أمـريـكـا الأولى عالميًا بعدد الجرائم: السلاح يقتل 110 مواطنين يوميًا

98
أمـريـكـا الأولى عالميًا بعدد الجرائم
أمـريـكـا الأولى عالميًا بعدد الجرائم

أمـريـكـا دائمًا هي الحدث، إن لم يكن احتلالًا أو حصارًا أو انقلابًا أو عدوانًا ضد بلد ما، ربما يكون حتمًا جريمة قتل أو مجزرة ارتكبها مهووس أو عنصري أو ناقم في مدرسة أو حديقة أو متجر، ولذلك باتت الولايات المتحدة من أخطر دول العالم على مستوى انعدام الأمن والأمان الفردي للأميركيين، بحيث يصح معها القول: المواطن الخارج من منزله مفقود والعائد إليه حيّ مولود.

في أعقاب عمليات إطلاق النار الجماعية الشبه اليومية في الولايات المتحدة ـ آخرها مطلع الأسبوع الحالي على موكب الاحتفال بيوم “الاستقلال” في ضاحية هايلاند بارك في شيكاغو بولاية إلينوي، وذهب ضحيتها حوالي 6 أشخاص وجرح أكثر من 30 آخرين ـ يجهد الأميركيون إلى مواجهة علاقة بلادهم الفريدة بالسلاح، غير أنهم دائمًا يصطدمون بالقوانين ومصالح السياسيين والمشرعين المرتبطين بلوبي السلاح. وهؤلاء جميعهم لطالما كانوا وما زالوا يتصدون لأي محاولة لوقف هذه المجازر المتنقلة التي تلاحق الشعب الأمريكي في كل مكان.

أمـريـكـا بالتأكيد هي بلد استثنائي عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النارية وبمعدلات جرائم القتل والمجازر الآخذة بالارتفاع الصاروخي. إنها واحدة من الدول القليلة التي يحمي الدستور فيها الحق في حمل السلاح. كما أنها تنفرد عن غيرها من البلدان بالعلاقة العضوية والمعقّدة بين النظام السياسي والسلاح. من بين الدول المتقدمة، تعتبر الولايات المتحدة هي الأكثر قتلًا، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى سهولة وصول العديد من الأمريكيين للأسلحة النارية بطريقة شرعية.

ما هو عدد ضحايا عنف السلاح الأمريكيين سنويًا؟

لم تتعرض أي دولة أخرى ذات الدخل المرتفع، لمثل هذا العدد الكبير من القتلى جراء العنف المسلح. كل يوم يُقتل أكثر من 110 أميركيين بمسدس أو بندقية، بما في ذلك حالات الانتحار والقتل، بمعدل بلغ 40620 تقريبًا كل عام.

منذ عام 2009، كان هناك معدل سنوي يبلغ 19 عملية إطلاق نار جماعي، (أي تلك التي يتم فيها قتل ما لا يقل عن أربعة أشخاص). الأكثر أهمية، أن معدل جرائم القتل بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة، يصل إلى 26 ضعفًا عن البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع، فيما معدل الانتحار بالسلاح أعلى بما يقرب من 12 مرة مقارنة بغيرها من الدول المتطورة.

ماذا عن تقديرات قطع السلاح الموجودة في الولايات المتحدة؟

وجد أحد التقديرات من Small Arms Survey، وهو مشروع بحثي مقره سويسرا، أن هناك ما يقرب من 390 مليون سلاح متداول في الولايات المتحدة في عام 2018، أو حوالي 120.5 سلاحا ناريا لكل 100 من السكان. من المحتمل أن يكون هذا الرقم قد ارتفع في السنوات التي تلت ذلك، بالنظر إلى أن واحدة من كل خمس أسر قد اشترت سلاحًا أثناء وباء كورونا.

لكن مهلًا، حتى بدون احتساب هذه الزيادة، فإن ملكية الولايات المتحدة للأسلحة لا تزال أعلى بكثير من أي دولة أخرى. فلنأخذ اليمن مثلًا، فلديه ثاني أعلى مستوى في العالم من حيث ملكية الأسلحة، بمعدل يبلغ حوالي 52.8 بندقية فقط لكل 100 من السكان. أما في أيسلندا فيصل الرقم الى 31.7 بندقية لكل 100 مواطن.

تتركز الأسلحة الأمريكية في أقلية صغيرة من الأسر: 3 في المائة فقط يمتلكون حوالي نصف الأسلحة في البلاد، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة هارفارد وجامعة نورث إيسترن عام 2016. يطلق على المواطنين الذين لديهم ما معدله 17 بندقية لقب “المالكون الفائقون”، في حين قدرت “مؤسسة غالوب” أن 42 في المائة من الأسر الأمريكية تمتلك أسلحة بشكل عام في عام 2021.

ما يبعث على الصدمة، أنه بحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي، تم بيع ما متوسطه 13 مليون بندقية بشكل قانوني في الولايات المتحدة كل سنة، بين عامي 2010 و2019 ، بينما ارتفعت مبيعات الأسلحة إلى حوالي 20 مليون سنويًا في كل من عامي 2020 و2021.

أكثر من ذلك، وجد الباحثون صلة واضحة بين ملكية السلاح في الولايات المتحدة والعنف المسلح، ويجادل البعض بأنها سببية. خلصت دراسة أجرتها جامعة بوسطن عام 2013 على سبيل المثال، الى أنه مقابل كل زيادة بنسبة نقطة مئوية في ملكية السلاح على مستوى الأسرة، زاد معدل جرائم القتل بالأسلحة النارية في الولاية بنسبة 0.9 بالمائة.

كيف يبرر المدافعون عن الحق في امتلاك السلاح هذه الجرائم؟

اعتاد معارضو السيطرة على الأسلحة النارية، أن يصوّروا وباء عنف السلاح في الولايات المتحدة على أنه أحد أعراض أزمة الصحة العقلية الأوسع نطاقاً.

لكن فات هؤلاء أن كل بلد لديه أشخاص يعانون من مشاكل في الصحة العقلية ومتطرفون. هذه المشاكل ليست فريدة من نوعها. فالأمر الفريد من نوعه هو نظرة الولايات المتحدة التوسعية لملكية الأسلحة المدنية، المتأصلة في السياسة، والثقافة، والقانون منذ تأسيس البلاد، والعملية السياسية الوطنية التي أثبتت حتى الآن أنها غير قادرة على تغيير هذه القاعدة.

وتبعا لذلك، فالعلاقة بين الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية وملكية السلاح أقوى بكثير من العلاقة بين العنف وقضايا الصحة العقلية. إذا كان من الممكن علاج جميع اضطرابات الفصام، وثنائي القطب والاكتئاب، فإن جرائم العنف في الولايات المتحدة ستنخفض بنسبة 4 في المائة فقط، وفقًا لدراسة أجراها الأستاذ في جامعة “ديوك” جيفري سوانسون، الذي يدرس السياسات الرامية إلى الحد من العنف المسلح.

ما هي الحلول التي يطرحها المدافعون عن امتلاك السلاح؟

لدى الولايات المتحدة الكثير من الأسلحة، والمزيد من الأسلحة يعني المزيد من الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية. والمثير في الأمر أنه من الصعب تقدير عدد الأسلحة المملوكة للقطاع الخاص في أمـريـكـا، نظرًا لعدم وجود قاعدة بيانات على مستوى البلاد حيث يسجل الناس ما إذا كانوا يمتلكون أسلحة. والأدهى أن هناك سوقًا سوداء مزدهرة يلجأ إليها الراغبون بالسلاح في غياب قوانين فيدرالية قوية للاتجار بالأسلحة.

أما بالنسبة للحلول، فلا تزال هناك فكرة منتشرة يروج لها صانعو الأسلحة ومنظمات حقوق السلاح مثل “الرابطة الوطنية للبنادق”، ومفادها أن المزيد من تسليح أمـريـكـا هو الحل لمنع العنف المسلح، أي اعتماد نظرية “الرجل الجيد مع السلاح”. لكن دراسة أجريت عام 2021 في جامعة “هاملين” وجامعة ولاية متروبوليتان، كشفت أن معدل الوفيات في 133 عملية إطلاق نار جماعية في المدارس بين عامي 1980 و2019، كان أكبر بـ 2.83 مرة من الحالات التي كان فيها حارس مسلح موجودا.

وعليه فإن فكرة أن الحل لعمليات إطلاق النار الجماعية هو ان أمـريـكـا بحاجة إلى المزيد من الأسلحة في أيدي المزيد من الناس في المزيد من الأماكن حتى يتمكن الناس حماية أنفسهم، أثبتت فشلها، وعدم جدواها.

ماذا عن نظرية الدفاع عن النفس؟

إن انتشار رواية الدفاع عن النفس هي جزء مما يميز حركة حقوق السلاح في الولايات المتحدة عن الحركات المماثلة في أماكن مثل كندا وأستراليا.

أصبح الدفاع عن النفس إلى حد بعيد السبب الأكثر بروزًا لامتلاك السلاح في الولايات المتحدة اليوم، حيث يتفوق على الصيد أو الترفيه أو امتلاك البنادق لأنه يعد تعبيرًا عن القوة والسيطرة، أو لأنه من الموروثات أو لارتباطه بالعمل.

تجمع ثقافة السلاح الأمريكية “بين تقاليد الصيد والرياضة وتقليد حدود الميليشيات، ولكن في العصر الحديث، طغت على عنصر الصيد فكرة مسيّسة بشدة مفادها: أن حمل السلاح هو تعبير عن الحرية والفردية والعداء للحكومة.

علاوة على ذلك، زادت ثقافة امتلاك الأسلحة في الولايات المتحدة من صعوبة استكشاف حلول سياسية جادة للعنف المسلح بعد إطلاق النار الجماعي. بالمقابل في البلدان المرتفعة الدخل التي تفتقر إلى هذه الثقافة، حفزت عمليات إطلاق النار الجماعية تاريخياً الدعم الشعبي لاجراءات الحد من الأسلحة التي قد تبدو متطرفة وفقًا للمعايير الأمريكية.

في الوقت الذي يدعم فيه غالبية الأمريكيين المزيد من القيود المفروضة على حيازة الأسلحة، فإن أقلية جمهورية إلى جانب “الرابطة الوطنية للبنادق” ولوبي الأسلحة الممول جيدًا، يشكلون معارضة صريحة وفعالة لهذه القوانين بشكل لا لبس فيه، وهم على استعداد للضغط على المشرعين الجمهوريين لفعل الشيء نفسه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. علي دربج – باحث ومحاضر جامعي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا