كشفت وثيقة قضائية عن تفاصيل جديدة لحكم بالسجن لمدة 45 عاما ضد الناشطة السعودية نورا القحطاني، بسبب نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي. وحسب تقارير صحفية أعلن مدير منظمة الديمقراطية “عبد الله العودة” للعالم العربي أنه اطلع على هذه الوثيقة القضائية ونشر تفاصيلها.
وفقًا للتاريخ المدرج في وثيقة المحكمة بحق نورا القحطاني، صدر الحكم في 9 أغسطس 2022، بعد إدانتها بعدة تهم، من بينها محاولة “تشويه سمعة” العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وجاء في هذه الوثيقة أن هذه الناشطة السعودية شجعت على المشاركة في أنشطة تمس “بأمن واستقرار المجتمع والحكومة”. وتضمنت الاتهامات الواردة في هذه الوثيقة أن نورا القحطاني سعت إلى “زعزعة” السعودية من خلال انضمامها إلى مجموعة على موقع “تويتر” كانت مخصصة لقضايا مثل انتقاد البلاد وسياسات آل سعود.
وحسب الوثيقة نفسها، فقد أدينت نورا القحطاني بـ “إهانة” رموز البلاد ومسؤوليها ومحاولة إطلاق سراح المعتقلين. كما أدين بحيازة كتاب ممنوع من تأليف “سلمان العودة” المبشر السعودي المحتجز وكانت آخر مرة رحب فيها العودة بمصالحة محتملة بين السعودية وقطر في تغريدة في سبتمبر / أيلول 2017 أدت إلى اعتقاله.
كما اتهمت نورا القحطاني باستخدام حسابي مستخدمين “مجهولين” على تويتر أحدهما كان “نجمة 097” ، ويبدو أن بعض التغريدات كانت تنتقد “محمد بن سلمان” وتدعم حقوق المعتقلين السياسيين.
وحسب تقارير مختلفة، فإن نورا القحطاني ليست في حالة بدنية جيدة، وهي أم لخمس بنات، إحداهن معاقة. يتناقض الحكم الصادر بحق نورا القحطاني مع الترويج الأخير للسلطات السعودية فيما يتعلق بحقوق المرأة.
ففي أغسطس الماضي، حكم القضاء السعودي على نورا القحطاني بالسجن 45 عامًا، وعلى سلمى شهاب بالسجن 34 عامًا لمحاولتهما الإخلال بالنظام العام من خلال الترويج ونشر الأخبار والمعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووصف مضاوي الرشيد المعارض البارز للسعودية الأحكام الصادرة بحق نورا القحطاني وسلمى شهاب بأنها غير عادلة وقاسية وقال: “إن صدور هذين الحكمين يدل على قسوة نظام آل سعود الذي يريد أن يظهر أن أي شخص يعارض نظام آل سعود “كيند سيكون له نفس مصير هذين الناشطين.
كما يشمل انتهاك آل سعود حرية التعبير وحقوق الإنسان، إضافة إلى الناشطين والشيعة، أمراء وعسكريين وشخصيات سعودية بارزة وبناءً على ذلك، لا يمكن لأي شريحة من شرائح المجتمع السعودي أن تكون في مأمن من حملة الاعتقال والعقوبات الأخرى لنظام آل سعود في ظل حكم الملك سلمان ونجله، وسماع أخبار انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية أصبح سلسلة متكررة على وجه الخصوص، وفرت السلطات السعودية المنصات اللازمة للتجسس على المعارضة داخل وخارج البلاد بطرق مختلفة، بما في ذلك في الفضاء الإلكتروني.
نورا ليست الأولى
تبلغ الانتهاكات والسياسات القمعية في السعودية أشدّها بحقّ النساء. إذ تتفنّن المحاكم السعودية بأساليب الاتهام والعقاب القاسية الصادرة بحقهنّ. وفي هذه الدولة الغارقة في الأبوية والذكورية والاستبداد، صدر أطول حكمٍ بالسجن بحق ناشطة في التاريخ.
إذ حُكم على الناشطة الحقوقية والنسوية سلمى الشهاب (34 عاماً) وهي أمّ لطفلين يبلغان من العمر 4 و6 سنوات، بالسجن مدة 34 عاماً، يضاف إليها منع من السفر مدة 34 عاماً أخرى. و كانت قد احتُجزت سلمى في كانون ثاني/يناير 2021، أثناء قضاء إجازتها في السعودية قبل أيامٍ من التخطيط للعودة إلى محل إقامتها في المملكة المتحدة، حيث كانت طالبة دكتوراه في جامعة المملكة المتحدة.
وقد وُصِف هذا الحكم الجائر بأنّه أطول حكم بالسجن السياسيّ في تاريخ السعودية. ويبدو أن المحكمة أرادت معاقبة سلمى الشهاب وحرمان أطفالها منها، بسبب آرائها الحقوقية والسياسية، وما تنشره من تغريدات مناصرة للقضية الفلسطينية ورافضة للتطبيع. كما أنها مدافعة عن حقوق النساء، وتطالب بالإفراج عن معتقلات الرأي في السعودية.
يتصدر حسابها على تويتر، الذي استخدمته بشكل خاص لتوضيح إيمانها بعدالة القضية الفلسطينية والدفاع عن معتقلي الراي، ما يلي: أن الحياة عقيدة وجهاد، القدس عربية، أوقفوا قتل النساء، الحرية لمعتقلي الرأي
من جانبها قالت مديرة الحالة السعودية في مبادرة الحرية، الدكتورة بيثاني الحيدري: “بينما احتُفِلَ بالإفراج في كانون الثاني/يناير الماضي عن لجين الهذلول، بقيت سلمى الشهاب خلف القضبان. وهي التي دعت إلى هذا الإفراج بالذات. والاستمرار باعتقالها هو نمط تتبعه السلطات السعودية للتأكد من أن الناشطات لا يمكنهن الاحتفال أو الاعتراف بأي من انتصاراتهن، التي حققنها بشق الأنفس”
واحتُجزت سلمي شهاب رهن الحبس الانفرادي المطول لمدة 285 يومًا قبل تقديمها للمحاكمة، الأمر الذي انتهك المعايير الدولية، ونظام الإجراءات الجزائية السعودي. كما حُرمت من الحصول على تمثيل قانوني طوال فترة احتجازها الاحتياطي، بما في ذلك أثناء الاستجواب.
القمع الوحشي يسيطر على عقلية ابن سلمان
لطالما كانت السعودية دولةً قمعيةً قبل عهد محمد بن سلمان، إلا أن الفترة التي تلت صعوده إلى السلطة نتج عنها قمع وحشي غير مسبوق لحرية الرأي والتعبير.
إذ يقوم أمن الدولة بشكل مستمر باعتقال مئات المدافعين والناشطين الحقوقيين تعسفيًّا، إلى جانب العديد من الشخصيات الدينية والأكاديميين والكُتّاب، وأي شخص ينتقد الأداء العام للسلطات، أو حتى لا يلتزم بالاتجاه العام للسلطة. وهذه الاعتقالات طالت حتى المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال وأفرادًا من الأسرة الحاكمة.
وتم تعزيز هذا القمع من خلال المزيد من التعديلات القانونية الرجعية، بما في ذلك النسخة المحدثة لقانون مكافحة الإرهاب، والصادرة في 2017، والتي أتت أكثر قسوة من سابقتها، حيث إنها تتضمن قوانين تُعاقب أيَّ شخص “بشكل مباشر أو غير مباشر”، يصف الملك أو ولي العهد بأنه وبطريقة ما يضر الدين أو العدالة.
ومازال العديد من المستهدفين محتجزين، ويتم إسكاتهم في سجون يكتنفها الغموض إلى حد كبير دون أي رقابة مستقلة. انتهاكات حقوق السجناء تزايدت بصورة متسارعة منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة، بما في ذلك التعذيب الوحشي في أماكن الاحتجاز غير الرسمية، مثل قبو القصر الملكي، ومكان آخر مجهول يُسمى بــ”الفندق”.
وهذه الممارسات تورط فيها مسؤولون رفيعو المستوى، مثل سعود القحطاني، المستشار المقرب من محمد بن سلمان، الذي يقف كذلك خلف الحملات المنظمة لقمع المعارضة خارج البلاد وعلى الإنترنت.
وكانت جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في أكتوبر 2018، قد سلَّطت الضوء على التورط المباشر لولي العهد. حيث وجدت المقرِّرة السابقة الخاصة للأمم المتحدة، المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة، أو تعسفا، أغنيس كالامارد، “أدلة موثوقة” تدل على مسؤولية محمد بن سلمان المباشرة عن جريمة القتل. كما أن تقييم المخابرات الأمريكية خلص إلى أن محمد بن سلمان وافق على عملية الاغتيال.
كما أن السعودية اليوم في عهد محمد بن سلمان تعتبر واحدة من الدول التي نفذت أعلى عدد من عمليات الإعدام في العالم، بما في ذلك الإعدام الجماعي لـ81 شخصًا في يوم واحد، في وقت سابق من هذا العام. وينتمي 41 منهم على الأقل إلى الأقلية الشيعية التي تعاني منذ زمنٍ طويل من قمع السلطات السعودية، وكانت هذه الحادثة آخر شاهد على استخدام السلطات السعودية لعقوبة الإعدام لتكميم أفواه المعارضة في المنطقة الشرقية.
ختام القول، يُعتبر النظام السعودي من أبشع وأشنع الأنظمة الاستبدادية الدموية في العالم, حيث يُمارس انتهاكات وتجاوزات صارخة لحقوق الإنسان, ويوجد حالياً في غياهب السجون السعودية أكثر من 30 ألف مُعتقل سياسي, يعانون من شتى وسائل القمع والتنكيل ودون أي تهمة مُحددة أو محاكمات عادلة, ويمتلك النظام القمعي السعودي أكثر السجون وأكبرها حجماً في العالم, ومن أشهرها معتقل الحائر الرهيب ويقع جنوب الرياض, وكذلك سجن عليشة ويقع أيضاً في الرياض, وسجن ذهبان في مدينة جدة.
إضافة إلى سجون المناطق الأخرى ففي كل منطقة يوجد سجن سعودي خاص, كسجن مكة المكرمة وسجن المدينة المنورة وسجن الباحة وسجن حائل وسجن الجوف وسجن نجران وسجن القطيف ووالخ, وغيرها من السجون السعودية السياسية السرية الكثيرة. و تعتبر السعودية من أشهر ممالك الرعب والخوف في العالم المُعاصر التي تخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان متجاوزة كل القوانين والأعراف العالمية, وسط صمت دولي رهيب, وكل ذلك مقابل الذهب الاسود.