كشف محققون أمريكيون أن التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن قام بقتل مدنيين بأسلحة أمريكية، لكن وزارة الخارجية والبنتاغون أخفقا في تعقب القتلى.
وقال تقرير حكومي داخلي صدر مؤخراً أن وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين أخفقتا في تقييم الخسائر المدنية التي تسبب فيها التحالف بقيادة السعودية في الحرب الكارثية في اليمن التي استخدم فيها الأسلحة الأمريكية الصنع.
يركز التقرير الصادر عن مكتب المحاسبة الحكومي على الهجمات التي شنها التحالف بقيادة السعودية في السنوات الأخيرة والذي يقاتل الحوثيين، وكان التحالف قد نفذ ضربات مميتة باستخدام طائرات مقاتلة وذخائر تم توفيرها وتقديم خدمات صيانتها من قبل الشركات الأمريكية بموافقة وزارة الخارجية والبنتاغون.
التقرير الذي يغطي فترات زمنية خلال إدارات أوباما وترامب وبايدن، تحديداً من عام 2015، عندما بدأت الحرب ضد الحوثيين، حتى عام 2021، هو ثاني تقرير رئيسي لوكالة أمريكية يوضح أوجه القصور الحكومية في منع وقوع خسائر في صفوف المدنيين في اليمن.
في أغسطس / آب 2020، أصدر المفتش العام بوزارة الخارجية الأمريكية تقريراً قال فيه إن الوزارة أخفقت في اتخاذ الإجراءات المناسبة لتقليل الوفيات بين المدنيين.
يأتي التقرير الجديد في الوقت الذي يخطط فيه الرئيس بايدن لزيارة المملكة العربية السعودية هذا الصيف، حيث يهدف إعادة بناء العلاقات مع المملكة وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الرغم من تعهده في وقت سابق بجعلها”منبوذة” بسبب فظائعها في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك القتل الجماعي في اليمن واغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
تحدث المسؤولون الأمريكيون عن التقرير بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأن مكتب المساءلة الحكومية لم ينشره علنًا بعد، حيث تم توزيع نسخة بعنوان “حساسة، ولكن غير سرية” في المكاتب التنفيذية والتشريعية، مع العلم أن التقرير مطلوب من قبل الكونغرس كنتيجة لتشريع الميزانية، ومع ذلك قال مسؤولون إن وزارة الخارجية تجري مناقشات مع مكتب المساءلة لوضع أجزاء من التقرير في قسم سري.
في تصريحات، قالت سارة كاكزماريك، المتحدثة باسم مكتب المحاسبة الحكومية، إن المكتب يتوقع الحصول على تصريح من وزارة الخارجية والبنتاغون لإصدار نسخة عامة هذا الشهر.
قال العديد من المسؤولين إنهم قلقون من أن وزارة الخارجية قد تخفي نتائج مهمة عن الجمهور من خلال هذه العملية، خاصة وأنه في حالة تقرير عام 2020 الذي تناول الخسائر المدنية في اليمن، ضغط المكتب القانوني بوزارة الخارجية برئاسة مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق، على المفتش العام للوزارة لوضع النتائج الرئيسية في ملحق سري، وقد كان هذا القسم يحتوي على تنقيحات كثيفة لم يتمكن حتى أعضاء الكونغرس من قراءتها، وحتى الآن، لم يرفع أنتوني ج. بلينكين، وزير الخارجية الحالي، السرية عن أي جزء من هذا التقرير.
من جانبه، قال مسؤول بوزارة الخارجية إن الوكالة ليس لديها تعليق على التقرير الجديد لأنه ينتظر إصداره للجمهور، كما رفض البنتاغون التعليق.
قال مسؤولو وزارة الخارجية والبنتاغون إن الولايات المتحدة تمارس باستمرار ضغوطًا عالية المستوى على المملكة العربية السعودية لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين في اليمن، وترسل بانتظام فرقًا لتدريب السعوديين.
وأشار المسؤولون أيضاً إلى تقرير للأمم المتحدة كشف أنه عام 2021 هو العام الثالث على التوالي الذي انخفض فيه عدد الضحايا المدنيين نتيجة الغارات الجوية، حيث قُتل 185 مدنياً بسبب الغارات، من بين 2500 مدنياً قتلوا لأسباب مختلفة، ومع ذلك، قال التقرير إن عدد القتلى المدنيين جراء الغارات الجوية ارتفع في نهاية العام الماضي.
وقال مسؤولون إن النتيجة الرئيسية في التقرير الجديد هي أن وزارة الخارجية والبنتاغون أخفقتا في جمع بيانات وأدلة كافية عن الضحايا المدنيين أو مراقبة طرق استخدام أسلحة أمريكية الصنع.
هذا وقال مسؤول في البنتاغون إن الوكالات الأمريكية تعتمد على معلومات استخبارية مفتوحة المصدر لتقييم الوفيات وليس لديها أفراد عسكريون في اليمن يمكنهم الذهاب إلى مواقع الهجمات.
كما نشرت نيويورك تايمز سلسلة من المقالات العام الماضي كشفت عن الخسائر المدنية في الضربات الجوية الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا، وأشارت إلى فشل الحكومة في التحقيق في الخسائر المدنية.
في اليمن، كانت الخسائر المدنية من الضربات الجوية التي قادتها السعودية هي الأعلى في السنوات الأولى من الحرب، وبعد انخفاضها في السنوات الأخيرة، بدأت الأعداد في الارتفاع مرة أخرى قبل نصف عام، لكنهم تراجعوا خلال وقف إطلاق النار الذي بدأ في أوائل أبريل/نيسان وتم تمديده يوم الخميس الماضي.
استهدفت الضربات الجوية مستشفيات ومدارس وحافلات وقاعة جنازة ومواقع مدنية أخرى، في 21 يناير/ كانون الثاني، قتلت غارة جوية تم شنها ضد سجن يديره الحوثيون 70 شخصًا على الأقل فيما أصيب العشرات، وفقًا لمسؤولين حوثيين وجماعات إغاثة دولية.
قُتل أكثر من 150 ألف شخص في الحرب، بما في ذلك ما يقرب من 15 ألف مدني، وفقًا لتقدير موقع الصراع المسلح ومشروع بيانات الأحداث، كما أدى الصراع إلى ما وصفته الأمم المتحدة بحدوث أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان.
في فبراير/شباط 2021، قال السيد بايدن في خطاب ألقاه في وزارة الخارجية إنه سينهي كل الدعم الأمريكي “للعمليات الهجومية” في اليمن، بما في ذلك “مبيعات الأسلحة ذات الصلة”، لكن لم يصرح هو ومسؤولون أمريكيون آخرون علانية بما يستتبع ذلك، وفي الوقت الحالي، تم تعليق المبيعات الجديدة من المقذوفات جو-أرض، كما يقول المسؤولون.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست مؤخرًا تقريرًا استقصائيًا حول كيفية تنفيذ عدد كبير من الغارات الجوية في اليمن بواسطة طائرات صُنعت من قبل شركات أمريكية، بالإضافة إلى تلقي طيارين تابعين للقوات السعودية تدريبات على يد الجيش الأمريكي.
قالت داليا داسا كاي، خبيرة الشرق الأوسط في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “من الصعب القول بشكل قاطع إن الولايات المتحدة لا تدعم الحملة الهجومية هناك.. هذا لا يزال مصدر قلق”، وأضافت أن “الكثير من الذخيرة والإمدادات العسكرية واللوجستية لا تزال مستمرة”.
كانت القنابل التي صنعتها شركة ريثيون من بين أكثر الأسلحة فتكًا التي استخدمها التحالف بقيادة السعودية في الضربات الجوية التي قتلت المدنيين في اليمن، مع العلم أن وزارة الخارجية وافقت على بيع هذه الذخائر، مما يعرض مسؤولي الوكالة لخطر الملاحقة القضائية بتهمة جرائم الحرب، وفقًا لمذكرة قانونية داخلية من عام 2016.
في عام 2016، بعد غارة جوية على قاعة عزاء أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة مئات آخرين، منعت إدارة أوباما بيع شركة ريثيون لحوالي 16000 مجموعة ذخيرة موجهة إلى المملكة العربية السعودية، لكن إدارة ترامب استأنفت المبيعات لأنها عززت العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات، وهي قوة رائدة أخرى في الحرب بجانب السعودية.
يعتبر الصراع على نطاق واسع مستنقعًا لمحمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، الذي سعى للإطاحة السريعة بالحوثيين بعد أن سيطروا على صنعاء، عاصمة اليمن، في عام 2014، لكنه لم يحقق هدفه حتى الآن.
قدم السيد بايدن وعودًا بإنهاء تورط الولايات المتحدة في الحرب منذ حملته الرئاسية لعام 2020، كما ندد باغتيال خاشقجي، المقيم في فرجينيا وكاتب العمود فيواشنطن بوست، عام 2018 على يد عملاء سعوديين على صلة بولي العهد، وفي فبراير/شباط 2021، أصدرت إدارة بايدن تقريرًا استخباراتيًا أمريكيًا قال إن الأمير محمد بن سلمان وافق على الاغتيال.
لكن في الأسبوع الماضي، قال مسؤولون أمريكيون إن بايدن سيسافر إلى المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، في محاولة لخفض أسعار الطاقة حيث قاطعت الولايات المتحدة والدول الشريكة لها النفط الروسي لمعاقبة الرئيس فلاديمير بوتين على غزوه لأوكرانيا.
تنطوي رحلة بايدن المخطط لها على مخاطر سياسية، أدان الديموقراطيون وبعض الجمهوريين في الكونغرس محمد بن سلمان لقتله السيد خاشقجي وحرب اليمن، فيما يقول مسؤولون أميركيون إن إدارة بايدن تحاول انتزاع تنازلات من المملكة العربية السعودية من أجل جعل الرحلة تبدو مستساغة.