تصور أنك أمام بندول ساعة عملاق يتأرجح ببطء شديد ذهابا وإياباً منذ قرون هنا في روسيا. كان يتأرجح في اتجاه واحد وهو الغرب حيث كانت ترنو روسيا بأنظارها في اتجاه القارة الأوروبية، لأنها ترى نفسها جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الأوروبية.
لكن أحياناً أخرى، تأرجح البندول في الاتجاه المعاكس وتطلعت روسيا إلى الشرق وبات حكامها ينتقدون الحضارة الغربية وقيم الغرب ويقولون أن مستقبل روسيا هو في آسيا.
هل يُذَّكرك ذلك بأي شخص؟
بوجود فلاديمير بوتين على رأس السلطة في روسيا تأرجح البندول الروسي بقوة نحو الشرق. وهذا الأمر ليس بالغريب أو المفاجئ. فقد أدى قراره بغزو أوكرانيا إلى نبذ روسيا من قبل الغرب وفرض عقوبات عليها. ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن بوتين بأنه “ديكتاتور قاتل” بينما وصفته رئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس عندما كانت وزيرة للخارجية بأنه “شخص مارق يائس”.
لكن الرئيس الصيني يخاطبه بلغة مختلفة تماماً، فقد توجه إليه مخاطباً: “صديقي القديم العزيز” خلال لقاء الزعيمين على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند بأوزبكستان.
من جانبه أشاد بوتين بـ “الصداقة بين الصين وروسيا” و “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين البلدين.
تجمع الزعيمين رؤية واحدة الى العالم، فكلاهما يدعوان إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تلعب فيه الدولتان دوراً يوازن دور الغرب ولا سيما الولايات المتحدة، على الساحة الدولية.
فهل يظل بوتين وشي جينبينغ “أعز صديقين إلى الأبد”؟ الأمر ليس بتلك البساطة.
أولاً من النادر أن تكون هناك “صداقة دائمة” في السياسة العالمية. ثانياً هذه علاقة غير متكافئة بشكل مضطرد.
فقد أدى غزو بوتين لأوكرانيا والذي لا يجري كما خططت له روسيا، إلى إضعاف روسيا. أعترف الكرملين بأن الجيش الروسي تكبد “خسائر كبيرة”، في حين أن العقوبات الغربية وضعت الاقتصاد الروسي تحت ضغط شديد.
عندما تنظر إلى العلاقات بين روسيا والصين تشعر أكثر فأكثر أن روسيا هي الشريك الأصغر.
عقب اجتماعهما، أقر بوتين بأن الصين لديها “أسئلة ومخاوف” بشأن الوضع في أوكرانيا. هذا الاقرار من قبل الكرملين أمر غير متوقع، أي أن ما تسميه روسيا بالعملية العسكرية الخاصة تثير بعض القلق لدى بكين.
بعد أن أحرق الجسور مع الغرب وأشعل فتيل حرب الطاقة مع أوروبا يحاول بوتين التوجه نحو الشرق ( بعد أن باتت خياراته محدودة). إنه يأمل في تغيير وجهة الاقتصاد الروسي وإيجاد أسواق جديدة للنفط والغاز الروسي وهذه مسألة ليست بسيطة.
ويقول سيرغي رادشينكو، الأستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: “تأمل روسيا أن يثمر هذا التحول ويمنحها مكاسب ملموسة، لكنني لا أتوقع ذلك”. ما تحتاجه “روسيا في النهاية من الغرب هي التكنولوجيا والأسواق”.
“روسيا بحاجة الى التقنية الغربية لتطوير حقول النفط والغاز البحرية، وهناك علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على القيام بذلك دون مساعدة غربية”.
“من الصعب للغاية تغيير اتجاه تدفق الغاز الروسي. أمضى الاتحاد السوفيتي وروسيا عقوداً في بناء شبكات من خطوط الأنابيب إلى أوروبا وهي المكان الذي توجد فيه البنية التحتية الضرورية. من الصعب للغاية تغيير وجهة مبيعات الطاقة الروسية وتوجيهها نحو الاسواق الاسيوية.”
القمة التي حضرها بوتين وشي جينبينغ هي اجتماع لمنظمة شنغهاي للتعاون التي تضم إلى جانب روسيا والصين أربع دول في آسيا الوسطى : كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان بالإضافة إلى الهند وباكستان.
بالنسبة للرئيس بوتين مثل هذا الحدث فرصة لإثبات أنه لا يزال لدى موسكو أصدقاء أقوياء على الرغم من العقوبات الدولية ومحاولات الغرب عزل بلاده بسبب غزو أوكرانيا.
“ترغب روسيا في أن تلفت الأنظار إلى أن عزلها من قبل الغرب يشمل الغرب فقط وأن العالم متعدد الأقطاب للغاية” كما يوضح البروفسور رادشينكو. “لكن المثير للاهتمام هو أن ميزان القوى برمته في منظمة شنغهاي للتعاون وفي آسيا الوسطى يتغير ويبتعد عن روسيا”.
بوتين موجود في سمرقند في وقت يخوض فيه الزعيم الروسي حربا خاسرة. “لأول مرة تنتهج دول في آسيا الوسطى سياسات خاصة بها. وكازاخستان هي أكثر من يلفت الإنتباه في هذا المجال، حيث كانت حازمة للغاية في علاقاتها مع روسيا. لم تدعم كازاخستان روسيا في غزوها لأوكرانيا كما كان يأمل بوتين. هناك تحولات مثيرة للاهتمام في ميزان القوى”.
بينما يهلل الكرملين لتوجهه شرقا يجدر بنا أن نتذكر حقيقة أساسية عن روسيا ألا وهي أن هذا البلد الأكبر في العالم، يمتد على قارتي أوروبا وآسيا. وبدلاً من ترك البندول يتأرجح باتجاه واحد ربما يكون من المنطقي أكثر بالنسبة لروسيا أن تنظر شرقاً وغرباً.