في بداية الأزمة السورية، أصبحت الجبهة الإقليمية للإخوان، بقيادة تركيا وقطر، محطةً رئيسيةً للتدخل الأجنبي في سوريا، حيث وقفت إلى جانب المعارضة المسلحة والإرهابيين بكل قوتها للإطاحة بالنظام القانوني في دمشق.
في غضون ذلك، لم تمر بضعة أشهر على بداية الأزمة السورية، وإذا بحركة حماس الفلسطينية تغلق في شباط 2012 مكتبها الرئيسي في دمشق، عاصمة سوريا، ويغادر معظم ممثلي حماس وأعضائها أراضي هذا البلد، الأمر الذي أدی إلى انتهاء العلاقة بين الحليفين السابقين.
ولكن على الرغم من عقد من العلاقات الباردة وابتعاد هذين الحليفين السابقين عن بعضهما البعض، ثمة إشارات تزداد قوةً يومًا بعد يوم لتوجه كلا الجانبين نحو إنهاء حقبة سوء التفاهم والخلافات في الرأي.
هذا الإعلان أكثر من أن يکون خبر انطلاق التحرك وبدء المفاوضات، يبدو أنه بيان للاتفاق وبداية فصل جديد في العلاقات بين حماس ودمشق. لأنه في الأيام الماضية، قال مسؤول في حركة حماس، طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة فرانس برس، إن “العلاقات مع سوريا تتحسن وفي طريقها إلى العودة الكاملة إلى ما كانت عليه”. وحسب هذا المسؤول، “كانت هناك زيارات عديدة لقادة حماس إلى سوريا”.
أولی إشارات استعداد حماس لإعادة العلاقات مع سوريا قد ظهرت منذ فترة طويلة، حين أعلن إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في آذار/مارس 2020، أن السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، مستعد للعب دور في إعادة العلاقات بين الجانبين، إذا طُلب منه ذلك.
وفي ذلك الوقت، أعرب هنية عن رغبته الدائمة في استقرار سوريا وأمنها ووحدة أراضيها، الأمر الذي اعتبره البعض عرضًا لإذابة الجليد بين الجانبين.
في الواقع، يجب اعتبار المواقف الحالية لحماس نقطة تحول في جهود إعادة العلاقات مع سوريا، وكشف اتفاق الجانبين على إعادة فتح قنوات الاتصال المباشرة، وإجراء حوارات جادة وبناءة من أجل استعادة العلاقات تدريجياً.
کانت سوريا قبل الأزمة داعمةً للمقاومة الفلسطينية في خط المواجهة مع الكيان الصهيوني على مدى عقود عديدة. وقد لعب دعم الحكومة السورية لهذه الحركة وقبول وجودها التنظيمي في الأراضي السورية منذ عام 2000 وما بعده، دورًا أساسيًا في تقدم حماس وتزايد قوتها في السنوات التالية.
إلا أن سوء تقدير قادة حماس وضياع المسار الصحيح في مجرى التطورات في سوريا، نتيجةً للدعاية واللعبة المنافقة للجبهة العربية الإخوانية في المنطقة، تسبب في خلق جدار من عدم الثقة بين الحليفين السابقين لعقد من الزمن.
في غضون ذلك، من النقاط المهمة في ظهور بوادر تنحية الخلافات والعودة إلى عصر الوحدة، هي الموقف الحكيم والنظرة المستقبلية للرئيس السوري، الذي بتجنبه نهج الانتقام والترحيب بعودة حماس إلی سوريا، سيوفر أداةً لتقوية قوة سوريا ومحور المقاومة، ويصيب الصهاينة في مقتل الذين يشعرون بقلق وخوف شديدين من عودة هذه العلاقات.
والواقع أن أحد دوافع سوريا لإحياء العلاقات مع حماس، هو إعادة خلق دورها التاريخي في تطورات فلسطين كقضية مركزية في العالم الإسلامي وبين العرب. من جهة أخرى وبالتوازي مع ذلك، تسعى حماس أيضًا إلى إعادة بناء هذه العلاقة من أجل استخدام ثقل وقوة سوريا مرةً أخرى لدعم القضية الفلسطينية كحقيقة تاريخية.
دائماً ما تعطي قضية فلسطين المصداقية لمؤيديها لدی الرأي العام الإسلامي، ولذلك تسعى سوريا لاستعادة دورها من خلال دعم حماس التي هي العنصر الأساسي للمقاومة في فلسطين.
كما أن إعادة هذه العلاقات ستكون ضربةً لمشروع تطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني، وخاصةً في خضم مساعي الولايات المتحدة والکيان الصهيوني لتشكيل تحالف إقليمي ضد محور المقاومة.
يذكر أنه بعد إعلان وزراء خارجية الولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي ومصر والإمارات والبحرين والمغرب عن تشكيل “مجلس دائم” لتعزيز العلاقات بين بلدانهم نهاية شهر مارس الماضي، كشف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في 24 حزيران/يونيو عن جهود لتشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي(الناتو).
بينما ظلّ بناء التحالف هذا حتى الآن على مستوى التصريحات والمواقف، فإن محور المقاومة، ومن خلال تعزيز علاقاته عبر المصالحة بين سوريا وحماس، يظهر أنه شكل جبهةً موحدةً ضد التهديدات، ولا يزال المحدِّد الرئيسي للمعادلات الإقليمية.