بالتزامن مع ازدياد هجمات العصابات الصهيونيّة على المسجد الأقصى المبارك، أعلنت منظمة صهيونية عن توفير مركبات من جميع أنحاء الأراضي المحتلة لمقتحمي هذا المكان الإسلاميّ المقدس من أجل زيادة عدد الصهاينة في الهجوم على المسجد الأقصى.
وذلك عشية رأس السنة العبرية الجديدة، حيث إنّ التنظيمات الصهيونية تقوم باستعدادات لاعتداءات واسعة النطاق على أقدس مقدسات الفلسطينيين، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع أن تنفجر الأوضاع في 26 و 27 أيلول بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً على كل المستويات الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة.
تصعيد صهيونيّ
قبل أسبوعبن من بدء الهجوم الصهيونيّ الشرس، بدأت حملات الاقتحامات تتصاعد بوضوح، حيث اقتحم عشرات المستوطنين الإسرائيليين، مؤخراً، المسجد الأقصى المبارك بحماية من شرطة الاحتلال، في ظل التماس قدمته “منظمات الهيكل” للمحكمة العليا التابعة للعدو للسماح للمستوطنين بـ “النفخ في الأبواق” خلال عيد “رأس السنة العبرية” في وقت سابق.
وذكرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس في بيان صحفي أن عشرات المستوطنين اقتحموا المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة على شكل مجموعات مُتتالية، ونفذوا جولات استفزازيّة وأدوا طقوساً تلموديّة في ساحاته، واستمعوا لشروحات حول “الهيكل” المزعوم الذي يسعى الصهاينة منذ العام 1996 خلقه في ظل استمرار عمليات الحفر التي تقوم بها قوات الاحتلال منذ ذلك الحين.
وفي الوقت الذي طالبت فيه منظمات الهيكل بالسماح لها إدخال ما أسمته “قرابين العرش النباتية” والمعروفة باسم “الأصناف الأربعة”، والتي تشمل الحمضيات وسعف النخيل وأغصان الصفصاف وورود “الآس” المجدولة، خلال “عيد العرش” التوراتي الذي يمتد ما بين 10 إلى 17 أكتوبر “.
يشهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات يوميّة من متطرفين يهود، بدعم لا محدود من شرطة الاحتلال الصهيونيّ، ناهيك عن الجولات الاستفزازيّة التي ينظمها الصهاينة المحتلون في أنحاء متفرقة من باحات الأقصى، وقيامهم بأداء “طقوس تلمودية” في ساحات المسجد المبارك، فيما تؤمن قوات العدو الحماية الكاملة لاقتحامات المستوطنين المتشددين، في محاولة لتقسيمه وفرض الهيمنة الكاملة عليه.
وفي محاولة إسرائيليّة جديدة لفرض الأمر الواقع ضمن هذا الصرح الدينيّ المقدس، تستمر الاقتحامات اليوميّة للمسجد الأقصى في الوقت الذي يخطط فيه العدو الصهيونيّ لبناء ألف وحدة استيطانيّة؛ لعزل القرى الفلسطينيّة شرق مدينة القدس بالكامل، ضمن ما يسمى مشروع “القدس الكبرى”، وتطالب ما تُعرف بـ “منظمات الهيكل” أيضا، بالسماح لليهود خلال ما أسمته “الصعود إلى جبل الهيكل” (اقتحام الأقصى)، إدخال “أدوات الصلاة المقدسة” بما يشمل رداء الصلاة “طاليت” ولفائف الصلاة السوداء “تيفلين” وكتاب الأدعية التوراتية “سيدور”، مع العزم على نفخ “البوق التوراتي” في المسجد الإسلاميّ شديد الأهميّة.
وتأكيداً على أنّ قوات العدو الصهيونيّ ماضية بشدّة في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة سلطات الاحتلال لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ، أقدم الحاخام يهودا جليك، مؤخراً، على النفخ بالبوق خلال اقتحامه مع مجموعات من المستوطنين للمسجد، ونشر الصور الاستفزازية على العديد من المنصات التابعة للعدو، إضافة إلى قيام المقتحمين بالرقص والغناء بصوت مرتفع وأداء طقوس تلمودية في باحات المسجد المبارك.
حرب مُعلنة
في ظل تصاعد تجاوزات قوات الاحتلال الغاصب بحق المقدسات الإسلاميّة في فلسطين التاريخيّة، ومن ضمن تلك الانتهاكات، العدوان على المسجد الأقصى المبارك بشكل خاص إضافة إلى قبة الصخرة المباركة والمدينة المقدسة، يتعرض هذا المسجد المبارك لاقتحامات يومية ما عدا يومي الجمعة والسبت، في محاولة لفرض تقسيم زمانيّ ومكانيّ فيه، وتزداد حدة هذه الاقتحامات وشراستها في موسم الأعياد اليهوديّة.
وإنّ التصعيد الإسرائيليّ المكثف يمكن ببساطة أن يجر الساحة الفلسطينيّة إلى حرب شعواء، وفي حال ساهمت القرارات الإسرائيليّة بزيادة اعتداءات المستوطنين ما يعني موافقة صريحة على تصعيد الأوضاع في القدس، حيث إنّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة تؤكّد بشكل مستمر على عدم وجود وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني المحتل وتشدّد على أن المقاومة مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساتهم إذا اشتدت جرائم العصابات الصهيونيّة، وإنّ الاقتحامات الإسرائيليّة الأخيرة تبرهن بوضوح أنّ “إسرائيل” ترغب بفتح أبواب جهنم من خلال منهج تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام.
وبالاستناد إلى تزايد الرغبة الإسرائيليّة في اقتحام المسجد المبارك وإثارة مشاعر أصحاب الأرض والمفدسات، فإنّ الإسرائيليين يرغبون بأن يؤدي تصعيدهم المستمر في العاصمة الفلسطينيّة إلى جولة تصعيد جديدة مع المقاومة الفلسطينيّة في غزة، ما يعني رفع احتماليّة إطلاق الصواريخ من القطاع نحو الداخل المحتل، وبذلك يمكن أن يكون التصعيد في المسجد الأقصى بالفعل الفتيل في إشعال التوتر بشكل كبير مجدداً على الساحة الفلسطينيّة ويقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة.
وبالأخص عقب تصعيد الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين وتحذيرات فصائل المقاومة في فلسطين من أن استمرار هذه الجرائم سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع ويصل إلى حد مرحلة خطيرة للغاية، إضافة إلى أنّ التصعيد الأمنيّ في القدس والضفة الغربية حذر منه مسؤولون إسرائيليون تحسسوا خطر تصرفات حكومتهم الطائشة والسياسية الصهيونيّة العدوانية.
ويبدو أنّ الصهاينة يعلنون الحرب على هذا الشعب الذي ارتُكبت بحقه الكثير من المذابح والمجازر في الداخل والخارج، حيث إنّ اقتراب حدوث المعركة وانفجار الأوضاع وعودة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة رداً على العنصريّة الإسرائيليّة أقرب مما نتخيل، وإنّ رسائل الفصائل الفلسطينيّة التحذيريّة الدائمة بشأن أوضاع غزة وفلسطين بشكل عام، أحدثت فارقاً كبيراً في الوضع داخل المسجد الأقصى المبارك ولقنت العدو درساً بأنّ عدوانه المتمثل في القتل والاقتحام وانتهاك المقدسات والحصار ومنع الإعمار، لا يمكن أن يمر دون رد، وهذا ما يجب على تل أبيب أن تفهمه.
وحسب الوقائع، يجب تذكير الإسرائيليين بأسباب الحرب الأخيرة التي شنّتها قوات احتلالهم على القطاع والتي تركت العدو في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، وإنّ محاولة العدو القاتل فرض عنصريته على هذا الشعب ستدفع فصائل المقاومة التي تملك أوراقاً قويّة كثيرة إلى إطلاق صواريخ تهز أركان العدو.
حيث يُجمع الفلسطينيون على أنّ صبرهم على التطاول والاعتداء الإسرائيليّ، بدأ ينفذ ما يعنى اقتراب معركة “سيف القدس” أُخرى، والتي اعتبرت سابقتها من قبل الصهاينة نفسهم نصراً كبيراً للمقاومة، على الرغم من محاولة إخفاء ذلك من بعض المسؤولين، حيث حمل الانتصار رسائل تحدٍّ كبيرة.
الأقصى خط أحمر
“المسجد الأقصى خط أحمر”، عبارة يرددها الفلسطينيون على الدوام وأثبتت الوقائع صحتها، ولا بدّ لـ”إسرائيل” فهم أنّ الهمجية والدمويّة في التعاطي مع الشعب الفلسطينيّ ربما تشعل الساحة الفلسطينيّة في أي لحظة، بعد أن أوصل الإسرائيليون خلال سنوات احتلالهم رسالة للشعب الفلسطينيّ بأنّهم غير مستعدين سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي.
وفي حال استمر العدوان الإسرائيلي على القدس المحتلة والمسجد الأقصى، فإن هذا الوضع سيؤدي إلى “معركة حقيقية وصعبة”، بالاستناد إلى أنّ التحرر من استعباد المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، والحل الوحيد لقطع يد الجلاد كما يقول البعض هو وقوع “ثورة غضب” عارمة بوجه الاحتلال وعصاباته.
حيث إنّ التصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، وقطع يد قوات الاحتلال ومنعها من العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين عبر مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
ولا يخفى على أحد أنّ مقاومي فلسطين يؤكّدون باستمرار على أنّهم لن يتخلوا عن واجبهم في الدفاع عن المسجد الأقصى ودعم جميع أبناء شعبهم، وأنّهم لن يسمحوا للكيان الصهيونيّ الغاشم بالاستفراد بفلسطين، وأشاروا في أكثر من مناسبة إلى عدم وجود سلام أو وقف لإطلاق النار مع العدو في ساحة القدس والمسجد الأقصى، وجددوا عهدهم بأنّ الفلسطينيين يمتلكون الحق في الصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى، وأبدوا استعدادهم للدخول في أيّ سيناريو لمواجهة المستوطنين الصهاينة وداعميهم ومنع اعتداءاتهم.
ذاكرة إسرائيليّة ضعيفة
يؤكّد الصهاينة في تعاطيهم مع الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت نير الإجرام غير المسبوق والاستعمار العسكريّ الساديّ أنّهم أصحاب ذاكرة ضعيفة، فمن منا ينسى “انتفاضة الأقصى” أو ما يُطلق عليها الانتفاضة الفلسطينيّة الثانيةّ، التي اندلعت بعد قيام رئيس وزراء العدو الأسبق، أرئيل شارون، بزيارة المسجد الأقصى أواخر عام 2000، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيون وقتها تدنيساً لأرض المسجد الطاهر، ما أدى لقيام شباب فلسطين بالتصدي لتلك الزيارة رغم أنّها كانت بحماية 3 آلاف جنديّ صهيونيّ.
وعقب يوم واحد فقط، قامت قوات العدو الصهيونيّ بفتح النيران على رؤوس المصلين قبل الانتهاء من صلاة الجمعة وجرت مواجهات في ساحات الأقصى بين المصلين وجنود الاحتلال أسفرت وقتها عن استشهاد 7 أشخاص و250 جريحاً، ثم امتدت الاشتباكات إلى كل أرجاء فلسطين والضفة الغربيّة وقطاع غزة إضافة إلى مناطق الـ 48 ما شكل بداية للانتفاضة المباركة الثانيّة، وقدم فيها الفلسطينيون آلاف الشهداء والجرحى دفاعاً عن بلادهم وقضيّتهم.
واليوم، إنّ انتفاضة الأقصى ستبقى وفقاً للفلسطينيين تحمل إلهاماً لكل الأجيال لمواصلة النضال والمقاومة بوجه محاولات الاستئصال والإخضاع، وبعد مرور 22 عاماً على الانتفاضة التي حملت اسم المسجد الأقصى، لا يبدو أنّ شعور أبناء هذا الشعب قد تغيّر قيد أُنملة، رغم أنّ الكيان الصهيونيّ الذي بات يوصف بـ “العنصريّ” دوليّاً، قام منذ ولادته غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة.
فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ الحديث والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
نتيجة لكُل ماذكر، إنّ الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة التي تتصاعد يوماً بعد آخر بحق مقدسات الفلسطينيين ستقلب السحر على الساحر، ويعلم الفلسطينيون وفصائل المقاومة أنّ التحرر من استعباد وطغيان المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، والحل الأوحد لمجابهة تلك الحوادث والجرائم التي يرتكبها العدو في أرض فلسطين هو وقوع “ثورة غضب عارمة” تغير مجريات الأحداث.
وخاصة أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة العدو لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ.