ليست المرة الأولى التي يتكلم فيها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بهذه الطريقة الواضحة والحاسمة في مناسبة وطنية أو دينية أو حزبية، فمسار تواصله المباشر، خطابة أو عبر مقابلة اعلامية مع الجمهور الذي يؤيده أو لا يؤيده، كان دائمًا يشد هذا الجمهور، ويجعله متسمرا بالتركيز، منصتًا حتى نهاية العبارة كاملة، وحتى نهاية المقابلة كاملة.
فكلام السيد نصر الله في “حوار الأربعين” مع قناة “الميادين” عن الردع بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، وعن معادلة ما بعد “كاريش”، والأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، كان مليئا بثقة لافتة بالنفس، لناحية مقاربته لكافة المواضيع التي تمت إثارتها في المقابلة بثقة واضحة، ولافتة أيضًا بإثارة كل هذه الملفات بثقة أكيدة، في توقيت حساس يعيشه لبنان والإقليم والعالم، الكل يجمع أنه قد يكون حاملا لتغييرات مفصلية وجوهرية استثنائية.
في الواقع، يمكن القول إن متابعي الأمين العام لحزب الله من الخصوم هم أكثر تعلقًا ومتابعة وانتظارًا لما يقول وما يصرح به، وخاصة المسؤولين والباحثين داخل الكيان الاسرائيلي، والذين يثقون بكلامه أكثر من ثقتهم بكلام سياسييهم وعسكرييهم، فكيف استطاع بناء هذا الحضور وهذه الكاريزما غير التقليدية من جهة، والفوز بهذه الثقة من هؤلاء جميعًا من جهة أخرى؟
بداية، لا شك أن شخصية السيد نصر الله هي مميزة ولافتة، وتحمل أكثر من ميزة أو صفة، قد لا تتوافر لدى الكثيرين من الذين عايشوه القريبين أو البعيدين، وهذه الميزات لم تظهر طبعًا من خطاباته أو تصريحاته أو قراراته فقط، بل إن حضوره في قيادة الحزب خلال الثلاثين عاما الأخيرة من مسيرة الأربعين ربيعًا، بسياسته الحكيمة وبثباته على أهداف المقاومة في أصعب الظروف، وبجرأته غير المعهودة وقدرته الناجحة على إدارة كامل استراتيجية حزب الله، السياسية والعسكرية والامنية والمالية والادارية والاستراتيجية، رغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الحزب، ومن كافة الأطراف محليًا واقليميًا ودوليًا، كل ذلك يشكل خير دليل على تفوق هذه الميزات الشخصية لدى سماحة الأمين العام لحزب الله.
من جهة أخرى، ولكي نكون حقيقة منصفين، لا شك أن فريق القيادة ومجلس الشورى لدى المقاومة والكوادر بمختلف مستوياتهم يلعبون، ومن خلال خبراتهم وقدراتهم المميزة أيضًا، دورًا رئيسًيا وأساسيًا في مساعدة السيد للنجاح في إدارة استراتيجية المقاومة بكافة عناصرها، وهذا الأمر أساسًا، والذي يقوم على دراسة القرارات بطريقة منهجية مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار كل آراء واقتراحات المعنيين، كل حسب اختصاصه او مجاله، هو من أسباب نجاح كل الجيوش والاحزاب وحركات المقاومة تاريخيًا.
في الواقع، الأهم في ما كوّن أو خلق هذه الثقة بالنفس لدى السيد في تحديد خياراته وقراراته حول استراتيجية المقاومة، وفي الثبات عليها والدفاع عنها رغم كل الظروف والضغوط، وفي تحدي الخصوم بهذه الطريقة الجريئة الهادئة الواثقة، وخاصة الخصوم الأقوياء، في الإقليم وفي الغرب، هو ثقته بجسم المقاومة كاملا، بدءًا بالمقاتلين المقاومين في الميدان، ثم بالقادة المباشرين الميدانيين، وبالكوادر الأمنيين والعسكريين في أمن المقاومة أو في إدارة عملياتها، وبجهاز التخطيط والتجهيز والتدريب في كافة قطاعات عملهم المستمر والمتواصل.
هذه الثقة القوية والأكيدة، والعمياء ربما، بكل هؤلاء، بشخصهم وبقدراتهم، والتي لم تخب في أي عملية أو اشتباك أو مواجهة أو معركة أو حرب أو تخطيط أو قرار حساس، هي نتيجة مسار متراكم من التجارب والخبرات والاستحقاقات الحية، خلال مسيرة الأربعين ربيعًا من المقاومة، منها تجارب مباشرة للذين عايشوا أغلب سني هذه المسيرة وما زالوا، أو غير مباشرة للذين اكتسبوا خلاصة هذه الخبرات وزبدة هذه التجارب من مدربيهم وقادتهم الذين خاضوا مسيرة قتال العدوين، الصهيوني والارهابي، وانتصروا عليهما في أصعب المواجهات وأشرسها.
لتبقى هذه الثقة بهؤلاء المقاومين وعلى كافة مستوياتهم، والتي هي أساس هذا الثبات والهدوء والوضوح والثقة بالنفس لدى الأمين العام لحزب الله، هي وليدة مخاض مسار صاخب من القتال والمواجهات والمعارك الاستثنائية، والتي خاضتها المقاومة خلال أربعين عامًا من العمل والبناء والتخطيط والدراسة والِاقدام والثبات.
شارل أبي نادر