أو راسيا ريفيو – سورا جيوتي شارم
ترجمة: شيماء محمد
دور المملكة العربية السعودية في تمويل الحركات الإرهابية العالمية يحتاج إلى تحليل عميق. فالسعودية تعتبر راعية للإسلام والأب الروحي له؛ لاحتوائها على اثنين من أقدس الأماكن الإسلامية: مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتين يزورهما المسلمون من جميع أنحاء العالم في موسم الحج كل عام.
فالتمويل هو الوقود الذي يحفز أي عمل. لا شيء يمكن أن يتحقق دون استثمار وافر. فالتطرف المسلح أيضًا الذي نشهده اليوم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم يتم بتمويل من الدولارات البترولية للمملكة العربية السعودية الغنية بالنفط. لكن كما يقولون “لا توجد وجبات مجانية في هذا العالم”؛ لذا فالمملكة العربية السعودية تمول لنشر فكرة التطرف عبر كل زاوية وركن في هذا العالم؛ من أجل تدعيم مصالحها في المستقبل.
الصورة العربية للترف والثراء الباهظ للملك السعودي وأمراء آل سعود يتم تغذيتها من خلال مئات الملايين من الدولارات التي تكسبها الدولة الاستبدادية من تصدير النفط والاستثمار في السندات والأسهم وغيرها عبر العالم. وحيث إن النفط والموارد الطبيعية الأخرى سريعة الفناء، فإن المملكة تخطط للاعتماد على الأرباح من استثماراتها العالمية، ولعل أهم تلك الأرباح المضمونة ما ستكسبها من ملايين المسلمين القادمين إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
هذا هو السبب في أن السعودية تنفق بسخاء لنشر الإسلام في جميع أنحاء العالم، لكن على وجه الخصوص نشر النسخة الخاصة بها وهي الوهابية. وكلما زاد الأتباع، تضاعف دخلها في المستقبل القريب.
فالوهابية هي اتجاه إسلامي متشدد ينتسب إلى عالم الدين، محمد بن عبد الوهاب. وتعاليم ابن عبد الوهاب يتم رعايتها والإشراف على تطبيقها من قِبَل ملوك السعودية المتعاقبين.
بدأ السعوديون تصدير الفكر الوهابي أوائل السبعينيات، عندما بدأت الثروة النفطية في البلاد تنمو بمعدل متزايد. وأنفقت الأسرة السعودية المالكة على نشر المدارس والمعاهد الدينية والمساجد والمراكز الإسلامية؛ لنشر هذا الفكر المتشدد في جميع أنحاء العالم.
واليوم أصبحت النسخة الوهابية هي الشكل السائد والأكثر هيمنة على الدين الإسلامي، على الرغم من أنها تعتبر خارج المذاهب الفقهية الرئيسية الأربعة للمذهب السني: الحنفي، الشافعي، الحنبلي والمالكي.
هذه هي قوة السعودية التي رعت الإسلام الوهابي، واستطاعت نشره اليوم باعتباره الشكل الوحيد للإسلام في جميع أنحاء العالم، حيث تم ذكر الجهاد في مواضع مختلفة في القرآن الكريم وصحيح البخاري. فهناك الجهاد المعنوي كجهاد النفس والشيطان، وهناك الجهاد المادي كالجهاد بالنفس والأموال. ولعل أكثر تفسير يجري تبنِّيه واستخدامه من جانب السعودية الوهابية هو الجهاد المادي بالأموال.
ووفقًا للباحث السعودي، حمود عقلا الشعيبي، فإن “أهمية الجهاد المالي ليست أقل شأنًا من الجهاد بالتضحية بالنفس، بل حتى أكثر أهمية”.
في عام 2003م أفاد تقرير لجنة من مجلس الشيوخ الأمريكي أنه في السنوات الـ 20 السابقة (1980-2000م) أنفقت المملكة العربية السعودية 87 مليار دولار على تعزيز الفكر الوهابي في جميع أنحاء العالم. وشمل ذلك تمويل 210 مراكز إسلامية، و1500 مسجد، 202 معهد ديني.
في الوقت ذاته تشير التقديرات المختلفة إلى أن المبالغ التي تنفقها الحكومة السعودية عبر عدة جبهات على هذه المؤسسات الموجهة تصل إلى 3 مليارات دولار سنويًّا. كما ذكرت الصحف الهندية مؤخرًا أن المملكة العربية السعودية لديها برنامج ضخم قيمته 35 مليار دولار لبناء مساجد ومدارس دينية في جنوب آسيا، حيث توجد هناك الجاليات المسلمة الرئيسية في الهند وباكستان وبنجلاديش.
هذا المال من شأنه إخماد الأصوات الإسلامية المعتدلة، كما يجعل سم التطرف يتدفق في كل المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم، من تنظيم حركة الشباب في الصومال، إلى بوكو حرام في نيجيريا، فالجماعة الإسلامية في إندونيسيا. فأغلب المنظمات الإرهابية المسلحة التي تنشر مخالبها في جميع أنحاء العالم هي مستلهمة من الفكر الممول من قِبَل المملكة العربية السعودية.
وكشف تقرير في يونيو 2013م صادر عن الإدارة العامة للسياسات الخارجية في البرلمان الأوروبي أن المنظمات الإسلامية الممولة سعوديًّا متورطة في دعم وتوريد الأسلحة إلى الجماعات المتمردة في جميع أنحاء العالم. ويحذر من تلك المنظمات الوهابية، مشيرًا إلى أنه “لا توجد دولة في العالم في مأمن من عملياتها الإرهابية”. كما ذكر التقرير أن عائدات النفط في المملكة تمول الإرهاب العالمي.
تم مرارًا وتكرارًا إثبات أن السعودية هي أكبر مصدر للتمويل في العالم لجميع الجماعات الجهادية الإرهابية المسلحة، مثل “تنظيم القاعدة” و”حركة طالبان” الأفغانية وتنظيم “عسكر طيبة” في جنوب آسيا. وهذه الظاهرة المدمرة أصبحت تتم تحت اسم “الجهاد بالأموال”. لكن ماذا عن الموقف الدولي؟ تقريبًا جميع قرارات مجلس الأمن الدولي التي تمنع تمويل الإرهاب العالمي تتسطح؛ بسبب التواطؤ لخدمة مصالح النظام السعودي الثري مع زعماء العالم. على سبيل المثال علاقة العائلة المالكة السعودية بعائلة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش؛ لذا سوف تستمر أكاذيب مصطلح الجهاد العالمي وروابطه بالسعودية مع الإفلات من العقاب.
فلا عجب من أن أموال النفط السعودي وصلت إلى كثير من الأماكن، مثل بوسطن ومدريد ومومباي وموسكو وباريس وبروكسل وغيرها، حيث لطخ العنف الإرهابي الأرض بدماء المدنيين الأبرياء.
اليوم الوهابية التي ترعاها السعودية هي مدرسة فكرية مسيسة وخطيرة للغاية، هدفها الرئيسي مواجهة النفوذ المتزايد للقيم الليبرالية الحديثة، وقبل كل شيء مواجهة فكرة الديمقراطية نفسها.
*نقلاً عن موقع البديل المصري