مقالات مشابهة

ما الذي يمكن فهمه من استشهاد فلسطينيَين ومقتل ضابط إسرائيلي في جنين؟

أعلن الكيان الإسرائيليّ مقتل أحد ضباطه، واستشهاد فلسطينيَين اثنين في اشتباك مسلح، شمال الضفة الغربية، وتأتي تلك الأنباء في ظل تمادي قوات العدو الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين وخاصة في هذا الأيام، حيث تتزايد دعوات تفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة في الضفة الغربيّة المحتلة بشكل كبير في الفترة الماضية.

بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين ما يُظهر بشكل أكبر العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن، فيما تشير وسائل الإعلام العبريّة نقلاً عن مصادر في المؤسسة الأمنية والعسكرية، إلى أن السلطة الفلسطينية في رام الله فقدت السيطرة التامة على شمالي الضفة، متحدثة عما أسمتها “الفوضى وكميات كبيرة من السلاح”.

مقاومة متصاعدة

في الوقت الذي حذّرت فيه القاهرة تل أبيب من تصاعد احتماليّة حدوث “ثورة غضب” تشعل الأراضي الفلسطينيّة، في ظل إقرار إسرائيليّ بـ”الخطر المحتمل” في الضفّة الغربيّة المُحتلّة واعترافها أنّه “أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر”، تحدث الجيش التابع للكيان في بيان عن مقتل ضابط صهيونيّ مؤخراً، نتيجة تبادل لإطلاق نار بعد اشتباك مع مسلحَين فلسطينيَين بالقرب من معبر “الجلمة” قضاء جنين، كما أسفر الاشتباك عن استشهاد الفلسطينيَين أيضاً.

وبالتزامن مع استشعار الجميع اقتراب حدوث معركة كبرى في الضفة الغربية وبالأخص في جنين -التي تضم سرايا القدس وكتائب الأقصى- نتيجة التصعيد الإسرائيليّ، تتزايد تحذيرات المقاومين لتل أبيب من عواقب أي معركة قادمة، وذلك عقب تزايد الدعوات لتفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة في الضفة الغربيّة المحتلة، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين، حيث تشير المقاومة الفلسطينيّة إلى أنّ الشعب الفلسطينيّ في مواجهة مباشرة مع قوات العدو، وفي كل لحظة من المحتمل أن نشهد حالة الاشتباك الشامل، في ظل حالة الغليان في كل أوساط الشعب الفلسطيني.

ويتفق الجميع على أنّ الجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة المحتلة ترفع بشكل خطير من حالة الغليان الفلسطيني واحتماليّة وقوع “ثورة غضب” عارمة في الضفة الغربيّة وكامل فلسطين بوجه الاحتلال الصهيوني، ولا يخفي الفلسطينيون أنّ كل فلسطينيّ هو مشروع مقاوم وشهيد، وبالتالي كل فرد من أفراد المجتمع الفلسطينيّ يجد في نفسه الكفاءة أن يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني ورفضه للاحتلال.

باعتبار أنّ التصدي لاقتحامات وهجمات قوات الاحتلال والمستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم وحماية فلسطين وشعبها، وقيام قوات الاحتلال والمستوطنين بتصعيد إجرامهم وعربدتهم وتغولهم في أراضي الفلسطينيين عبر مخطّطات العدو الاستيطانيّة والإباديّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.

“الضفة الغربية المحتلة على موعد مع انفجار انتفاضة عارمة ستغير الواقع الحاليّ”، جملة يتفق عليها الكثير من المحللين والمراقبين، باعتبار الضفة ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967، وستكون وفقاً لمراقبين ومحللين كُثر ومنهم إسرائيليون رداً حقيقياً وعملياً على الاحتلال الصهيوني، مع صعود احتماليّة عودة المقاومة المسلحة إلى هذه المنطقة، ويمكن أن تكون أقرب مما يتخيل البعض، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة.

ووفقاً للوقائع، فإنّ هناك احتماليّة كبيرة في أن تُفتح أبواب جهنم على “إسرائيل” التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، فيما يسود التوتر بين القاهرة وتل أبيب، حيث انتقد المسؤولون المصريون السلوك الإسرائيليّ، وأوضحوا أنّ الزيادة الأخيرة في عمليات قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، تحرج السلطة الفلسطينية وتضعف موقفها أكثر، كما يؤكّد الإعلام الإسرائيليّ أنّ عمليات إطلاق النار باتجاه أهداف إسرائيليّة في أنحاء الضفّة الغربيّة ازدادت بشكلٍ كبيرٍ، وذلك خلال العام الحاليّ.

بيد أنّ فصائل المقاومة الفلسطينية تُجمع بكل تشكيلاتها على الوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن الضفة الغربية، وتشدّد على أنها لن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء فلسطين هناك، وقد كانت رسالة واضحة من الفصائل التي حذرت تل أبيب مراراً من استمرار عدوانها على مدن الضفة، وهي تدعو بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة.

مواجهة قريبة

تنبؤات كثيرة أكّدت أنّه في حال استمر الوضع في الضفة على ما هو عليه، فإنّ إسرائيل ستواجه انفجاراً وفوضى في الأراضي الفلسطينية، ومع كل عدوان جديد تنفذه قوات الاحتلال، يُحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى “غزة ثانية” لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، بعد أوصل الصهاينة وآلتهم العسكريّة رسالة لهذا الشعب بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، وخاصة أنّ المقاومين هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل العنصريّ.

ومع تصاعد الإجرام الإسرائيليّ إلى حد غير مسبوق بحق أهالي الضفة الغربية، يؤمن الفلسطينيون بأنّ الهجمة الإسرائيلية على المنطقة هدفها محاولات السيطرة على المسجد الأقصى، وهذا كله يثير حساسيات هائلة لدى أبناء الأرض، إضافة إلى أنّها عوامل مساعدة حتى تعلو عمليات المقاومة الفلسطينية، ما يرفع بشكل أكبر من احتماليّة تصعيد المواجهة مع الكيان في كل مناطق وجوده وبالتحديد في الضفة الغربيّة.

وبالتزامن مع مرور 20 عاماً على المجزرة التي اقترفتها العصابات الصهيونيّة في مخيم جنين في الضفة بالفترة ما بين 1 إلى 12 أبريل/ نيسان عام 2002 ولا تزال تفاصيلها حاضرة في ذاكرة العالم والعرب نتيجة قيام الكيان الصهيوني على بحر من دماء الفلسطينيين العزل، يشدّد الفلسطينيون ومقاومتهم على أنّهم اليوم أمام “جنين النموذج” التي نستحضر معركتها البطولية التي راح ضحيتها المئات، ولن تكون لقمة سهلة في أفواه المفترسين.

بالأخص أنّ السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، تساعد الاحتلال من خلال اتفاقاتها في محاولة لإطفاء صوت جنين وشعلتها، فتعمل كحارس بوابة على أمنه، حيث تشهد المدينة اقتحامات بشكل دائم، تارة من قوات الاحتلال وتارة من أجهزة أمن السلطة، والهدف حسب ما يقول بعض الفلسطينيين هو بسط السيطرة الأمنية على المدينة التي تمردت على التنسيق الامني الفلسطيني – الصهيونيّ.

وبناء على ذلك، فإنّ السلطة الفلسطينيّة مسؤولة بشكل كبير عن الجرائم التي يرتكبها العدو، في الوقت الذي تمنع فيه إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، رغم أن هذه الجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة المحتلة ستكون دائماً وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، حيث إنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون بالفعل مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة، وفقاً لوجهة نظر المقاومين.

قلقٌ إسرائيليّ متزايد

“ما شهدناه في الأشهر الماضية في الضفة الغربية هو انتفاضة من نوع آخر تختلف عن انتفاضتي الثمانينيات وعام 2000، وتتميّز بكثرة العنف ضد الجيش”، هذا ما ركّز عليه الإعلام التابع للعدو، والسبب الأوحد في عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية، هو الشعور الذي أوصلته العصابات الصهيونيّة للأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة الإسرائيليّة لا يمكن أن تتغير، مع إشارة الإعلام العبريّ إلى فشل سياسية حكومات الاحتلال الإسرائيليّ في التعامل مع الساحة الفلسطينية منذ عام 2009.

إضافة إلى القلق الأمني المتزايد في حكومة العدو من ضعف السلطة الفلسطينية، ولا يخفون أنّ أبطال المقاومة الفلسطينيّة لا يتوقفون عن تنفيذ عمليات إطلاق نار تستهدف قوات الاحتلال والمستوطنين في مختلفة مناطق الضفة الغربية المحتلة، ناهيك عن الرغبة الشعبيّة الكبيرة بطرد الاحتلال وتلقين العصابات الصهيونيّة درساً في التحرير، وإنّ تكبيرات الأهالي المتكررة في فرحًا وابتهاجًا بعمليات إطلاق النار في بلداتهم، تدلل على تجذر المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطينيّ، وإيمانهم العميق بها خيارًا استراتيجيًّا للخلاص والانعتاق من الاحتلال.

وإنّ أكثر ما يُصيب العدو الغاشم بالذعر هو أنّ تركيز تصريحات فصائل المقاومة الفلسطينيّة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ الشعب الفلسطينيّ يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، بالتزامن مع ما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من جرائم وحشية إسرائيلية، كما أنّ عمليات إطلاق النار التي تستهدف القوات الصهيونيّة التي تقتحم المدن بشكل مستمر ومتصاعد.

كما يجري في جنين ونابلس شمال الضفة على سبيل المثال لا الحصر، تدب الرعب الحقيقيّ في قلوب القيادات الصهيونيّة، في وقت يروجون فيه عبر بعض وسائل إعلامهم أنّ عمليات إطلاق نار سوف تبقى قليلة الأثر، لكن في حال حدوث “ثورة ثالثة” ستنتقل العمليات إلى الشوارع الاستيطانية، أو تستهدف تجمعات الجنود والمستوطنين المنتشرين على مفترقات الطرق، لتصبح بالفعل قوية إلى الحد المطلوب، بدلاً من استهداف آليات مصفحة، أو نقاط عسكرية اسمنتيّة، وهذا بالضبط ما يرعب الصهاينة.

لهذا، يبدو الذعر الذي يصيب أركان كيان الاحتلال منطقيّاً للغاية، لأنّه ومن غير المعقول أن يسلم الفلسطينيون أرضهم للمحتل الأرعن على طبق من ذهب، رغم التخاذل العربي والدوليّ الفاضح تجاه قضية فلسطين وشعبها المقهور، ليبقى مصير هذه المنطقة مرهوناً بمدى التصعيد الإسرائيليّ، في ظل ازدياد عمليات إطلاق نار واستهداف قوات الاحتلال، إلى جانب إلقاء عبوات متفجرة وحارقة نحو العصابات الصهيونيّة.

ولا يخفى على أحد في يومنا هذا، أنّ الكيان الغاصب الذي بات يوصف بـ “العنصريّ” دوليّاً، قام منذ ولادته غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948.

حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ الحديث والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.

في الختام، يبدو أنّ الضفة الغربية ستغير الكثير من المعادلات على الساحة الفلسطينيّة، وإنّ المقاومة ستستثمر فرصة “الانتفاضة الثالثة” لتلقن تل أبيب درساً لم تتعلمه منذ عام 1948 حيث أُدخل هذا السرطان في التراب الفلسطينيّ، وخاصة أنّ الضفة الغربية التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967، تشهد مواجهات بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية بشكل منتظم، حيث تنفذ قوات العدو بين الحين والآخر جرائم إعدام ميدانيّة واقتحامات تحت مبرر “اعتقال مطلوبين”، ويعيش في الضفة المحتلة حوالى 3 ملايين فلسطينيّ، إضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يعترف المجتمع الدوليّ بأنّها “غير قانونية”