ذلك أن الحرب التي شنها تحالف عدوان إقليمي، بدعم دولي، بقيادة السعودية بعد 6 أشهر من انتصار تلك الثورة هدفت بالدرجة الأولى إلى احتواء مضاعفاتها والانقضاض عليها قبل أن يقوى عودها ويتزايد تأثيرها.
لكن السؤال الذي تردد في صدى المشهد وقتها من نوع :ماهي الأسباب التي دفعت إلى شن ذلك العدوان المستمر على اليمن الذي تواصل للعام الثامن .؟
يجيب في البدء الكاتب العربي عبدالحسين شبيب الذي يرى أن من أهم أسباب العدوان على الثورة وعلى اليمن هو إحباط النموذج اليمني الناجح في إطلاق وإدارة ثورة شعبية في جوار خليجي يتسم بالحكم الوراثي المطلق – إلا ما ندر – ويعتمد في صناعة السلطة وتداولها على سلالات عائلية وعلاقات قبلية ودعم خارجي أمريكي بريطاني بالتحديد، ولا يوجد فيها للشعب أي مشاركة فاعلة في إنتاج تلك السلطات وتداولها.
وما يراه ثانيا كسبب هو الحؤول دون إقامة نظام سياسي في صنعاء يأخذ بيد اليمنيين نحو إقامة دولة مستقلة بالفعل وليس بالشعار، وذات سيادة حقيقية بالممارسة وليس بالنصوص، ويكون لتلك الدولة اليمنية الجديدة – الحديثة الصلاحية المطلقة في تحديد سياستها الخارجية واختيار الصديق من العدو بعد أن تتخلص من الارتباط الكلي بالإدارتين الأميركية والسعودية اللتين أدارتا منفردتين أو بالتشارك السياسة اليمنية لعقود خلت قبل تاريخ 2014م.
وثالثا وهو الأهم وفقا ل شبيب يأتي المشروع الثقافي القرآني الجهادي لحركة «أنصار الله» الذي كان العنصر الذي فاقم القلق لدى كل من الرياض وواشنطن وعواصم أخرى في العالم والإقليم من هذا المتغير الاستراتيجي الذي سيطلق لاحقاً مساراً متصاعدا من المفاجآت اليمنية انطلاقاً من بعد ايماني في إدارة الشأن العام، والذي تميز بجرأة استثنائية في خوض غمار تلك التجربة الثورية متكئا على إرث من حروب ست واجه فيها البطش الداخلي للنظام السابق بإيعاز أميركي وإعانة سعودية، ومن ثم مشاركة فعالة في ثورة فبراير 2011م اليمنية قبل أن يتم اكتشاف حقيقة من يتلاعب بأحلام اليمنيين بالتغيير، وكيف اخذوا إلى وصاية دولية بموجب ما سمي المبادرة الخليجية المشفوعة بقرارات من مجلس الأمن الدولي بوضع اليمن تحت الفصل السابع مع ما يعنيه ذلك من تشريع أممي للتدخل الدولي الأميركي والمتعدد الجنسيات في شؤون هذا البلد.
وحسب عبد الحسين شبيب أنه من هذه النقطة بالذات كانت المفاجأة الأولى التي حققتها ثورة 21 سبتمبر بالإطاحة بتلك الوصاية الدولية التي عاثت فسادا في اليمن على مدى 3 سنوات عبر منظومة عبد ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر ومن بينهما من تركيبة متعددة الأضلاع من شركاء النظام السابق ممثلين سياسيا بحزبي التجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام واطر قبلية ومناطقية وشخصية تشاركت في إدارة تلك المرحلة بإشراف أمريكي سعودي أيضا.
المفارقة التي أحدثتها الثورة
عكس ما جرى وقتها في المنطقة..كانت المفارقة التي أحدثتها ثورة 21 سبتمبر أنها كسرت تلك القاعدة التي اتكأت عليها ما عرفت بثورات الربيع العربي التي قامت على دعم خارجي محض اتخذ أشكالا مختلفة من التعبير عنه كانت ذروته في تحول ما سمي بالثورة السورية إلى حرب دولية إقليمية على سوريا.
وبالتالي كان حراك اليمنيين بقيادة «أنصار الله» ينطلق من دون أي رعاية خارجية ورفضا لأي استدعاء خارجي، ثم وصاية خارجية، ونجحت في ذلك رغم الطوق المحكم الأميركي الخليجي عبر تلك المبادرة الوصاية – المشؤومة.
يضيف شبيب أمر مهما إلى ماتناوله في هذا السياق وهو أن نجاح الثورة بعيدا عن استدعاء الخارج ووصايته كان ذلك تحديا كبيرا يحتاج إلى شجاعة الأقدام والاستمرار وحماية الإنجاز وهو ما حصل بالفعل، فكان من أولى نتائج تلك الثورة إقفال سفارات دول الوصاية القديمة والجديدة وعلى راسها سفارة الأمريكيين الذين تفاجأوا من السرعة في الحسم والسيطرة والإمساك بالأرض بتقنيات مزجت بين الشعبي والعسكري والإعلامي.
وغادروا (الأمريكيون) بوساطة عمانية تاركين وراءهم مشروعا عملوا على بنائه لعقود عدة في هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي في زاوية بحرية خطيرة جدا وفي جوار قريب من نزاعات مقلقة، وهذه هي المفاجأة الأخرى التي صدمت الأميركيين بسرعة سقوط هذا البلد من يدهم ودخولهم في مرحلة من التيه والتخبط في التعامل مع المستجدات فاخرجوا من واشنطن «عاصفة الحزم» كمحاولة لإسقاط تلك الثورة واحتواء مفاعليها.
فخ التقدير الخاطئ
هنا أيضا وقع الجميع من جديد في فخ التقدير الخاطئ لما ستؤول إليه الحرب ليظهرَ مرة أخرى وفي ساحة هامة جداً فشلٌ استخباري بحثي لدى صانع القرار الأميركي في ان تلك الموجة العنيفة من العاصفة ستطيح بالثورة سريعا، قبل أن تمر سنين قصيرة جدا في عمر التحولات الكبرى، ليعترف هؤلاء ويلمسوا بالدليل الحسي كيف قادت «أنصار الله» اليمن إلى مرتبة اللاعب الإقليمي الهام جدا بعد أن أتمت بنجاح ترتيب البيت الداخلي وإنتاج سلطة تدير بلداً يتعرض لعدوان شرس ويخضع لحصار وحشي وتحبط مؤامرات داخلية خطيرة وفقا لمراقبين عرباً مهتمين بالشأن اليمني.
نقطة مهمة لابد من استيعابها عند تحليل واقع ثورة 21 سبتمبر وهي إنها ثورة لا تقرأ بوقائعها فقط إنما بنتائجها ما قبل الحرب وما بعدها، حيث أعادت إنتاج فريق يمني سياسي إداري عسكري أمنى ثقافي إعلامي يدير السلطة الجديدة بكفاءة تختلف كليا عن كفاءة الفريق الذي يدير المناطق الخاضعة للاحتلال السعودي الإماراتي والتي تحولت إلى مناطق صراع دموي وفوضى امنيه واجتماعية عارمة.
وهي بذلك تعيدنا إلى نقطة الإبهار الأولى في ذلك الحدث الاستثنائي الذي كان سيجذب الشباب العربي في الجوار وغيره إلى خوض تجربة مماثلة بالاعتماد على منطلقات إيمانية مختلفة عن تلك التي استثمر فيها البعض في الإسلام السياسي بطريقة انتهازية انتهت بهم من إخفاق إلى آخر.
ضرورة وطنية
وبقراءة مراقبين محليين للثورة وأبعادها يرون أنها شكلت منعطفًا كبيرًا في التاريخ السياسي اليمني الحديث والمعاصر، لما أحدثته من تغييرات جوهرية إيجابية شملت مختلف مناحي الحياة، الأمر الذي يمكن معه القول إنها قد جاءت بمثابة ضرورة وطنية، وتصحيح مسار البلد ، بعد أن عبث به المرتزقة والعملاء وأصحاب السوابق والفاسدون.
إن قراءة متأنية لمسار ثمان سنوات هي عمر هذه الثورة المجيدة، يوضح لنا أن ما أحدثته من تغييرات جوهرية فاق بكثير مسيرتها الزمنية، وأرست بنية سياسية لنظام اتسم بوضوح الرؤية، انطلق من واقع المجتمع اليمني وأولوياته واحتياجاته، وأرست هذه الثورة اللبنات الأولى لرؤية مثالية لواقع سياسي جديد، كان بمثابة حلم الوطنيين اليمنيين لعقود خلت.
قضية مهمة تحدث عنها المراقبون وهي أن هذه الثورة راعت خصوصية المجتمع اليمني وبنيته الاجتماعية واحتياجاته وواقع العصر وما فيه من متغيرات وتقلبات وثورة معلوماتية مذهلة، وما يحصل في العالم من قفزات عملية وتكنولوجية.
لقد حافظت هذه الثورة المباركة على النسيج الاجتماعي في المجتمع اليمني وأعطت لهذه المسألة الأهمية التي تستحقها، وعملت حساباً كبيراً لحياة المواطنين، فكانت ثورة بيضاء لم تراق فيها قطرة دم واحدة، وكما قال قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي في خطاب له عن الثورة إنها ثورة لكل الشعب ولصالحه وقدمت فرصة للجميع من خلال عنوان السلم والشراكة، مؤكدًا أن ثورة 21 سبتمبر لم تمثل تهديدًا لأحد، وإنها حاضرة لعلاقات على المصالح المشروعة.
والمتابع الحصيف لأهداف هذه الثورة ومساراتها سيجد انها جاءت خالية من تصفيات الحسابات والإقصاء واعتمدت على الحكمة والمسؤولية، لأنها عبرت باسم الشعب ولصالحه، وقدمت فرصة للجميع من خلال عنوان السلم والشراكة.
واليوم وثورة الـ21 من سبتمبر تدخل عامها الثامن بقوة، فإنها ورغم المؤامرات التي حاولت إجهاضها تسير بخطى ثابتة لبناء اليمن الجديد، رغم شراسة التآمر التي تعرضت له من قبل دول العدوان، فقد تم رفع السلاح بيد دفاعًا عن الوطن وسيادته وكرامته، وباليد الأخرى معاول البناء والتنمية، لمجتمع يمني جديد ولتحقيق تنمية مستدامة ينعم بخيراتها كل مواطن يمني.
ضمانات استمرار الثورة
الاكاديمي دكتور حمود الاهنومي قال إن هذه الثورة تحمل ضمانات استمرارها والحفاظ على إنجازاتها داخلها من خلال المصادر والمرجعيات والأدبيات التي أعلنتها وتعلنها كلَّ يوم، ومن خلال تعميد هذه الأدبيات والأخلاق والأهداف بالتضحيات والدماء، وهذه ستشكل سلطة قوية وحافزة على المضي في مسيرة هذه الثورة حتى إنجاز جميع أهدافها.
ويذهب للقول : بدون شك فإن أكبر الضمانات هي الأدبيات المقدسة التي تعليها الثورة على كل شيء، وهي القرآن الكريم، ثم محاضرات الشهيد القائد، ومحاضرات وتوجيهات السيد القائد، وكل المعاني والقيم والمفاهيم الثورية الجهادية العادلة، وهذه أمور تعمل على مراعاتها وتنفيذ مضامينها وتحقيقها القيادة العليا للثورة،
ممثلة في السيد القائد الذي يعتبر أكبر الضمانات للحفاظ على الإنجازات وتحقيق ما بقي من الأهداف، ثم الكوادر القيادية التي صنعتها الثورة وتصنعها المسيرة القرآنية باستمرار وهي التي يجب أن تكون فاعليتها وأدواتها القيادية والتأثيرية قوية وفاعلة في أوساط المجتمع؛ لأن هؤلاء هم المؤتمنون على مصير هذه الثورة ومستقبلها وهم يشكلون التشكلات والتجسدات المعبرة عن الثورة سلبا أو إيجابا.
ومضى الدكتور الأهنومي يقول : إن انطلاق المجاهدين في الجبهات على ذلك النحو من التضحية والفداء والشجاعة والإخلاص، وظهور نماذج مستمرة ومتتابعة حملت مشروع هذه الثورة والمسيرة على رؤوسها وهي تخوض المنايا، وتقتحم الأهوال، لا يعني سوى أن هذه الثورة خلاقة وولادة للكوادر التي ستمضي قدما قدما نحو تحقيق وإنجاز جميع أهداف الثورة، وهذا ما نعنيه بوجود الضمانات الواقعية لاستمرار هذه الثورة حتى إنجاز جميع أهدافها، وأي متخلف عن ركب هذه الثورة وتحقيق إنجازاتها إنما يضع نفسه مكشوفا أمام سلطة الثورة الروحية والأخلاقية وضميرها الوطني الحر.
أهداف الثورة التي أنجزت
وحول الأهداف يقول إن أهم ما أنجزته ثورة 21 سبتمبر من أهداف فهي: أولا: ذكر السيد القائد في خطاب الذكرى السابعة أن أول وأكبر وأهم منجز أن ثورة 21 سبتمبر أوقفت ذلك المستوى الذي كان قائماً من العبث والاستهتار، والذي كان يتجه بالبلد إلى الانهيار التام، وضعت حداً لتلك اللعبة السخيفة، التي كانت تنفذ تحت عنوان الوصاية.
ثانيا: ما ذكره السيد القائد في خطاب الذكرى الأولى للثورة من أنها أفشلت مخطَّطَ الأمريكان وعملائهم في تدمير وتفكيك البلد والوصول به إلى حالة الانهيار الشامل؛ ليتسنى لهم عندئذ احتلاله تحت مبرر إنقاذه، ويذكر السيد أنهم فعلا يأتون اليوم لاحتلال البلد ولغزوه ولكن ليس كما خططوا بأن يأتوا بصورة المنفذين لهذا البلد، بل أتوا غير مقبولين، فلم يسلم لهم الشعب البلد والمصير، كما كانوا يخططون، ولم ينظر إليهم إلا كغزاة ومحتلين، ولهذا تحرك بكل شجاعة وثبات ووعي لمواجهتهم والتصدي لهم، وهو يلقنهم يوميا دروسا مهمة في الاستقلال والحرية والعزة والإباء.
ثالثا: ذكر السيد القائد أيضا من منجزات هذه الثورة استعادة شعبنا لكرامته المهدرة، وأنه بات شعبا حرا، يعيش الحرية واقعا قائما وحالة حقيقية، بحيث لا يستطيع لا الأمريكي ولا البريطاني ولا الإسرائيلي ولا عملاؤهم أن يفرضوا على هذا الشعب ولا على حكومته في صنعاء أي نوع من الإملاءات، يقول السيد أيضا: «نحن نقول لهم: لا، بكل عزة، بكل قوة، ونستطيع أن نتصدى لسياساتهم، ونتحرك في التصدي لمؤامراتهم بكل عنفوان، كشعب عزيز وحر، يستند إلى تلك المقومات العظيمة، الأخلاقية والمبدئية، ويعتمد على الله سبحانه وتعالى، ويتوكل على الله سبحانه وتعالى.
ويضيف نقطة رابعة وهي أنه بناء على تحقق أهم أهداف الثورة وهي الحرية والاستقلال، فقد تحقق للشعب وحكومته المنبثقة عن إرادته الثورية استعادة قراره الحضاري، سياديا وسياسيا وفكريا وثقافيا واقتصاديا وتربويا وعسكريا واجتماعيا، وهذا يشكل أهم مصادر تحرك الأمة والشعب نحو النهوض الحضاري الشامل، ويبني الأمة بناء نفسيا وروحيا وثقافيا بالشكل الذي يهيئها للانطلاق في مسيرة الحضارة الشاملة، والتغيير يبدأ في النفوس والاستعدادات قبل أن ينطلق في الميادين، وما يحدث في الميادين هو الترجمة الفعلية للانفعالات النفسية والروحية والفكرية.
وخامسا هو أن هذه الثورة أعادت الأمل في جدوائية الثورات من أصلها، ففشلها المتراكم والذريع في اليمن وغيرها أصاب الأمة بالإحباط واليأس من إحداث أي نوع من أنواع التغيير، وباتت الشعوب ترى في الأجانب قدَرا محتوما لا يمكن الفكاك منه، فحين تنجح هذه الثورة وتحقق أهدافها على رغم التدخلات الأمريكية والأجنبية.
وعلى رغم عدوانها العسكري والاقتصادي وحربها الناعمة فإن هذا سيشكل حافزا لكثير من حركات التحرر والشعوب في أن تسلك هذا السبيل، وأن تجرب حظها مرة أخرى في الكفاح والنضال؛ ولهذا نقول دائما: إن انتصار ثورتنا لا يعود بالنفع لليمن واليمنيين فقط، بل لكل العالم الحر، ولجميع الشعوب المستضعفة التي تتوق للحرية والاستقلال والنهوض
أما سادسا -وفقا لحديث الدكتور حمود الاهنومي – فإن هذه الثورة وضعت اليمن واليمنيين على طريق النهوض والصعود، والشواهد الكثيرة ماثلة للعيان، فتجربة التصنيع الحربي والعسكري معجزة هذه الثورة التي قطعت فيها شوطا كبيرا من الاستيراد لكل مستلزمات المعركة بنسبة 100% إلى التصنيع لمعظم مستلزماتها من الطلقة إلى الطيارة والصاروخ، وفي مدة قصيرة جدا وقياسية إلى حدٍّ أذهل المراقبين وجعل بعضهم لا يصدق بهذه التجربة العجيبة والبديعة والمذهلة.
إن النجاح في الجانب العسكري المادي لا يقل عنه شأنا وقوة النجاح في الجانب العسكري المعنوي، وأعظم تنمية عسكرية هي في صناعة الروحية العالية لدى العنصر البشري المقاتل الذي بات مضرب المثل عند جميع المراقبين والمحللين، في ثباته وصموده وروحيته وتضحيته وشجاعته وصبره وإخلاصه واستعداده العالي للشهادة رغم الفارق الكبير في الإمكانات والتسليح بين هذا المقاتل والمقاتل من الطرف الآخر الذي تحميه وتغطي تحركاته آخر ما توصلت إليه التقنية العسكرية في العالم من طيران وأقمار صناعيه وتجسسية، وهذا الأمر تعجز عن صناعته أكبر وأعظم الجامعات والأكاديميات العسكرية.