لم تكن أحداث شبوة الأخيرة سوى مشهد مكرر من مسلسل الصراع والمواجهات بين مليشيات تحالف العدوان في المحافظات المحتلة التي تعاني من غياب الدولة والخدمات.
وعلى وقع فضائح الجولة الحالية من الصراع بين المرتزِقة، وما انطوت عليه من أحداث بيّنت بوضوحٍ حجمَ التعامل المهين الذي يتعرضون له من قبل تحالف العدوان.
والتأكيد أن هذه الجولة من الصراع لن تكون مثل سابقاتها حيث تشير المعطيات إلى إمكانية أن يمتد هذه الصراع من محافظة شبوة إلى المحافظات القريبة الأخرى التي هرب إليها حزب الإصلاح، والدور على مارب وحضرموت، ما يؤكد وصول هذا الصراع إلى منحنى خطير ينذر بتدمير المحافظات المحتلة ونشر مزيد من الفوضى..
كانت مدينة عتق بمحافظة شبوة في الفترة الماضية مسرحاً لصراع أدوات العدوان، فشهدت المدينة مصرع وجرح المئات من عناصر المرتزقة المأجورين، غالبيتهم سقطوا بقصف للطيران الإماراتي المعادي بعدما اندلعت اشتباكات ومواجهات بين تجمعات مليشيات المرتزقة التابعة لدويلة الإمارات في المدينة، وذلك بعد أن سيطرت المليشيات التابعة للإمارات على المدينة ودحرت خصومها المنتمين لحزب الإصلاح وتشكيلاته من المرتزقة الذين يقاتلون في صفوف تحالف العدوان، فيما التوترات لا تزال متواصلة بين القبائل وعناصر المرتزقة على خلفية الاشتباكات التي عمت كافة المناطق في عتق.
شرارة هذه المواجهات انطلقت بخبر اغتيال قائد ما يسمى باللواء الخامس في مليشيات ما تسمى دفاع شبوة التي أنشأتها دويلة الإمارات برصاص مليشيات العمالقة التابعة للإمارات أيضا، وعقب ذلك لجأ المرتزق عوض بن الوزير المعين في منصب محافظ شبوة إلى تحكيم مشائخ قبيلة بلحارث في مقتل الحارثي لمحاولة احتواء الموقف بعد تصاعد التوتر وإطلاق قبيلة بلحارث دعوات لأخذ الثأر من قتلة مفرج الحارثي.
فيما تستمر حدة الصراعات بين مرتزقة العدوان، إذ قامت مليشيات المرتزقة المنتمين لحزب الإصلاح التي تسيطر على مارب بوقف صرف الوقود الخاص بمحطات كهرباء شبوة، مشترطة إحالة المتسببين في أحداث الحرب الدموية بمدينة عتق إلى المحاكمة وإقالة ومحاكمة المدعو عوض بن الوزير، واستمرت الاشتباكات بين المليشيات الموالية لدويلة الإمارات وبين مليشيات حزب الإصلاح في منطقة أسفل الشبيكة ومعسكر مرة الواقعين في المدخل الشمالي لمحافظة شبوة، وتوعدت مليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي العميل لدويلة الإمارات باجتثاث مليشيات حزب الإصلاح.
شبوة مجدداً
ليست المرة الأولى التي يقتتل فيها مرتزقة تحالف العدوان في محافظة شبوة ففي العام 2019 شهدت المحافظة مواجهات دامية بعد أن سيطرت قوات موالية لما يسمى الشرعية على مواقع ما تسمى النخبة الشبوانية، خارج مدينة عتق، حيث اندلع القتال بين قوات الطرفين عقب محاولة قوات النخبة السيطرة على مدينة عتق وتمكنت مليشيات الإصلاح من السيطرة على معسكرين بعد معارك محدودة، وأسرت عددا من قوات النخبة.
وسيطرت على آليات عسكرية ويومها رجحت الكفة لمليشيات الإصلاح بعد أن مُنيت مليشيا ما يسمى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، بانتكاسة إثر فشلها في اقتحام مدينة عتق، مركز شبوة، إذ صدتها مليشيات الإصلاح، وسيطرت على مواقع كانت تتمركز فيها على مداخل المدينة، وأحرقت عربات عسكرية إماراتية وتمكنت أيضاً من السيطرة على معسكرات تابعة للقوات المدعومة من الإمارات بذات المحافظة.
صراع طويل
وقبل محافظة شبوة كانت محافظة عدن مسرحاً لمواجهات دامية بين مليشيات الانتقالي المدعومة إماراتيا ومليشيات حزب الإصلاح المنضوية تحت مسمى الشرعية ومنعت تواجد حكومة الفنادق في عدن حتى صارت عدن تحت سيطرة أداة الإمارات المسماة الانتقالي يحكمها بقبضة أمنية تتوزع على فصائل مختلفة تنضوي تحت مسؤوليته، لتعيش عدن أثناء تلك الأحداث كارثة كبيرة فالفصائل المتواجدة بها جاءت من خارجها وتتقاتل فيها وصارت المدينة بلا أمن ولا خدمات، ولا أمن غذائي تعصف بها العصابات والمليشيات والجماعات المسلحة المناطقية والجهوية والمذهبية والإرهابية.
سجون عدن امتلأت بالسجناء سواء كانوا إصلاحيين أو مما تسمى مقاومة أو حراكيين أو خطباء أو ناشطين.
لعل المتتبع للأحداث يكتشف أن أهداف تحالف العدوان في الجنوب هي أن تلقي بأدواتها من المرتزقة في محارق الموت بالجبهات أو تدفعهم بتمويلها للاقتتال فما بينهم وتدير اللعبة وتمسك بخيوط الصراع لنشر الفوضى وتدمير البلاد خدمة لمصالح دول التحالف في السيطرة على موارد البلاد ونهب الثروات.
المدنيون ضحايا
الصراعات المستمرة بين أدوات العدوان وميليشياته نتيجة تصادم المصالح والأجندات السعودية والإماراتية في المحافظات المحتلة ألقت بضلالها على الأبرياء والمدنيين، حيث أكدت تقارير حقوقية ارتفاع معدل الجرائم والانتهاكات الناتجة عن الصراعات البينية بين مليشيات دول الاحتلال السعودي الإماراتي في المحافظات الجنوبية خلال الربع الثاني من العام الجاري بنحو 90% مقارنة بالربع الأول.
وأوضح التقرير الصادر عن المركز الإعلامي للمحافظات الجنوبية، أنه تم رصد ألفين و951 جريمة ارتكبت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بمعدل يومي 32 جريمة مقارنة بنحو ألف و400 جريمة رصدت خلال الربع الأول من العام الجاري.
وأفاد التقرير بأن إجمالي جرائم الاغتيالات ومحاولة الاغتيال التي استهدفت قيادات عسكرية ومدنية وحزبية وأكاديميين بلغت 368 جريمة أدت إلى مقتل 194 شخصاً ونجا منها 147 آخرين، مبيناً أنه استخدمت في تلك الجرائم العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والكمائن والاشتباكات الحية.
وبلغ إجمالي الاعتقالات التعسفية 256 عملية طالت ناشطين ونقابيين و47 جريمة اختطاف، البعض منها ضحاياها نساء وأطفال – بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى تصاعد كبير في جرائم السطو والابتزاز التي بلغت 357 جريمة طالت الممتلكات العامة والخاصة، وتصاعد الكمائن المسلحة المتبادلة بين مليشيات الاحتلال والتي شارك تنظيم القاعدة الإرهابي إذ بلغت 231 جريمة استهدفت أرتالاً عسكرية وأطقماً وعربات جند وأخرى كان ضحاياها مدنيون.
وحسب التقرير – احتلت محافظة شبوة قائمة المحافظات المحتلة في الانفلات الأمني، بواقع 681 جريمة وبنسبة 23.07 %، وجاءت مدينة عدن في المرتبة الثانية بــ 568 جريمة وبنسبة 19.24%، فيما حلت محافظة لحج في المرتبة الثالثة بـ 469 جريمة وبنسبة 15.89%، والضالع في المرتبة الرابعة بـ 433 وبنسبة 14.67% .
الصراع يمتد
وفيما تتصرف المليشياتُ الموالية للإمارات وكأنها “انتصرت” فَـإنَّ الوقائع كلها تشير إلى أن الصراعَ الداخلي بين أدوات العدوان لن يتوقف، إذ وصل الأمر إلى طرد حزب “الإصلاح” من بقية معاقله؛ لأَنَّ بيئةَ النفوذ في كُـلّ المناطق المحتلّة غير مستقرة بطبيعتها، وتعدد ولاءات الفصائل والتشكيلات العسكرية للمرتزِقة يجعل الوضع دائماً مهيأً للانفجار، حتى داخل الفصيل الواحد نفسه، وقد وجدت مليشياتُ “الانتقالي” نفسَها في وقت سابق في مواجهة دامية مع فصائل انشقت عنها في محافظة عدن المحتلّة، وَإذَا لم يحدث ذلك؛ بسَببِ الخصومات الداخلية بين المرتزِقة أنفسهم فسيحدث دائماً؛ بسَببِ التباين بين توجّـهات دول العدوان.
وفي هذا السياق، يتوقع مراقبون أن تمتد المواجهات إلى بقية المحافظات القريبة التي هرب إليها حزب الإصلاح، حيث قال المرتزق ناصر الخبجي الذي يعد أحد قيادات الانتقالي إن «المعركة ضد الإصلاح لن تتوقّف وستستمرّ إلى ما بعد شبوة»، في إشارة إلى الترتيب لمعركتَي حضرموت وربما المهرة.
فيما أعلن ما يسمى مؤتمر حضرموت الجامع من أن بقاء مليشيات الإصلاح في حضرموت يجب ألا يطول حتى ينفد صبره، وهدد المؤتمر بإسقاط وادي حضرموت على غرار شبوة، إذا لم تقم السلطات المحسوبة على حزب الإصلاح بتوزيع الوقود الذي تقدمه بترومسيلة للمجتمع.
فيما تستمر التعزيزات والتحشيدات المتضادة بين الفصائل المتحاربة التابعة لتحالف العدوان، حيث دفعت مليشيات ما يسمى بالمجلس الانتقالي بتعزيزات كبيرة باتجاه حضرموت، وقالت مصادر إن اللواءين السادس والسابع من مليشيات العمالقة التي تقاتل في صفوف دويلة الإمارات وصلت عتق وفي طريقها إلى حضرموت.
وأشار ناشطون إلى أن حضرموت مهيأة للصراع، بعد أن تم استبدال قائد المنطقة العسكرية الثانية الموالي للسعودية المرتزق فرج البحسني واستبداله بالمرتزق فائز سعيد قحطان التميمي وهو قائد في مليشيات ما يسمى بـ”النخبة الحضرمية” التابعة للإمارات.
الثورة