نُشر هذا الأسبوع تقريران غاية في الأهمية والخطورة والمكاشفة حول طبيعة الخطوات القادمة في الإقليم، أحدهما في مجلة “فورين بوليسي”، والثاني في شبكة “nbc news”، وكلاهما يفسر الآخر ويوضح الكثير من الملامح.
في تقرير “فورين بوليسي”، يقول القائد السابق للقيادة المركزية لقوات مشاة البحرية الأمريكية سام موندي إنه وعلى غرار حلف “الناتو” وبموجب اتفاقيات أبراهام، فإن من شأن قوّة مشتركة أن تعزز الردع والأمن في المنطقة.
وأوضح موندي أنه عندما انتقل الرئيس الأمريكي جو بايدن بقفزة قصيرة من “إسرائيل” إلى السعودية على متن طائرة الرئاسة في تموز/ يوليو، كان ذلك رمزًا مناسبًا للاتصالات الإقليمية المتنامية في الشرق الأوسط، وبعد ما يقرب من عامين من توقيع اتفاقيات إبراهام، يبدو أن الخطوات التالية في التعاون في الشرق الأوسط جارية بالفعل، حيث تعمل “إسرائيل” والعديد من دول الخليج العربية والولايات المتحدة على إنشاء “تحالف إقليمي للدفاع الجوي”.
وأضاف أن وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس زعم في حزيران/ يونيو أن شراكة الدفاع الجوي الناشئة قد ساعدت بالفعل في تحييد ما اسماها “الهجمات الإيرانية”، وبالمثل، تعمل الولايات المتحدة والسعودية و”إسرائيل” على أسطول من السفن البحرية من دون ربان (المسيّرة) لرصد مياه الخليج العربي ودرء التهديدات الإيرانية.
وأهم ما أشار إليه موندي، هو أنه بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قام الحلفاء الغربيون بتنشيط قوة الرد التابعة لحلف شمال الأطلسي، ثم قاموا بعد ذلك بتوسيعها من 40.000 إلى 300.000 جندي.
ويقترح موندي تطوير قدرة مماثلة لقوة الاستجابة للأزمات في الشرق الأوسط، حيث يواجه “الشركاء” تهديدات مشتركة، وأن الوحدة الإقليمية متعددة الجنسيات المخصصة للاستجابة السريعة في الشرق الأوسط هي بالضبط النموذج الذي من شأنه أن يزيد من ارتباط البلدان ذات التفكير المماثل ببعضها البعض لتشكل ردعًا فعّالًا.
من خلال هذا التقرير يمكن استنتاج وجود تفكير وتخطيط لقوات متعددة الجنسيات كبديل عن التواجد الأمريكي المباشر وكلفته ومخاطره.
وهنا يأتي دور التقرير الثاني المشار إليه على شبكة “NBC News”، حيث قال مسؤولون دفاعيون أمريكيون إن القيادة العسكرية الأمريكية المسؤولة عن الشرق الأوسط وإيران تطور خططًا لبناء منشأة اختبار عسكرية جديدة في السعودية.
ونقلت الشبكة عن ثلاثة مسؤولين “دفاعيين” أمريكيين مطّلعين على هذه الخطط القول إن المنشأة ستختبر تقنيات جديدة لمكافحة التهديد المتزايد من الطائرات من دون طيار وتطوير واختبار قدرات الدفاع الجوي والصاروخي.
وأوضحت الشبكة أن الخطط التي تشرف عليها القيادة الوسطى الأمريكية “سينتكوم”، تتضمن تسمية المنشأة الجديدة “مركز الرمال الحمراء للتجربة المتكاملة”، على غرار مركز “الرمال البيضاء” الموجود في ولاية نيومكسيكو والمخصص للتجارب الصاروخية طويلة المدى.
مشيرة إلى أنه في حين لم يتم الانتهاء من تحديد مكان الموقع بعد، قال المسؤولون إن السعودية هي المكان الأكثر ترجيحًا، لأن لديها مساحات مفتوحة واسعة مملوكة للحكومة، وكذلك تمتلك القدرة على اختبار أساليب مختلفة للحرب الإلكترونية، مثل التشويش على الاتصالات والطاقة الموجهة دون التأثير على المراكز السكانية القريبة.
وموضع الشاهد الأهم هنا، هو أن الشبكة أفادت بأن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا اقترح الفكرة في اجتماع مع عدد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة الشهر الماضي، وقال مسؤولان دفاعيان إن الولايات المتحدة ستموّل على الأرجح حوالي 20 في المئة من كلفة المشروع وتوفر نحو 20 في المئة من القوة العاملة، بينما سيغطي “الحلفاء” الباقي.
وذكر مسؤول أمريكي أن الفكرة تهدف “لجمع العديد من الدول معًا في ترتيبات أمنية براغماتية”، بالتزامن مع التوجه الجديد للجنرال كوريلا لتحويل تركيز القيادة من وجود عسكري كبير في المنطقة إلى الاهتمام بتعزيز الشراكات.
وهنا يمكننا الوثوق من الاستنتاج بأن أمريكا وفي إطار سعيها لتقليص التواجد المباشر، وتقليص التكلفة المادية والبشرية تعتمد على الإنفاق الخليجي الذي سيصل لنسبة 80% من تمويل الشراكة، وعلى قوات من المنطقة تشكل 80% من القوة العاملة، وأن التحالف يتمثل في شقين، أحدهما مظلة دفاع جوي وتشويش الكتروني وتجسس، والآخر نشر قوات سريعة الاستجابة.
لا شك أن مناورات “الأسد المتأهب” ونشر القوات في قاعدة التنف أثناء المناورات تمثل مؤشرًا حول طبيعة القوات والتحركات وأن قوات “سنتكوم” هي القائد الفعلي لهذا التحالف، كما أن الحوادث البحرية للسفن المسيرة والتي احتجزت منها إيران سفينتين، وهاجمت سفنًا أخرى منها كانت مؤشرًا على التقنيات المستخدمة للتجسس، ولا شك أيضًا أن هنك تعاونًا في مجال الدفاع الجوي والاستخبارات.
ولكن المراقب يرى أن المقاومة تقف لهكذا خطوات بالمرصاد، والمراقب للعرض العسكري اليمني وشجاعة ايران في مواجهة السفن الأمريكية والمناورات البرية غير المسبوقة للجيش الايراني، ومناورات الطائرات المسيّرة وتحديثاتها، يعلم أن محور المقاومة يفطن لكل ما يحاك ويعد ردودًا بمثابة رسائل موجهة بدقة وبتفصيل على خطوات العدو الأمريكي – الاسرائيلي وذيوله بالمنطقة.
وما يظهر من شواهد عرقلة الملف النووي والمماطلات في ملف كاريش والعدوان المتكرر المنتهك لكل الخطوط الحمر في سوريا، قد يؤشر لحسابات حمقاء لدى المعسكر الصهيو – امريكي، قد صوّرت له غرورًا ما أو وهمًا ما بتفوق وبحصار وعزلة للمقاومة، وهو ما قد يدفع لمواجهة شاملة تثبت معها من اللحظات الأولى للمواجهات مدى حمق حسابات العدو.