مقالات مشابهة

كيان عدو الاحتلال يُصنف غزة كياناً معادياً!

يعتبر قطاع غزة قطاعاً محتلاً يخضع للسيطرة الإسرائيلية، كونه ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1948، فمنطقياً وعرفياً وقانونياً لا يجوز اعتباره بالكيان المعادي على الرغم من عدم صحة هذا المصطلح، وفضلاً عن ذلك فإن وصفه بالقطاع المعادي هو بمثابة التهديد باستخدام القوة على الرغم من استخدامها سابقاً في العديد من التوغلات والاعتداءات المتكررة، فالاحتلال يستخدم القوة المفرطة لمواجهة انتفاضة الشعب الفلسطيني الأعزل، كما أن وصفه بالكيان المعادي هي بمثابة إعلان الحرب، والتهديد باستخدام القوة جرمته المادة الثانية في الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة،.

حيث أن التجريم الوارد هو قانون عالمي مُلزم لجميع الدول ويُحرم دولياً استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، بحيث أصبحت هذه المادة قاعدة عرفية ملزمة في القانون الدولي باعتبارها جزء من قانون الأمم المتحدة الذي يحكم العلاقات بين دول العالم جميعها، إلا أن ما ورد في هذه المادة ليس التجريم المطلق لاستخدام القوة، وإنما تضمن الميثاق بعض الاستثناءات التي أجازها للدول، أو لمجلس الأمن الدولي استخدام القوة في العلاقات الدولية.

ولكن ما هي الأعمال العدوانية التي قام بها قطاع غزة ليوصف القطاع بالكيان المعادي؟

المقاومة هي مشروع تحرر وطني تدافع عن أرض محتلة من الاستعمار كفلها القانون الدولي في ميثاق الأمم المتحدة، أما المقاومة الفلسطينية تعمل وفق استراتيجية تحرير الارض المحتلة دون اعتراف دولي بل تعد منظمات فلسطينية مصنفة على قوائم الإرهاب نتيجة تخفي قيادة الفصائل العسكرية وملاحقتهم من جيش الاحتلال، لكنها تستخدم سلاح بسيط بتطوير محلي في المعارك المصنفة بحرب الشوارع.

وكان مجلس الأمن الدولي قد أدان واستنكر إطلاق الصواريخ من غزة، فيما ذكرت اتفاقيات جنيف أن المقاومة هي حق مشروع للسكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال من أجل الدفاع عن أنفسهم وحقهم بتقرير مصيرهم. فالاحتلال له تأثير سلبي على السكان الخاضعين له فهو يتعارض مع مصالحهم وتطلعاتهم وأمانيهم الوطنية وعاطفة ولائهم مما يؤدي إلى قيام السكان واندفاعهم في ثورة جماهيرية عارمة لإزالة الاحتلال كحائل بينهم وبين حقوقهم المشروعة وممارسة حقهم في تقرير المصير، وأقر القانون الدولي الإنساني هذا الحق للسكان المدنيين بالثورة باعتباره حق مكتسب فلا يجوز حرمانهم أو تجريدهم من إمكانية ممارستها، طالما هم ضحية لعدوان غير مشروع ومخالف لأحكام ومبادئ القانون.

كما أكدت العديد من القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة على دولية النزاعات الدائرة بشأن حق الشعب في تقرير المصير وعلى حق الأفراد القائمين بمثل هذه النزاعات في اكتساب مركز المحارب القانوني والتمتع بمعاملة أسرى الحرب وفق المبادئ المنصوص عليها في متن اتفاقية جنيف الثالثة.

الآثار القانونية المترتبة على اعتبار قطاع غزة كيان معادي في نظر القانون الدولي

تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن تخدع المجتمع الدولي، وذلك لتكسب التأييد والحشد الدولي لصالحها أو على الأقل تتجنب الاستنكار الدولي لها وذلك باعتبار ما يحصل في قطاع غزة بأنه تحت سيطرة حزب سياسي إسلامي متطرف على حسب الادعاء الصهيو- أمريكي، ليصل الأمر إلى وصف قطاع غزة بالكيان المعادي، وذلك حتى تتملص من الالتزامات القانونية المحمولة عليها بموجب الاتفاقيات الدولية وخصوصاً اتفاقيات جنيف.

إلا أن هذه الأعمال التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من فرض العقاب الجماعي المخالف لنص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة، واستخدام القوة والتهديد باستخدامها المخالف للمواثيق الدولية وللمادة الثانية من الفقرة الرابعة لميثاق الأمم المتحدة والقتل العمد والتصفيات الجسدية والاغتيالات وإغلاق المعابر وفرض الحصار الاقتصادي والبري والبحري وتجويع السكان المدنيين، فضلاً عن القيام بجرائم الإبادة الجماعية التي تشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين كمجزرة دير ياسين 1948، ومذبحة كفر قاسم 1956، ومجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، وكذلك مجزرة بيت حانون 2006، ومجزرة السموني 2008، ناهيك عن تدمير وضم للأراضي، والاستيطان، واعتداء مباشر على الممتلكات الثقافية والدينية، وكذلك الاعتداء على المدارس والمؤسسات الخيرية وعلى الأطقم الطبية والصحفيين وغيرها من جرائم الاعتداء على السكان المدنيين.

تطبيق أحكام المسؤولية المدنية على الجرائم الإسرائيلية:

أولاً/ وقف العمل الإسرائيلي الغير مشروع دولياً: حيث يجب إنهاء حالة الاحتلال والانسحاب من الأراضي المحتلة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية 242 و 338 فضلا عن انهاء الحصار ووقف مظاهر العنف من الجنود والمستوطنين ووقف عمليات التصفية والقتل العمد، وكذلك الامتناع عن المواصلة والاستمرار في نقل وترحيل رعايا صهاينة إلى الإقليم الفلسطيني المحتل وأيضا امتناعها وتوقفها عن مصادرة الملكيات الفلسطينية والتعدي والاستيلاء عليها لغايات الاستيطان، وكذلك الكف عن تخريب الأراضي والملكيات الفلسطينية العامة والخاصة وشق الطرق لفائدة المستوطنات، وغيرها من الأعمال التي تشكل انتهاك لالتزامات الواجب على المحتل التقييد بها.

ثانياً/ إعادة الحال إلى ما كان عليه (التعويض العيني): حيث يترتب على الشخص الذي اقترف عملا غير مشروع والحق الضرر بالغير أن يقوم بالعمل على إزالة كافة مظاهر هذا الضرر، ولهذا يترتب إزالة كافة مظاهر هذا الاحتلال خاصة الحواجز العسكرية والاغلاقات وأيضا إعادة رعاياها ومواطنيها المدنيين إلى بلادهم التي قدموا منها إلى جانب قيامها بإزالة كافة المستوطنات الإسرائيلية القائمة على صعيد الأراضي الفلسطينية وإعادة كافة الممتلكات والأراضي المصادرة لأصحابها.

التعويض المالي (جبر الضرر): في الحالات التي لا يكون التعويض العيني ممكن, توجب على سلطات الاحتلال أن تقوم بالتعويض المالي لضحايا أفعالها الغير مشروعة, كالتعويض عن عمليات القتل, والإعدام خارج نطاق القانون وقصف المباني والمنشآت فضلا عن استهلاكها واستنزافها لمقدرات إقليمهم وموارده الطبيعية, كما يتعين دفع تعويضات عادلة الى الأشخاص الذين قضوا فترات طويلة داخل السجن وذلك تتقيداً لأحكام الطوارئ والأوامر العسكرية كما يتعين عليها أن تدفع تعويضات للمتضررين على أن تكون التعويضات عادلة تتناسب مع حجم ونوع الضرر الحاصل سواء المباشر أو غير المباشر.

تطبيق أحكام المسؤولية الجنائية على إسرائيل: ولا شك أن الاعتداءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتعذيب واستخدام الرصاص المتفجر وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، جرائم صهيونية عنصرية غير قانونية، كما تعتبر جميعها من الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة وبخاصة المادتين 146،147 منها، كما نصت المادة الخامسة من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية على اعتبار الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات والبروتوكول بمثابة جرائم حرب كما ان المادة (88) من نفس البروتوكول أعطى الحق للمتضررين من هذه الانتهاكات الجسيمة ملاحقة الأمرين بارتكاب هذه الجرائم ومنفذيها ومسائلتهم كمجرمي حرب.

الخلاصة

1/ يُلاحظ من خلال ما تقدم انه لا يحق للاحتلال إعلان الحرب على قطاع محتل ولا يحق لها قطع العلاقات الدبلوماسية وما يقوم بها سكان القطاع هو عمل مشروع بنظر القانون الدولي الإنساني لان حق المقاومة مشروع من أجل تقرير المصير، ولا يمكن تصنيف تلك الممارسات بالأعمال العدوانية، فلا يحق لإسرائيل إعلان الحرب ولا يحق لها وصف القطاع بالكيان المعادي.

2/ ولا شك أن جميع الجرائم السابقة تعتبر من المخالفات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وخاصة المادة (147) من الاتفاقية الرابعة والتي تعتبر تلك المخالفات وفقاً للمادة (85/5) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، بأنها جرائم حرب، وبتطبيق النتائج المترتبة عن قيام مسئولية الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي تضرر نتيجة الخروقات الإسرائيلية والانتهاكات لأحكام القانون الدولي الإنساني بوجه عام، كما يترتب على عاتق الاحتلال الإسرائيلي جملة من الالتزامات القانونية يتعلق منها بالمسؤولية المدنية والآخر يتعلق بالمسؤولية الجنائية.

3/ ومن هذا المنطلق يحق للجانب الفلسطيني، استناد لقواعد وأحكام قانون الاحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي الإنساني عموماً، القيام بملاحقة جميع الأشخاص الذين أمروا بارتكاب هذه الجرائم، سواء كانوا عسكريين أو سياسين، وليس هذا فحسب بل ينسحب هذا الحق أيضاً على منفذي هذه الجرائم، لكونهم ساهموا في اقتراف مثل هذه الجرائم على صعيد الإقليم الفلسطيني، الى جانب ذلك التزامات الدول الأطراف باتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول بملاحقة ومساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين عن هذه الجرائم.

4/ ولهذا فإنه يجب على السلطة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والجهات المختصة حصر ملفات قانونية واقتصادية ومالية عن كل الخسائر والأضرار التي لحقت بها خلال انتفاضة الأقصى ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد عدم تأثير الشق الجنائي من مسؤولية الاحتلال الدولية وحسن وسلامة تنفيذ التزاماتها المدنية، إذ من المسلم به بأن المسؤولية الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب الإسرائيلي تبقى قائمة لو نفذ الاحتلال جميع التزاماته الدولية الخاصة بتعويض ضحايا الفلسطينيين، وإلى جانب المسئولية المدنية فان الاحتلال يتحمل المسئولية الجنائية نتيجة قيامه بارتكاب الأفعال المكونة لجرائم الحرب.

ولا شك أن الفلسطينيين الذين عانوا من خسائر مادية أو معنوية نتيجة هدم بيوتهم لهم الحق في الحصول على تعويض من الاحتلال حتى يتسنى لأصحاب البيوت المهدمة من بناء بيوت لهم، فالضرر المباشر يحصل عند الانتهاك لأحكام القانون الدولي الإنساني الخاص بحالة الاحتلال العسكري مثل الأراضي المحتلة التي تم مصادرتها ووقع تدميرها واقتلاع أشجارها من أجل بناء المستوطنات.

الكاتب: هلال نصّار
المصدر: موقع الخنادق اللبناني