في الذكرى الستين لثورة 26سبتمبر.. سامي شرف مدير مكتب عبد الناصر يقول: ذهبت ثورة 23يوليو المصرية إلى اليمن للقيام بثورة 26سبتمبر والبداية من أغسطس 1953م والنهاية بتسليمها للوصي السعودي باتفاقية جدة 23اغسطس 1965م بانتظار نقلها لتل أبيب بالإخوان كما نقل السادات ثورة 23يوليو المصرية للكنيست الصهيوني 1979م
“خاص”
ثورة 26 سبتمبر والوصي السعودي
ثورة 26سبتمبر 1962م بالعنوان العام المُعلن نقلت اليمن من العهد الملكي إلى العصر الجمهوري وبخطاب ثوري يساري قومي أممي تحرري ضد الاستعمار الغربي والصهيونية الإسرائيلية والإمبريالية الأمريكية والرجعية السعودية وبأهداف ستة مُعلنه وبعد ثلاثة أعوام فقط من الثورة وفي أغسطس 1965م أصبحت ثورة 26سبتمبر تحت الوصاية السعودية عبر ما سمي الطرف الثالث المعتدل وعلى راسهم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.
وتلى ذلك تصفية ثوار 26سبتمبر في عدة منعطفات وأحداث تاريخية مأسوية دموية بتهم التطرف الثوري والتطرف الجمهوري وبتهم التكفير فمعظم الثوار من حركة القوميين العرب تيار “جورج حبش” وكانت حروب المناطق الوسطى بعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين التي اعتبرت ثورة 26 سبتمبر ثورة جاهلية وتحت الاقدام حسب تصريح القيادي الإخواني عبد الله احمد العديني وتم اغتيال الحمدي ثم تربع على السلطة الثنائي الحاكم عبدالله بن حسين الأحمر وعلي عبدالله صالح كعائلتين حاكمتين لا ثالث لهما وبالتوريث لأبناءهم من بعدهم كمخالفة لمفهوم النظام الجمهوري كحزبين حاكمين لا شريك لهما المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح الإخواني التكفيري وبوصاية القصر الملكي السعودي الذي افرغ كل مضامين ثورة 26سبتمبر اليمنية بعد افراغ اهداف ثورة 23يوليو المصرية.
وبعد عدوان مارس 2015م تم نقل القصر الجمهوري للقصر الملكي السعودي الذي عين دنابيع 8 بدلاّ عن الدنبوع تمهيداً لنقل ثورة 26 سبتمبر للكنيست الإسرائيلي تماماً كما نقل الرئيس المصري الراحل أنور السادات ثورة 23يوليو المصرية إلى العدو الإسرائيلي في مارس 1979م. وأمست كلا الثورتين في أحضان أعداء اليمن ومصر والوطن العربي والأمة الإسلامية الاستعمار الغربي وإسرائيل والإمبريالية والرجعية السعودية.
لذلك لا عجب ولا غرابة بان يحتفي قتلة الثورة والثوار الأبناء بعد الأباء بثورة 26سبتمبر من أحضان أعداءها وباشراف قوى الاحتلال الرجعية السعودية الاماراتية والفرنسية والأمريكية والبريطانية والاسرائيلية في سقطرى، ولذلك هم لايذكرون قادة الثورة الاوائل لا بالسابق ولا بالماضي من امثال جزيلان والجائفي وعبد الغني مطهر ومحمد قائد سيف ورئيس الحرس الوطني للثورة رئيس تحرير صحيفة الثورة الرسمية سعيد الجناحي.
ولايذكرون عبد الرقيب عبد الوهاب ولاعبد الرقيب الحربي ولا جار الله عمر ولا قوات المظلات والصاعقة، لان من قتلهم وكفرهم واقصاهم وهمشهم هم الأباء ولتختزل الثورة فقط بقتلة الثوار والشرفاء ولتختزل الثورة بسرق الخيرات ووكلاء شركات النفط الراسمالية ولتختزل الثورة بأدوات أمريكا والرياض فقط لاغير، وامتدادهم اليوم الأبناء والأدوات من أمثال حميد الأحمر وطارق عفاش وأشكال توكل كرمان وأحمد علي عفاش عوائل واحزاب، وهاهم يحتفلون بثورة النظام الجمهوري من قصور نظام ملوك الفساد والإفساد السعودي الإماراتي القطري من عواصم الاستعمار العثماني والانجليزي اتباع الصهيونية العالمية تل أبيب.
من هو سامي شرف
سامى شرف هو السكرتير الخاص ومدير مكتب جمال عبد الناصر من مارس 1955 الى ابريل 1970م، وقبل ذلك سامي شرف هو ضابط مصري واحد مؤسسي المخابرات المصرية بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م، وبتأريخ 31ديسمبر 2019م، نشر موقع الوعي العربي دراسة بعنوان “عبد الناصر وثورة اليمن” للمؤلف سامي شرف توثق بدايات التخطيط لثورة 26سبتمبر من مصر وننشر الوثيقة الدراسة كما وردت حرفياً:
دراسة: عبد الناصر وثورة اليمن – بقلم / سامي شرف
“لقد ارتكزت ثورة يوليو فى تخطيط إستراتيجيتها وترتيب أولوياتها على فكرة التحرر؛ كفكرة محورية فى كل تحركاتها، وجاء الوطن العربى فى مقدمة الدوائر التى يجب العمل من أجل تحريرها تمهيدا لوحدتها الشاملة، وإقامة نظام للأمن القومى العربى يمتلك عناصر القوة اللازمة لمواجهة التهديدات الخارجية.
وإذا كانت فكرة التحرر تستهدف فى الأساس مقاومة النفوذ الأجنبى فى كل صوره وأشكاله، فقد كانت مقاومة التخلف فى كل أشكاله أيضا أحد الأهداف الذى رأت فيه الثورة مدخلا ضروريا لإقامة النظام الأمنى المشار إليه، وأستطيع أن أقول أنه بالنسبة لهذا الشق الأخير؛ أى التصدى للتخلف فقد انتظرت الثورة مبادرة القوى الوطنية فى كل دولة عربية على حدة باتخاذ الخطوة الأولى، وعندما كانت تأتى هذه القوى إلى القاهرة فإنها تلقى كل ترحيب وتجاوب؛ إيمانا من جانبها بأن هذه القوى لابد أن تأخذ فرصتها فى الانتقال بشعوبها إلى آفاق العصر، وتنفض عنها قيود الطبقات والاستغلال الداخلى، أضف إلى ذلك أن غالبية هذه الدول كانت الحماية فقط لشخوص قادتها وامتلاك وسيلة للتعبير عما يظنوه صوابا.
وسواء كان الهدف هو مقاومة المستعمر الأجنبى أو تحقيق الإصلاح الداخلى فلم تدخر القاهرة جهدا فى دعم هذه الحركات، ودعم تماسكها الداخلى، يستوى فى ذلك احتضان مصر لثوار الجزائر، ودعم توجههم النضالى المسلح، أو استضافة الزعامات الوطنية القادمة من المغرب وتونس وليبيا، وإعطائهم الفرصة للتعبير عن أهدافهم من داخل مصر، ومن خلال أجهزتها الإعلامية، ولم ترد القاهرة أى حركة وطنية أو كوادر عربية جاءت تطرح أفكارها ومشروعاتها الوطنية للتحديث والتغيير، وقد لا أذيع سرا إذا قلت أن هذا الاتجاه شمل كل الدول العربية بما فى ذلك المملكة العربية السعودية التى جاء منها وفى أكثر من مناسبة كوادر وطنية بل وبعض القيادات الشابة ـ فى ذلك الوقت ـ طرحوا أفكارهم وأهدافهم من التغيير، وكان علىّ شخصيا مهمة التنسيق معهم، والاستماع إليهم وإلى مطالبهم وتقديم النصح والإيضاحات لهم.
أقول أن هذا الخط كان منهج القاهرة فى كل أرجاء الوطن العربى، وذلك باستثناء اليمن، فقد جاءت المبادرة الأولى من جانب ثورة يوليو 1952 وليس العكس وكان لذلك ما يبرره لقد كانت اليمن من أشد مواقع الوطن العربى تخلفا وانعزالا عن كل ما يجرى فى العالم ، فقد كان يحكمها نظام الإمامة على رأسه أئمة زيود استأثروا بالسلطة الروحية والزمنية لأكثر من ألف ومائة عام متصلة.
والزيدية فرقة أسسها زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، ودون ما الدخول فى تفاصيل، التقى بعد ذلك مع الإمام أبى حنيفة النعمان وكانت حركة شيعية سنية معتزلة؛ شيعية فى الأصول، حنفية فى الفقه والفروع. وكانت هناك شروط أربعة عشر لمن يتولى الإمامة وهى: ”ذكر ـ حر ـ مجتهد ـ علوى ـ فاطمى ـ عدلا ـ سخيا ـ ورعا ـ سليم العقل ـ سلم الحواس ـ سليم الأطراف ـ صاحب رأى وتدبير ـ مقدام وفارس” وأن تكون الإمامة بالانتخاب والبيعة الشعبية وليست بالوراثة.
وقدم الزيود إلى اليمن سنة 900 ميلادية، وأول من تولاهم الإمام الهادى، وبعد أن استقر بهم الحكم انقلبوا على مبادئ زيد بن على، وحكموا حكما مطلقا وسخروا القضاة فى تبرير كل تصرفاتهم. وقد انتهج حكم الإمامة أساليب غاية فى الغرابة فى تأمين استمرار يته.. أساليب فاقت ما كان معروفا فى العصور الوسطى؛ تنوعت ما بين ترويج الأساطير عن قدرة الإمام وكراماته فى مواجهة كل من يتآمر ضده، وأن الإمام هو ظل الله على الأرض، وأنه يحتل المرتبة الثالثة بعد الله ورسوله (ص)، وأنه لا يغلب ولا يقطع السيف رقبته أو يخترق الرصاص جسده، ويسخر الجن ويتحول إلى طائر أخضر يذهب للصلاة فى الكعبة كلما أراد، وأن من ينتقد الإمام بقلبه كان منافقا، ومن ينتقده بلسانه فهو زنديقا، ومن خرج عليه كان كافرا.
وكان نظام الإمامة فى اليمن يقاوم وجود جيش أو قوة عسكرية من أى نوع يمكن أن تكون مصدر خطر فى يوم من الأيام، ويلجأ إلى استخدام أساليب الدس والوقيعة بين القبائل بعضها البعض، والاحتفاظ بأبناء زعاماتها، ومنهم من كان طفلا يؤخذ ومعه أمه، كرهائن فى صنعاء لمنع أى منها من التمرد على الإمام، وتتكفل القبيلة بنفقات الطعام والملبس للرهينة، ويتكفل الإمام بالمأوى والقيود، وكان عدد الرهائن يتراوح ما بين الألف والأربعة آلاف.
كان الإمام يتحكم فى ثروات البلاد، ويستخدم وسائل المنح والمنع لضمان الولاء فى كل أرجاء اليمن، وتعميق الانقسام الطائفى بين شوافع وزيود، ويملك الأرض والبشر ولا حاجة للرعية أن يتعلموا أكثر من الفاتحة وفرائض الصلاة. كانت المدارس فى اليمن كله ، ثمانية فقط, وثلاثة من الأطباء الأجانب هم الذين يتولون متابعة أحوال الصحة العامة فى اليمن، وكان الإمام يجسم الخلافات بين القبائل وطوائف الشعب فى وقت لا توجد فيه فوارق حقيقية سواء على المستوى الثقافى أو العقيدى بينهم.
كانت اليمن تمثل عنصر توازن يستعين به الاستعمار البريطانى فى الجنوب العربى المحتل والأنظمة التقليدية الأخرى فى شبه الجزيرة العربية كجدار دفاع ضد تيارات التغيير والتقدم القادمة من الشمال العربى، وتعتبرها منطقة عازلة بين التقدم والتخلف. وقد كانت هذه القوى ـ أى الاستعمار البريطانى والرجعية العربية ـ أقوى مصادر الدعم لحكم الأئمة فى اليمن، وعامل الضعف الرئيسى فى أى تخطيط ثورى يستهدف هذا الحكم، ولقد لعبت القوتان أدوارهما فى إفشال عديد من الحركات الثورية التى سبقت ثورة 26سبتمبر 1962.
كانت اليمن ـ ومن وجهة النظر العربية ـ نقطة ارتكاز حيوية فى الأمن القومى المصرى والعربى بحكم موقعها الإستراتيجى فى جنوب البحر الأحمر وفى مواجهة السودان والقرن الإفريقى وباب المندب، وأدركت الثورة فى مصر مبكرا أن أى تغيير سياسى فى اليمن يمكن أن يحدث ردود فعل إيجابية لصالح حركة التحرر الوطنى فى الوطن العربى كله.
لهذه الأسباب فلم ينتظر قادة ثورة يوليو قدوم الكوادر الثورية فى اليمن إليها؛ بل حرصت هى على الذهاب إليهم ، وكان ذلك فى العام 1953، ففى ذلك الوقت كانت المواجهات بين الثوار فى اليمن ونظام الإمامة قد أسفرت عن هروب بعض من عناصرها إلى مصر، وأقاموا ما سمى بالنادى اليمنى لكن الإقامة الهادئة المستقرة كانت قد استهوتهم، وغلبت عليهم نوازع الذاتية، بل وتسلل بينهم العديد من عملاء الإمام اليمنى الذى حرص باستمرار على استقطابهم وإمدادهم بالمخصصات، وإثارة الانقسامات بينهم عن طريق عناصر سفارته فى القاهرة، وبين أعضاء الجالية اليمنية والدارسين المصريين فى الجامعات المصرية.
ورغم ما كان إمام اليمن يكنه من حقد على ثوار يوليو، وما يشعر به من مخاوف شديد من امتداد رياح الثورة إلى بلاده ، فلم يشأ فى أى مرحلة وحتى وقوع الانفصال على الاصطدام بهم، وكان يحرص على مداراتهم والمحافظة على علاقات هادئة معهم مما ساعد فى الوقت نفسه للاستفادة من تحسن العلاقات المصرية السعودية الذى كان سائدا فى هذه الفترة من الخمسينات.
وعندما فكر الرئيس عبد الناصر فى اتخاذ الخطوة الأولى فى اليمن، كان يدرك حجم الصعوبات التى تكتنف هذا العمل ؛ لقد أدرك من خلال ما يصل إليه من تقديرات سياسية وأحاديث الزعامات اليمنية فى القاهرة أن التخلف الرهيب هو نقطة القوة فى حكم الإمام نفسه، وإذا كان حكم الملك فاروق فى مصر قد شكل أضعف حلقات الأوضاع فى مصر قبل سنة 1952، فقد كان الحال بالنسبة لحكم الإمام على عكس ذلك فى اليمن حيث مكن هذا الحكم لنفسه على مدى قرون طويلة بكل الوسائل الممكنة كما شرحنا، ولم يكن فى اليمن استعمار أجنبى بالمعنى المفهوم الذى يمكن تجميع القوى الوطنية للعمل ضده.
كان الرئيس عبد الناصر يدرك أيضا محاذير العمل فى اليمن خاصة بالنسبة للقوى المجاورة له فى السعودية وعدن، والنفوذ البريطانى فى منطقة الخليج، وأمام معارك الثورة فى الخمسينات فلم يكن راغبا أو قادرا على فتح جبهة جديدة تختلط فيها الأوراق العربية بالأجنبية، ومن ثم فقد حرص على التعامل مع اليمن بحذر شديد مفضلا توظيف عامل الوقت بأحسن طريقة ممكنة.
ولكن ما أريد أن أقوله فى هذه المرحلة أن دعم مصر لثورة اليمن لم يكن وليد ليلة 26سبتمبر 1962، ولم يكن مجرد رد فعل لردة الانفصال، وتعبير عن رغبة فى استعادة التوازن لصالح التيار القومى، أو انتقام من تآمر الملك سعود والقوى الاستعمارية والقوى الرجعية على دولة الوحدة، أو غير ذلك من الأسباب التى يتبناها كثير من الباحثين والسياسيين فى أيامنا الحاضرة، بل كانت اليمن حاضرة فى تفكير ثوار يوليو منذ فترة مبكرة جدا من عمر الثورة.
لقد تلقت المخابرات العامة المصرية ـ التى كانت قد أنشئت عام 1952 برئاسة زكريا محى الدين ـ أول تكليف بدراسة الأوضاع فى اليمن، وما يجب عمله، وما هو دور ثورة يوليو إزاء اليمن، وكان ذلك فى وقت مبكر من سنة 1953، وحسبما أذكر فى أغسطس من سنة 1953 حيث تولى الزميل فتحى الديب هذه المسئولية بحكم توليه رئاسة فرع الشئون العربية منذ أن نقل للعمل فى المخابرات العامة فى شهر أكتوبرسنة1952، وقد كلفه الرئيس جمال عبد الناصر بإعداد خطة لتحرك الثورة فى النطاق العربى، وكما أذكر أيضا.
أن اجتماعات عديدة تمت فى منشية البكرى حضرها كلا من السيد زكريا محى الدين وفتحى الديب حتى تم إعداد مشروع الخطة بشكل عام، ومن ثم تقرر أن يقوم فتحى الديب بزيارات ميدانية لتأكيد وتجميع معلومات، وخلق اتصالات مع الشخصيات الوطنية الموثوق فى خطها الوطنى والقومى من خلال جلسات عمل وحوارات مع هذه القيادات ثم العودة بعد ذلك إلى القاعدة فى القاهرة لاستكمال الحوارات المطولة مع القيادات اليمنية المقيمة فى القاهرة وفى مقدمتهم القاضى محمد الزبيرى وغيره من القيادات الوطنية، ثم توجه فى جولة استطلاعية للمرة الثانية فى اليمن فى شهر أكتوبر 1953.
كانت اليمن هى نقطة الانطلاق الأولى فى النشاط العربى الذى كلف بإدارته السيد فتحى الديب الذى استعان بإمكانيات المخابرات العامة فى التحضير الجيد لهذا التحرك. فقد استعان بأفرع الجهاز فى حصر القيادات السياسية اللاجئة بالقاهرة، والتعرف عليها وكذا العناصر الطلابية التى كانت تتلقى الدراسة فى القاهرة، إلى جانب جمع أكبر قدر من المعلومات عن العناصر المصرية المنتدبة أو المعارة للعمل فى أرجاء الوطن العربى بما فى ذلك اليمن، وقد قمنا من ناحيتنا فى القسم الخاص بالمخابرات العامة ـ وكنا نحن مسئولين عن الداخل ـ بمعاونة فتحى الديب فى التعرف على العناصر السياسية والطلابية ذوى الاتجاه الوطنى والقومى من بين الوافدين العرب فى مصر، وكذا المصريين المعارين للبلاد العربية.
وهكذا كانت زيارة فتحى الديب لليمن فى أكتوبر 1953 مستندة إلى قدر لا بأس به من المعلومات يمكن أن تكون كافية لتوفير رؤية واضحة للتحرك ليس فى اليمن فقط، بل فى محميات الجنوب العربى التى كانت خاضعة فى ذلك الوقت للحكم والاستعمار البريطانى، وكانت عدن فى ذلك الوقت تمثل محطة الوصول الوحيدة للسفر بالطائرة إلى اليمن.
فى ذلك الوقت تشكلت لدى فتحى الديب فكرة أن أكثر العناصر الوطنية صلاحية للإتصال بها هو العقيد أحمد الثلايا ، وهو أحد الضباط الذين حاولوا القيام بانقلاب ضد الإمام يحيى فى عام 1948، وأفرج عنه الإمام أحمد بعد ذلك، وقربه إليه فى محاولة لاحتوائه لما عرف عنه من قوة شخصيته وصلابته؛ فضلا عن قدرته على اكتساب احترام اليمنيين سواء فى داخل الحكم أو خارجه، وخاصة فى أوساط القبائل التى كانت تعد مصدرا رئيسيا للقلاقل ضد الإمام.
وقد حرص فتحى الديب خلال رحلته هذه أن يحمل معه آلة تصوير بدعوى أنه يهوى التصوير ، ولكن الهدف الرئيسى كان رغبته فى تسجيل كل لقاءاته والشخصيات التى يقابلها حتى يمكن دراستها بعد عودته للقاهرة، وكان قد اتخذ ساترا لرحلته هذه وظيفة مفتش بوزارة الخارجية؛ بغرض التفتيش على السفارة المصرية فى صنعاء التى لم تكن تضم أكثر من أربعة أفراد هم القائم بالأعمال وأمين المحفوظات واثنين من السعاة . ونزل بالفعل فى عدن بعد رحلة على طائرة الخطوط الجوية البريطانية BOAC, وقضى بها ثلاثة أيام أمكن خلالها إجراء بعض الاتصالات مع عناصر هناك.
ثم بدأ رحلته البرية إلى داخل اليمن، وفى رحلته من عدن إلى صنعاء مر بعدد من المدن ومناطق اليمن تعرف خلالها على الطبيعة على أوضاع اليمن الحقيقية، وكان مما لفت نظره خلال هذه الرحلة التى سجلها تفصيليا فى كتابه: ” عبد الناصر وحركة التحرر اليمنى ” ، أن كل قبيلة قد شيدت بوابة تحصيل رسوم من كل زائر يود أن يعبر المنطقة الخاضعة لسيادة القبيلة، كما التقى خلال الرحلة فى مدينة تعز بالعقيد أحمد الثلايا وفقا لترتيب خاص، وقد قدم له شرحا وافيا عن الأوضاع، ومطالبه من قادة ثورة يوليو المصرية، كما أوعز إليه بالنقاط التى يحتمل أن يثيرها الإمام أحمد فى لقائه معه، وكان من بين هذه النقاط طلب أربعة ضباط مصريين اثنين لإعادة تنظيم الجيش، واثنين لإعادة تنظيم الشرطة اليمنية.
وكان هذا الطلب بمثابة فرصة ذهبية لمعرفة حقيقة الوضع اليمنى من أهم مداخله، الجيش والشرطة، كما تم الاتفاق مع العقيد الثلايا على ترتيب اتصال منتظم مؤمن بينه وبين القاهرة، وكان الهدف الرئيسى من التعاون معه هو دعم العناصر الوطنية من ضباط الجيش وجنوده.. مع تحديد موقف القبائل قدر الإمكان، وقد طلب الثلايا لدعم تحركه المنتظر إرسال طائرتين مصريتين بعلامات يمنية لاستخدامها فى إرهاب القبائل المعادية حال تحركه، وتدخل الرئيس عبد الناصر لتحييد الموقف السعودى.
وقد نصحه فتحى الديب بعدم التسرع بتنفيذ تحركه حتى تتهيأ الظروف الملائمة لنجاحها مع إخطارنا قبل الموعد بأربع وعشرين ساعة على الأقل. وفى تعز التقى فتحى الديب بالإمام أحمد فى اجتماع استغرق ساعتين طلب فى نهايته إمداده ببعض المدرسين لاستكمال النقص الموجود لديهم، ولم يثر موضوع طلب الضباط الأربعة، وكان تقييم فتحى الديب للإمام الذى ضمنه تقريره عن المقابلة أنه رجل يحمل كراهية لثورة يوليو، ويتسم بالذكاء الخارق والعناد الشديد، والتصميم على إبقاء الشعب اليمنى بعيدا عن التفاعل مع مواطنيهم العرب أو الخارج عموما.
وقد أعد فتحى الديب تقريرا وافيا عن رحلته تتلخص أهم نقاطه حسبما أذكر فى الآتى:
1- أن الشعب اليمنى يحكم حكما ديكتاتوريا فرديا ذا طابع استبدادى يحرم على الشعب حريته وقدرته على الحياة المستقرة المطمئنة، بما للإمام من رهبة وما أوجده من رعب من خلال عملائه الذين دسهم فى كل مكان لينقلوا إليه كل صغيرة وكبيرة.
2- يسيطر الإمام على الوضع بصورة غريبة، فهو الآمر الناهى، وهو المتصرف الوحيد فى مقدرات الشعب وتحرك أو تصرف أى إنسان محكوم بأمره فقط، وإذا اعتكف توقف شريان الحياة فى اليمن، وكما قال فتحى الديب كان الإمام اليمن واليمن هو الامام.
3- ينقسم الشعب اليمنى إلى طائفتين، الزيدية والشوافع. الزيدية تقيم فى المنطقة الداخلية الجبلية بكاملها ناحية الشمال، وتعيش الشافعية على السواحل وفى الجنوب حيث الأرض المنبسطة، ويرتفع فوق مستوى الطائفتين طبقة السادة ورغم أنهم من الزيود إلا أنهم الطبقة المميزة المسيطرة بحكم انحدار الإمام منها على الحكم، فمنها محافظو الأقاليم ورجال السلطة ومعاونو الإمام، ويشكلون الفئة الممتازة المسموح لها بالسيطرة من خلال مساندة الإمام لهم على مقدرات الشعب ينهبونها بلا رادع، ويفرضون الإتاوة كحكام ليقتسموا مع الإمام ما يجنونه من أموال الشعب سواء فى البادية أو فى المدن ولا يحكم تصرفاتهم قانون أو ضمير.
4- تجسد القبائل القوة الرئيسية والفاعلة فى اليمن، فهى بحكم تنشئة أفرادها فى أرجاء المنطقة الجبلية الوعرة وتحت لواء النظام القبلى ووسط أرض تكاد تعطى القدر القليل من خيراتها من شعير وقمح، نشأ أفرادها متسمين بالخشونة والقدرة القتالية الممتازة مستفيدين من ظروف البيئة وحاجتهم للدفاع عن أنفسهم من غارات القبائل الأخرى؛ الأمر الذى كان يحسن الإمام استغلاله لإثارة القبائل على بعضها البعض ليضمن انشغالها فى الاقتتال لضمان وتفادى غاراتها على المدن بحثا عن لقمة العيش، وممارسة السلب والنهب أو ليتخذ من بعضها أداة لتأديب القبيلة التى تخرج عن طاعته، وبذلك اكتسبت القبائل قدرات قتالية جعلتها قوة يجب أن يحسب حسابها عند التفكير فى القيام بأى إجراء ثورى، قبل القيام به، تفاديا لأخطار تدخله.
5- يعمد الإمام بحكم دراسته العميقة لطبيعة تكوين الشعب اليمنى من زيود وشوافع إلى إثارة نفوس الفريقين من خلال تقريبه لبعض عناصر إحدى الفئتين فترة ما، ثم إبعادهم ليحل محلهم عناصر الطائفة الثانية، فأوغر نفوس الطائفتين ضد بعضهما ليتفادى توحد كلمتهم حتى لا يشكلوا خطرا مباشرا يهدد عرشه.
6- ترتب على الوضع المتردى الذى يعيشه شعب اليمن واستغلال الإمام المستمر له أن تقاعس الفلاحون عن زراعة الأرض رغم الخصوبة العالية التى تتمتع بها، والمياه التى تتفجر من جبالها لتذهب عبر الأودية لتتجمع فى المحميات الجنوبية ليحسن الإنجليز استخدامها فى زراعة احتياجات قواتهم فى محمية عدن. وكان من الطبيعى أن تهرب الأسر اليمنية وخاصة طائفة الشوافع إلى خارج البلاد سواء إلى محمية عدن التى يمثل مهاجرو اليمن من قبائل الحجرية الشافعية 80% من سكانها، أو إلى الحبشة والسودان والسعودية أو أمريكا وبريطانيا هروبا من الضرائب الفادحة التى يجبيها الإمام والتى وصلت إلى 90% من إنتاج الأرض؛ وبذلك تناقص تعداد سكان اليمن من ثمانية ملايين سنة 1900 إلى 5ر3 مليون سنة1952.
7- ينفرد اليمن بنظامه المالى، فكل اقتصاديات البلد فى يد الإمام شخصيا وما تسمى بالحكومة أو وزراء المال وغيرهم ما هم إلا صور آدمية تتمتع بمجرد حمل اسم الوظيفة شرفيا، وقد اختار الإمام شريكا له فى استغلال أموال الدولة واستثمارها لصالحه الشخصى المدعو على الجبلى، وهو أحد تجار عدن ممن كونوا ثروتهم عن طريق الاتجار مع إسرائيل بدعم من الحاكم البريطانى لعدن نظير عمالته لبريطانيا فى التجسس على شئون اليمن، وأصبح هذا العميل المتصرف الأول والبنك المتنقل لتصريف شئون اليمن خارجيا وداخليا طبقا لأوامر الإمام شخصيا.
8- اختط الإمام لنفسه سياسة حرمان الشعب اليمنى من الثقافة استنادا إلى النتيجة التى بدت واضحة له من خلال انقلاب فئة المثقفين الذين أتاح لهم والده الإمام يحيى فرصة تلقى الثقافة العسكرية والمدنية خارج اليمن، ولذلك حصر الثقافة فى مدرستين دينيتين اقتصر التدريس فيهما على دراسة أصول الدين والشريعة الإسلامية متيحا فرصة التعليم فقط لأبناء الأسرة الحاكمة وتوابعها الموالين لها، الأمر الذى دفع بعض الشبان من أبناء الشعب إلى الهرب من اليمن واللجوء إلى القاهرة أملا فى الحصول على العلم وتثقيف أنفسهم، وكان منهم نواة الشباب الأحرار ـ الذين سيجىء دورهم حين التعرض لانتفاضة الثلايا ثم من بعد ذلك حركة 26سبتمبر1962.
9- بدا واضحا من خلال مقابلاته واحتكاكه بأفراد أسرة حميد الدين من الكبار والشباب تخلخل الرباط الأسرى فيما بينهم لانفراد الإمام بكل السلطة والمال مما جعل بعضهم يضمر السوء للإمام ونجله البدر، مما دفع لانغماس بعض اخوة الإمام فى شرب الخمر والانحدار الخلقى تحت ضغط الفقر.
10- الجيش اليمنى ـ إذا جاز أن نسميه بالجيش ـ عبارة عن خليط غير متجانس من العناصر التى لا هم لها إلا المعيشة على حساب الآخرين سواء كانوا أفراد الجيش النظامى حسب ادعائهم أو الجيش ”البرانى” (القبلى) ، ويرجع ذلك إلى أن ما يحصلون عليه من مرتبات شهرية يتضمنها مأكلهم ومشربهم هو خمسة ريالات يمنية، وهى لا تكاد تغطى مأكل الفرد ليومين فقط، ناهيك عن ثمن القات، ولذا فقد فرض الجنود أنفسهم على الشعب ليغتصبوا ما يسد حاجتهم فى إطار حملات جباية الضرائب التى يقومون بها لصالح الإمام.
أما المستوى العسكرى سواء فى إطار الانضباط العسكرى أو القدرة القتالية فهى قدرات فردية ليس إلا ، وبالنسبة للعتاد والتسليح ، فالبندقية هى السلاح الرئيسى وكلها من مخلفات الحرب العالمية الأولى التى لم تجد سوقا لتسويقها غير اليمن. وبصفة عامة لا يمكن أن يوصف الجيش اليمنى بأكثر من أنه مجموعة من الأفراد، ولاؤهم الأول لقبائلهم، ثم يأتى الولاء للإمام فى المرحلة الثانية، وإن كان يضم بعض الضباط القلائل ممن تلقوا علومهم العسكرية بالعراق، وبمضى الزمن وبحكم احتكاكهم ونظام معيشتهم اليومية فقدوا كل معرفة بما حصلوه فى الماضى، وإن احتفظوا ببعض الذكريات عما يعرف بالنظام العسكرى فيما عدا قلة تعد على أصابع اليد الواحدة.
11-رسم الإمام خطته ليفرض على الشعب اليمنى المعيشة فى غيبوبة مستمرة بتشجيعه إدمان القات وتوفيره للشعب من خلال اقتلاع ثروة اليمن الحقيقية، ممثلة فى أشجار البن ليزرع مكانها القات، وبذلك ضمن استعادة كل ما يدفعه من مرتبات أو مكافآت لعيونه ثمنا للقات الذى يزرعه فى أملاكه الشخصية فى الجبل الأخضر ؟، بالإضافة إلى تأمين سلامة حكمه بإغراق أفراد الشعب فى التحلل الجسدى ؟والعقلى ؟المصاحب لتناولهم القات ؟ وانشغال الجميع اعتبارا من ظهر كل يوم فى جلسات القات الصامتة حيث يسبح كل فرد فى سماء الخيال بعيدا عن أى إحساس بالواقع من حوله. وكان من الطبيعى أن يترتب على ذلك انتشار الأمراض وتحلل القيم والتقليد الدينية؛؟ ومن خلال هذا الوضع الفريد والغريب كان طبيعيا أن تعيش اليمن فى حالة التخلف التى يعانى منها الشعب.
12-ومن هذا الاستعراض يتضح الأسباب الكامنة وراء معاهدة عدم الاعتداء التى أبرمها الإمام مع بريطانيا؟، والتى لا تطمع فى أكثر من بقاء الشعب اليمنى على وضعه هذا تجنبا لأى تدخل فى سيطرتها على عدن ـ القاعدة البحرية ـ التى مكنتها وتمكنها من السيطرة على مدخل البحر الأحمر؛ بالإضافة إلى سيطرتها على تجارة اليمن من جانب آخر عن طريق ميناء عدن باعتباره المنفذ الوحيد للتعامل مع الخارج نظرا لتعامل اليمن بنقدها الخاص (ريال ماريا تيريزا) وغير قابل التعامل به سوى فى عدن فقط. وهكذا سيطر الإمام على اليمن وبريطانيا على الإمام ؟بطريقتها الخاصة.
13-التوصيات المقترحة:
(1) الإعداد الدقيق لكافة العوامل المؤثرة على الوضع فى اليمن .
(2) التخطيط المتكامل للعملية فى تعاون وثيق مع العقيد الثلايا باعتباره الشخصية الوحيدة ذات السمعة الطيبة والمحبوبة والقادرة على اكتساب ثقة الشعب.
(3) التخطيط لتأمين الوضع بعد حدوث التغيير وتفادى المشاكل التى ستترتب على عملية التغيير وخاصة من جانب المملكة العربية السعودية.
(4) طمأنة الإمام من جانب ثورة 23يوليو ؟ بزيارة أحد المسئولين المصريين لليمن والاستجابة لكافة مطالبه مع اختيار العناصر الواعية التى تعار لليمن وإعدادها لتكون سندا فى حال حدوث التغيير.
(5) ربط الشباب اليمنى من الدارسين فى إطار التجمع الوطنى اليمنى وإعداد الصالح منهم عسكريا بما يحقق الاستفادة منهم لصالح الأوضاع المستقبلية.
وقد وافق الرئيس جمال عبد الناصر على التوصيات، وأمر بالبدء فى تنفيذ المقترحات فى إطار من السرية، مع مواصلة الاتصال بالأحرار اليمنيين فى القاهرة لمتابعة دراسة وأسلوب ووسائل الإعداد، وتم بالفعل البدء فى الإعداد بعد أن تم تقييم دقيق وانتقاء العناصر اليمنية الطلابية التى وقع الاختيار عليها ليتم تدريبهم وإعدادهم نضاليا لممارسة دورهم سواء فى تنظيم عملية الاتصال بالداخل أو التدريب العسكرى والفنى.
فى أعقاب مأمورية فتحى الديب بدأ تحرك مصرى شامل لكل الوطن العربى ، وكانت أهم عناصر هذا التحرك تشكيل وفد مصرى برئاسة عضو مجلس قيادة الثورة الصاغ صلاح سالم لإتمام جولة فى عدد من الدول العربية كان من بينها اليمن، وكان هذا الوفد يضم فى عضويته كل من محمود رياض وفتحى الديب وعبد القادر حاتم وسامى شرف وأحمد صالح داود، ووصل الوفد إلى مدينة تعز فى الأسبوع الأول من يوليو1954 حيث استقبله هناك شقيق الإمام أحمد الأمير عبد الله.
وكانت ثورة يوليو فى تلك الفترة قد بدأت تؤتى بعض ثمارها تدريجيا؛ والتى كان من أهمها مقاومة سياسة الأحلاف وإبرام اتفاقية السودان، وبلوغ مفاوضات الجلاء البريطانى عن مصر نهايتها تقريبا.
عقد الصاغ صلاح سالم ثلاثة اجتماعات مع الإمام أحمد شرح له فيها الأسباب التى أدت إلى قيام ثورة يوليو وأهدافها على الصعيدين الداخلى والعربى، وأكد على عدم وجود أية أطماع لمصر فى أى بلد عربى؟؟؟، بل على العكس فإنها مستعدة للمساهمة بكل إمكانياتها لتقديم المساعدات الممكنة لأى قطر عربى، ودعم قدراته الدفاعية عن أرضه. كما شرح الإمام من جانبه وجود تهديد بريطانى لبلاده من الجنوب، وطرح فى نهاية الاجتماعات مطلبه بإرسال بعثة عسكرية مصرية وأخرى من الشرطة المصرية على أن تضم كل بعثة ضابطين قادرين على وضع خطة لتطوير الجيش وجهاز الأمن فى اليمن.
وبرغم ما بدا من عدم جدية الإمام فى تزويد البعثتين بالصلاحيات اللازمة إلا أننا وجدنا فيهما الفرصة للتواجد المباشر فى الساحة اليمنية كما سبق أن أشرت، ومن ثم فقد استجاب الرئيس جمال عبد الناصر على الفور على تشكيل البعثتين، وطلب التفاهم مع كل من اللواء عبد الحكيم عامر والبكباشى زكريا محى الدين لترشيح العناصر الصالحة لهذه المهمة. وبالفعل فقد تم اختيار الصاغ أحمد كمال أبو الفتوح واليوزباشى محمود عبد السلام من القوات المسلحة، والصاغ عبد الله حامد واليوزباشى مصطفى الهمشرى من البوليس.
وجرى تلقين هذه المجموعة بالمهمة المكلفين بها فى اليمن، وكان فى مقدمة عناصرها كسب ثقة الإمام أحمد، وجمع أكبر قدر من المعلومات عن طبيعة الأوضاع هناك.. كما تم مصارحة الصاغ أحمد كمال أبو الفتوح بتفاصيل ما تم الاتفاق عليه مع العقيد أحمد الثلايا مع التنبيه عليه بضرورة التشدد فى مراعاة قواعد الأمن والسرية الصارمة فى الاتصال به تأمينا له من جواسيس الإمام؟، كما تم تزويده بشفرة خاصة للتراسل مع المخابرات العامة والرئاسة.
وبالطبع فقد خضعت البعثتان لاختبارات قاسية من جانب الإمام ومعاونيه، وبدا أنه يتعمد إثارة أفرادهما فى كثير من الأحيان، وإيجاد الأسباب لإعادتهما إلى القاهرة، ولكن أثبت جميع الأعضاء قدرات فائقة على التحمل وتفويت الفرص على الإمام، وكانت البعثتان بمثابة همزة وصل بين ثوار اليمن فى الداخل وأحراره فى الخارج، فى نفس الوقت الذى كان يواصل فيه العقيد احمد الثلايا التحضير التدريجى لتحركه فى الداخل، ونجح إلى حد كبير فى استقطاب بعض زعماء القبائل ، كما نجح فى استقطاب شقيق الإمام الأمير عبد الله! حتى كسبه إلى جانبه وسعى لتأليبه على الإمام.
وعلى المستوى الرسمى كانت هناك اتصالات طبيعية ومنتظمة مع النظام اليمنى، فقد زار الأمير البدر، ولىّ العهد القاهرة فى 21يوليو1954، وحاول الإمام الاستفادة من هذه الزيارة فى إظهار دعم ثورة مصر لنظامه فى نفس الوقت الذى تم فيه ترتيب لقاء بين البدر وأحرار اليمن المقيمين فى القاهرة فى محاولة للانفراد به وتدعيم العلاقات معه باعتباره الأكثر قدرة على تأمين مستقبل اليمن، وقد نجحت المحاولة بالفعل إلى حد كبير حتى أن الأمير البدر اختار أحد شباب اليمن المقيمين فى مصر وهو الشاب محسن العينى كسكرتير خاص له، ومستشاره المقرب لمعاونته فى تنفيذ ما يكلفه به الإمام أحمد. وقد طلب الأمير البدر خلال زيارته أيضا موافاته ببعثة تعليمية مصرية.
وكان العقيد أحمد الثلايا يواصل تحضيراته للثورة يعاونه فى ذلك عن بعد القاضى أحمد الزبيرى الذى تخصص له برنامج خاص فى إذاعة صوت العرب يوجه من خلاله أحاديثه للشعب اليمنى، والذى يشرح من خلالها أوضاع حكم الإمامة، وكانت هذه الأحاديث مصدر إزعاج كبير للإمام مما دفعه لمحاولة التقارب مع القاهرة.
وكانت طلبات الثلايا من القاهرة تتلخص فى الاعتراف الفورى بالوضع الجديد فى اليمن، وحث باقى الأنظمة على الاعتراف، وتزويد الثورة اليمنية بأربع طائرات حربية مصرية بطياريها لردع أى قبيلة تحاول القيام بتحرك مضاد، إلى جانب وصول بعثة عسكرية وفنية لمساندة قيادة الثورة فى إحكام سيطرتهم على الوضع. وفور استقرار الوضع الجديد تقوم مصر بإمداد اليمن بعدد من المتخصصين فى كافة مجالات الإدارة والحكم لوضع الأسس الجديدة للنظام الثورى الجديد.
لكن العقيد الثلايا أقدم على التحرك فى الأسبوع الأول من إبريل1955، وقبل إتمام التنسيق مع القاهرة مما شكل فى توقيته مفاجأة للقاهرة لم تكن تتوقعها، وكانت القاهرة فى تلك الفترة تشهد اجتماعات مستمرة مع رؤساء الحكومات العربية لاتخاذ موقف مناسب لمواجهة خطط إنشاء حلف بغداد، وكانت السعودية من جانبها تتخذ موقف المساندة والتحالف مع مصر فى هذه المعركة.
وفى يوم قيام الثورة كان الأمير فيصل آل سعود متواجدا فى القاهرة، وقد بادر بالاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر، وطلب إليه تعاون مصر والسعودية فى اتخاذ موقف مشترك على ضوء حقائق الموقف التى لم تكن قد اتضحت بعد، ومن ثم طلب تبادل المعلومات معنا حتى يمكن تحديد معالم الصورة وما يجرى من أحداث فى اليمن، وبناء عليه طلب الرئيس عبد الناصر التريث فى اتخاذ أية إجراءات، وكان العقيد الثلايا قد طلب إيفاد فتحى الديب ليكون بجانبه فى مثل هذه الظروف ولتلبية الطلبات التى سبق أن أشرت إليها.
وفى ضوء ما بدأ يرد من معلومات عن صراعات القوى داخل اليمن، ووقوف بعض القبائل إلى جانب الإمام، وتمكن الأمير البدر من الهروب إلى منطقة حجة ونجاحهم فى استنفار بعض القبائل الموالية للإمام الذى نجح بدوره فى تأليب القبائل الزيدية المناصرة للأسرة الحاكمة، يضاف إلى ذلك نجاح الإمام فى شراء بعض الضباط والجنود المشاركين فى الثورة أثناء قيامهم بمحاصرة قصره برشوتهم بالجنيهات الذهبية.. فى ضوء ذلك كله بدا أن فرص الثورة فى النجاح تكاد تكون معدومة.
والتقى الأمير فيصل بالرئيس عبد الناصر مرة أخرى وتم الاتفاق على قيام بعثة مصرية بالسفر إلى الرياض للتنسيق مع السلطات السعودية حول أسلوب التعامل مع الأحداث فى اليمن، ومحاولة تفادى حمام الدم المنتظر هناك، وقد تقرر أن يتولى السيد حسين الشافعى ومعه فتحى الديب هذه المهمة، بينما اختار الملك سعود الأمير فهد كمسئول للتنسيق مع البعثة المصرية من الجانب السعودى.
التقت البعثة خلال وجودها فى الرياض بوفد يضم أحمد النعمان وأحمد الشامى؛ وكان الأول من اللاجئين اليمنيين بالقاهرة، وسارع بالسفر لليمن لتأييد الثورة لكنه عندما وصل إلى الرياض أعطى صورة قاتمة عن فرص نجاح الثورة بعد أن تمكن الإمام أحمد من استقطاب غالبية الضباط والجنود المتعاونين مع العقيد الثلايا، واعتقاله لشقيقه الأمير عبد الله والعقيد الثلايا والأمير عباس وإعدامهم، وأضاف نعمان أنه أعلن تأييده مع القاضى الإيريانى للأمير البدر تفاديا لبطش الإمام بعد أن ثبت انتكاس الثورة وأملا فى إنقاذ أرواح بعض من تعاونوا مع الثلايا.
وأشار محمد نعمان أيضا إلى ممارسة المملكة العربية السعودية لدور فعال فى دعم مؤيدى الإمام وتقديم المعونات إلى الأمير البدر لتمكينه من السيطرة على الوضع بالمناطق الشمالية المجاورة للحدود مع السعودية.
وفى ضوء هذه المعلومات طلب الرئيس جمال عبد الناصر من البعثة التوجه إلى تعز لهدف واحد فقط هو الحد من قيام الإمام بمزيد من الإجراءات الانتقامية ضد العناصر الوطنية ، وبالفعل توجهت البعثة المصرية بمصاحبة البعثة السعودية برئاسة الأمير فهد بالطائرة المصرية إلى تعز واجتمعوا بالإمام أحمد، كما التقى الأخير بكل وفد على حدة ، وكان تركيز الطرفين المصرى والسعودى على ضرورة تعيين الأمير البدر وليا للعهد تفاديا للصراعات داخل الأسرة.
ولكن الهدف الحقيقى كان محاولة استقطاب الأمير البدر كما بذل الوفدان جهدا خارقا لإقناع الإمام لوقف عمليات البطش وإزهاق الأرواح، وضرورة انتهاج سياسة العفو والتسامح لتجنب إثارة الأحقاد فى النفوس، ووعد الإمام بالاستجابة للمطلبين، وكان الاتصال مستمرا بالأمير البدر من خلال السيد أحمد نعمان. وقد عرضت القاهرة بالتنسيق مع الجانب السعودى الاستعداد لإمداد الإمام بكل ما قد يساعده على تطوير أوضاع حكمه بالصورة التى ترضى الشعب، وتمكنه من كسب ثقته.
ويمكن القول أن انتفاضة العقيد الثلايا رغم ما انتهت إليه من مصير مأساوى كانت عاملا مهما فى تعميق روح النضال لدى أحرار اليمن فى الداخل والخارج، وتأصيل الإيمان بضرورة التغيير وبسط الحياة الكريمة للشعب اليمنى.
وتواصل التنسيق بعد ذلك مع أحرار اليمن المقيمين فى القاهرة مثل النعمان والزبيرى والإيريانى وغيرهم ممن عملوا على إيقاظ روح المقاومة فى الشعب اليمنى، وكشف مساوئ النظام الحاكم هناك، ولكن مواصلة الإمام لإجراءاته الانتقامية، وملاحقته للعناصر الوطنية دفع الكثير من هذه العناصر إلى مغادرة أراضى اليمن؛ فمنهم من اتجه إلى القاهرة، ومنهم من اتجه إلى عدن ليكون قريبا من مسرح الأحداث.
وكان يحلو لإمام اليمن أن يساير التيارات القومية واتجاهات التغيير على الأقل فى المظهر، فقام بإيفاد نجله الأمير البدر فى زيارة للاتحاد السوفيتى وقع خلالها على صفقة سلاح ومعدات عسكرية سوفيتية لليمن، كما تم الاتفاق على إيفاد بعثة عسكرية سوفيتية إلى اليمن لتدريب الجيش اليمنى على السلاح السوفيتى.
وخلال مروره على القاهرة أثناء عودته من موسكو ، طلب من الرئيس عبد الناصر إيفاد بعثة عسكرية موسعة نسبيا تأكيدا لنواياه لتطوير أوضاع اليمن، وكانت البعثة المصرية مصدر إزعاج للإمام أحمد أكثر من البعثة السوفيتية، وقد تبين فيما بعد أن الأمير البدر قد طلب إيفاد البعثة المصرية دون موافقة والده، ومن ثم كانت عرضة لعديد من المضايقات فاقت ما واجهته سابقتها أملا فى إجبارها على الانسحاب.
كانت البعثة العسكرية المصرية مشكلة من كلا من العقيد حسن فكرى والعقيد أحمد أبو زيد والرائد محمود عبد السلام والرائد صلاح المحرزى والنقيب عادل السيد علاوة على عدد من ضباط الصف.
وقد حاول الإمام عزل البعثة المصرية لكنه اضطر إلى نقلها إلى صنعاء لمباشرة مهمتها بعد تدخل القاهرة، وقد عمد الأمير البدر إلى تجميع بعض شباب الضباط الذين تدربوا فى مصر أو فى سوريا خلال فترة الوحدة للعودة إلى اليمن للمعاونة فى التدريب على الأسلحة السوفيتية، وتكوين نواة للجيش اليمنى الحديث.
كان الإمام أحمد على مدى عقود طويلة من الزمان قد حول اليمن إلى سجن كبير، وكان همه الأكبر هو الإمساك بمفاتيح السجن فى جيبه، ومن ثم فقد حرم الشعب اليمنى من أية إطلالة على العالم الخارجى أو التفتح على علوم العصر، ولكنه كان فى الوقت نفسه فى حاجة إلى جهاز إدارى، ولما كان لا يوجد فى اليمن أية هياكل تعليمية أو تدريبية لإمداد هذا الجهاز بالكوادر الضرورية؛ من ثم فقد عمد إلى إيفاد بعض عناصر الشباب من فترة لأخرى إلى مصر ولبنان وإيطاليا لتلقى الحد الأدنى من التعليم المتوسط ثم العودة لممارسة وظائفهم تحت عيون جواسيس الإمام، وكان غالبية هؤلاء الشباب من أبناء زعماء القبائل مما حولهم إلى رهائن فى قبضة الإمام.
ورغم كل الاحتياطات التى اتخذها الإمام لضمان استمرار حكمه فقد أكدت التجربة اليمنية على مدى قرن من الزمان صدق مقولة الشاعر التونسى النابغة أبو القاسم الشابى عندما قال: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر
ذلك أن الشعب اليمنى لم يظهر فى أية مرحلة من المراحل خضوعا أو استكانة لنظام العبودية الذى أقامه حكم الأئمة، وكانت ثوراته وانتفاضاته لا تنقطع، وكلما انتكست إحداها جرى التحضير للانتفاضة التالية دون كلل أو ملل.
وبعد انتكاسة حركة الثلايا ظلت جذوة الوطنية وشعلة التحرر تفعل فعلها فى أوساط الطلبة اليمنيين الذين يتلقون العلم فى مصر، وعملوا على توثيق علاقاتهم بقادة التحرر من إفرازات الثورات السابقة الذين اتخذوا من القاهرة ملجأ آمنا لهم.. فى نفس الوقت هيأ لهؤلاء الطلبة فرصة لنضوج أفكارهم واكتسابهم قدرا كبيرا من الصلابة بفعل اشتعال الحركة الوطنية المصرية، والتعددية السياسية والفكرية التى كانت السمة الغالبة لها خاصة فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم جاءت انطلاقة ثورة يوليو52 ودعوتها العربية لترسم أمام هؤلاء الطلبة إطار أكثر تحديدا، ورؤية أكثر عمقا لفهمهم النضالى وخططهم فى إعادة البناء.
كان طلبة اليمن قد تجمعوا بصفة رئيسية فى مدرسة حلوان الثانوية، وكانوا يقيمون جميعهم فى هذه الضاحية. كان ذلك فى بداية الخمسينات ـ فى أعقاب فشل ثورة 1948 – وبالطبع فقد كانت المناقشات الفكرية والسياسية تتواصل بينهم، وكان هناك أيضا جواسيس للإمام والسفارة اليمنية يندسون بينهم، وبعض الطلبة يتصلون بعدد من قيادات الفكر والسياسة فى مصر من أمثال أحمد بهاء الدين وأحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة للاستزادة الثقافية وصقل أفكارهم، وكان حديث هؤلاء مع طلبة اليمن يزيدهم تفتحا وينمى داخلهم روح الثورة، وكان من أبرز هؤلاء الطلبة اثنين من لعبا دورا مهما فيما بعد فى إسقاط حكم الإمامة؛ هما عبد الله قائد جزيلان وعبد الرحيم عبد الله، وكلاهما كان يتميز بروح ثورية وثابة ترفض الظلم وتتطلع إلى التغيير.
وكان عبد الله جزيلان قد درس فى مصر فى جميع مراحل التعليم حتى تخرج من الكلية الحربية فى مصر أيضا، وشاركهما فى نفس المشوار فيما بعد كل من على عبد المغنى، وقادتهم حمود الجائفى وعبد الله السلال. وعملا على قطع الطريق أمام نمو الروح الثورية لدى هؤلاء الطلبة؛ أوفد لهم القائم بالأعمال اليمنى بالقاهرة أحد موظفى السفارة، وكان اسمه عبد الرحمن البيضانى وكان مسئولاً عن شئون الطلبة إلى دار البعثة اليمنية فى حلوان للاجتماع مع الطلبة والتحاور معهم، ولكن جزيلان وضع خطة لإحباط الاجتماع، وعمل من خلالها على كشف عملاء الإمام وتعريتهم أمام الطلبة، وأمكن لجزيلان بعد هذا الاجتماع ومن خلال حركته السياسية أن يضع يده على العناصر الوطنية النظيفة داخل البعثة اليمنية.
وأوفد الإمام شقيقه الأمير عبد الله للاجتماع بالطلبة، وكانت خطته هى إقناع الطلبة بالتحول إلى بعثات فى بلاد أوروبية أخرى لإبعادهم عن مناخ الثورة الذى كان يسيطر على مصر فى تلك الفترة. وجاء الأمير عبد الله إلى مصر فى أواخر سنة 1953 وكل مهمته هو توزيع الطلبة على دول أوروبية مثل إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا، واجتمع مع الطلبة فى حلوان وبدأ يعرض خطته مستخدما أسلوب التهديد والهجوم المباشر لتخويفهم حتى يتمكن من تنفيذ هدفه، ولكنه فوجئ بعبد الله جزيلان يطلب إليه إضافة العلوم العسكرية لبرنامج البعثات الذى تخطط له الحكومة، والذى يقتصر على العلوم النظرية والطبية.
كما أشار إلى وجود طلبة آخرين يتطلعون للالتحاق بالطيران، ورغم وقوع مواجهات بسبب ذلك خلال الاجتماع إلا أن جزيلان استطاع أن يقنع الأمير عبد الله بفكرته فى لقاء خاص معه، وكان من نتيجة ذلك أن التحق جزيلان بالكلية الحربية، وعبد الرحيم عبد الله بالكلية الجوية فى مصر، وكان أول طيار يمنى يستكمل دراسته الأولية فى الطيران فى إبريل سنة 1954، ثم أوفده الإمام ومعه اثنان آخران لمواصلة دراسة الطيران فى إيطاليا، وقد سافر عبد الرحيم عبد الله إلى إيطاليا فى يوليو 1954، لكن قبل أن يسافر كان قد تعرف على المقدم أحمد الثلايا، وتبادل معه الأفكار الوطنية وصارح كل منهما الآخر بآماله للشعب اليمنى، وكان ينضم إليهما فى هذه اللقاءات المناضل اليمنى محسن العينى.
فى أواخر 1955 كانت المجموعة التى التحقت بالكلية الحربية فى مصر بما فيها عبد الله جزيلان قد أتمت دراستها وعادوا إلى اليمن . وبدأ الجميع فى تنسيق خطواتهم وتحركاتهم مع أفراد البعثة العسكرية المصرية بقيادة العقيد أحمد كمال أبو الفتوح الذى كان على اتصال وثيق كما أوضحت مع العقيد أحمد الثلايا، وبعض معاونيه من الضباط الذين قاموا بحركة1955، ثم من بعد ذلك مع بعض الضباط الذين قادوا حركة مماثلة فى مارس 1961، والتى لم يكن حظها بأحسن من حظ انتفاضة الثلايا.
نجح جزيلان بعد وصوله إلى اليمن على رأس مجموعة من الضباط الشبان فى اكتساب ثقة الإمام وولى العهد الأمير البدر، واجتاز كل الاختبارات التى وضعه فيها الإمام، ومن ثم امتلك قدرا من حرية الحركة النسبية مع بعض القيادات العسكرية الذين سبقوه، وكان من بينهم العقيد حمود الجائفى والعقيد عبد الله السلال والعقيد عبد الله الضبى، وكان الأول قد تخرج من الكلية الحربية بالعراق فى عام 1946.
عاد عبد الرحيم عبد الله من إيطاليا فى أواخر عام 1957 بعد إتمام دراسته بإيطاليا، والتقى مرة أخرى مع جزيلان وجددا تعاهدهما على تحرير الشعب اليمنى من حكم الإمامة، وفى دار الضيافة بصنعاء التقى مع أعضاء البعثة العسكرية المصرية التى كانت تضم فى ذلك الوقت العقيد حسن فكرى والمقدم أحمد أبو زيد والنقيب صلاح المحرزى والنقيب محمود عبد السلام والملازم عادل السيد، ودار معهم حديث ومناقشات وحوارات مطولة تبين منها وحدة الفكر والهدف، وأبدى أحمد أبو زيد بصفة خاصة قدرة متعمقة على فهم الظروف اليمنية، وكان يحرص على إذكاء روح الثورة فى الضباط اليمنيين مع التزام أقصى درجات الحذ.
وكان على صلة وثيقة أيضا بكل من عبد الله جزيلان وحمود الجائفى، وكان يردد دائما أنه يعتبر نفسه يمنيا، وقد ساعده ذلك على توسيع علاقاته، وكسب ثقة الكثيرين من أفراد الشعب ومن الضباط القدامى والجدد مثل عبد الله السلال والضبى والعمرى والجائفى وغيرهم، كما كان يساعد البعض من ماله الخاص، ويستقبل اليمنيين فى منزله، ويحتفى بهم ويوزع الكتب والصور عن مصر وتاريخها العظيم، كما ألحق بالمنزل ملعبا للتنس ومكتبة، وأصبح هذا المنزل مزارا لكل يمنى حر.. كان دائم التنقل بين صنعاء والحديدة وتعز من أجل توثيق علاقاته بالأحرار فى المدن الثلاث الكبرى، إلى جانب المدن الصغيرة أيضا، كما كان يتخذ من رحلات صيد الغزال والأرانب فى الجبال ساترا لتنسيق العمل الثورى مع الأطراف الوطنية. أكثر من ذلك فقد اكتسب ثقة الإمام أحمد رغم تحذير بعض مستشاريه، وكذلك فعل مع الأمير البدر ولى العهد.
فى هذه الأثناء وقع الإمام مع الرئيس عبد الناصر ميثاق الاتحاد اليمنى، وكان تقدير الأحرار اليمنيين أن هذه الخطوة قد تمثل قيدا عليهم ، لكن أحمد أبو زيد شرح لهم حقيقة الموقف، وأن الثقة مفقودة من ومع الإمام، وأننا لن نتردد فى دعم أية انتفاضة ضده. ويومها قال عبد الله جزيلان ” إن الحكم سينتهى عندما يأتى الفرج من القاهرة، أما إذا بقيت مصر بعيدة فإن موضعها بين الشعب اليمنى سيكون مهزوزا، فلابد أن تتواجد مصر فى اليمن، وهذه مسئولية مصر وقدرها، أن تؤيد كل حركة تحررية فى الوطن العربى ”.
بعدها بدأ جزيلان التخطيط الفعلى للإطاحة بالإمام، وكان يقوم على الإعداد الهادئ والبطىء.. البعيد عن التسرع ودراسة الأخطاء التى وقعت فيها الثورات السابقة، وعين عبد الرحيم عبد الله مسئولا عن الاتصال بالقوى الوطنية فى الداخل والخارج؛ وخاصة فى عدن والسعودية ومصر مستفيدا من وظيفته كطيار فى هذه المهمة.
وبدأ عبد الرحيم عبد الله بالفعل فى تنفيذ مهمته، وخلال إحدى رحلاته إلى السعودية فى سنة1960 التقى بعمر السقاف وكيل وزارة الخارجية السعودية وحاول التعرف منه على الموقف السعودى إذا ما قامت ثورة ضد الإمام فى اليمن لكن إجابة السقاف كانت مفاجئة له حيث قال له بالنص : ” إن موقف المملكة سيكون هو القضاء على الثورة فى مهدها، فالمملكة تخاف الشعب اليمنى لأسباب كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية ”.
وأنهى السقاف حديثه مع عبد الرحيم عبد الله بقوله: ”سأعتبر أنك لم تقل لى شيئا، وأنا أعتبر أننى لم أسمع شيئا منك.. ولكن خذها نصيحة منى، إن المملكة يمكن أن تتعامل مع أسرة حميد الدين أفضل، ونحاول حمايتها لأن هذا أحسن من التعامل مع الثوار، وأرجو أن تنهى الموضوع عند هذا الحد.. ثم أضاف موضحا أن المملكة على اتصال بكثيرين من القضاة وبعض المشايخ الذين يمكنهم إجهاض أى محاولة للثورة.. ”.
وقعت بعد ذلك حركة تمرد فاشلة كما أشرت فى مارس1961، هرب فى أعقابها حمود الجائفى مع عدد من قيادات الحركة إلى عدن. ومع وقوع الانفصال بين مصر وسوريا فى سبتمبر سنة1961، وتم حل الاتحاد مع اليمن وكان ذلك مناسبة لاحتفال الوطنيين فى اليمن لأنه أعطاهم حرية فى لحركة والتخطيط وسهل لهم الاتصال بالمسئولين فى القاهرة.
فى فبراير1962 سافر عبد الرحيم عبد الله إلى بيروت لإصلاح طائرة الإمام، وخلال فترة الإصلاح توجه إلى القاهرة بحجة زيارة قرينته ، لكنه كان فى الحقيقة يحمل رسالة من عبد الغنى مطهر ممثل القوى الثورية فى تعز إلى الزعماء اليمنيين المقيمين فى القاهرة؛ وهم أحمد محمد نعمان والقاضى محمد محمود الزبيرى والقاضى عبد الرحمن البيضانى.
كان كل من الزبيرى والنعمان من المشتركين فى ثورة 1948، وهربا إلى القاهرة بعد فشلها، وكانت الشبهات تدور حول علاقاتهم بالإمام خلال وجودهما بالقاهرة، بينما كان البيضانى كما أسلفنا يعمل بالسفارة اليمنية فى القاهرة بعد إتمام دراسته فى المدرسة التجارية الثانوية فى الدواوين بالقاهرة، واستطاع بطريقة ما أن يتعرف على كبار الشخصيات اليمنية، ويحوز على رضاء الإمام ثم التحق بالسفارة اليمنية فى ألمانيا، وبأسلوب ما أيضا حصل على الدكتوراه الفخرية من ألمانيا .
وعاد إلى القاهرة بعد أن حمل كل ما يمكن حمله من السفارة اليمنية إلى مصر، ثم عين فى سفارة اليمن فى السودان، ثم عاد إلى اليمن لفترة من الزمن سافر بعدها إلى القاهرة معلنا وقوفه ضد الإمام وحكومته. وتزوج البيضانى من سيدة مصرية عرفت باسم السيدة ليلى البيضانى، وكانت صديقة لأسرة السيد أنور السادات.
فى 28فبراير1962 جاء عبد الرحيم عبد الله إلى القاهرة والتقى بالزعماء اليمنيين الثلاثة، لكن الملفت للنظر وكما يؤكد عبد الرحيم عبد الله نفسه أن كل واحد من الزعماء كان ينفرد به ليحذره من الاثنين الآخرين، لكن عبد الرحمن البيضانى زاد على ذلك بقوله أنه له صلات على مستو عال جدا بالمسئولين فى القاهرة، وبالفعل رتب له لقاء مع أنور السادات رئيس مجلس الأمة فى ذلك الوقت، لكن عبد الرحيم عبد الله اعتذر عن إتمام اللقاء خشية أن يفسر تفسيرا سيئا من جانب زملائه فى الثورة، وفضل أن يؤجل اللقاء لحين زيارة أخرى للقاهرة على أن يحضر معه محمد قائد سيف أحد شركائه.
نشط الضباط اليمنيين الأحرار فى تنظيم صفوفهم، وتشكلت لهذا الغرض أربع خلايا رئيسية؛ كانت الأولى فى صنعاء ويقودها:
عبد الله جزيلان الذى كان مديرا للكلية الحربية، والثانية فى تعز ويقودها: عبد الغنى مطهر، والثالثة فى الحديدة ويرأسها الزعيم حمود الجائفى، أما الرابعة فكانت فى عدن ويقودها: الملازم محمد قائد سيف.
ونشط الضباط فى توزيع المنشورات التى تفضح حكم الإمام وتوضح جرائمه وتهيئ النفوس للثورة، كما انتظم الاتصال بين التنظيم وبين القاهرة، وكان يمثل مصر فى هذا الاتصال أنور السادات، الذى كلفه الرئيس جمال عبد الناصر بالإشراف على هذه العملية بعد أن تم تعيين فتحى الديب سفيرا لمصر فى سويسرا لمتابعة المفاوضات التى كانت تجرى فى ذلك الوقت بين الجزائريين والفرنسيين، وقد وصلت إلى مرحلة حاسمة تقتضى المتابعة اليومية والمستمرة من هناك.
كان عبد الرحيم عبد الله دائم التردد على القاهرة فى رحلاته الجوية . وفى 24سبتمبر1962 كلفه الإمام بالسفر إلى روما فأبلغ السادات بذلك فطلب منه تنفيذ التكليف حتى لا يشعر جواسيس الإمام بأى شىء، وبالفعل سافر إلى روما يوم 25سبتمبر، وفى اليوم التالى بدأت وكالات الأنباء تتناقل أخبار الثورة اليمنية فى 26سبتمبر1962، وصدرت التعليمات من القاهرة بحجز مقعدين لكل من عبد الرحيم عبد الله وزوجته على الطائرة المصرية القادمة من روما صباح السبت 27سبتمبر 1962، حيث كان فى استقباله سكرتير السادات فوزى عبد الحافظ، وجرى نقل زوجته إلى الفندق بينما التقى هو مع السادات فى إحدى قاعات المطار، كما حضر عبد الرحمن البيضانى بتكليف من السيد أنور السادات لمصاحبة عبد الرحيم عبد الله فى رحلة العودة إلى اليمن، وكانت القاهرة قد اتخذت قرارها دون تردد فى مساندة الثورة بمجرد أن تعرفت على أسماء قادتها، وكانت طبعا تعرفهم جميعا مسبقا..
وهنا يحسن أن نستعرض باختصار مقدمات ما حدث ليلة 26سبتمبر 1962 ؛ ففى شهر يوليو 1962 أضرب طلبة المدارس فى صنعاء وتعز إضرابا شاملا، ثم انضم إليهم العمال فجموع الشعب، وكانت الهتافات التى ترددت تركز على حياة الجمهورية وسقوط الإمام وأصدر المضربين بيانا جاء فيه: ”لقد انقض الشباب الأحرار من طلاب المدارس فى صنعاء وتعز ومعهم العمال الأحرار.. انقضوا ثوارا زاحفين يتحدون الموت والرصاص والسيوف والخناجر لكى يعلنوا إرادة الشعب البطل، وتصميمه على التحرير والخلاص والوحدة، وظلت طلائع العمال تهتف بحياة الجمهورية اليمنية على لأبواب القصور الملكية وهى تضرب بالسياط حتى تسقط على الأرض.. وليست تلك الوثبة الشابة إلا ومضة خاطفة وإشارة عابرة توحى إلى وقود ثورى كامن فى أعماق شعبنا الجبار”.
كانت تلك رسالة للضباط الأحرار ليس لها إلا معنى واحد هو أنهم يستطيعون أن يعتمدوا على قوة شعبية. وفوجئ الجميع بموت الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين يوم 19سبتمبر 1962، وأعلن البدر إماما، وقام باستدعاء عمه الحسن من نيويورك ليكون رئيسا للوزراء، وكان هذا الاستدعاء هو العنصر المعجل لقيام الثورة حيث كان قد تم استباحة القبائل لصنعاء لمدة سبعة أيام، فى الوقت الذى تبنت فيه السعودية الأمير الحسن، ودفعت به فى اتجاه الإمامة عن طريق بعض القبائل وشركات البترول والإدارة الأمريكية.
ومما ضاعف المشاعر الجماهيرية أن أعلن البدر أنه سوف يشدد من العقوبات، وأنه سوف يغير طريقة الإعدام فلن يكتفى بقطع الرقبة بل سيقطع الجذع ويقسمه إلى شطرين. وأجمع الأحرار على الاتفاق على ساعة الصفر مساء الخميس 25سبتمبر1962 ، وتجمعوا فى الكلية الحربية التى انطلقوا منها بقيادة: عبد الله جزيلان،
وعلى عبد المغنى.
ولم يكن اللواء حسن العمرى ببعيد، ـ وأرجو الرجوع إلى مذكرات عبد الرحيم عبد الله السروى، الصادرة عن دار منشورات العصر الحديث وكذلك كتاب اللواء عبد الله جزيلان ” التاريخ السرى للثورة اليمنية ”الصادر عن مكتبة مدبولى، وكتاب حروب مصر العاصرة للواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى المصرى والصادر عن دار المستقبل العربى، وغيرها من المراجع التى تغطى النواحى العسكرية كاملة.
أعود لسياق الحديث فأقول أنه تم تكليف ضابطان بالتوجه إلى قصر البدر للقضاء عليه، ولكنهما فشلا، واعتقل أحدهما وهرب الآخر فأعلن البدر حالة الطوارئ، ولكن الضباط أصروا على الاستمرار فى تنفيذ مخططهم؛ فاقتحموا أبواب صنعاء وحاصروا قصر الإمام، ثم مبنى الإذاعة، علاوة على القيام باعتقال رؤوس النظام الملكى، وبعد ساعات قليلة تمت السيطرة على الموقف نسبيا، ولكن انطلقت فجأة من داخل القصر الملكى وبعض قصور الأمراء نيران كثيفة فاستدعى الضباط الأحرار عبد الله السلال الذى لم يتردد؛ وبدأ يصدر أوامره بصفته قائدا للحرس الملكى لضباط المدفعية والفرقة الخاصة من الحرس الملكى ”فوج البدر” أن يلقوا أسلحتهم فاعتقد هؤلاء أن هذه هى أوامر البدر يصدرها على لسان السلال.
وأعقب ذلك الهجوم المضاد للضباط الأحرار الذين بدءوا من جديد السيطرة على الموقف برمته بقيادة عبد الله السلال، ثم تلى أحد الضباط البيان رقم واحد ،وأعقبه نشيد ”الله أكبر فوق كيد المعتدى“، وتحققت المعجزة وهرب الإمام فى ثياب امرأة. إلى السعودية التى وقف على حدودها لأول مرة فى التاريخ ضباط أحرار ثوار. ووصل إلى جدة الأمير الحسن الذى نصب نفسه إماما معلنا الجهاد، وبدأت الإذاعات السعودية والأردنية فى الإعلان عن قيام الإمام الشرعى ـ البدر والأسرة الحميدية ـ والدعوة لسحق التمرد وإعادة الشرعية.
وبالمناسبة فقد كان الملك سعود قد أعلن عقب انفصال سوريا عن مصر أن النظام فى مصر أصبح معزولا ولم يبق سوى تصفيته، كما قام بفتح الخزائن وإرسال أكياس الذهب، وهربت الأسلحة الحديثة لاستخدامها ضد الثورة، ولكن وللحق فقد كانت الاستجابة محدودة وفقط من بعض نفايات القبائل الصغيرة. واستنجدت الثورة الوليدة بالقاهرة لتنفيذ وعدها بالمساندة حسب قرار مجلس الرئاسة المصرى الذى كان قد أتخذ بالإجماع ، وفى خلال أيام كانت وحدات من قوات الصاعقة المصرية تصل إلى اليمن.
لقد كان هذا القرار يمثل التزاما عقائديا للمبادئ التى قامت عليها الثورة الأم فى مصر واستمرارا لنفس الدور الذى سبق القيام به نحو الجزائر وسوريا والعراق، وكل حركات التحرر التى احتاجت للمساعدة والمساندة باعتبار أن الحرية العربية لا تتجزأ والدفاع عن حقوق شعب عربى هو دفاع عن حقوق الأمة كلها. لقد كان واضحا بعد مؤامرة الانفصال بين مصر وسوريا فى سبتمبر 1961 أن الاتجاه السائد لدى القوى المعادية للتحرر العربى هو خنق كل صوت ينادى بالتحرر العربى ، وفى نفس الوقت فإنه كان من المستحيل على مصر أن تمارس دورها إلا فى مجالات تأثيرها وتأثرها معا.
وعندما قامت ثورة اليمن فى سبتمبر 1962 كانت وحيدة فى مواجهة عواصف عاتية من كل اتجاه، وطلبت هذه الثورة نجدة مصر. كان السؤال الذى طرحه الزعيم جمال عبد الناصر آنذاك لاتخاذ القرار حول المساندة المصرية بمختلف صورها هو: هل نترك ثورة اليمن وحيدة يسهل ضربها أو إجهاضها ؟ وماذا سيكون عليه حال الأمة العربية إذن ؟
وكان الرد بعد دراسة مستفيضة ومناقشات طويلة للإجابة على هذا السؤال يتلخص فى الآتى:
أولا: أن أمن ومستقبل الحركة الوطنية العربية معلق فى الميزان.
ثانيا: أن الوقت لا يحتمل التردد وإلا ضاعت هذه الثورة الوليدة وفى هذا الوقت بالذات.
ثالثا: أن تدخل بعض عناصر الصاعقة والطيران كافيان.
ولقد اتخذ هذا القرار من منطلق مسئولية مصر ودورها القومى مستبعدا وجهة النظر الإقليمية المصرية. وهنا لابد من التأكيد على أن قرار القاهرة للوقوف وراء ثورة اليمن لم يكن قرارا انفعاليا اتخذه الرئيس جمال عبد الناصر كما صوره البعض بعد ذلك لمجرد التجاوب مع حركة ثورية فى أكثر من مناطق العالم تخلفا، ولم يكن مجرد رد فعل لنكسة الانفصال سعى عبد الناصر عن طريقها إلى استعادة التوازن لصالح التيار القومى، أو محاولة للانتقام من الرجعية العربية التى لعبت دورا حاسما فى إنهاء تجربة الوحدة المصرية السورية، بل كان -كما ذكرت آنفا- قرارا نابعا من منطلق أخلاقى ومبدئى التزمت به ثورة 23يوليو1952. وفى الحقيقة كان قرار الرئيس عبد الناصر متسقا مع ممارسات عشر سنوات مضت من عمر ثورة يوليو.
لقد قصدت بهذا الشرح المطول لعلاقة مصر باليمن قبل ثورة62 أن أوضح أن قرار ثورة يوليو والرئيس عبد الناصر بالوقوف إلى جانب أى محاولة لتحرر الشعب اليمنى قد أتخذ على الصعيد العملى منذ بداية1953.. وربما فقط كانت للظروف العربية والدولية التى كانت سائدة فى سنة1962 دورها فى اكتساب قرار الاعتراف والمساندة للثورة اليمنية سمة الحسم والعلنية التى تنفى عن القاهرة أى محاولة للتردد.
أما ما حدث بعد ذلك فقد كتب فيه الكثيرون وتم التعرض لكل تفاصيله بكل ما للتجربة وما عليها.
لكن ما لا يمكن أن يختلف عليه اثنان أن هذه الثورة قد أحدثت زلزالا فى شبه الجزيرة العربية كلها دفعت الاستعمار البريطانى إلى إعادة حساباته، واضطر تحت ضغط الحركة الوطنية المدعومة من القاهرة للانسحاب من إمارات وسلطنات الجنوب العربى كله، وقيام جمهورية اليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد ذلك، وأعقب ذلك الانسحاب العسكرى من منطقة الخليج العربى أيضا، كما دفعت النظم التقليدية فى شبه الجزيرة إلى إعادة ترتيب أوراقها، وتوجيه قدر أكبر من الاهتمام لصالح تحديث وتنمية شعوبها، كما أصبح البحر الأحمر بحيرة عربية خالصة، وقبل هذا كله فقد نجحت هذه الثورة فى الانتقال باليمن من ظلام العصور الوسطى إلى آفاق القرن العشرين.
أما قضية التدخل فى شئون اليمن فهى تبدأ فى خلفيتها منذ بداية الستينات حين زار الملك سعود واشنطن وتمت هناك بمباركة الرئيس أيزنهاور مبايعته باعتباره زعيما للعرب المسلمين بديلا لعبد الناصر، وبعدها أعلن الملك سعود أنه سينقل المعركة إلى القاهرة.
وفى خضم ذلك انفجرت ثورة اليمن فى 26سبتمبر 1962 فقلبت كل الموازين، وأحدثت ارتباكا شديدا فى صفوف الملكيات العربية، والذين أشاروا إلى القاهرة فى حين أن الحقيقة كانت غير ذلك؛ لأن ثورة اليمن كانت نتاج أبناء اليمن الأحرار، وتمت كرد فعل طبيعى لحكم رجعى متخلف يجسد أبشع أنواع وصور العهود المظلمة فى تاريخ الشعوب، والذى سبقها إرهاصات ومحاولات عدة منذ 1946 و1948 و1950 و1952 أى أن أسباب الثورة كانت موجودة وكامنة حتى قبل أن تقوم الثورة فى مصر.
غير أن هذه الإرهاصات نضجت من خلال الاحتكاك الذى وفره مناخ التقارب بين القاهرة وصنعاء ـ وخلال حكم الإمامة ـ اتفاقات تبادل ثقافى وعلمى وتبادل طلابى، وبعثات ذات أنشطة مختلفة ومتنوعة بما فيها التدريب العسكرى سواء فى الكلية الحربية فى القاهرة أو بتواجد بعثة عسكرية مصرية فى صنعاء. وكانت الكوادر التى نتجت عن هذا التعاون البناء على مدى لم يكن قصيرا هى التى قادت الثورة على الأوضاع المتخلفة المفروضة على المجتمع اليمنى.
ومنذ اللحظة الأولى اعتبرت المملكة العربية السعودية أن هذه الثورة هى عمل عدوانى موجه ضدها، ورفضت الاعتراف بأن ما قام هو ثورة، وأنها من حق الشعب اليمنى، وأنها نتيجة طبيعية لما عاناه على مدى قرونا امتدت عبر تاريخ هذه البقعة من الأرض العربية. وبدأت الاتهامات بأن هذه الثورة من صنع المخابرات المصرية مع عملائها فى اليمن، ووسعت دائرة الإثارة بالإدعاء بأن الإسلام فى خطر، وأن المصريين والسوفيت أعداء الله والإسلام، وهم يريدون الزحف إلى الأراضى المقدسة، وأن يتقاتل المسلمون فيما بينهم !! والحقيقة التى نعلمها جميعا أن السعوديون وهابيون وطالما حاربوا الشيعة الزيدية فى اليمن، ولكن الدين كان السلاح الذى يسخر لأغراض الدنيوية.
وعلى الجانب الآخر فقد كانت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ليست فى حاجة إلى أى نوع من الإقناع لكى يتدخلوا، فبينهما ثأر ساخن ضد الرئيس جمال عبد الناصر، فلقد نفذ الرئيس عبد الناصر إلى قدس الأقداس واقترب جيشه من إمبراطورية النفط الذى اعتمدت عليه فى مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا واليابان كما أنه يسدد 25% من حاجات السوق الأمريكية.
وبدا التعاون والتنسيق السعودى / الأردنى / البريطانى/ الأمريكى على جميع الأصعدة من مال إلى تسليح لبعض القبائل إلى استخدام المرتزقة لتنفيذ مخطط لاستنزاف المجهود اليمنى الثورى من جهة، والدعم المصرى للأحرار للحيلولة من تحرير هذا المجتمع الذى أراد أن يعيش فى القرن العشرين مثله كمثل باقى شعوب العالم.
كما لا يمكن هنا أن أغفل الدور الذى قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بدافع من نفسها تنفيذا لإستراتيجيتها فى حماية مصالحها البترولية فى الجزيرة العربية، والتى اعتبرت أنها هددت بالتواجد المصرى على الحدود الجنوبية للسعودية مما دفعها وبتشجيع من الرياض للتدخل فى اليمن تحت مظلة ما سمى وتعارف عليه باسم حرب ”كومر” التى كان هدفها الرئيسى: ”حرب اليمن تصبح مصيدة للمصريين ، تباد فيها قوات مصر ولا يعود منها أحد ، وتعود اليمن للإمامة ”، أوجز فى السطور التالية نبذة عنها: قبل أقل من شهر على الثورة اليمنية فى سبتمبر 1962 قطعت العلاقات بين مصر والسعودية، وبدأت الحرب بين البلدين على أرض بلد ثالث.
ولولا الوجود المصرى فى اليمن لانهار النظام الجمهورى. ومع تزايد توزيع الأسلحة الحديثة والأموال على القبائل اليمنية الموالية للملكية تزايد الوجود العسكرى المصرى على أرض اليمن؛ يضاف إلى ذلك أن المخابرات المركزية الأمريكية استخدمت ما لا يقل عن خمسة عشر ألفا من المرتزقة الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والبلجيك والألمان، وعناصر من الجنود المرتزقة من البيض فى جنوب إفريقيا، وذلك للقتال فى صفوف القبائل الموالية للملكية وضد الجمهوريين، وكان أقل مرتب لأى فرد من هؤلاء المرتزقة لا يقل عن تسعمائة دولار أمريكى شهريا.
كما قامت المخابرات المركزية بالتعاون مع الموساد الإسرائيلى والمخابرات البريطانية بتدريب بعض هؤلاء المرتزقة تحت إشراف روبرت كومار ضابط الاتصال بين البيت الأبيض والمخابرات المركزية الأمريكية، يشاركه جون كوبر من القوات الخاصة البريطانية، وبرنارد مايلز أشهر مرتزق فى العالم. وانضم بعد ذلك ملك الأردن، وشاه إيران ونظام الحكم الانفصالى فى دمشق ثم عبد الكريم قاسم وملك المغرب.
ولقد قالت جريدة النيويورك تايمز الأمريكية فى ذلك الوقت: ”هذه الحرب البعيدة المجهولة فى ركن قصى من جنوب شبه الجزيرة العربية لا تقل أهمية فى نتائجها بالنسبة للعالم الحر عن حرب فيتنام، وقد لا يدرك كثيرون فى الغرب ما تعنيه هذه الحرب ولا يلقون اهتماما كبيرا بها، لكنها حرب حاسمة، وقد تقرر إلى أبعد مدى مصير الشرق الأوسط . وتستطيع هذه الحرب بسهولة أن تحسم ميزان القوى فى الشرق الأوسط، وهل يكون فى صالح ناصر وثواره أم فى جانب القوى العربية الصديقة والحليفة للغرب.
ولهذا لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تتجاهل هذه الحرب والتى جعلت من الشرق الأوسط كله برميل بارود منفجر ”.. وكان ذلك بمثابة إعلان حرب صريح. لقد كان الوجود المصرى فى اليمن أحد أسباب قطع إمدادات القمح عن مصر، حيث أصرت وكالة المخابرات المركزية على وجوب خروج مصر من اليمن بالرغم من عدم وجود مصالح حيوية للولايات المتحدة الأمريكية هناك.. لا بترول ولا تجارة، وكان الواضح أن الهدف هو إخرا ج عبد الناصر من هناك.
وقد صرح ريتشارد هيلمز أحد مديرو المخابرات المركزية الأمريكية بأن ” لو لم يكن لنا مصلحة مباشرة فى اليمن تستدعى التدخل ، فإن لنا مصلحة قريبة فى بترول الخليج والسعودية تفرض علينا ذلك “. وكان جون بادو السفير الأمريكى فى القاهرة يرى أن هذه الحجة واهية ووهمية ، وكما جاء فى كتابه ” الموقف الأمريكى تجاه العلم العربى The American Approach To The Arab World
الذى صدر فى سبتمبر 1967 والذى كان الرئيس الأمريكى كينيدى قد كلفه بوضعه ليكون أساسا لسياسة أمريكية جديدة فى المنطقة وقال فيه: ”إن القتال فى اليمن لم يهدد المملكة العربية السعودية وحقول البترول مباشرة كما لم تظهر قوة الحملة المصرية على أنها تستهدف مهاجمتها أو أن لديها القدرة على ذلك، وأيضا لا تصلح اليمن كنقطة وثوب لشن غزو على السعودية، أو للانطلاق نحو السيطرة على مناطق البترول، نظرا لكونها بعيدة جدا عن مراكز الحياة فى السعودية وأكثر بعدا عن حقول البترول.. بل وتمتد بينهما صحراء قاحلة موحشة يمكن أن تبتلع أى جيش بسهولة، وعلى ذلك لم يكن التهديد بإجراء عسكرى هو الذى حرك الدبلوماسية والمخابرات الأمريكية “.
لكن حقيقة الأمر أن ما حرك الولايات المتحدة الأمريكية هو الخوف من أن يؤدى الصراع فى اليمن إلى اهتزاز الحكم فى السعودية بدرجة تفقده السيطرة أو يقوم هناك نظام ثورى مثلا، وبالتالى تتهدد الموارد البترولية أو تتأثر. وحسب تقديرات السفير جون بادو فإن ذلك كان واردا؛ لأن الفئات الساخطة داخل السعودية ضد الملك سعود كانت تتزايد ، كما أن التدخل من جانب السعودية فى اليمن لم يكن يتمتع بشعبية تذكر، ولم تكن هناك أيضا قوى سياسية بديلة، ومن هنا اتجهت واشنطن نحو تأييد النظام السعودى رغم ملامح عدم استقراره الواضحة.
ومن ناحية أخرى فقد كانت المخابرات المركزية ترى أن النظام فى الأردن يمكن حمايته بالتدخل فى اليمن درءا لامتداد أفكار ناصر نحو عمان مما يعنى انفجار الوضع العربى ضد إسرائيل أسرع مما تتمنى واشنطن. وقد بعث الرئيس جمال عبد الناصر فى أحد رسائله للرئيس الأمريكى جون كينيدى أن مصر تمتلك وثائق تثبت اشتراك طيارين أمريكيين فى عمليات نقل العتاد والأسلحة وغيرها بين الأردن والسعودية إلى حدود اليمن.
وعندما بحث كينيدى الأمر ثبتت صحة المعلومات، واتضح أن ما قاله الرئيس عبد الناصر فى رسائله صحيحا حيث أفاد المسئولين فى البنتاجون الأمريكى الرئيس الأمريكى أن بعض الطيارين الأمريكيين كانوا قد تعاقدوا فعلا مع المخابرات المركزية الأمريكية بعقود خاصة بينها وبينهم.
وفعلا فقد صدم النظام السعودى حينما قرر سرب من سلاح الطيران السعودى يضم تسعة من أكفأ طياريه على رأسهم المقدم رشاد ششة أن يتمرد على تنفيذ المهام القتالية التى كلف بها، وأن يتوجه بطائراته ورجاله إلى القاهرة، ويعلن تأييده للثورة اليمنية وليطلبوا الانضمام إلى قوات الثورة. وكانت بعد ذلك الصدمة الثانية حينما أصدر ستة من الوزراء السعوديون بيانا يؤيدون فيه الثورة اليمنية ويحتجون على موقف المملكة من دعم الإمام.
ثم كانت قمة المأساة أن أعلن أحد الأمراء السبعة من الذين كانوا يشاركون فى حكم المملكة فى ذلك الوقت إلى جوار الأمير فيصل كرئيس للوزراء، وهو الأمير طلال بن عبد العزيز خروجه عن الإجماع ورفضه لموقف المملكة، وقد غادر المملكة متجها إلى القاهرة حيث أعلن لجوءه السياسى، وقد صاحبه عدد من الأمراء الشبان الذين انضموا إليه وأعلنوا تنظيم “الأمراء الأحرار ”.
نفس الشىء حدث مع الملك حسين ملك الأردنية الهاشمية وقواته التى كانت تحت السيطرة البريطانية حتى1957;- ساعدت قبلها فى إخماد انتفاضة العراق خلال الحرب العالمية الثانية وسلمت اللد والرملة لإسرائيل خلال حرب فلسطين، وتطوعت لتكون مورد للكوادر البوليسية لشبه الجزيرة فى جهد متواصل لحصار عبد الناصر عربيا.
ولكن عندما حاول الملك حسين المشاركة بنشاط وليضرب المثل للغير فى المشاركة العسكرية ضد ثورة اليمن ، كانت النتيجة أنه أوقظ فجر أحد أيامه ليسمع من يبلغه أن قائد سلاح الطيران الملكى الأردنى ( سهل حمزة ) وسرب من هذا السلاح بطائراته ورجاله قد هبطوا فعلا فى مطار ألماظة بالقاهرة، وأنهم قد انضما فعلا لأخوتهم ضباط القوات الجوية المصرية، وأنهم فى الطريق إلى القيام بمهام إلى جوار إخوانهم فى الثورة اليمنية.
وأكثر من هذا فقد بذلت الجهود.. بلا نتيجة، لإرغام العمال اليمنيين فى السعودية وكان عددهم يتعدى المليون، على الانضمام لمسيرة العداء للثورة فى صنعاء إلا أن هؤلاء رفضوا وتظاهروا وتمردوا.
غادر الرئيس دوايت أيزنهاور البيت الأبيض فى تلك الفترة، وجاء جون كيندى الذى أرّقته مشاكل العالم الثالث فى عداء كل زعمائه للولايات المتحدة الأمريكية؛ فأقام علاقات مباشرة مع قادة العالم الثالث وفى مقدمتهم الرئيس جمال عبد الناصر، وكان الاعتراف بالثورة اليمنية، وبالتالى الاعتراف بالثورة العربية التى كان رمزها جمال عبد الناصر، وكانت هناك مراسلات فى شكل خطابات ورسائل شفوية بين الرجلين، وعن طريق مؤسسة الرئاسة فى كلا البلدين، وقد قمت بتوصيل بعضها لواشنطن عن طريق الصديق السفير جون بادو ، الذى عينه كينيدى سفيرا لبلاده فى القاهرة.
ولم يلبث أن سقطت أنظمة الانفصال التى اشتراها الملك سعود حسب اعترافه هو شخصيا لعبد الناصر باثنى عشر مليون جنيه إسترلينى، كما سقط نظام عبد الكريم قاسم، وكفت الإذاعة العراقية وسيل المطبوعات الماركسية عن التنديد بالتدخل المصرى فى اليمن. وهناك من التفاصيل الكثيرة والحكايات التى يمكن أن تروى فى هذا الشأن، لكن الشىء الذى أحب أن أركز عليه هو أنه بعد شهرين من قيام ثورة صنعاء استقلت الجزائر بعد استعمار فرنسى لمدة 132 عاما، وقامت هناك دولة عربية اشتراكية اعترفت بثورة صنعاء.
كما أن هناك بعد آخر لا أريد أن أخوض فى تفاصيله، وهو ما يتعلق بالناحية العسكرية التى كتب فيها الكثيرين من الخبراء سواء من المصريين أو من اليمنيين أو من الأخوة العرب أو من غيرهم. لكن ما يهم من وجهة نظرى هو أن القوات المسلحة المصرية عندما تدخلت فى اليمن لم تكن معتدية، أو مفروضة فى عمليات عسكرية فى ظروف بالغة الشدة، بكل كان يدفعها ايمان بالوقوف مع شعب شقيق يسترد حقوقه وتاريخه وإنسانيته بما حقق امتزاج الدم اليمنى بالدم المصرى، وكان السلاح الحاسم هو عدالة القضية المشتركة؛ بما ترتب عليه حسم المواقف مما جعل كومر بكل الإمكانيات والأموال وتوابعه من المرتزقة وغيرهم غير قادرين على تغيير ميزان القوة بما يهدد الجمهورية الثورية، حتى بمحاولات إثارة الوقيعة بين المصريين واليمنيين أو بالوقيعة بين اليمنيين أنفسهم.
وعندما زار الرئيس عبد الناصر صنعاء أعلن أن مصر ستبقى إلى آخر الطريق حتى تأمن الثورة اليمنية، وأن مصر ستفى بكل التزاماتها التى تفرضها عليها مبادئها. وكانت ترجمة هذا الكلام أن أصبحت أرض اليمن تحمل كتائب من الفنيين والإداريين والمدرسين والأطباء يضعون الأسس لقيام اليمن الحديثة بما يحقق تثبيت وتدعيم الثورة.
ولا ننسى أنه حدث فى سنة 1963 معركتين غاية فى الأهمية؛ إحداهما فى الجنوب لتحرير جنوب اليمن المحتل، والثانية فى أقصى الغرب حيث حاول ملك المغرب أن يشغل ثورة يوليو بمحاولة احتلال أرض فى الجزائر إلا أن القوات المسلحة المصرية وصلت فورا إلى حدود الجزائر ، بطلب من الثورة الجزائرية، وكان وجود هذه القوات رادعا لملك المغرب الذى سارع وتصالح.
انتقلت الدعاية المضادة بعد ذلك إلى أسلمة المعركة على أساس تعبئة العالم العربى والإسلامى ضد زحف الشيوعية والإلحاد القادم مع المصريين ”الكفار“، تساندهم القوة الإلحادية العالمية “الاتحاد السوفيتى”، وأنه لابد من حماية الأماكن المقدسة، ولم تكن هذه العملية إلا تغطية لقيام حلف إسلامى جديد محوره تحقيق تحالف بين إيران والسعودية، وأن يتم التصالح بين الشيعة والسنة، كما تم التصالح بين الهاشميين والسعوديين؛ وذلك من أجل استعادة العرش الزيدى الشيعى فى اليمن.
وضعت الخطط للغزو من الداخل على أساس تدمير مصر وكل ما أقامته ثورة يوليو، بل كل ما تعتمد عليه حياة مصر المدنية من السد العالى إلى القناطر الخيرية، وقناطر إسنا ونجع حمادى والكبارى الرئيسية على طول وادى النيل، ومعامل الطاقة الذرية فى إنشاص إلى القيام بعمليات إغتيالات واسعة النطاق للسياسيين والأدباء والصحفيين والفنانين وغيرهم من الشخصيات العامة المصرية، وكل ذلك بعد التمهيد العقائدى بإعلان نظرية فقهية تبناها سيد قطب وهو فى سجنه، ومؤداها تكفير النظام المصرى، واعتباره نظاما مرتدا جاهليا يحل إهدار دمه، والجهاد من أجل تدميره إعادة المجتمع المصرى إلى الإسلام الحنيف. وهذه المؤامرة هى ما تعارفنا على تسميتها محاولة 1965 التى قادها تنظيم الإخوان المسلمين، وتم كشفها بواسطة التنظيم الطليعى، وسقطت المحاولة وحوكم المتآمرون.
ودارت بعد ذلك معركة السبعين يوما تحت شعار ”الله أكبر.. الجمهورية أو الموت” وهى التى حسمت بعد استشهاد أكثر من ألف شهيد ، وفشل الحصار وانهار واستسلمت القوات المعادية، وكان من بينهم خبير إسرائيلى كان يعمل مع كومار. وكان استقلال الجنوب فى اليوم الحادى والسبعين احتفالا بانتصار الثورة الشاملة فى اليمن شمالا وجنوبا .
كانت الجمهورية العربية المتحدة أول دولة تعترف بالنظام الثورى فى اليمن الذى سيخلص الشعب من حكم ظالم ومظلم، وكان هذا الاعتراف بناء على طلب شرعى من ثورة اليمن. وبالرغم من حرب اليمن فقد كان الرئيس عبد الناصر حريصا على السلام فى اليمن، وعلى عدم الاقتتال حرصه على إستمرارالثورة والنظام الجديد، وعقد أكثر من اتفاقية للهدنة نقضها الملكيون.
لقد كان يقلق الرئيس عبد الناصر فقد جندى مصرى فى اليمن ويريد وقف الخسائر فى الأرواح ووافق على أن تبدأ اتصالات هادئة مع السعودية وقد تمت على مدى شهور ثلاثة مناقشات واتصالات بين مصر والسعودية مثل مصر فيها د. حسن صبرى الخولى ومن الجانب السعودى د. رشاد فرعون الممثل الشخصى للملك فيصل وحضر بعض هذه اللقاءات الشيخ صباح الأحمد وزير خارجية الكويت. وانتهت هذه اللقاءات بالتمهيد لعقد اتفاقية جدة.
ورغم مساندة مصر العسكرية فقد كانت ترى دائما حل المسألة اليمنية بالطرق السلمية. ففى عام 1963 قبلت مصر وساطة الرئيس الأمريكى جون كينيدى الذى أوفد السفير بانكر وتم توقيع اتفاقية الرياض ومضمونها:
• قيام السعودية بإنهاء مساعداتها للملكيين ، ومنع الزعماء الملكيين من استخدام أراضيها لمواصلة الصراع فى اليمن.
• تبدأ الجمهورية العربية المتحدة فى سحب قواتها فى نفس الوقت الذى تتوقف فيه معونة السعودية للملكيين.
• إقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد مسافة 20 كيلومترا على جانبى الحدود المرسومة بين السعودية واليمن.
• مرابطة مراقبين محايدين فى كل جانب من المنطقة المنزوعة السلاح.
• تتعاون الجمهورية العربية المتحدة والسعودية مع ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة وغيره من الوسطاء المقبولين من كلا الجانبين فى التوصل إلى اتفاق على إجراءات وقف الاشتباك والتحقق منه.
ولكن هذه الاتفاقية تعثرت، ولم تنفذ. وكانت المحاولة الثانية فى فبراير سنة 1964 عقب مؤتمر القمة الأول، عرضت كل من العراق والجزائر وساطتهما ورحبت الجمهورية العربية المتحدة والسعودية بهذه الوساطة.
وسافر المشير عبد الحكيم عامر إلى السعودية على رأس وفد من مصر ـ كنت أحد أعضائه ـ وأجريت محادثات سرية انتهت بتوقيع اتفاقية الطائف، وقد نص الاتفاق السرى الذى وقعت عليه كل الأطراف على ما يأتى:
1- سعيا وراء جمع الشمل العربى وتكتل الأمة العربية فى سبيل تحقيق أهدافها العليا ورسالتها الإنسانية الحضارية السليمة. وتمشيا مع قرارات مؤتمر القمة العربية التى أسفرت عن اجتماع الملوك والرؤساء العرب يوم17 يناير1964.
2- واستجابة للمساعى الحميدة التى بذلها كل من الرئيسين المشير الركن عبد السلام عارف والرئيس أحمد بن بلا فى سبيل الوفاق وتصفية الجو العربى بواسطة وفدهما المشترك.
3- وتنفيذا لما جاء فى البيان الذى صدر عن الرياض بتاريخ 4فبراير 1964 إثر المباحثات التى أجراها وفد المساعى الحميدة المذكور مع سمو الأمير فيصل ورجال المملكة العربية السعودية فقد اجتمع فى مدينة الرياض فيما بين يوم 1و3 مارس1964 وفد مؤلف من سيادة المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وسعادة السيد أحمد عمر السقاف وكيل وزارة الخارجية الدائم وبحضور وفد المساعى الحميدة المؤلف من معالى السيد أحمد توفيق المدنى وزير الأوقاف فى الجمهورية الجزائرية ومعالى الدكتور شامل السمرائى وزير الصحة فى الجمهورية العراقية وسعادة الحاج عبد الحميد نعمان سفير الجمهورية العراقية فى المملكة العربية السعودية.
4- وقد عقدت عدة اجتماعات سادتها الصراحة التامة وروح الأخوة الإسلامية والتضامن العربى والرغبة المشتركة فى التعاون الصادق لما فيه خير الأمة العربية وتحقيق آمالها، وفى هذا الجو الأخوى تم بحث القضايا والمسائل المتعلقة بين الطرفين وفى طليعتها المشاكل المتعلقة باليمن.
5- ونظرا للتقدم الملحوظ وتقارب وجهات النظر فقد اتفق الطرفان على استمرار هذه المباحثات كى تسوى فى الاجتماع القادم بين سيادة الرئيس جمال عبد الناصر وسمو الأمير فيصل فى مدينة القاهرة بعد انتهاء موسم الحج مباشرة فى حوالى نهاية شهر إبريل 1964، وذلك استجابة للدعوة الصادرة من سيادة المشير عبد الحكيم عامر باسم الرئيس جمال عبد الناصر.
6- كما تعلن المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة أن لا مطمع لهما فى اليمن، وأنهما تؤيدان التأييد المطلق استقلال اليمن وحرية شعبه وتقاومان كل محاولة استعمارية ضد اليمن.
7- كما يعلن الطرفان لما جاء فى بيان الرياض الصادر بتاريخ 4 فبراير1964 عودة العلاقات السياسية فورا بينهما، على أن يلتحق سفير كل منهما بمقر عمله فى أقرب وقت ممكن وتسوى كافة القضايا المالية والمادية المتعلقة بين الطرفين بروح التآخى العربى.
8- إن وفد الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إذ يسعدهما إعلان هذا البيان ليسعدهما أن يقدما باسم حكومتيهما شكرهما العميق للرئيس السيد أحمد بن بلا والسيد المشير الركن عبد السلام محمد عارف ولممثليهما الشخصيين معالى السيد أحمد توفيق المدنى ومعالى الدكتور شامل السامرائى يتمنيان للأمة العربية دوام العزة والصفاء.
وكان هذا الاتفاق بداية مرحلة جديدة فى العلاقات المصرية السعودية حول حرب اليمن وقد تميزت هذه المرحلة بالتحرك لإنهاء هذا النزاع .
وفى أثناء انعقاد مؤتمر القمة الثانى بالإسكندرية حدث تطور آخر. فقد كانت زيارة الأمير فيصل فرصة لكى يلتقى بالرئيس عبد الناصر فى عدة جلسات ـ وهى مسجلة ومحاضرها محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى ـ اشترك فيها الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والمشير عبد الحكيم عامر.
وأسفر الاتفاق بين الطرفين على ما يلى:
1- عزم المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة على التعاون التام لفض الخلافات بين الأطراف المختلفة فى اليمن وتصميمهما على منع الاشتباكات المسلحة.
2- أن تقوم الدولتان بالاتصالات اللازمة لدى الأطراف المعنية لتهيئة جو من التفاهم للوصول إلى حل للخلافات القائمة بالطرق السلمية، على أن تستمر الدولتان الشقيقتان بالتعاون التام فيما بينهما فى جميع الشئون وشتى الميادين وتعلنان تأييد كل منهما للأخرى فى جميع الظروف سياسيا وماديا ومعنويا.
3- اتفق أيضا على ثلاثة نقاط عملية لم تعلن وهى:
ب -توقف المملكة العربية السعودية مساعداتها العسكرية والمالية وآلتى من شانها أن يستمر القتال، وأن يتم انسحاب جميع قوات الجمهورية العربية المتحدة من أراضى اليمن على مراحل على أن يتفق على الطرق الكفيلة بحفظ الأمن والاستقرار.
ج-يبدأ تنفيذ النقاط الواردة فى المادتين السابقتين بعد الاتصال بالأطراف المعنية فى اليمن والاتفاق على مراحل الانسحاب وطريقته ومدته وتكوين لجنة تحضيرية تمثل الفئات المختلفة.
4- تعمل الدولتان على وقف القتال فورا بين الأطراف المعنية فى اليمن.
ومرة أخرى كانت مصر هى الساعية لإنهاء الحرب فى اليمن ، ولكن الآخرين هم الذين لم يكونوا يرغبون فى إنهائها. واجتمعت اللجنة يوم 29أكتوبر فى ”أركويت” شرق السودان فيما عرف باسم مؤتمر “أركويت” الذى حضره من مصر السفير أحمد شكرى والعميد أركان حرب محمد محمود قاسم ومن الجانب السعودى الدكتور رشاد فرعون والزعيم حمود عبد الهادى ومحمد عبد الواحد.
وكان أعضاء اللجنة التحضيرية هم: محمد محمود الزبيرى ومحمد أحمد النعمان وعلى بن ناجى التومى ومحمد بن أحمد المطاع وعلى ناصر طريق وأحمد محمد هاجى ومحمد عبدالواسع حميد وأحمد محمد الشامى ومحمد بن على بن إبراهيم وحسين موفق وأحمد الحكمى وحسن بن إسماعيل ويحيى لطفى الفيل وعبدالرحمن الواسع و صلاح المصرى.
وقد أتفق فى هذا الاجتماع على:
• وقف إطلاق النار و أعمال العنف ابتداء من الساعة السابعة مساء يوم8نوفمبر.
• عقد مؤتمر وطنى يمنى فى مدينة يمنية فى 23نوفمبر لوضع الأسس الكفيلة بحل الخلافات القائمة بالطرق السلمية ، واستقرار الأمور فى اليمن.
• يحضر المؤتمر اليمنى مائة وتسعة وستون شخصا من العلماء والمشايخ والقادة العسكريين وأهل الرأى والخبرة من أهل الحل والعقد بحسب النسب الآتية:
• 8ر3% من العلماء ـ 8ر3% من المشايخ ـ 8ر2% من القادة العسكريين وأهل الرأى والخبرة على أن ينضم إلى هؤلاء أعضاء اللجنة التحضيرية أنفسهم وعددهم ثمانية عشر شخصا.
• يلتزم المجتمعون بتنفيذ هذه القرارات كما يطالبون الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مجتمعين وكلا منهما من جانبها أن تساعد على تنفيذ هذا الاتفاق.
ولم يجتمع المؤتمر الوطنى بسبب الخلافات على نسبة الملكيين فيه ومرة أخرى كان هناك من لا يريد للحرب أن تنتهى.
وكان لابد من عقد لقاء جديد بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل، وذلك لرغبة مصر الأكيدة فى إنهاء هذه العملية ووضع حد لتأكيد الاستقرار.
وفى بداية صيف 1965 قرر الرئيس جمال عبد الناصر أن يتم لقاء بينه وبين الملك فيصل فأوفد د. حسن صبرى الخولى إلى الطائف حيث كان الملك يستجم هناك فى ذلك الوقت وتمت فعلا مقابلة الملك الذى قرر أن يتوجه هو إلى مقابلة الرئيس فى الإسكندرية بعدما كان حسن صبرى الخولى قد اقترح على الملك أن يتم اللقاء فى مطار رأس بناس الذى قال له، أى الخولى، ضاحكا أن الطائرات تخرج منه إلى اليمن ـ وأصر الملك فيصل على التوجه للإسكندرية، إلا أن الرئيس عبد الناصر عندما أبلغه الخولى بما دار بينه وبين الملك ، قرر أن يتوجه هو إلى جدة وتمت الترتيبات لإتمام هذا اللقاء الذى شارك فيه مع الرئيس كل من السادة زكريا محيى الدين وأنور السادات ومحمد حسنين هيكل والسفير السعودى بالقاهرة محمد على رضا.
وطلب الرئيس عبد الناصر قبل أن يتم أى لقاء بين الجانبين أن يقوم بتأدية العمرة بعد العشاء الرسمى الذى أقيم يوم الوصول وصاحبه فيها الأمير سلطان بن عبد العزيز والأمير فواز بن عبد العزيز، ثم تمت جلسات ودية بعد أن قال الرئيس عبد الناصر أنه لا داعى لمباحثات رسمية بالوضع التقليدى، وأنه من أجل ذلك لم يرافقه وزير الخارجية.
وفيما يلى موجز واف لمحضر هذه الاجتماعات من واقع النوتة الشخصية التى دونت فيها المباحثات:
الجلسة الأولى: يوم الاثنين 23أغسطس1965، بدأ الرئيس جمال عبد الناصر الحديث موضحا أنه يهمنا أن تعود العلاقات بين مصر والسعودية كما كانت. الأعداء فقط هم الذين يكسبون من عداوتنا. العناد يجعلنا نصطدم. إننى أتكلم بوضوح من اجل مصلحتنا. والوضع الطبيعى أن تكون مصر والسعودية أصدقاء إن عاجلا أو آجلا لابد أن نصل إلى عودة الصداقة.
نحن لم نهاجم إلا بعد أن هوجمنا.. وأنا قلت الكلام ده للملك سعود. وأنا لم أدفع قرش واحد ضد الملك سعود أو حكمه.. سنة 1965 طلبنا منكم بترول أعطيتموه لنا بدون اتفاق.. ولما طلبنا قرضا أخذناه منكم عملة صعبة دون اتفاق. ثم جاءت الوحدة ونتج عن هذا عملية مؤامرة سعود وسرنا هكذا حتى جاء موضوع اليمن. هل نحن متفقون فى عودة العلاقات إلى طبيعتها ؟ أنا أعتقد أننا.. متفقون.
هل أنتم متصورون أننا شيوعيون، وأننا نمثل خطرا على العرب.. الحقيقة أعداؤنا هم الذين يقولون هذا الكلام.. هناك فرق كبير بين الاشتراكيين والشيوعيين، وأنتم لا تقبلون أن تكون البلد فى إيد حفنة من الأقلية.. لقد صرفنا أربعة آلاف مليون جنيه عندنا مشاكل بالنسبة لزيادة السكان فى بلدنا.. يوجد خلافات كبيرة بيننا وبين الشيوعية.. سنة 1956 حبسنا الشيوعيين وطلعناهم منذ فترة قريبة، ولكنهم لم ولن يستطيعوا تجنيد واحد، ومن أجل هذا قرروا حل الحزب الشيوعى وهذا يحدث لأول مرة فى تاريخ أى بلد.
ثم تحدث عبد الناصر عن المعلومات المضللة التى وصلت المخابرات الأمريكية عن طريق أحد الصحفيين وكان هذا الصحفى قد ألقى القبض عليه بتهمة التجسس لحساب أمريكا.( لمقصود مصطفى أمين). كما تحدث الرئيس عبد الناصر أيضا عن بعض الإخوان المسلمين الذين يعيشون فى السعودية ومعلوماتهم غير صحيحة. وانتهى من حديثه إلى أن الوضع فى مصر مستقر جدا وليس كما يصوره الإخوان المسلمين من أن الوضع سينهار قريبا.
الملك فيصل: إن مصر والسعودية يجب أن يكونوا متفاهمين، وأكثر من متفاهمين وهذا هو الشىء الطبيعى والمنطقى لأن الواقع والتاريخ يقومان على ذلك. والأشياء التى عكرت الصف وأنا ما باتكلم فيها لأنها شىء معروف”
انتهت دراسة
:عبد الناصر وثورة اليمن – بقلم / سامي شرف.
كلمة أخيره
ما ورد بالدراسة جدير بالتحقق والتحقيق من قبل المختصين المثقفين الباحثين عن الحقيقة والحقيقة فقط لاغير من اجل استنباط الدروس والعبر من اجل مستقبل اليمن والوطن العربي والامة الاسلامية، وان ينصف الحق ويزهق باطل فالدراسة لها ما لها وعليها ماعليها وتحتاج كما اسلفنا للتحقق والتحقيق وبشواهد ووقائع من باحثين مثقفين، وكم نحتاج لمثل هؤلاء الباحثين في زمن تجار الثقافة والكلمة وبعيد عن كل اشكال الانحياز والتعصب ولاحياد بين حق وباطل ويبقى بالاخير ان نتسائل الى اين انتهت ثورة 24يوليو المصرية، التي جاءت لليمن صنعاء لتنفذ ثورة 26سبتمبر.
ورأي الشخصي يقول: ان تل ابيب ونصارى الغرب الاستعماري ابتلعوا الثورتين عبر بلعوم بن سعود وخوان اليمن ومصر ولنا ان نعرف ان السادات هو مسؤول الملف اليمني المُبطح في الكنيست اليهودي الصهيوني.
عاشت كل الثورات اليمنية ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية السعودية وامريكا الامبريالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشهد اليمني الأول
المحرر السياسي
29صفر 1444هجرية
25سبتمبر 2022م