مقالات مشابهة

شعلة المقاومة تلتهب في الضفة الغربيّة.. ما الذي أربك تل أبيب؟

الضفة الغربية على موعد مع انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحاليّ، هكذا يمكن وصف الأوضاع الحاليّة التي تعيشها الرازحة تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967، وستكون وفقاً لمراقبين ومحللين رداً حقيقياً وعملياً على الاحتلال الصهيوني وإنَّ خيار عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية المحتلة ممكنٌ جداً، ويمكن أن يكون أقرب مما يتخيل البعض، والدليل حديث عضو قيادة إقليم الضفة الغربية في حركة حماس جاسر البرغوثي.

الذي أكّدت أنّ عملية إطلاق النار في “سلواد” هو تأكيد على أن المقاومة متصاعدة حتى دحر الاحتلال، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على “إسرائيل” التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع كثيرون أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً لأبعد حد وعلى كل المستويات.

مقاومة متصاعدة

“المقاومة متصاعدة وممتدة، وهي بوصلة شعبنا لاسترداد حريته وكرامته”، هو تعليق حماس على الاشتباك المسلح مع قوات الاحتلال الإسرائيليّ عند مدخل بلدة سلواد شمال شرق رام الله في ساعة متأخرة مؤخراً، و مع كل عدوان جديد تنفذه العصابات الصهيونيّة القاتلة، يحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى “غزة ثانية” لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، وكأن الصهاينة وآلتهم العسكريّة يودون إخبارنا بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، باعتبار أنّ المقاومين هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل الباغي.

وفي ظل تحذيرات “حماس” للاحتلال الصهيوني الباغي من ازدياد وتيرة جرائمه، تستمر الحسابات الصهيونيّة الخاطئة بشدّة في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة نتائجها سنشاهدها في وقت قريب لا محالة، مع إقدام العدو على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحالي وفقاً لكثيرين، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين.

وإنّ عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية أصبح قريباً أكثر مما يتخيل الأعداء، بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى “الهراء الإعلاميّ” و”التنديد والوعيد” بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب، وإنّ تصريحات حماس الأخيرة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ شعبنا يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، خير دليل على ذلك.

شيء آخر تستند إليه حماس، هو الرغبة الشعبيّة الكبيرة بطرد الاحتلال وتلقين العصابات الصهيونيّة درساً في التحرير، وإنّ تكبيرات الأهالي في سلواد فرحًا وابتهاجًا بعملية إطلاق النار في بلدتهم، تدلل على تجذر المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطينيّ، وإيمانهم العميق بها خيارًا استراتيجيًّا للخلاص والانعتاق من الاحتلال.

وخاصة أنّ الهجمات وعمليات الهدم والقضم في الضفة الغربية لا تتوقف، ناهيك عن تَواصل الاستيطان الصهيونيّ الذي يعتبره المجتمع الدوليّ غير قانونيّ في عهد كل الحكومات الإسرائيليّة منذ عام 1967، كما أنّ الضفة الغربيّة المحتلة مرهونة بقرارات السلطة الفلسطينيّة المتعاونة مع العدو الإرهابيّ، وقد وصل الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لحد لا يمكن السكوت عنه أبداً، حيث إنّ التاريخ والواقع يثبتان بأنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة، والدليل على ذلك هو قتل الفلسطينيين بشكل مباشر وبمختلف الطرق دون أيّ رادع قانونيّ أو إنسانيّ أو أخلاقيّ.

انتفاضة وشيكة

إنّ إطلاق مقاومين للرصاص نحو موقع عسكري صهيونيّ، بالقرب من بلدة سلواد شمال شرق رام الله، واندلاع اشتباكات مسلحة في البلدة أثناء اقتحام قوات من جيش الاحتلال لمنازل المواطنين فيها، أعاد قضيّة “الانتفاضة في الضفة الغربيّة” إلى الواجهة من جديد فهي تشهد منذ احتلال “إسرائيل” لها عام 1967، مواجهات بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية بشكل منتظم، حيث تنفذ قوات العدو بين الحين والآخر اقتحامات تحت مبرر “اعتقال مطلوبين” لكن الوقائع السياسيّة تنذر بحرب تقلب الطاولة على رؤوس الإسرائيليين هناك، ويعيش في الضفة المحتلة حوالى 3 ملايين فلسطينيّ، إضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يعترف المجتمع الدوليّ بأنّها “غير قانونية”.

وبالتزامن مع تصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال بمدن الضفة الغربية والقدس المحتلة في الفترة الماضية، حيث شهدت أربع عمليات إطلاق نار استهدفت جنود الاحتلال والمستوطنين، يؤكّد مراقبون أنّ ارتفاع حدة الإعدامات والاغتيالات والاقتحامات والاستيطان الصهيونيّ والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لصالح المستوطنين في القدس والضفة التي قارب تعداد مستوطنيها 800 ألف مستوطن يجعل احتمالات وقوع “انتفاضة كبيرة” أمراً شديد الكبر.

في وقت تدعو فيه فصائل المقاومة الإسلاميّة بشكل مستمر أبناء الشعب الفلسطينيّ في الضفة والقدس والداخل المحتل إلى إشعال الأرض الفلسطينيّة المحتلة تحت أقدام جنود الاحتلال رداً وثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء الضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، لأنّ قوات الاحتلال لم ولن تكف عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم.

ويشار إلى أنّ العدو الصهيونيّ الغاصب الذي بات يوصف بـ “العنصريّ” دوليّاً، قام منذ ولادته غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ الحديث والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.

ردٌ دائم

“سنشعل كل نقطة يتواجد فيها جنود الاحتلال ومستوطنوه”، هذا ما يقوله الفلسطينيون الذين يكررون بشكل دائم أنّهم لن يسكتوا على الاعتداءات الإسرائيليّة الجبانة مضيفين إنّ “دماء شهدائهم ستبث الروح والحياة في الشعب الفلسطينيّ العظيم ولن تذهب هدراً”، فيما يدرك أبناء الضفة الغربيّة كما غيرهم من الفلسطينيين، أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم.

وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة الذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من “بلادهم”، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.

وفي الوقت الذي تمنع فيه السلطة الفلسطينيّة التي يرأسها محمود عباس إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، يتصاعد الرد الفرديّ على هذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة، وإنّ الضفة المحتلة ترسل رسائل دائمة مفادها بأنّها ستكون على الدوام وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، حيث إنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون بالفعل مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة.

انتعاش شعبيّ

يعتبر الشعب الفلسطينيّ أن ما شهدته وتشهده الضفة الغربية المحتلة خلال الأشهر الأخيرة، من بروز ظاهرة “المطلوبين” بهذا الشكل بالنسبة للإسرائيليين، وعودة العمل المسلح وعمليات إطلاق النار، يعبر عن حالة تجاوزت محاولات كي الوعي وغسيل الأدمغة الممارسة من الأعداء، والتي سعت بعض الأطراف لفرضها، حول طبيعة العلاقة مع كيان الاحتلال الغاشم.

ووفقاً لمحللين فلسطينيين إن ما يجري حالياً على تلك الساحة من تنامي ظاهرة الاشتباكات المسلحة وعودتها إلى الواجهة، بعد سنوات عجاف تم خلالها استهداف المقاومة، يعبر عن حالة منعشة للمواطن الفلسطيني، في ظل ما يتعرض له من جرائم وحشية إسرائيلية، كما أنّ ما تشهده الضفة هذه الأيام ليس حالة طارئة، بل صورة غُيبت لعدة سنوات، رغم أنها يجب أن تسود بين قوة احتلالية وشعب يتعرض للاحتلال.

إضافة إلى ذلك، إنّ عمليات إطلاق النار التي تستهدف القوات الصهيونيّة التي تقتحم المدن بشكل مستمرومتصاعد، كما يجري في جنين ونابلس شمال الضفة، وبعض المناطق الأخرى، من شأنها أن تربك حسابات السياسيين في تل أبيب، وتجعلهم يفكرون بشكل جيد قبل أي عملية يمكن أن ينفذها لاعتقال أو اغتيال مطلوبين.

في وقت يعتبر البعض أنّ عمليات إطلاق نار سوف تبقى قليلة الأثر، ما لم تنتقل إلى الشوارع الاستيطانية، أو تستهدف تجمعات الجنود والمستوطنين المنتشرين على مفترقات الطرق، لتصبح بالفعل قوية إلى الحد المطلوب، بدلاً من استهداف آليات مصفحة، أو نقاط عسكرية اسمنتيّة، حيث شهدت الضفة الغربية خلال الأسبوع الفائت 25 عملا مقاوما مسلحا وفقاً لوسائل إعلام محليّة، تمثلت في عمليات إطلاق نار، إلى جانب إلقاء عبوات متفجرة وحارقة نحو العصابات الصهيونيّة.

خلاصة القول، إنّ أحداث الضفة الغربية في الغالب ستكون الفتيل في إشعال التوتر على الساحة الفلسطينيّة، توتر سيغير كثيراً من طبيعة الوضع في فلسطين لمصلحة المقاومة والشعب الرازح تحت نير المُحتل السفاح، وتقود إلى جولة مختلفة من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها، وإنّ الفلسطينيين وفصائل المقاومة باستثناء السلطة الفلسطينيّة يدركون بالكامل أنّ التحرر من استعباد وطغيان المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها؟

والمسبب الأوحد لتلك الحوادث والجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة المحتلة بنظرهم هو الخنوع الكامل من قبل حركة فتح التي ستشهد مع حليفتها تل أبيب بلا شك وقوع “ثورة غضب عارمة” بالقريب العاجل، لأنّ التصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، بما يقطع الطريق أمام قوات الاحتلال والمستوطنين ويوقف عربدتهم وتغولهم في أراضي الفلسطينيين، لمحاولة إنهاء الوجود الفلسطينيّ عبر كافة الوسائل.