يهاب النظام السعودي التاريخ، ويهاب تمسك أتباع أهل البيت (ع) في شبه الجزيرة العربية بمماسة الشعائر سنويا والتذكير بمآثر الحسين (ع). بل يرعبهم هذا الاقتداء ومظاهر الولاية وتجديد العهد في الوقوف بوجه كل من حارب ويحارب مسيرة الحق والعدل ورفض الطغيان والجور.
وفي آخر اجراءات النظام السعودي تضييقا على موالي أهل البيت، ما صدر عن “الحكومة السعودية”، أمس، من قرار يقضي بحظر خروج مواكب العزاء في شوارع القطيف، في إجراء يعدّ الأول منذ انتفاضة محرم 1400 هجرية، والاكتفاء بها داخل الحسينيات.
ودائما ما يلجأ النظام السعودي إلى ابتداع أساليب جديدة يحارب من خلالها الحضور الشيعي واحياء المناسبة في الأحساء والقطيف، حيث بات الأمر بروتوكولا يستعد له أبناء شبه الجزيرة العربية في كل عام. ويسهل لأي مراقب للإجراءات السعودية أن يعي تماما بأن دائرة الأوقاف والمواريث بمحافظة القطيف ألحقت بمهامها التنفيذية، مهمة مراقبة ومحاصرة الحريات الدينية التي تكفلها القوانين الدولية وتقييدها متى ما كان الأمر ممكناً.
وفي السياق نفسه، وككل عام يبدي أبناء القطيف والأحساء الاستعداد لمواجهة سياسات النظام القهرية وإجراءاته التمييزية والطائفية بحق أهالي المنطقة. فهذا العام أيضا، فرض جهاز المباحث العامة عبر دائرة الأوقاف والمواريث في محافظة القطيف قيودا واجراءات كيدية على الأهالي مع حلول ليالي شهر محرم، وجاء ذلك تحت عنوان ” ضوابط تنظيمية خاصة بإحياء موسم عاشوراء”.
أهالي القطيف يكسرون المحظور في عاشوراء
لم يوقف إذاً قرار جهاز المباحث القاضي بمنع إنعقاد المجالس والمواكب الحسينية في غير الأماكن المصرح عنها وما صدر عن “الحكومة السعودية” من حظر على خروج مواكب العزاء في شوارع القطيف، ولم يوقف أبنا القطيف من التمسك أبناء بإقامة الفعاليات والمحافل الدينية على الرغم من إدراكهم بمراقبة الأجهزة الأمنية للقائمين عليها.
يأبى أبناء القطيف والأحساء الخضوع لإملاءات وضغوط النظام السعودي، ويسجلون في كل موقع موقفا ينسجم مع موالاة آل البيت (ع).
الأمر الذي تجلى في كسر موالي أهل البيت، في عدد من المناطق في القطيف، للقيود المفروضة على ممارسة الشعائر الدينية من قبل آل سعود، حيث شهدت البلدات مواكب حسينية جابت الشوارع دون الإذعان للشروط التي كانت قد وضعهتها السلطات.
تكرر مشهد الإحياء بما فيه من روح التحدي والإصرار على إعلاء صوت الحق في عدد من المناطق منها الجارودية، تاروت، الربيعية، الشريعة، صفوى. حيث لم تقتصر الروح الإسمانية العالية والمتمسكة بأداء مواكب العزاء على الرجال، بل شملت أيضا النساء اللذين خرجن إلى الشوارع رافعين رايات الحسين (ع).
يذكر أنه خلال العقود الأخيرة عمل النظام السعودي جاهداً لإلغاء آخر المؤسسات ذات الصفة الشيعية المتمثلة في محكمتي القضاء الجعفري في الأحساء والقطيف، غير أن مقاومة وجهود الجيل السابق من العلماء والوجهاء أخرت وأعاقت نجاح خطط السلطة، إلى أن توفي أو اعتزل أغلب أولئك بسبب كبر السن والظروف الصحية، فقفز النظام خطوات واسعة في سلب المحاكم الجعفرية وظائفها الحقيقية، بل سلبها حتى الاسم والصفة الاعتبارية القانونية.
وبطبيعة الحال، باتت الإجراءات المعلن عنها لإحياء مراسم عاشوراء بما فيها من معايير مقيّدة للحريات الدينية، باتت أمرا اعتياديا ومحسوبا لكوّن النظام السعودي يرى في إحياء شيعة أمير المؤمنين لواقعة كربلاء موعدا متجددا لشد العضد، والتواصل الروحي والقلبي بين أبناء القطيف والأحساء. كما أن هذه المناسبة تحاكي واقعا ما زال قائما وفيه من الظلم والاستكبار ما يكفي للدفع باتجاه تبني خيار الرفض والمواجهة والتحدي.
ويعمد النظام السعودي إلى جانب أجهزته الأمنية والإعلامية إلى إثارة التشكيك بالولاء الوطني للشيعة في القطيف والأحساء بذريعة ارتباطهم بمرجعيات دينية موجودة خارج بلداتهم، لإسكات مطالبهم بالمساواة وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية دون قيد أو شرط. كل ذلك يأتي في سياق حملة النظام الممنهجة ضدهم وتأليب الرأي العام عليهم وإثارة الشكوك حولهم.
إن القرار الصادر عن النـظام السعودي أخيرا، يدفعنا لطرح العديد من الأسئلة لناحية ما هو أبعد من التضييق، بل عن نيّة آل سعود باتخاذ خطوات ممهدة لإلغاء ومنع أي شكل من أشكال الإحياء في السنوات القليلة المقبلة، حيث بات قرار حظر إقامة المجالس في الحسينيات، حتى منع انعقادها في البيوت، على بعد خطوة. الأمر الذي يحيي الحديث عن انتفاضة محرم .