ثلاثةُ آلاف حاج يمني بزِادِهم وراحلتهم عقدوا العزمَ والنيةَ بقصد بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج في العام 1923، خرجوا مهلّلين مكبرين وأعينهم تفيضُ من الدمع شوقاً لبيت الله الحرام ورغبةً في أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، تجمّعوا من مختلف المحافظات وجرت لهم مراسيمُ التوديع المهيبة في مدينة صنعاءَ قبل أن ينطلقوا في أمان الله وحفظه في رحلة الحج بعد أن منح السعوديون لهم الضوءَ الأخضرَ بسلامة وتأمين الطريق دون علمهم بما يحدث في تنومة.
وما إن دخلوا المناطقَ الخاضعةَ لسلطة عبدالعزيز آل سعود مؤسّس الدولة السعودية الثالثة وتوغلوا فيها حتى أحيطوا بمرافقة سرية من الجنود السعوديين بقيادة الأمير خالد بن محمد، ابن شقيق الملك عبدالعزيز وواصلوا معهم السيرَ حتى وصلوا وادي تنومة ببلاد عسير وهناك تعرَّضَ حجاجُ بيت الله الحرام لهجومٍ سعودي إجرامي وحشي.
أقدم الجنودُ السعوديون بقيادة المجرم سلطان بجاد العتيبي ومجاميعه المسلحة على إطلاق النار على الحجاج اليمنيين بعد أن تأكّدوا من الجنود السعوديين الذين رافقوهم من عدم امتلاك الحجاج اليمنيين لأية أسلحة، لتبدأ أحداثُ المذبحة الدامية وبعد أن استنفد القتلة ذخيرةَ بنادقهم نزلوا بسيوفهم وخناجرهم للإجهاز على من تبقى على قيد الحياة من الحجاج، لم يرحموا حتى النساءَ والأطفالَ والطاعنين في السن، ليسقط قرابةُ 2500 شهيدٍ فيما نجا قرابة 500 حاج بأُعجُوبة، ليبدأ القتلةُ بنهب أموال وممتلكات الحجاج.
في الوقت الذي خيّم الحزنُ على كافة أرجاء اليمن، فلا يكاد هنالك مِن منطقة إلا وكان لها شهداءُ في تلكم الجريمة المروّعة والتي للأسف تم التعامُلُ معها من قبل الإمام بحالة مفرطة من السلبية، واكتفى بالتحكيم والاعتذار السعودي، وتحدثت بعض المصادر عن مبلغ مالي دفعته السعوديةُ كتعويض لأموال الحجاج.
ومع مرور الوقت وتعاقب السلطات، نجح آلُ سعود في إخفاء هذه الجريمة وتغييبها عن التأريخ وظلت مغيبةً تماماً حتى اشتعال شرارة ثورة 21 سبتمبر؛ لتكشف تفاصيل هذه الجريمة عن وحشية وإجرام أسرة آل سعود وجرأتهم الوقحة على استهداف حجاج بيت الله الحرام.
فتح ملف مجزرة تنومة المنسية ووعيد بالإنتقام
في الآونة الأخيرة ومع مواجهة بشاعة العدوان، يتم فتح هذا الملف بقوة بواسطة سلطة حكومة الإنقاذ الوطني بالعاصمة صنعاء ، وتوعد شديد اللهجة بالإنتقام لهذ المجزرة الوحشية، والتي راح ضحيتها أكثر من 3ألف حاج يمني مسالمين.
وذّكر متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع في بيان ايجاز صحفي العدو السعودي بذكرى المجزرة المروعة بحق الحجاج اليمنيين، مؤكداً أن شعبنا لم ينس بعد شهداء مجزرة تنومه والتي سقط فيها الآلاف من الحجيج اليمنيين من كل المناطق شهداء بعد أن تم قتلهم بدم بارد قبل مائة عام وذلك في مثل هذه الأيام على يد عملاء البريطانيين من الوهابيين التكفيريين..
وحول ذكرى هذه المجزرة، قال العميد سريع مخاطباً النظام السعودي: “اليوم دماؤهم تستنهض الكرامة اليمنية وتستنهض المشاعر الوطنية اليمنية “.
ودعا العميد سريع المواطنين في نجد والحجاز وكذا المقيمين هناك الى الابتعاد عن المقرات العسكرية والمقرات المستخدمة لأغراض عسكرية ، والابتعاد كذلك عن قصور الظالمين المجرمين باعتبارها أصبحت ضمن الأهداف العسكرية للقوات المسلحة اليمنية.
مجزرة تنومة والعدوان على اليمن “مجرم واحد”
وبالكشف عن مجزرة تنومة يتجلّى بوضوح الحقدُ السعودي اليهودي على الإسلام والمسلمين وينفتح المجال لمراجعة قائمة الحوادث التي تعرض لها حجاج بيت الله الحرام والتي كانت تبرَّرُ بأخطاء يرتكبُها الحجاج متعلقة بمخالفتهم لإجراءات السلامة، ولكن مجزرة تنومة جعلت الكثيرَ من المهتمين يقفون على بعضِ هذه الحوادث وملابساتها ومدى صحة الرواية السعودية بشأنها من عدمها.
ومما لا شك فيه بأن من أقدم على قتل آلاف الحجاج وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج سيراً على الأقدام قبل 94 عاماً لا يُستبعَدُ عليه أن يتآمرَ على حجاج بيت الله الحرام اليوم، فالفكر الداعشي الوهّابي الذي كان السببَ وراء ارتكاب مجزرة تنومة هو نفسُه الموجودُ اليوم.
وهو نفسه الذي قتل عشراتِ الآلاف من اليمنيين في العدوان على اليمن، بدم بارد، ومَن أراد الاطلاعَ على تفاصيل دقيقة حول مجزرة تنومة فعليه قراءة كتاب مجزرة الحجاج في تنومة وسدوان للباحث والمحقّق الأستاذ حمود عبدالله الأهنومي وسيقف على طبيعة وحقيقة وفظاعة ما جرى.
الحوادث الفاتكة بمواسم الحج
وشهدت مواسمُ الحج في مناسبات مختلفة حوادث قاتلة ذهب ضحيتها المئات من الحجاج، وقد سجل موسم 1990 حتى الآن أكبر حصيلة، حيث بلغ عدد القتلى 1426 نتيجة تدافع كبير في نفق بمنى، إثر عطل في نظام التهوية على الأرجح. فيما يلي جرد لأبرز هذه الحوادث:
2015:
سبتمبر/ أيلول: أكثر من 700 قتيل في تدافع الحجاج في منى قرب مكة
– 11 أيلول/ سبتمبر: مقتل 107 أشخاص على الأقل وإصابة 238 آخرين بجروح في سقوط رافعة في المسجد الحرام.
2006:
– 6 كانون الثاني/ يناير: مقتل 76 شخصاً في انهيار فندق متداع في وسط مكة.
– 12 كانون الثاني/ يناير: مقتل 364 حاجاً في تدافع في موقع رجم الجمرات في منى.
2005:
– 22 كانون الثاني/ يناير: مقتل ثلاثة حجاج أثناء رمي الجمرات في منى.
2004:
– الأول من شباط/ فبراير: مقتل 251 حاجًّا في تدافع بمنى في أول أيام رمي الجمرات.
2003:
– 11 شباط/ فبراير: مقتل 14 حاجًّا بينهم ست نساء في أول أيام رمي الجمرات بمنى.
2001:
– 5 آذار/ مارس: مقتل 35 حاجًّا وإصابة عدد كبير بجروح طفيفة أثناء رمي الجمرات.
1998:
– 9 نيسان/ أبريل: مقتل أكثر من 118 حاجًّا وإصابة أكثر من 180 آخرين في تدافع بمنى أثناء رمي الجمرات.
1997:
– 15 نيسان/ أبريل: مقتل 343 حاجًّا وإصابة أكثر من 1500 بجروح في حريق بخيام الحجاج بمنى.
1995:
– 7 أيار/ مايو: مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 99 آخرين بجروح في حريق في مخيم للحجاج بمنى.
1994:
– 24 أيار/ مايو: مقتل 270 حاجًّا في تدافع أثناء رمي الجمرات.
1990:
– 2 تموز/ يوليو: تدافع كبير في نفق بمنى إثر عطل في نظام التهوية على الأرجح أدى إلى مقتل 1426 حاجًّا اختناقاً معظمُهم من الآسيويين.
1989:
– 10 تموز/ يوليو: اعتداء مزدوج على مشارف المسجد الحرام يوقع قتيلاً و16 جريحاً. لاحقاً في 21 أيلول/ سبتمبر تم إعدام 16 شيعياً كويتياً اتهموا بأنهم منفذو الاعتداء.
1987:
– 31 تموز/ يوليو: قوات الأمن السعودية تقمع تظاهرةً محظورةً للحجاج الإيرانيين. ومقتل 402 حاجّ، بينهم 275 إيرانياً بحسب حصيلة رسمية سعودية.
1979:
– 20 تشرين الثاني/ نوفمبر: تحصّن مئات من المسلحين المعارضين للنظام السعودي لمدة أسبوعين في المسجد الحرام بمكة واحتجاز عشرات الحجاج رهائن. وتمت مهاجمتهم في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر والحصيلة الرسمية 153 قتيلاً و560 جريحاً.
1975:
– كانون الأول/ ديسمبر: حريقٌ هائلٌ في مخيمات الحجاج يوقع 200 قتيل.
_______
تقرير:-
عبدالفتاح البنوس
يحيى البدري