كادت الْيَمَن قبل ثَوْرَة 21 سِبْتَمْبَر 2014م أن تسقط فِيْ هاوية الثَّقَافَة الدخيلة والمغلوطة والغربية وَالثَّقَافَة الهابطة والسامجة الَّتِي كَانَتْ الْحُكُوْمَة فِيْ حِيْنَهَا تحاول ترسيخها.. وهنا فِيْ هَذَا المقال سأكتب لَكُمْ عن دور الثَّوْرَة فِيْ تحصين الْمُجْتَمَع الْيَمَنِي بالثقافة الإسلاميَّة وترسيخ الهُــوِيَّة الدِّيْنِيَّة الَّتِي كادت أن تتلاشى وَإعادة الْمُجْتَمَع الْيَمَنِي إلى هُــوِيَّته الإيمَـانية الَّتِي سعت إلى تحجيمها ومحاربتها، كَمَا سأكتب مقارنة كيف كَانَتْ الْيَمَن ثقافيًّا قبل وَبَعْدَ الثَّوْرَة، والإنجاز الثَّقَافِي هَذَا هُوَ أحد إنجازات الثَّوْرَة، وَهُوَ أحد أهم معالمها، إذ لَا تقل أَهَمِّيَّته عن الإنجازات الأُخرى كالاستقلال وَالأَمْن وبناء الْجَيْش وغيرها.
الثَّقَافَة هِيَ عادات النَّاس وأعرافهم وتقاليدهم اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية، وَمَا جُبلوا عَلَيْهِ فِيْ مجتمعهم، وَطَرِيْقَة تعبدهم لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَطَرِيْقَة أكلهم وشربهم وملبسهم ومأكلهم، وأيام اجتماعاتهم، وعُرفهم وعاداتهم فِيْ الأعراس والمآتم وتكوين الأحاديث والقصص والقصائد وغيرها من الموروث الشعبي الثَّقَافِي.
كَانَتْ الْيَمَن قبل الثَّوْرَة قَدْ حاولت سلخ الشَّعْب الْيَمَنِي عن ثقافته الأصيلة الَّتِي تربَّى عَلَيْهَا، ورسخت بَدَلاً عَنْهَا عِدَّة ثقافات مغلوطة تُعَدُّ حربًا شعواء ضِدّ هَذَا الشَّعْب الْعَظِيْم، وسعت إلى اسْتِبْدَال ثقافته بثقافات أُخرى روجت لَهَا وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ:
1- تغييب القرآن الْكَرِيْم عن واقع النَّاس تطبيقًا وعملاً.
2- إشغال النَّاس بأمور تافهة تبعدهم عن ارتباطهم بالقرآن الْكَرِيْم.
3- تثقيف النَّاس بثقافة مغلوطة بعيدة كُـلّ البعد عن ثقافة الْمُجْتَمَع الْيَمَنِي وعن الدين وأركانه، كثقافة طاعة ولي الأَمْر وإن أخذ مالك وقصم ظهرك. وَهَذَا مَا قَامَتْ بِهِ وَزَارَة الأوقاف آنذاك عِنْدَمَا كَانَتْ تنشر خطب الجمعة، والأعياد فِيْهَا مثل هَذِهِ الأفكار الشاذة، كطاعة ولي الأَمْر وَلَوْ كَانَ ظالماً فاسقًا عميلاً للغرب ولأعداء الْيَمَن وَالإسلام.
4- تدجين النَّاس بثقافة الْقَبُوْل بأي حاكم عَلَيْهِمْ حَتَّى وَلَوْ كَانَ منبطحًا وفاسقًا. وَهَذَا أَدَّى إلى تهيئة الأرضيَّة للقبول بتولي الْيَهُوْد وَالنَّصَارَى.
5- إدخَال ثقافات دخيلة عَلَى الْيَمَن وَلا يعرفها الشعب، وَهِيَ ثقافة الوهَّـابية وداعش والقاعدة وغيرها من الثقافات الَّتِي كَانَ الشَّعْب الْيَمَنِي لَا يعرفها وَلا يتأقلم عَلَيْهَا، ثقافة التفرقة وعدم الْقَبُوْل بالآخر وطمس التُّرَاث الْيَمَنِي المتمثل فِيْ التراثين الزَّيْدِيَّة والشافعي، ومحاربة المذهبين أَو من يتعبّد الله بهما، وتفرخت من هَذِهِ الثقافات المغلوطة: قتل الْمُوَاطِن الَّذِيْ لَا يؤمن بتلك الثقافات وإباحة دمه وماله وعرضه وتكفيره وإخراجه من ملة الإسلام، فانتشرت التفجيرات والمفخخات، وبدأوا بتفجير الجوامع كجامِعَيْ بدر والحشوش وقتل مَن فيها، وتفجير القباب والأضرحة والتحذير من زيارتها وأخذ العظة والعبرة مِنْهَا، كَمَا حصل فِيْ بَعْض مُدِيْرِيَّات عمران والفازة بالساحل الْغَرْبِيّ وشبوة وغيرها.
6- نشر ثقافة الذبح والقتل لَا لشيء إِلَّا لأنهم تربوا عَلَى تحليل دم من يخالف منهجم وفكرهم.
7- نشر ثقافة الاغتيال للمواطن الْيَمَنِي، وطبقوها عِنْدَمَا اغتالوا الدُّكْتُوْر أحمد شَرَف الدِّيْنِ ومحمد الْمُتَوَكِّل وعبدالكريم جدبان رحمة الله عَلَيْهِمْ.
8- محاولة طمس الهُــوِيَّة الدِّيْنِيَّة الإيمَـانية للمجتمع الْيَمَنِي الَّذِيْ ارتبط بِهَا مُنْذُ فجر الإسلام، وَذَلِكَ بتهميش من عمل بِهَا وعدم قُبُوْل من يحملها لَا فِيْ الْمُجْتَمَع وَلا فِيْ الوظائف، وأحياناً محاربتها ومحاربة من يحملها، وذلك بِمَنْعِ رجال الدين من نشرها وَالتَّوْعِيّة بِهَا والتحذير مِمَّنْ ينشرها بَلْ والزج بِهِمْ فِيْ السُّجُوْن وأحياناً قتلهم إن كلف الأَمْر، وَفِيْ مقابلها نشر التقبل وَالْقَبُوْل والرضا بالثقافة الغربية.
9- نشر الثَّقَافَة الغربية الهابطة والترويج لَهَا إعلامياًّ وتحصينها سياسيًّا وحمايتها عسكريًّا، وَذَلِكَ عبر نشر المسلسلات الهابطة فِيْ القنوات الْمَحَلِّيَّة والدولية، وَكَذَلِكَ التشجيع فِيْ ممارستها فِيْ الأماكن المقدسة كالجامعات والمدارس والكليات، والسماح بفتح محلات تقوم بنشر تِلْكَ الثقافات الغربية إما ببيع أَفْلام هابطة أَو أغانٍ ساذجة، أَو ملابس شبه عارية لَا أخلاقيَّة تخل بعفة وشرف بناتنا وتبعدها عن الأخلاق والفضائل والسعي بِهَا لتهوي فِيْ الرذائل وجعلها عادة اجتماعيَّة عَادِيَّة.
10- عقد اللقاءات تلو اللقاءات بين رجال الدَّوْلَة آنذاك ومسئولين غربيين حول تحجيم دور الدين وَالْمَسْجِد وَالقرآن الْكَرِيْم واقتصار دوره فَقَطْ وفقط عَلَى ترتيله فِيْ الصَّلاة أَو فِيْ زوايا الجوامع وإبعاده بَلْ واستبعاده فِيْ المناهج الْحُكُوْمِيَّة والتطبيق العملي فِيْ المكاتب الْحُكُوْمِيَّة وقرارات المسئولين وغيرها.
11- تلميع دور أمريكا والثقافات الغربية وتحجيم دور الإسلام فِيْ تهذيب الْإنسان وتربيته التَّرْبِيَة الصحيحة.
12- إبعاد النَّاس عن الشَّخْصِيَّات الإسلاميَّة الْعَظِيْمَة والقُدوة الحقيقية وَالْعَظِيْمَة والقيادية كالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- وأهل بيته وَعُظَمَاء الْمُسْلِمِيْنَ، والسعي الحثيث لاستبدالها بشخصيات غربية وَأمريكيَّة، فمنعوا الاحتفال بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِي الشَّرِيْف، وبذلك أَرَادُوْا تحجيم دور رَسُوْل الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- ومنع الارتباط بِهِ، وارتباط النَّاس بَدَلاً عَنْهُ بشخصيات قيادية أمريكيَّة وغربية، وروجوا للقبول بالحضارة الأمريكيَّة كونها حضارة متطورة وثقافة مدهشة وَفِيْهَا الْخَيْر والصلاح لِهَذَا الشَّعْب.
هَذَا مَا كَانَ يُوْجَد سابقًا فِيْ الْيَمَن قبل الثَّوْرَة الْمُبَارَكَة، يعني كَانَ هُنَاكَ عِدَّة معاول هدم تسعى لطمس الثَّقَافَة الإيمَـانية الَّتِي تربى عَلَيْهَا الشَّعْب الْيَمَنِي وتسعى لهدم أَوَاصِر وإخاء الشَّعْب الْيَمَنِي وَمَا تبقَّى فِيْهِ من عروق بعد ذبحه اقتصاديًّا وإنهاكه سياسيًّا.
فجاءت الثَّوْرَة الْمَجِيْدَة الَّتِي نعيش فِيْ ذكراها الثَّامِنَة وأعادت لِلْيَمَنِ ولشعب الْيَمَن رونقه وبهاءه وأعادته إلى ثقافته القرآنية وعاداته الاجتماعيَّة الأصيلة وثقافته الدِّيْنِيَّة وهُــوِيَّته الإيمَـانية، وَهَذَا مَا تَمَّ.
ولذلك تعتبر هَذِهِ إحدى إنجازات ثَوْرَة 21 سِبْتَمْبَر الْمَجِيْدَة المهمة وَذَلِكَ فِيْ دورها الْكَبِيْر فِيْ إعادة الْيَمَن إلى ثقافته الأصيلة الَّتِي تربى عَلَيْهَا قرونًا من الزَّمَن، وَكَانَ أن يتناسها أَو يضيعها، لولا الله وَلا هَذِهِ الثَّوْرَة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
صالح فارع