قبيلَ الساعات الأخيرة من انتهاء الهُدنة، أمس الثلاثاء، غادر الوفدُ العماني العاصمة صنعاء، متوجِّـهاً إلى مسقط، بعد جملة من اللقاءات والنقاشات مع قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي الأعلى بشأن المعالجات الإنسانية التي تشترط صنعاء إدخَالها في أي تمديد، غير أنه وحتى كتابة هذا التقرير لم تظهر أية مؤشرات عن ردود تحالف العدوان بشأن إفرازات زيارة الوفد العماني ونتائج المطالب الإنسانية المحقة، سوى خروقات معهودة وقرصنة جديدة وجرائم بقصف جوي للطيران التجسسي، في حين خرجت الأمم المتحدة بإعلان تجديد جديدٍ للهُدنة لا يحملُ جديدًا.
وأعلن رئيسُ الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام، أمس الثلاثاء، في تغريدة على حسابه بتويتر أن “وفد الأشقاء من سلطنة عمان ينهي زيارته إلى صنعاء بعد إجراء العديد من اللقاءات الهامة مع السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي ورئيس المجلس السياسي الأعلى/ مهدي المشاط”.
ولفت عبدالسلام إلى أن النقاشات واللقاءات التي دارت بين قائد الثورة والرئيس المشاط والوفد العماني تركزت حول مسار الهُدنة الإنسانية والعسكرية وصرف المرتبات وتعزيز فرص وقف الحرب ورفع الحصار.
وفيما أشار عبدالسلام إلى أن الأمم المتحدة على علم بمخرجات زيارة الوفد العماني، إلا أن المنظمة الأممية خرجت، أمس بإعلان تجديد للهدنة عبر بيان لممثلها، غير أنه لم يحملْ في طياته أي جديدٍ سوى الوعود المعهودة التي تنصهر مُجَـرّد الإعلان، أما تحالف العدوان وحتى كتابة هذا التقرير لم يصدر منه أي موقف رسمي، في مؤشر يقود إلى أن تحالف العدوان ما يزال متمسكاً بتجنيب الملف الإنساني وتمرير المعالجات البسيطة كما هو حال الأربعة الأشهر الماضية من الهُدنة،
وهذا ما ظهر من خلال بيان الممثل الأممي الذي قال فيه إنه “تم التوافق على تمديد الهدنة في اليمن شهرين إضافيين وفقا للشروط نفسها”، في إشارة إلى أن الأمم المتحدة تسعى لمساندة تحالف العدوان في إبقاء نسخة من الهُدنة السابقة المشتعلة.
مطالبُ محسومة وحاسمة وتجاهُلٌ أممي صريح
وتأتي مغادرةُ الوفد العماني بعد الزيارة التي استمرت يومين، لتؤكّـد أن موقف الطرف الوطني محسوم بشأن المطالب الإنسانية المشروطة لتمديد الهدنة، والمتمثلة في صرف المرتبات من عائدات النفط والغاز والرفع الكلي للحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، وفي حين أن إفادة الوفد العماني للوسيط الأممي بشأن إفرازات الزيارة التي باتت واضحة، فَـإنَّ ذلك يرمي الكرة من جديد في ملعب الأمم المتحدة للقيام بدورها المسؤول والحقيقي والواجب عليها في الاستجابة للمطالب الإنسانية المشروعة والضغط على دول العدوان للتخلي عن المساومة والابتزاز،
غير أن المنظمةَ الأممية تجاهلت الشروطَ التي ثبتتها صنعاءُ للتمديد، وخرجت فقط بوعود على لسان ممثلها الذي قال: “سوف أكثّـف جهودي مع الطرفين للتوصل إلى اتّفاق على آلية صرف المرتبات بشكل منتظم”.
ومن خلال بيان الممثل الأممي، يتأكّـد للجميع أن تحالف العدوان وبرعاية أممية تعمّد حجزَ الالتزامات التي وقّع عليها قبل أربعة أشهر؛ كي يعود وبرعاية أممية أَيْـضاً ليحصل على وقت مستقطع لمدة شهرين إضافيين مقابلَ تنفيذ تلك الالتزامات التي كان من الواجب تنفيذها في إبريل ومايو الماضيين،
حَيثُ قال بيان الممثل الأممي بالحرف الواحد: “مقترح الهدنة الموسع سيتيح المجال أمام فتح الطرق وتسيير المزيد من وجهات السفر إلى مطار صنعاء، وتوفير الوقود وانتظام تدفقه عبر ميناء الحديدة”، وهنا ترويجٌ أممي لمواضيعَ قديمة ومحسومة تريد أن تصورها وكأنها جديدة، ما يؤكّـد أنها تساندُ السلوكَ السعوديّ الإماراتي المتمثل في تقسيط الالتزامات للحصول على المزيد من الوقت والمكاسب، وذلك في مساومة عدوانية بضوء أخضر أممي.
وكرّر الممثلُ الأممي التأكيدَ على مساندة سياسة التقسيط السعوديّة الإماراتية بقوله: “سأكثّـف انخراطي مع الأطراف لضمان التنفيذ الكامل للهُدنة بما في ذلك العدد الكامل للرحلات الجوية وانتظامها إلى الوجهات المتفق عليها وكذلك عدد سفن الوقود”، فلا جديدَ في كلامه سوى توقيت نشر هذا الإعلان.
ومع أن الردَّ السعوديّ الإماراتي بدا متأخراً ومنسجماً مع الحديث الأممي، فَـإنَّ ثمة ملامحَ تؤكّـد أن تحالفَ العدوان وباستناده على الغطاء الأممي يسعى للدخول في هُدنة جديدة وفق الأجندات والأوضاع القديمة التي شهدتها الأربعة الأشهر الماضية، حَيثُ ما تزال الخروقات مُستمرّة وتصاعدت بقصف للطيران التجسسي، إضافة إلى عمليات قرصنة جديدة، فضلاً عن أن تجاهل المطالب الإنسانية المشروعة التي اشترطتها صنعاء يعتبر ردًّا واضحًا بالرفض،
وهو ما يجعلُ موافقةَ صنعاء على الترويج الأممي الجديد للهُدنة المنسوخة أمراً مستبعَداً ما لم تأتي الضماناتُ والالتزامات الحقيقية بتنفيذ اشتراطاتها الإنسانية التي أعلنتها على لسان المجلس السياسي الأعلى.
مؤشرات الموقف السعوديّ الإماراتي الأممي
وفي سياق ردود الفعل المباشرة وغير المباشرة تجاه ما خرجت به صنعاء ومسقط، باشرت بحرية العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي، أمس الثلاثاء، بتصعيد القرصنة على سفن المشتقات النفطية في البحر الأحمر ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة رغم إكمالها لكل الإجراءات.
وقال المتحدث الرسمي باسم شركة النفط اليمنية عصام المتوكل: إن “تحالف العدوان بقيادة أمريكا احتجز سفينة البنزين (هاري براكاش) ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة بالرغم من تفتيشها وحصولها على تصريح من الأمم المتحدة”.
وأشَارَ المتوكل إلى أن استمرار العدوان في القرصنة واحتجاز سفن المشتقات النفطية يمثل خرقاً للهدنة، مؤكّـداً أنه لم تصل إلى ميناء الحديدة حتى الآن سوى ٢٩ سفينة وقود من أصل ٣٦ سفينة المتفق على دخولها إلى الميناء خلال فترة الهدنة.
وبهذه الحصيلة يكمن الرد السعوديّ المباشر على مطلب صنعاء المتمثل بالرفع الكامل للحصار عن ميناء الحديدة.
وبشان المطلب الآخر لصنعاء بوقف الخروقات والقصف المدفعي والصاروخي العشوائي على المناطق والأعيان المدنية وتهيئة الأجواء لتهدئة حقيقية، رد تحالف العدوان بقصف جوي لطيرانه التجسسي المسلح، بجريمة جديدة بحق طفلين في محافظة الضالع، حَيثُ أفاد مصدر محلي لصحيفة المسيرة بأن طيران العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي التجسسي شن غارة على منزل مواطن في منطقة بتار بمديرية الحشاء، ما أَدَّى إلى استشهاد طفل وإصابة آخر.
وفي سياق متصل، واصلت قوى العدوان تحت الطيران التجسسي المسلح، أمس الثلاثاء، الخروقات الفاضحة لاتّفاقي الهُدنة والحديدة بمئات الخروقات، من بينها استحداث تحصينات قتالية في مأرب والحديدة ومحاور أُخرى ومناطق ما وراء الحدود، في تأكيد على استعداد لتصعيد قادم ومعركة واسعة.
ومع تصاعد الخروقات حتى كتابة هذا التقرير، فَـإنَّ المؤشرات تؤكّـد أن الرد السعوديّ الرسمي على مطالب صنعاء، قد اكتفى بالخروقات والجرائم والقرصنة، والتي تستمر منذ البواكير الأولى لتوقيع اتّفاق الهُدنة، فضلاً عن أن التصعيد السعوديّ في البر والبحر والجو لم يتوقف طيلة الأربعة الأشهر الماضية إلا بصورة شكلية.
حَيثُ استمرت أعمال القرصنة والحصار وتم رصد آلاف الخروق منها إسقاط طائرة تجسسية في صنعاء وكذلك قتل العشرات بالقصف المدفعي والصاروخي الجوي التجسسي، ليتبين للجميع أن رفض صنعاء لبقاء الهدنة مريضة كحال الأربعة الأشهر الماضية مطلب محق وعادل، فضلاً عن إدخَال شروط إنسانية محقة تهدف لسلام حقيقي وتهدئة يلمس نتائجها المواطن المعاني.
صنعاء ترمي الكرة.. لا لومَ على المطالب بحق
وبما أن الجرائمَ والقرصنةَ والخروقات استمرت منذ أربعة أشهر فلا يمكن اعتبار انتهاكات الأمس رداً على مطالب صنعاء، بقدر ما يمكن اعتبارها إصراراً سعوديّاً إماراتياً أممياً على بقاء الحال كما هو عليه، والدخول في هدنة جديدة بأجندات وممارسات جاءت في طيات الأربعة الأشهر الماضية،
وهو الأمر الذي ترفضه صنعاء، لتزيح الأخيرة عن كاهلها كُـلّ الحجج بعد أن رمت الكرة لملعب تحالف العدوان والأمم المتحدة، وهو ما يستوجب على المجتمع الدولي وكلّ الأطراف التي تدعي أنها وسيطة، بأن تلتزم الصمتَ حيال أية عملية رد أَو ردع يمني في مواجهة القرصنة والتجويع والجرائم والخروقات.
وفي السياق، تتعالى المطالب الإنسانية الوطنية لرفع المعاناة عن المرضى المحاصرين كأولوية قصوى، وذلك تزامناً مع الترويج الأممي لهدنة تحمل وعوداً كان من المفترض تنفيذها بداية إبريل الماضي، وبما أن الدور الأممي في ظل الهدنة السابقة كان هزيلاً ولم تبد “الأمم” موقفاً تجاه عرقلة الرحلات المتفق عليها،
فَـإنَّ من المتوقع أن يكون دورها بعد انتهاء الهُدنة السابقة وإعلانها نسختها المجددة بطلاءات قديمة، هو ذاتُ الدور في السنوات الماضية، يكتفي بالقلق والتغطية على جرائم العدوان والحصار عبر التصريحات الجوفاء والإحاطات المغلوطة لمجلس الأمن، وهو ما يستدعي تدخلاً وطنياً حاسماً وحازماً وبمختلف الوسائل والإمْكَانيات.
ومع كُـلّ المعطيات الموجودة حتى كتابة هذا التقرير، وفي حال غياب المستجدات، فَـإنَّ احتمالات المرحلة القادمة قد باتت واضحة للعيان، فالطرف الوطني بات يملك الحجّـةَ للحصول على مطالبه الإنسانية المشروعة والمحقة.
ولعل ما قاله المشاط، أمس الأول: “سنستعيد حق شعبنا في الحصول على الحرية والكرامة والاستقلال من حدقات أعينهم” مؤشرٌ عن عمليات رد وردع نوعية وواسعة، أما من جهة تحالف العدوان فَـإنَّ الإحباط قد ساد على كُـلّ جوانبه وإلا لما استخدم معاناة الشعب ورقة حرب بدلاً عن طائراته التي شنت ربع مليون غارة دون نتيجة.