في الوقت الذي فتحت فيه حكومة رام الله كل أبواب التعاون مع “إسرائيل” واستخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، مستجدية العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، كشفت مصادر فلسطينية عن مقتل فلسطيني وإصابة أربعة آخرين بجروح، مؤخراً، في اشتباكات أعقبت اعتقال أجهزة الأمن الفلسطينية مطاردين اثنين من قبل قوات الاحتلال في نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
رغم أنّ التعامل الإسرائيليّ مع السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس يتم بإذلال واستعباد، إلا أنها تؤكد على استمرار التنسيق الأمنيّ مع العدو وملاحقة المقاومين في الضفة، وتعلن دوماً استمرارها في استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
عباس يُطبّق مشاريع الكيان
يساهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بتطبيق مشاريع الكيان الغاصب التي تهدف إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من خلال التعاون اللامحدود مع الإسرائيليين، حيث يعلم الجميع أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته.
والدليل هو الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في نابلس بين نشطاء وعناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وراح ضحية التعاون مع العدو فلسطيني رجل يبلغ 53 عاماً توفى متأثرا بإصابته، في برهان جديد على أنّ السلطة الفلسطينيّة لن تكون في يوم من الأيام ممثلاً شرعيّاً لمطالب الفلسطينيين الذين يعيشون الويلات بسببها على أراضيهم المسلوبة.
من الواضح أنّ حكومة رام الله لم تحصل على أيّ فائدة من العلاقات مع العدو واستمرارها بالتنسيق الأمنيّ معه، مقابل وقوفها في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المتصاعد، أشارت المصادر الفلسطينية إلى أن أربعة أشخاص آخرين، على الأقل، أصيبوا بجروح ووصفت حالة أحدهم بالخطيرة خلال الاشتباكات التي اندلعت في عدة مناطق في نابلس.
حيث إن انخراط السلطة في المعركة مع الفلسطينيين، هو ما شجع جنود الاحتلال والمستوطنين على العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين من خلال القتل الميداني ومخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
وتأتي هذه التطورات عقب اعتقال قوات الأمن الفلسطيني الليلة الماضية الناشطين مصعب اشتية وعميد طبيلة وكلاهما مطلوبان لأجهزة الأمن الفلسطينية حسب مصادر محلية، وإنّ المتحكم الوحيد بهذا الأمر –كما يقول الشعب الفلسطيني- هو العدو القاتل والسلطة الفلسطينيّة ليس أكثر من “حجر شطرنج” على طاولة السياسية الإسرائيليّة الخبيثة.
فالضفة الغربيّة لو لم تكن مرهونة بقرارات السلطة المتعاونة مع العدو العنصريّ، لما وصل الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لهذا الحد، وإنّ حركة “فتح” ترتكب وفقاً لغالبية الفلسطينيين “خطيئة تاريخيّة” لا تغتفر من خلال اعتقادها بأنّ وجود علاقة مع الكيان الإرهابيّ ربما تصب في مصلحتهم، في الوقت الذي يثبت فيه التاريخ والواقع أنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة.
وبالاستناد إلى أن العدو كان وما يزال منبعاً للعنصريّة والدمار والإرهاب والعنف، كان الأجدر بحركة فتح أن تردع الكيان وتوقفه عند حده بسبب عدوانه الإجراميّ المتزايد بحق الأبرياء، وقضمه الجنونيّ لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، حيث إنّ أكبر دليل على “الغباء السياسيّ” للسطلة العميلة هو نص إعلان الدولة الإسرائيليّة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة.
وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسيّة في فلسطين، فَعن أيّ استقرار يتحدث داعمو الاحتلال.
ويشار إلى أنّ السلطة الفلسطينيّة خذلت الشعب الفلسطينيّ بشكل كامل وأعادت غرز خنجر الحقد الصهيونيّ والخيانة العربيّة في ظهر قضيّتهم من خلال تنسيقها الكبير مع الأجهزة الأمنيّة التابعة للعدو لمنع إطلاق يد المقاومة وعرقلتها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، ومنع توجيه البنادق باتجاه العصابات الصهيونيّة المعتدية، ثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء الضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، بيد أن جنود الاحتلال المجرم لا يتوقفون عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، وماتزال السلطة الخانعة تحدثنا عن “سلام الجبناء” الذي لن يجلب سوى العار والموت على طريقة العدو.
تصريحات مناقضةٌ للواقع
يتفق جميع الفلسطينيين حتى الموالون منهم لحركة فتح، على أنّ تصريحات مسؤولي السلطة كانت متناقضة للغاية، فعلى الرغم من أنّها فتحت نيرانها على المقاومين، دعت الرئاسة الفلسطينية الثلاثاء المنصرم، الفلسطينيين إلى التهدئة وذلك عقب الاشتباكات والاحتجاجات غير المسبوقة، حيث تحولت العلاقات بين السلطة الفلسطينيّة والعدو الصهيونيّ المُستبد، إلى معضلة في وجه حالة الإجماع الوطنيّ الرافضة للتسوية والمفاوضات مع عصابات الاحتلال.
وخاصة أن تل أبيب بكل ما أوتيت من قوّة خلقت أمرا واقعا على الأرض لإقامة الدولة العنصريّة المزعومة على أراضي الفلسطينيين، مع تمسك شديد من قبل الفصائل الفلسطينية باستمرار وضوح منهجهم، ويرتكزون في ذلك بالفعل على مصلحةَ الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة، لإنهاء الانقسام والاتفاق على استراتيجية وطنية ناظمة للعلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، ولطبيعة المواجهة مع سالبي الأرض وسارقي التاريخ وقاتلي الأبرياء.
“يجب تفويت الفرصة على المتربصين والمتآمرين على مشروعنا الوطني، ولمواجهة مؤامرات الاحتلال وبعض الدول الإقليمية التي تريد الاضرار بمشروعنا الوطني”، هذا ما جاء على لسان الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، موجهاً كلامه للمواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة تُدار اسميّاً من السلطة في سيل الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة التي تتصاعد يوماً بعد آخر بحق أهالي الضفة الغربيّة المحتلة منذ عام 1967.
حيث تعيش الضفة الغربية، وخاصة في الأشهر الأخيرة، أوضاعاً متوترة للغاية بسبب مواصلة قوات العدو جرائمه الشنيعة بحق الفلسطينيين ما يُظهر بشكل أكبر العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن والانخراط الفاضح للسلطة في ذلك، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات خطراً للغاية.
أيضاً، طالبت السلطة الفلسطينيّة أبناء الشعب الفلسطينيّ بالتوحد والتكاتف، ورص الصفوف في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها قضيتهم الوطنية، وعدم الانجرار خلف الأجندات المغرضة، لكنّها غضّت الطرف عن اعترافها بالعدو الصهيونيّ القاتل، والتنسيق الأمنيّ مع العدو، والذي يشكل ضربة لأيّ شراكة عمل وطنيّ في عمقه ويناقض التفاهمات الداخليّة، انطلاقاً من أنّ الأمة تُسلب إرادتها وتنهب ثرواتها ليصبح الكيان الصهيونيّ سيداً في المنطقة، والدليل أنّ تل أبيب مستمرة في غيها وتغول كيانها من خلال منهجها العدوانيّ في أكثر من ملف.
ولا يعدو حديث السلطة الفلسطينيّة عن حرمة الدم الفلسطيني، وضرورة الحفاظ على النظام والأمن في الشارع الفلسطيني، والتحلي بروح المسؤولية لأن معركتها المزعومة هي مع الاحتلال، سوى تصريحات إعلامية جوفاء لا أكثر بعد تلطخ أيدي القوات الأمنية بدماء الأبرياء واعتقال المقاومين.
فيما يعترف الإسرائيليون دائماً بعدم رغبتهم بالسلام أو حتى التفاوض مع السلطة، كما يفرض العدو واقعه الاحتلاليّ في مناطق الضفة والعاصمة الفلسطينيّة المحتلة القدس ويحاصر قطاع غزة ويزيد من جرائمه الشنيعة وخطواته التصعيديّة الكثيرة بدءاً من جنايات القتل والإعدام الميدانيّ ومروراً بطرد الأهالي من ديارهم وحرمانهم من لقمة عيشهم وليس انتهاءاً عند الاعتداء على المقدسات والنشاطات الاستيطانيّة المخالف للشرعيّة الدوليّة.
من ناحية أخرى، إن الحفاظ على المشروع الوطني والتحلي بالمسؤولية، وعدم الانجرار وراء الفتن التي يقف وراءها الاحتلال وعدد من دول الإقليم، وفقاً لادعاءات السلطة، تنفيه مساعي سلطة رام الله المسؤولة بشكل كبير عن الجرائم التي يرتكبها العدو، في الوقت الذي تحارب فيه فصائل المقاومة والناشطين لمنعهم من القيام بدورهم في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ.
رغم أن هذه الجرائم التي يرتكبها العدو والسلطة في الضفة المحتلة ستكون دائماً وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، حيث إنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون بالفعل مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة، وفقاً لوجهة نظر المقاومين.
وفي ظل مطالبات “إسرائيل” السلطة الفلسطينية بالتحرك ضد النشطاء المسلحين في كل من نابلس وجنين لضبط الأوضاع الميدانية، حذرت حركة فتح من أن “انحراف البوصلة نحو الداخل يهدد مصير القضية الفلسطينية”، مؤكدة على أهمية “الوحدة والتلاحم وتفويت الفرصة على المتآمرين على المشروع الوطني الفلسطيني”، كما صرح الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية طلال دويكات بأن القتيل في نابلس قضى “نتيجة إصابة لم تحدد طبيعتها بعد”.
وأضاف: “نحن بانتظار التقرير الطبي لها الذي يشرح الإصابة التي أودت بحياته في مكان لم يكن يتواجد فيه أي من عناصر الأمن، وهناك إفادات لشهود عيان تواجدوا في منطقة الحادث المؤسف تؤكد صحة هذه الرواية”، مدعيّاً أنّ قرار التحفظ على المواطنين مصعب آشتية وعميد طبيلة جاء لأسباب ودواعٍ موجودة لدى المؤسسة الأمنية، سيتم الإفصاح عنها لاحقاً، وكلاهما لم ولن يتعرضا لأي مساس بهما”.
وما ينبغي ذكره أنّ حركتي المقاومة “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ” ندتتا باعتقال الناشطين المذكورين، مطالبتين بضرورة الإفراج الفوري عنهما وعن كل المقاومين والمعتقلين السياسيين”في سجون السلطة الفلسطينية، مؤكّدتين أن المسؤولية الوطنية تستوجب حماية الشعب ومقاوميه في الضفة الغربية، والحفاظ على مسار المواجهة ضد الاحتلال.
حيث تشهد الضفة الغربية التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967، مواجهات بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية بشكل منتظم، وتنفذ قوات العدو بين الحين والآخر اقتحامات تحت مبرر “اعتقال مطلوبين”، ويعيش في الضفة المحتلة حوالى 3 ملايين فلسطينيّ، إضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يُقر المجتمع الدوليّ بأنّها “غير قانونية”.
خلاصة القول، باتت السلطة الفلسطينيّة بما لا يترك مجالاً للشك شريكة بشكل كبير في الجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية، وقد لبّت دعوات تل أبيب في تدخل أجهزة الأمن الفلسطينيّة وارتكبت ما ارتكبه الاحتلال تماماً، فيما تمنع إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، وتستمر بهراء الاستسلام والخضوع للعدو الغاصب، لتبقى الضفة الغربية عنوان المرحلة القادمة التي ستغير كل المعادلات على الساحة الفلسطينيّة المستعمرة من العصابات الصهيونيّة وبعض المتخاذلين.