهر عدم جدية العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي في تنفيذ الالتزامات والتعهدات المتفق عليها، وتحويلهم مرتبات الموظفين إلى ورقة للمساومة والابتزاز لا كملف إنساني واستحقاق يجب الوفاء به. وكان المرتزق العليمي اعترف خلال لقائه بالكتل البرلمانية التابعة للمرتزقة بأن عائدات النفط والغاز تشكل 80 % من موارد الدولة وموازنتها، مؤكدا ضرورة العمل على استئناف إنتاجه وصرف مرتبات الموظفين وهو ما يعزز رواية صنعاء بشأن آلية صرفها.
وظلت سلطة المرتزق العليمي خلال الأشهر الأخيرة ترفض صرف المرتبات وتشترط ضرورة صرفها من عائدات ميناء الحديدة المحاصر أصلا والذي لا تكفي عائداته كما يقول مسؤولون في صنعاء لصرف رواتب بضعة أشهر في العام. تجدر الإشارة إلى أن قبول حكومة الإنقاذ الوطني فتح حساب بالبنك المركزي بالحديدة، وإيداع إيرادات الميناء إلى حساب خاص فيه بهدف حلحلة ملف مرتبات الموظفين يُعد تنازلاً قيماً أخذ بالاعتبارات الإنسانية لكون الموازنة المالية السنوية للدولة. طول الفترة الماضية من حكم الأنظمة السابقة اعتمدت على صرف بند المرتبات والأجور من عائدات مبيعات النفط والغاز.
وخلال السنوات الماضية من عمر العدوان والحصار وتحديداً منذ مطلع العام 2017، قدمت صنعاء عدداً من المبادرات الهادفة لرفع معاناة موظفي الدولة، وحتى بلغت المبادرات المقدمة من القيادة في صنعاء اكثر من عشر مبادرات خاصة جلها تهدف إلى إنهاء معاناة موظفي الدولة وتتركز حول صرف مرتبات موظفي الدولة، وكما كان هذا الملف في قائمة اهتمامات الرئيس الشهيد صالح الصماد، الذي قدم أولى المبادرات بهذا الشأن مطلع 2017م أثناء لقائه بنائب المبعوث الدولي لدى اليمن حينذاك ، معين شريم والوفد المرافق له، واستمر حتى اختاره الله شهيداً يرفع هذا المطلب في كل خطاباته الرسمية.
وكانت من ابرز المبادرات مبادرة قائد الثورة السيد، عبدالملك بدر الدين الحوثي، في خطابه في الذكرى الرابعة لثورة 21 سبتمبر، تهدف إلى تحييد الاقتصاد وإعادة صرف رواتب موظفي الدولة والحفاظ على سعر صرف العملة الوطنية، وتغطية واردات اليمن من المواد الغذائية بالعملات الصعبة، بشرط أن تسلم كل إيرادات للبنك المركزي في صنعاء ولا تستغل من أي طرف سياسي وان تصب كل الإيرادات لمصلحة المواطن وان تسهم في الحفاظ على استقراره المعيشي واستقرار العملة، وأعلن عن كامل الاستعداد للتعاطي بمسؤولية مع هذه المبادرة والاتفاق مع الطرف الأخر على إجراءات تتضمن استيعاب الإيرادات المالية من النفط والغاز والجمارك والضرائب وغيرها وصرفها كمرتبات وفيما ينفع المواطن ويخفف عنه غلاء المعيشة.
وعلى نفس هذا المنوال، أكد وزير النفط والمعادن أحمد عبدالله دارس، أن حجم النفط الخام المنهوب خلال الفترة منذ العام 2018 م إلى نهاية شهر يوليو 2022م بلغ نحو 130 مليوناً و41 ألفاً و500 برميل، فيما تبلغ قيمة عائداته تسعة مليارات و490 مليونا و639 ألف دولار، حيث تم توريد هذا المبلغ إلى العديد من بنوك تحالف العدوان.. مشيرا إلى أن تلك المبالغ كافية لصرف مرتبات موظفي الدولة في مختلف المحافظات اليمنية لمدة خمس سنوات.
إن التطورات في المناطق المحتلة وسباق المرتزقة متعددي الولاءات والأجندة للسيطرة على حقول النفط والغاز يكشف- بحسب مراقبين- عن مسارات واتجاهات جديدة من أهداف العدوان على اليمن، ومن بين الركام تطفو طموحات وأطماع التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي ومشاريعهم للهيمنة على موارد ومواقع حيوية في البلاد، في ظل صمت المجتمع الدولي وتواطؤ قادة المرتزقة الذين يتقاضون الفتات من عائدات ثروة البلاد على شكل مرتبات ومكافآت بالعملة الصعبة على حساب معاناة شعب بات يئن تحت وطأة الجوع والفقر.
وتشير مصادر مقربة من تحالف العدوان إلى أن هناك مفاوضات سرية تمت بين حكومة المرتزقة والسفير السعودي “محمد آل جابر”، وقد أفضت إلى توقيع اتفاقيات بين الطرفين تحت إطار ما يسمى بالبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والذي يرأسه السفير السعودي. وبموجب هذه الاتفاقيات يتم تمكين السعودية والإمارات من بسط سيطرتها على المواقع الاقتصادية النفطية والغازية والنقل، والإشراف على بعض المناطق والمحافظات الاستراتيجية الواقعة تحت الاحتلال.
وتوضح المصادر بأن تحالف العدوان استقدم معدات تنقيب ضخمة تعمل على تعميق الآبار النفطية المحفورة بهدف رفع معدل استخراج النفط. والعمل على استكشاف آبار نفطية جديدة في منطقة “القشعة” بحضرموت بهدف استنزاف الموارد النفطية ونهب عائداتها. وأضافت تلك المصادر إن أسطولاً من القاطرات يتولى نقل الكميات المنتجة من منطقة الخشعة المقدرة بنحو 40 ألف برميل يوميا إلى مصفاة صافر الواقعة تحت سيطرة الاحتلال والعملاء. ولفتت تلك المصادر اليمنية إلى أنه يتم تقاسم العائدات المالية بين قوات الاحتلال وعملائها والشركة الكنديةCal valley المنتجة والمشغلة لهذا القطاع.
ويؤكد مراقبون بأن أهداف الإمارات باتت جلية في اليمن، وذلك عبر مساعيها لفرض النفوذ في المناطق الاستراتيجية لليمن، ابتداءً من باب المندب والمخا في الساحل الغربي لتعز والجزر اليمنية في البحر الأحمر، مروراً بمدينة عدن ومينائها، الذي تحرك أبوظبي تجاهه حسابات مرتبطة بسعيها إلى إبقائه معطلاً من أجل الحفاظ على المكانة الاقتصادية لدبي. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تمتد أطماع الإمارات إلى مد النفوذ في شبوة وحضرموت، حيث المناطق النفطية والموانئ المتعددة، وصولاً إلى جوهرة اليمن الثمينة، متمثلة بجزيرة سقطرى الاستراتيجية في ملتقى البحر العربي والمحيط الهندي.