مع إعلانِ صنعاء عن وصول عدد من سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، عقب تحذيرات الرئيس المشاط لدول العدوان واعتراف حكومة المرتزقة باحتجاز السفن، وجد الرعاة الدوليون للعدوان أنفسهم في موقف محرج حاولوا التغطية عليه بارتباك كشف مسؤوليتهم المباشرة عن الحصار الإجرامي المفروض على البلد، كما أكد تخبطهم وإفلاسهم أمام موقف صنعاء الثابت والواضح من الهدنة.
الإعلان عن وصول عدد من السفن المحتجزة والتي بلغت 13 سفينة، مثل صفعة محرجة لتحالف العدوان وإدارته الدولية، خصوصاً أنه جاء بعد تحذيرات شديدة اللهجة أطلقها رئيس الجمهورية وأكد فيها أن الهدنة قد تنتهي إذا استمر احتجاز السفن، وهو الأمر الذي أظهر بوضوح أن قوى العدوان تعيش وضعاً صعباً بين إصرارها على التمسك بالحصار واستخدام سفن الوقود كورقة ابتزاز، وبين قلقها من انتهاء الهُــدنة وعودة التصعيد واستئناف مسارات الردع اليمني.
ومع وصول السفن بات جلياً أن موقف صنعاء السياسي والعسكري قد قطع طريق الابتزاز أمام قوى العدوان وجعلها تقف أمام مخاوف أكبر من سقف تعنتها.
والحقيقة أن قوى العدوان كانت قد بدأت بإحراج نفسها بنفسها قبل وصول السفن عندما دفعت بحكومة المرتزِقة للإعلان عن “السماح بدخول عدد من السفن بشكل استثنائي” متجاهلة التصريحات السابقة التي أنكرت وجود أية قيود تمنع دخول السفن إلى الحديدة، الأمر الذي مثل فضيحة مدوية كشفت بوضوح حجم التخبط والإفلاس الذي يعيشه تحالف العدوان، وأكدت أن دخول السفن جاء بقرار أمريكي بريطاني، لم يكن لحكومة المرتزقة أي دور فيه سوى دور الواجهة الإعلامية، وحتى ذلك الدور كان مخزياً بالنظر إلى التناقض الفاضح بالتصريحات.
هذا أيـضاً ما أكده السفيران الأمريكي والبريطاني لدى المرتزِقة، واللذان حاولا ترقيعَ الموقف بتصريحات متزامنة زادت الطين بلة، حَيثُ اندفعا بشكلٍ مرتبك إلى توجيهِ عبارات الشكر لما يسمى المجلس الرئاسي للمرتزِقة على إدخَال سفن الوقود إلى الحديدة، ليكونَ ذلك تأكيداً إضافياً على احتجاز السفن ومنعها من الوصول إلى الميناء طيلة الفترة الماضية، واستخدامها كورقة تفاوض في إطار الهُــدنة.
وتجاهَلَ السفيران أن العديدَ من التحقيقات والتقارير وحتى تصريحات ورسائل الكونغرس الأمريكي قد أكّـدت سابقًا أن إجراءاتِ احتجاز سفن ومنعَها من الوصول إلى ميناء الحديدة تفرَضُ بشكلٍ مباشر من جانب السفن الحربية لتحالف العدوان ورعاته، وليس لحكومة المرتزِقة أي قرار فيها.
هكذا، كانت المحصلة أن تصريحاتِ السفيرين أكّـدت بوضوح أن الولايات المتحدة وبريطانيا لا زالتا تستخدمان سفنَ الوقود كورقة ابتزاز، لكنهما فشلتا هذه المرة، واضطرتا لإلقاءِ الفشل على عاتق حكومة المرتزِقة وتحويله إلى خطوة إيجابية لترقيع الفضيحة.
من جانبٍ آخر، حاول السفيران إلقاءَ مسؤولية تأخير وصول السفن على صنعاء واتّهامَها بأنها تمنعُ الموردين من اتباع آلية (جديدة) تم وضعُها بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وهو ما مثّل اعترافاً آخر بإدارة عملية الحصار وإخضاع الاستحقاقات الإنسانية لرغبات ومصالح سياسية وعسكرية؛ لأَنَّ الآلية المتعارف عليها لدخول سفن الوقود هي تفتيشها من قبل الأمم المتحدة ثم السماح بدخولها إلى ميناء الحديدة، لكن قوى العدوان تريد فرض قيود إضافية بشكل تعسفي لتشديد إجراءات الحصار وحرمان اليمنيين من الاستفادة من فرصة الهُــدنة.
والحقيقة أن حديثَ السفيرين الأمريكي والبريطاني عن “آلية جديدة” يمثّلُ اعترافًا واضحًا بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مُصرَّتان على التحكم بدخول السفن حتى مع وجود اتّفاق واضح يناقض ذلك، وهو ما يعني ببساطة التمسك باستمرار الحصار.
وفي هذا السياق، أوضح عضو المكتب السياسي لأنصار الله، علي القحوم، أن تصريحات السفيرين البريطاني والأمريكي “تؤكّـد أن قرار الحصار والعدوان واستمرار السلوك العدواني تجاه الشعب اليمني، هو قرار أمريكي بريطاني، وأن السعوديّة والإمارات مُجَـرّد أدوات تنفيذ مشاريع استعمارية، وهي في نفس الوقت قائمة على الحماية الأمريكية البريطانية”.
أما محاولةُ اتّهام صنعاء بتأخير دخول السفن، فهي مغالطةٌ فاضحةٌ تُبرِزُ حجمَ الارتباك الذي وصل إليه تحالف العدوان ورعاته وعجزهم حتى عن خلق مبرّرات للحصار؛ لأَنَّ حصول السفن المحتجزة على تصاريح الدخول من الأمم المتحدة ينهي أي نقاش في هذا الموضوع، ويجعل الحديثَ عن أية “آليات” أُخرى مُجَـرّد خداع واضح للرأي العام، فالحالة الوحيدة التي تستطيع فيها صنعاء تأخيرَ وصول السفن إلى ميناء الحديدة بعد حصولها على تصاريح الدخول وتفتيشها من جانب الأمم المتحدة هو أن تحتجزها في البحر، وهذا ما يفعله تحالف العدوان وليس صنعاء.
وتشيرُ هذه المراوغةُ الأمريكية البريطانية بوضوحٍ إلى أن الإدارةَ الفعليةَ لتحالف العدوان لا تمتلكُ بعدُ أية نوايا للتقدم في الهُــدنة، فضلاً عن التوجّـه نحو سلام، غير أن الارتباك الذي ترجمته تصريحاتُ السفيرين، يكشف بوضوح أن خيارات رعاة العدوان قد تقلصت إلى حَــدٍّ كبير، وأن رغبتَهم في الاستمرار بالحصار، باتت غيرَ قابلة للتحقّق بالشكل الذي يريدونه؛ بسَببِ ثبات موقف صنعاء التفاوضي والعسكري، فمن ناحية: أصبح واضحًا أن تحالف العدوان ورعاته هم المسؤولون عن الحصار بشكلٍ مباشر.
ولم تعد هناك “ذرائعُ” يمكن استخدامها للالتفاف على هذه الحقيقة، ومن ناحيةٍ أُخرى: أصبحت كلفةُ رغبة الاستمرار بالتعنت كبيرة وثقيلة ومرعبة لقوى العدوان، وعاجلاً أم آجلاً سيضيق الأفق أمامها أكثر وستجد نفسها أمام خيارات لا مجال لكسب الوقت أمامها.
إجمالاً، لقد تمكّنت صنعاء من فرضِ مفاعيلِ معادلتها الرئيسية للحرب والسلام، وما كسر تعنت العدوّ فيما يخص سفن الوقود مؤخّراً إلا جانبٌ صغيرٌ من جوانبِ واقعٍ جديدٍ لا تمتلك فيه قوى العدوان “حريةَ التعنت”، وتصريحاتُ السفيرين الأمريكي والبريطاني تشيرُ بوضوح إلى محاولةٍ للعودة إلى ما قبل هذا الواقع، لكن بلا جدوى.