خَلَقَ اللهُ تعالى الخَلْقَ، ولم يَدَعْهُم وشأنَهُم، بل أرسلَ إليهم الرّسُلَ، وأنزلَ عليهم الكتب “وهي المنهج الإلهي”؛ ليبينوا للناس ما نزل إليهم من ربهم، وما أراده منهم من العبادة له دون غيره، وبذلك أمر رُسُلَه أن يبينوا للناس طريق الهداية، ويبعدوهم عن طرق الغواية، ويُنَظِّموا حياتَهُم الدينية والدنيوية، من خلال التعاليم الإلهية؛ حتى يسودَ العدلُ والأمانُ، ويزولَ عنهم غَوْلَ البُؤسِ والشقاءِ والحِرمان، وهذا لن يَتأتّى إلا بإخلاص العبادة لله تعالى، ونبذِ عبادةِ وموالاةِ الطاغوتِ وأشكالِه وأزلامِه. قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ..)[النحل :36].. وهذه هي الغايةُ الكُبرى من إرسالِ اللهِ للرسلِ وابتعاثِهِم الى عبادِه ..
وعبادة الله تعالى تتمثل في إقامة ما افترضَهُ اللهُ على العِباد، ويتوقفُ على أدائها أو تركها دخولُ الجنة أو النار.. وما من عبادةٍ فرضها اللهُ على عبادِه إلاّ وتعود بالنفع العظيم عليهم، إذا ما أقاموها، وأخلصوا في أدائها، ناهيك عن أنّ مَقاصِدَها عظيمةٌ، وثمارَها جسيمة، تتجسد من خلال الواقع العَمَلي لمن يُؤدّيها..
ومن هذه العبادات المفروضة (فريضة الحج) للمستطيع، قال تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران :97]..
فالله تعالى لم يَفرِضْ هذه الفريضةَ، ولم يأمر نَبِيّهِ (إبراهيم عليه السلام)، ومن بعده خاتم أنبيائه “صلى الله عليه وآله وسلم”… لم يأمرهما بدعوة الناس إلى حج بيت الله الحرام، بل أمر بالإعلان بالحج، كما قال تعالى : (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج : 27].. أمرهما بالإعلان، ووعدهما باستجابة ندائهما.. ومازال الناس يؤمون ويقصدون هذا البيت من جميع البلدان، من عهد سيدنا (إبراهيم عليه السلام) إلى يومنا هذا..
مقاصد الحج
ولم تكن تلك الفريضة وذلك النداء -فقط- من أجل أن يأتي الناس إلى بيت الله الحرام لغرض السياحة والتنزه، من خلال التنقل في تلك الأماكن المقدسة، والأداء الصُوري لمناسك الحج، ثم بعد الانتهاء من مناسك الحج يتم شراء بعض الحاجات، ليعود بعدها الحُجّاج إلى بلدانهم، عند أهلهم وأسرهم، دون أن يحققوا أي منجز لأمتهم، فليست هذه هي الحكمة، وليس هذا هو المقصد من الحج، وليس هذا أهم أهداف الحج، بل إن أهم أهداف الحج، وأكبر مقاصده، وأعظم أبعاده، وأرقى حكمه هو تحقيق الأخُوّةِ الإيمانِيّةِ، والوحدةِ الإسلاميةِ بين جميع المسلمين الذين أتوا من جميع أصقاع الأرض …. لماذا ؟
( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ )[ الحج :28]..إنّ من أعظم هذه المنافع التي يشعر بالحاجة إليها ملايين الحجاج أثناء تأدية مناسكهم هي (الوحدة الإسلامية)، فكل الحجاج المسلمين القادمين من شتى بقاع الأرض حينما تعانق نفوسهم قداسة الأماكن الطاهرة، متساوين في كل شيء، رغم تباين ألوانهم ومستوياتهم ولغاتهم، تجمعهم روحية واحدة وهدف واحد، تتوق نفوسهم إلى هذه الوحدة، التي بها قوتهم ونُصرتهم على أعدائهم.
تتوق نفوسهم إلى يكونوا كما أمرهم الله تعالى، بقوله: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ). [آل عمران :103]..
وإلى أن يحققوا الخيرية، انسجاماً مع قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ). [آل عمران : 110]..
إنّ مَن يُشاهد جلالَ ذلك المشهد العظيم، والحجاج من مختلف بقاع الدنيا بمختلف أعراقهم وقومياتهم ولغاتهم، يوحدهم زِيٌّ واحد، وهم يؤدون مناسك الحج، لسوف يعلم أن كل دلالاتها تهدف إلى الوحدة وتعميق الأخوة الإيمانية.
فتلك الحشود العظيمة عندما تطوف بالبيت الحرام، وتسعى بين الصفا والمروة، وتقف في جبل عرفة، وتبيت في مزدلفة، وترمى الجمار، … إلخ،
مع توحد الزمان والمكان، كل ذلك دعوة إلى الوحدة وتعميق الأخوّة الإيمانية، وإلى أن يكونوا هكذا في تحركهم الإيماني والجهادي، امتثالاً لقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[التوبة : 71]..
ففي الحج تزول جميع الفوارق والأعراق والقوميات والجنسيات؛ لأن الناس يتوحدون جميعهم في لباس واحد، غنيهم وفقيرهم، أبيضهم وأسودهم، عظيمهم وصغيرهم، عزيزهم وذليلهم، كلهم يلبسون قطعة قماش أبيض، فلا عنصرية ولا مذهبية ولا طائفية ولا طبقية، كلهم سواسية، عَبِيدٌ لله تعالى، مفتقرين إليه، قد توحدوا حتى في القول، فكلهم يرددون: “لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك”.
فإذا تحققوا بهذا القول، وأخلصوا عبادتهم لله تعالى، ونبذوا كل معبود _سوى الله_ من الطواغيت والظالمين والمستكبرين، تَعَمّقَتْ فيهم الأخوّةُ الدينية، وأثمرت مُوالاتُهم بعضُهم لبعض، ومعاداتُهم لأعداءِ اللهِ، والبراءَةُ منهم.
هل نفهم القصد من فريضة الحج؟
الحج فرصة ثمينة لجمعِ أبناء الإسلام، ولَمِّ شَملِهم، وتوحيدِ صفهم. الدعوة لعقد اجتماعات تشاورية عامة عقب أداء مناسك الحج. إنّ الحَجَّ- علاوة على كونه عبادة ومن أعظم القربات لله تعالى فهو مؤتمرٌ سنويٌّ يمكن من خلاله أن تَستعيدَ الأمةُ مَجدَها ومكانَتَها، وذلك بتعزيز أواصر المحبة والمودة والألفة، عبر اللقاءات التعارفية والاجتماعات التشاورية بين الحجاج المسلمين، إذْ لا يخلو تجمعهم العظيم هذا من (العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسين)، ولا من مسؤولي كثيرٍ من الدول، ومن لهم مكانة وتأثير في بلدانهم.
وقطعاً، إن تَمّتْ هذه اللقاءات، فسوف يخرجون من خلالها بتوصيات ومخرجات هامة، فيها دعوة لإصلاح حال الأمة، ومعرفة نقاط ضعفها، وأسباب تفرقها، مع الحلول الناجحة، التي بها:
_ ترتقي الأمة.
_ تكون قادرة على التصدي لأعدائها.
_ الدفاع عن أراضيها وثرواتها وخيراتها.
_ تحصين أبنائها من كل وسائل أعدائها الذين يسعون لإفساد الأمة..
فإذا تم هذا، مع توظيف الخطب المنبرية في المسجد الحرام، بحيث يكون مضمونها هو:
_ دعوة المسلمين إلى الوحدة، ورأب الصدع.
_ ترك الخلافات المذهبية، وكل ما يؤدي إلى شق صف الأمة.
_ توجيه بوصلة العداء إلى اليهود والمشركين.
_ مع إعلان البراءة من أعداء الله.
بهذا ستكون الأمة قد استفادت من الحج، وحققت أهم أهدافه ومقاصده.
فرصة سنوية.. كيف نوظفها التوظيف الأمثل لمصلحة الأمة؟
من خلال ما سبق، كان لا بد من اغتنام موسم الحج السنوي، باعتباره فرصة ثمينة لهذه الأمة..
_ لتذكيرها بمُراد الله تعالى بها، ومنها:
_ حل قضاياها، ولنا أسوة بالنبي “صلى الله عليه وآله وسلم”. فقد كان ينتهز الفرص في التجمعات الكبيرة، ليلقي بياناته الهامة وخطبه المهمة على الحجاج، وعبرهم تصل بياناته إلى جميع الناس، فقد خطبهم في حجة الوداع، وهي خطبة مشهورة، وأوصاهم بوصايا كثيرة، منها:
_ تحذيره إياهم من الاختلاف والتفرق الذي ينشأ عنه الاقتتال، وبالتالي تضعف وحدة الأمة.
_ أوصاهم بالأخوة في الدين.
_ وعدم استحلال دماء وأموال وأعراض المسلمين.
_ وأوصاهم بالتمسك بالثقلين، كتاب الله وعترته آل بيته..
كما أنه خطب في الحجاج في (غدير خم) وبَيّنَ لهم وليهم من بعده، مشيراً إلى وصيه (الإمام علي عليه السلام).
_وأوصاهم بالتمسك بكتاب الله وآل بيته، فهما الأمان من الضلال لهذه الأمة…. إلخ.
الحج.. بين الأمس واليوم
هكذا كانت مواسم الحج، في عهد رسول الله” صلى الله عليه وآله” يتم استغلالها في ما فيه منفعة الأمة.. أما اليوم، لاسيما بعد ما أستولى آل سعود على الحرمين الشريفين، فقد عملوا على تفريغ الحج من محتواه، ومن مقاصده وأهدافه، بل وطوعوه في خدمة أعداء الأمة، حيث جعلوا منابر الحرمين الشريفين:
_ مصدراً لإثارة الفتن الطائفية، والخلافات المذهبية.
_ وحرف بوصلة العداء إلى مخالفيهم من الشيعة والزيدية والصوفية.
_وسَيّسوا مَنابِرَهُم.
_وأصدروا فتاواهم عبر علمائهم بتأييد التحالف في استحلال دماء اليمنيين.
_وعملوا على الصّدِّ عن بيت الله الحرام بكل وسائلهم المتاحة، إرضاءً لأسيادهم من (الصهاينة والأمريكان)، الذين يرون بأن الحج يمثل خطراً داهِماً عليهم، كما صرح بذلك ترامبهم..
موانع وحلول
ما من شك أنه يخالجنا بأن النظام السعودي الذي بات مقيتاً قد استخدم كل وسائله لصد المسلمين عن بيت الله الحرام، وإليك بعضاً من وسائل صدهم عن بيت الله الحرام، نوردها في الآتي:
– العراقيل والصعوبات :
– استخدم هذا النظام الجائر كل الوسائل التي سعى من خلالها إلى إعاقة الحجاج عن بيت الله الحرام، سواء عن طريق فرض رسوم مالية باهضة على الحجاج لا سيما اليمنيين منهم، والحيلولة دون تفويجهم ..
– أو انتهاكه لحقوق الحجاج خاصة من الذين ينتمون إلى الدول المعادية لسياسته .
– أو عن طريق مضايقة الحجاج وهم في طريقهم إلى أرض الحرمين، التي قد تصل في بعض الأحايين إلى حد قتلهم، ولعلّ (مجزرة وادي تنومة) في عسير عام1921م التي ذبح فيها أكثر من ثلاثة آلاف حاج يمني خير دليل وشاهد، فضلاً عن قيامه بقتل الحجاج الإيرانيين قبل عقودٍ من الزمن، وستظل هاتان المجزرتان وصمة عارٍ في جبين النظام السعودي إلى قيام الساعة .
– ترهيب الحجاج وتخويفهم :
إن الله تعالى قد جعل مكة حرماً آمناً لكل من دخلها، حيث جعله آمناً على نفسه وماله وعرضه، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا..)[ العنكبوت :67] ، بل وتوعد الله -بالعذاب الأليم- كل من تسول له نفسه أن يظلم أو يعصي الله فيها، قال تعالى: (..وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج :25]..
فكيف بمن يسفك الدماء فيها؟! وقد سفك النظام السعودي الكثير من دماء الحجاج، سواء المتعمدة أو التي تحت مبرر حوادث وقعت على الحجاج !!.. فهذه الحوادث التي كانت تتكرر كل عام بشكل ملفت للنظر والتي راح ضحيتها المئات من الحجاج- لم تكن بمحض الصدفة، بل كانت مقصودة ..
ومن يدرس كل حادثة وقعت للحجاج من جميع حيثياتها، فسوف يجد صدق ما قلناه..
والهدف من وراء هذه الحوادث هو إدخال الرعب في قلوب المسلمين، لاسيما الذين يريدون تأدية فريضة الحج في الأعوام المقبلة.
– إستخدام الحج كورقة ضغط سياسي: لقد منع النظام السعودي شعوباً بأكملها عن أداء فريضة الحج _كالشعب اليمني والشعب القطري_ وغيرهما، وكذلك فرض حصصاً معينة من حيث العدد على بعض الدول، بينما جعل العدد لبعضها الآخر مفتوحاً على مصراعيه في زيادة الحجاج ..
وهكذا نجد النظام السعودي دوماً يمارس الاستغلال السياسي، فترى إدارة الحرمين -التابعة له- تقوم بتوزيع تأشيرات على الصحفيين والسياسيين والبرلمانيين المسلمين، إضافة إلى منحها الكثير من التأشيرات للكثير من سفراء الدول، دعماً لأهدافها وطموحاتها وأغراضها السياسية، وسعياً منها إلى شراء ذممهم، طمعاً في وقوفهم إلى جانب الإدارة السعودية في قراراتها السياسية.
– تفرده بمنع استقبال حجاج بيت الله الحرام، بحجة وباء كورونا، كما حدث في العامين الماضيين، مع أنه لا يحق له أن يتفرد بقرار منع الحج إلاّ باستشارة الدول الإسلامية، فالحرمان وكل مايخصهما هما للمسلمين كافة وليسا وقفاً أو حصراً على أسرة (آل سعود) تتحكم فيهما كيفما شاءت، قال تعالى:(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ..)[البقرة :125] ، وقال :(جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ..)[ المائدة : 97] فالله قد جعل البيت الحرام للناس جميعاً، وليس لآل سعود ينفردون به ويقررون بإغلاقه أو بفتحه!!..
فلا يجوز منع الناس عن حج بيت الله الحرام، وقضية كورونا ليست مبرراً للمنع، فهناك إجراءات وقائية وحجر صحي كان يمكن أن تتم قبل الحج بشهور، والنظام السعودي -كما هو معلوم- لديه القدره بما يمتلك من الإمكانات التي تؤهله إلى وقاية الناس من ذلك !!..
والعجيب أن (دور السينما والبارات والمراقص والسهرات الليلية) قد تم افتتاحها في السنوات الأخيرة الماضية، في (مكة وجدة) وغيرهما من المدن السعودية، وعملوا لها وسائل وقائية، بينما (الحَرَمان الشريفان) لايهمهم أمرهما..
وإذا كان النظام السعودي يزعم بحرصه المسيس على حياة الحجاج من وباء كورونا، فأين حرصه على حياة ملايين من أفراد الشعب اليمني –منذ أكثر من سبعة أعوام- وهو يقوم بضربهم وقصفهم ليلاً ونهاراً ؟!.. فما من يوم يمر إلا وهو يرتكب أبشع المجازر في حق الشعب اليمني، حيث استهدف بغاراته الأسواق الشعبية وصالات العزاء والأعراس والمستشفيات والمصانع والمزارع، وحتى الحيوانات ومزارع الدجاج التي لم يتورع عن استهدافها، ناهيك عن استهدافه لمنازل المواطنين ليل نهار، في يقظتهم وفي منامهم.
وباختصار، فقد استهدف هذا النظام المستبد الإنسان والشجر والحجر، ولم يَسلَم حتى (المرتزقة) الذين يعملون في صفه مؤيدين له، لم يتورع عن استهدافهم!!.
إن النظام السعودي لم يكن حريصاً على الحجاج من تفشي وباء كورونا كما يزعم، بل كان حريصاً أشد الحرص على تنفيذ رغبات الصهاينة والأمريكيين، الذين باتوا يشعرون بخطورة الحج، الذي يُعد عنواناً جلياً لوحدة المسلمين..
من خلال المعطيات سالفة الذكر- التي هي من المُسَلّمات للجميع- يتضح لكل ذي بَصَرٍ وبصيرةٍ أنّ المسلمين لن تتحققَ لهم الفائدة المَرْجُوّةُ من الحَج، إلاّ إذا أزيلتْ موانعُ تحقيقِ ذلك الهدف ويأتي على رأسها إزالةُ مَن جعلوا أنفسهم أولياءً على حرم الله، وهم (آل سعود)، الذين لم يدعوا مُنكَراً إلاّ فعلوه، ولا فساداً إلاّ عاثوه، بحق الحج والحجاج والأماكن المقدسة كل عام منذ احتلوا بلاد الحرمين مطلع القرن العشرين، وقد حذرنا الله تعالى منهم ومن نماذجهم عبر التاريخ الإسلامي، في قوله تعالى :(وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ).
ولذا وجب على المسلمين أن يعملوا جاهدين على إزالة هذا العائق المتمثل في (آل سعود)، وبذلك يكون موقف المسلمين تجاههم امتثالاً ومِصداقاً لقول الله تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ).[الأنفال :34].
فقوله 🙁 وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ..) استفهام إنكاري ، أي لا مانع من تعذيب الله لهم عبر أيدي رجال الله الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، وكأن الآية تشير إلى النيل منهم لماذا ؟!..( وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.. ) أي وهم يمنعون المسلمين بكل مظاهر الصد والمنع عن بيت الله الحرام ، فلا بد من تغيير هؤلاء الذين استولوا على الحرمين الشريفين المدعين بأنهم أولياؤه ( وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ..) لأنهم لا يصلحون قطعاً لولاية البيت الحرام لأنهم مجرمون، وقد والوا أعداء الله ورسوله وعادوا أولياء الله ورسوله، وبات ظلمهم وإجرامهم لا يجهله أحد
(إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ) ..
وهنا وضح الحق تعالى من هم الذين يجب أن يكونوا ولاة البيت بأنهم المتقون ..
ولاحظ معي أخي القارئ فقد جاءت الآية مؤكدة بأقوى ألوان التأكيد ونافية كل ولاية على البيت الحرام سوى ولاية المؤمنين..
إذاً، فالمؤمنون المتقون هم الذين يجب أن يكونوا ولاة البيت الحرام وهم الذين سيوحدون الأمة من خلال إغتنامهم لموسم الحج السنوي وبالتالي سيتحقق وعد الله تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[ الصف 9] إنها دعوة صادقة من أخٍ غيورٍ على الدين والعرض والكرامة، وإن ما حُمِّلناهُ من علم لا يدعنا نصمت في زمن طغى فيه (آلُ سعود) إلى حد إغلاق المسجد الحرام في وجه المُصلين، بل وصد المسلمين عن فريضة الحج لأعوام متتالية بدعاوى تفشي الأوبئة المُصطنعة، بينما تفتح دور السينما ومسارح الطرب والملاهي، ليتدافع عليها ويتزاحم فيها الجماهير المُضللة، دون خوف عليهم مما زعموا من الأوبئة.
لقد بلغ الطغيان حداً لا يُطاق، ولا بد لهذه الأمة أن تعود إلى وعيها، وتستعيد عزها ومجدها وكرامتها، وتبني وحدتها، لكي تقوم بمهمتها التي كلفها الله بها، وهي نشر الدين، وإقامة العدل، وعَمَارُ الأرض، ليحقق الإنسان _مهما كانت جنسيته وديانته_ مقاصده الشريفة من الحياة، ويتمتع بحريته وبخيرات الأرض، ويؤدي واجباته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، بما يتلاءم مع المصلحة العامة للإنسانية جمعاء، ولن يتحقق ذلك إلاّ بهلاك وزوال الفساد والمفسدين في الأرض، مهما كانوا وأينما كانوا، وهذه هي المهمة الملقاة على عاتق كل حر وشريف يتقاسم معنا الحياةَ على وجه هذه الأرض، والله الموفق.
عدنان أحمد الجنيد