وصل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية، على رأس وفد من قيادة الحركة إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة من المقرر أن يلتقي خلالها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وعددا من القادة والمسؤولين الروس. وضم وفد قيادة الحركة كلا من صالح العاروري نائب رئيس الحركة، وعضوي المكتب السياسي الدكتور موسى أبو مرزوق والدكتور ماهر صلاح.
وقال طاهر النونو المستشار الاعلامي لرئيس الحركة، إن هذه الزيارة التي تأتي بدعوة من وزارة الخارجية الروسية وسوف تستمر عدة أيام، وتستهدف بحث آفاق العلاقات الثنائية بما يخدم القضية الفلسطينية. وأضاف النونو: “تأتي هذه الزيارة في وقت شديد الأهمية على مستوى المنطقة والعالم، إذ يجري بحث المستجدات الدولية والمتغيرات المتعلقة بالمنطقة وتأثيراتها على القضية الفلسطينية”، مشيدا في الوقت نفسه بالعلاقة مع روسيا ومواقفها من فلسطين”.
وتأتي هذه الزيارة بعد قيام وفد رفيع المستوى من حركة “حماس”، برئاسة رئيس مكتب العلاقات الدولية موسى أبو مرزوق، بزيارة إلى موسكو في أيار/مايو الفائت، هدفت إلى إجراء مباحثات مع المسؤولين الروس في عدد من الملفات المهمة والمتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية. وكانت موسكو انتقدت موقف الدول الغربية في التعامل مع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وأشارت في حينها إلى أنّ “الغرب يقلق للغاية من الوضع في أوكرانيا.. بينما يراقب بلا مبالاة الإسرائيليين يقتلون الفلسطينيين ويدمرون قطاع غزة”، واصفة الأمر بأنه استمرار “لآلة الدعاية غربية”.
حركة حماس استعدّت جيدًا لهذه الزيارة و مكتبها السياسي قرر بعد اجتماعين مكثفين تلبية الدعوة التي وردت للحركة من مكتب وزير الخارجية الروسي وعلى اساس الانخراط في جملة تكتيكية جديدة تحت عنوان التحدث مع كل طرف يريد أن يتحدّث مع المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة وتحديدا في قطاع غزة.
تحفظات قليلة عند عضوين على الأقل من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس تم تجاهلها فقد صنّف المشار إليهما هذه الزيارة بأنها خطيرة وقد تنتهي بمجازفات غير محسوبة ولكن المشاورات انتهت بالتصويت لصالح هذه الزيارة تحت عنوان الاستكشاف والاستطلاع ومعرفة ما الذي تريده موسكو من حركة حماس في هذه المرحلة تحديدا بعد استقبالها بصفة رسمية وإقامة أول مشاورات ذات بعد رسمي مع المؤسسة الروسية.
طبعا تعرف حركة حماس مسبقا بأن موسكو هنا تناكف الإدارة الأمريكية وتناكف الدول الأوروبية التي سعى بعضها لوسم حركة حماس باعتبارها حركة ارهابية. كما تناكف واشنطن التي لا تريد إجراء أي اتصالات مباشرة مع قيادة حركة حماس لكن القيادة السياسية لحركة حماس كان لها رأي مختلف في التكييش السياسي وفي التواصل وفي فتح آفاق جديدة وهو ما أشار له القيادي السياسي في حماس خالد مشعل على هامش زيارة مثيرة تضمّنت توسيع بيكار التواصل مع الاردن قبل اكثر من اسبوعين حيث ألمح مشعل هنا إلى ان حركة حماس تجري اتصالات مع اطراف روسية ومع عدة دول ومع بعض الدول عبر طرف ثالث.
بكل حال عمليا لا يوجد فائض من المكاسب السياسية يمكن أن ينتج عن هذه الزيارة والتي يعرف قادة حماس لا بل تحدث بوضوح في عمان عن أنها تنطوي على مناكفة من روسيا المنغمسة في الهم الأوكراني. لكن التواجد في موسكو يمنح قادة حركة حماس والشعب الفلسطيني فرصة إيصال الصوت وفرصة التحدث مع دولة كبيرة ومؤثرة في المنطقة ودوليا مثل روسيا وعلى أساس ازدواجية المعايير والتناقض في اللعب على الوتر الاوكراني.
وبالتالي حركة حماس قررت الذهاب في هذه الطريق بعد سلسلة مشاورات لإنجاح وفد الحركة إلى موسكو تمت عمليا عبر السفارة الروسية في العاصمة اللبنانية بيروت. حركة حماس على علم مسبق عمليا بأن زعيم الكرملين لديه حسابات اليوم هي التي دفعت باتجاه محاولة احتضان حركة حماس في أوّل حوار سياسي رسمي مباشر.
وبين تلك الحسابات بوضوح السعي لمناكفة حكومة اليمين الاسرائيلي حيث العلاقات بين موسكو وتل أبيب في حالة انقسام غير مسبوقة وحيث اجراءات اتخذها الرئيس فلاديمير بوتين ضد إسرائيل داخل موسكو وحيث عتب شديد وصل إلى حالة تلامس مع المقاومة الفلسطينية تقريبا ولأول مرة وبعيد عن السلطة الوطنية الفلسطينية واتفاقية أوسلو وما تسمى الرباعية الدولية أو الراعي الدولي لعملية السلام غير الموجودة الآن.
وموسكو حتى بتقدير مطبخ حماس تناكف الأمريكيين ايضا وتريد الانخراط في عملية يبدو أنها أوسع قليلا من مجرد استقبال قادة حماس فهي على صلة بمنشقين عن حركة فتح وبين معارضين للسلطة وللرئيس الفلسطيني محمود عباس والانطباع كبير بأن موسكو بصدد دعم ما تسميه اوساطها المختصة بالعالم العربي أو بالقضايا العربية بدبلوماسية الحوار الفلسطيني الداخلي بمعنى أن روسيا تخطط للاختراق.
توتر العلاقات الروسية الصهيونية
ولقد شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً للتوتر بين إسرائيل وروسيا؛ تمثلت أحدث مظاهره في مداهمة القوات الروسية مقر الوكالة اليهودية في موسكو والتهديد بإغلاقها، وهو ما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية التي أرسلت وفداً إلى موسكو لحل الأزمة، مع التلويح في الوقت ذاته بأنها قد تؤثر على العلاقات بين البلدين. وتعد الأزمة الأخيرة امتداداً للخلافات السابقة بين موسكو وتل أبيب بشأن الحرب في أوكرانيا، وهو ما قد تكون له انعكاسات مُحتملة على الملفات الإقليمية المشتركة بين البلدين، بما فيها التنسيق العسكري في سوريا، والموقف من إيران.
ربما يكون للتوتر الحالي بين موسكو وتل أبيب تأثير على فرص لابيد نفسه في الانتخابات البرلمانية القادمة في مواجهة بنيامين نتنياهو، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار أن التضييق الروسي على الوكالة اليهودية يستهدف لابيد نفسه. وبالطبع، استغل نتنياهو هذا الأمر لتدعيم موقفه وحوَّله إلى جزء من دعايته الانتخابية؛ حيث اتهم خلال مؤتمر صحفي يوم 27 يوليو الماضي، لابيد وجانتس بـ “الثرثرة، وتعريض أمن إسرائيل القومي للخطر”، مُضيفاً إنه “قلق من أن ما بنيناه على مر السنين يتم تقويضه أمام أعيننا في الأسابيع الأخيرة”.
ومن المُرجح أن يسعى الجانبان الروسي والإسرائيلي إلى التهدئة، وتجاوز الخلافات أو على الأقل تقليل حدتها في الفترة المُقبلة؛ بهدف الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لكل منهما، وخاصةً فيما يتعلق بالتنسيق العسكري في سوريا أو الموقف من إيران أو استمرار تنظيم هجرة اليهود من روسيا. ومن المُحتمل أن تُخفف إسرائيل من حدة خطابها ضد روسيا بشأن حرب أوكرانيا، أو على الأقل تُعطي ضمانات أو رسائل لموسكو بعدم تطوير تعاونها مع كييف
الاستراتيجية الروسية تجاه القضية الفلسطينية
دعم الاتحاد السوفييتي منظمة التحرير الفلسطينية في مساعيها للحصول على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وتم افتتاح ممثلية لمنظمه التحرير الفلسطينية في موسكو، واعتبرت الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية وتبدي روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن وطرفٌ في الرباعية الدولية استعدادها للمشاركة في كل الجهود، ولا سيما ضمن إطار الرباعية الدولية المعترف بها من قبل مجلس الأمن الدولي، وبالتنسيق الوثيق مع جامعة الدول العربية، للوصول إلى تسويةٍ سياسيةٍ لحل الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي”
أما بالنسبة للتطبيع، فقد أكد وزير الخارجية الروسي مراراً، على موقف بلاده من عدم استغلال اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، في المماطلة في حل القضية الفلسطينية، وعلى أهمية التوصل إلى تسويةٍ شاملةٍ للنزاع في الشرق الأوسط، مع إدراك أن يكون جزءٌ لا يتجزأ من هذه التسوية حلاً عادلاً ومستداماً للقضية الفلسطينية، بناءً على القاعدة القانونية الدولية المتفق عليها اممياً، بما يشمل مبادرة السلام العربية ومبادئ حل الدولتين، وأنه لا يمكن إحلال استقرار ثابت في الشرق الاوسط بدون حل القضية الفلسطينية.