يا منصور أمت.. ثورة الإمـام زيد ضد إرهاب الدولة الأموية (تعرف على أول ظهور للروافض)

322
ثورة الإمـام زيد ضد إرهاب الدولة الأموية
ثورة الإمـام زيد ضد إرهاب الدولة الأموية

رأى علي بن الحسين عليهما السلام ذات يومٍ في رؤياه رسول الله صل الله عليه وآه وسلم يأخذ بيده ويدخله الجنة، وزوجه بحوراء، فصاح به رسول الله: يا علي، سمّ المولود منها زيدًا، فما أن حلّ اليوم التالي حتى أرسل المختار بأم الإمـام زيد وتدعى “جيدا”.

وحين زُفّت البشرى إلى زين العابدين سلام الله عليه بهذا المولود قام فصلى ركعتين شكراً لله، ثم أخذ المصحف مستفتحاً لاختيار اسم مولوده، فخرج في أول السطر قول الله تعالى: “وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً”، فاطبقه، ثم قام وصلى ركعات، ثم فتحه، فخرج في أول السطر: “ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون”، ثم قام وركع، وأخذه للمرة الثالثة وفتحه، فخرج في أول السطر: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون..”، عندها أطبق سلام الله عليه المصحف، ودمعت عيناه، وقال: “إنا لله وإنا إليه راجعون، عُزّيتُ في هذا المولود، إنه زيد، وإنه لمن الشهداء”.

تتلمذ الإمـام زيد علي يد والده وشقيقه الأكبر الإمام محمد الباقر عليه السلام، وسُمي في المدينة المنورة بحليف القرآن، وقال الباقر عنه أيضاً: والله لقد أوتي أخي علم الدنيا، فسألوه، فإنه يعلم ما لا نعلم.. لقد أُوتي زيدٌ علينا من العلم بسطة.

وقاله عنه ابن أخيه جعفر بن محمد عليهما السلام: كان زيدٌ أفقهنا، وأقرأنا، وأوصلنا للرحم.

وقال أبو الجارود: قَدِمتُ المدينة فكلما سألت عن زيد بن علي عليهما السلام، قِيل لي ذاك حليف القرآن.

وقال سفيان الثوري: قام زيد بن علي مقام الحسين بن علي، وكان أعلم خلق الله بكتاب الله، ما ولدت النساء مثله في عصره.

وقال الإمام أبو حنيفة النعمان: شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيتُ في زمنه أفقهَ منه، ولا أعلمَ، ولا أسرعَ جوابًا، ولا أبينَ قولاً، لقد كان منقطعَ القرين.

وقال أبو إسحاق السبيعي: لم أرَ مثل زيد بن علي أعلم، ولا أفضل، ولا أفصح، في أهل البيت.

وقال الشعبي: ما ولدت النساء أفضل من زيد بن علي، ولا أشجع، ولا أزهد.

وقال خالد بن صفوان: انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة من بني هاشم الى زيد بن علي، لقد شهدته عند هشام بن عبدالملك وهو يخاطبه، وقد تضايق به مجلسه.

ويروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشّر بقائم من أهل البيت من أبناء الحسين اسمه زيد، ونظر يوماً إلى زيد بن حارثة، وبكى، وقال: “المقتول في الله المصلوب من أمتي سمي هذا”، وأشار إلى زيد بن حارثة.. ثم قال: “أُدُنُ مني يا زيد زادك الله حباً عندي فإنك سمي الحبيب من ولدي”.

وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: “يقتل رجل من أهل بيتي فيُصلَبُ، لا ترى الجنة عين رأت عورته”.

وخطب علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً على منبر الكوفة، فذكر أشياء وفتن، حتى قال: “ثم يملك هشام تسع عشرة سنة، مالي ولهشام جبار عنيد، قَاتِل ولدي الطيب المُطَيّب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يُصلبُ ولدي بكناسة الكوفة، زيد في الذروة الكبرى من الدرجات العُلى، فإن يقتل زيد، فعلى سنة أبيه، ثم الوليد فرعون خبيث، شقي غير سعيد، يا له من مخلوع قتيل، فاسِقُها وليد، وكافرها يزيد، وطاغوتها أزيرق”.

ومن أولاده سلام الله عليه: يحيى، وعيسى، ومحمد، والحسين، وكان يُكنى بأبي الحسين.

أهداف الثورة

تُبين الروايات التاريخية أن عهد الملك الأموي هشام بن عبدالملك – امتد حكمه من شوال 105 الى ربيع 125 هـ – من أكثر العهود التي برز فيها الاضطهاد، حيث شاع ما يسمى اليوم بـ “إرهاب الدولة” والتصفية الجسدية لكل القوى المعارضة للحكم الاموي.

وبعد وفاة الإمام زين العابدين، وضع هشام بن عبدالملك، الإمـام زيد على قائمة المستهدفين من أئمة أهل البيت باعتباره الأكثر كفاءة لقيادة المسلمين، فوجه هشام عامله على المدينة “خالد بن عبدالملك بن الحكم” بإثارة الفتنة والخلاف بين الإمام وبني عمومته، ودفعه لمغادرتها نحو العراق، وفي العراق صدرت التوجيهات الهامانية لوالي الكوفة “يوسف الثقفي” بالتضييق على الإمام ومطالبته بأموالٍ زعم أن خالد بن عبدالله القسري أودعها لديه، ولم يكن لخالد أي مال لدى الإمام، وإنما أراد إذلاله بأمر من هشام.

فلم يكن أمام الإمام سوى التوجه الى الشام لمقابلة هشام وجها لوجه، فكاشف هشام الإمام العداء وأخرجه مهاناً، فقال الإمام مقولته المشهورة: “من أحب الحياة عاش ذليلاً”.

ومما ينقله الرواة دخول الإمام على هشام وفي مجلسه يهودي يسب رسول الله، فانتهره الإمام، فقال هشام: مه يا زيد لا تؤذِ جليسنا.

إندلاع الثورة وخيانة وحقد الروافض

خرج الإمـام زيد على إرهاب وتسلط الدولة الأموية وجبروتها وطغيانها في ثلة من المؤمنين، لا يتجاوز عددهم 500 مقاتل، وهؤلاء استطاع الأمويين شق صفهم وشراء بعضهم، وتهديد بعضهم، وتثبيط بعضهم، ولم يثبت منهم ساعة المواجهة سوى 218 مقاتل، بينما تهافت وتساقط التشكيكيين الممثلين حينها طابوراُ خامساُ بلغ زُهاء 40000 متخاذل، وفي رواية 100 ألف، بينهم للأسف نحو 5000 من الفقهاء والقراء وأهل البصائر.

ويالها من مفارقة فبعد أن أحصى ديوان الإمـام زيد عليه السلام من كتبهم 100 ألف مبايع على السمعة الطاعة، لم يخلُص منهم سوى 218 إنسان، ليواجهوا 12 ألفاً من مقاتلة الطاغية الأموي هشام بن عبدالملك، وقيل 15 ألف جبار متسلط، بينهم 2300 من رماة السهام المحترفين، استقدمهم هشام من السند، ولولاهم لما تمكن الأمويين من القضاء على الامام.

ولأن الإمـام زيد عليه السلام كان يدعو الى إقامة الحق وإزالة الباطل ونُصرة المظلوم، فقد جعله هذا موضع غضب الرافضة، التي تخلّت عنه في أحلك الظروف، ولم تكتفِ الرافضة بالتخلي عن الإمام وقت المواجهة، بل وأطلقت العنان لألسنتها السليطة، فنسجت الأقاصيص وقدحت في إمامته، وعدم صحة خروجه، متذرعين بحجج واهية، ولا عجب فهم مجرد صدى شائه لخوارج صفين.

الثورة.. يا منصور أمت

حدد الإمام عليه السلام أول ليلة من شهر صفر لسنة 122 هـ، موعداً لإنطلاق الثورة، غير أن تخاذل الناس عنه، ونكثهم البيعة، وانكشاف أمر الثورة، وخروج الأمويين عليه، دفعه للخروج في 23 محرم 122 هـ، واستمرت الحرب الى 25 محرم 122 هـ، ونادى بشعار رسول الله في غزوة أُحد: يا منصور أمت.

في 25 محرم 122 هـ أُصيب الإمام بسهم غادر في جبهته، فلما أتى الطبيب، قال: إذا خرج السهم، فاضت روح الإمام. إبتسم الإمام بوجهه، وقال: أرحني.

وطلبه جيش الأمويين ميتاً، ورصدوا لمن يدل عليه جائزة ثمينة، فدلهم عليه غلام من السند حضر دفنه السري على مجرى نهر، فاستخرجوه، وحزوا رأسه ووجهوا به إلى هشام، وصلبوا جثته بالكناسة، و”الكُناسة”، موضعٌ في سوق الكوفة مخصصٌ للقمامة.

بعد أن وصل رأس الإمام الى هشام بن عبدالملك، وجه بأن يُطاف به في البلدان، حتى انتهوا به إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وطاف به جنوده في المدينة 7 أيام.

وبقي الإمام مصلوباً الى أيام الوليد بن يزيد بن عبدالملك – تولى الحكم في نهاية سنة 125 هـ، فأمر الوليد واليه على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي إنزال جسد الإمام وحرقه ووضع رماده في قواصير، ونثره في مياه الفرات، وهو يقول: والله يا أهل الكوفة لأدعنّكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم.

ولما كثُرت الآيات حال بقائه أحرقوه، وذروه في البحر، فاجتمع في الموضع كهيئة الهلال، قال الديلمي – مؤلف كتاب القواعد: قد رأيناه، ويراه الصديق والعدو، بلا منازع.

فالسلام على حليف القرآن، يوم وُلِد، ويوم أُستشهد، ويوم نُبش قبره، ويوم صُلب، ويوم أُحرق وذُرّ رماده الطاهر في فرات العراق، السلام على الأرواح الطاهرة التي جددت الدين، وفتحت باب الجهاد الى يوم الدين، من أجل الحفاظ على إسلامنا، دين الرحمة والسلام.

المراجع:

1- الإمام يحيى بن الحسين الهاروني، الإفادة، دار الحكمة اليمانية، الطبعة الأولى 1996.
2- السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي، اللآلئ المضيئة، الجزء الأول.
3- السيد العلامة مجدالدين بن محمد المؤيدي، التحف شرح الزلف المؤلف، الطبعة الخامسة.
4- علي عبدالكريم الفضيل، الزيدية نظرية وتطبيق، جمعية عمال المطابع التعاونية – عمان، الطبعة الأولى 1985.
5- يحيى الفضيل، من هم الزيدية، جمعية عمال المطابع التعاونية – عمان، الطبعة الثالثة 1981.
6- زيد يحيى المحبشي، وقفة تأمل في ذكرى استشهاد حليف القرآن، صحيفة الأمة، العدد 235، 4 أبريل 2002.
7- أحمد محمد الهادي، التاريخ الإسلامي، الجزء الأول، الطبعة الثانية 2011.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركز البحوث والمعلومات – زيد المحبشي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا