“خاص”
الطرق والأساليب غير المتوقعة، التي اعتمدتها قوات صنعاء، في إيصال الإمدادات لقواتها وللمدنيين المحاصرين في مدينة الدريهمـي جنوبي محافظة الحديدة الساحلية، أثارت اهتمام الخبراء والناشطين العرب والغرب مؤكدين أن ما حدث يشكل طفرة عسكرية في عالم الحروب والصراعات في حين جرى جدل حول الفكرة نفسها والتي تم عرضها خلال الأيام الماضية ضمن وثائقي “الدريهمـي حصار وانتصار”.
ويتمحور الجدل حول فكرة قوات صنعاء إيصال المواد الغذائية والطبية إلى مدينة الدريهمـي الواقعة تحت حصار قوات التحالف إبان التصعيد الحاصل مطلع العام 2018م، حيث عمدت قوات صنعاء إلى اعتماد طرق وأساليب غير متوقعة في إيصال الامدادات الغذائية للمحاصرين في الدريهمـي عبر الصواريخ وتسيير رجلة جوية مأهولة لطائرة عمودية بدون أنظمة ملاحية.
صواريخ غذائية
مع بدء زحف قوات التحالف باتجاه المدينة عام 2018، ومحاولة السيطرة عليها، بما في ذلك القصف والغارات والاستهداف الصاروخي المتكرر، والذي كان يرتكز على استهداف المستشفيات والمراكز الصحية والبيوت والأعيان المدينة والبنى التحتية. حتى نفذت كل المؤن الغذائية والاحتياجات الطبية، وكان على قوات صنعاء ابتكار طرق جديدة لإدخال ما يلزم بهدف مساعدة المدنيين المحاصرين وقوات صنعاء في الداخل على الصمود، وكان الخيار خارج حدود المتوقع.
بعد 40 يوماً على الحصار، وباستخدام الطيران المسيّر والصواريخ، استطاعت قوات صنعاء ارسال كم كبير من الطعام والمواد الغذائية والمعدات الطبية إلى داخل المدينة، حيث أظهر الفيلم الوثائقي “الدريهمي حصار وانتصار”، في الجزء الثاني منه، استخدام الصواريخ في إيصال المواد الغذائية إلى مدينة الدريهمـي بعد أن بلغ الحال بسكانها أكل الأشجار نتيجة حصار المدينة من تحالف العدوان، حيث تم حشو الصواريخ بمواد غذائية من دقيق ولحوم وغيرها من مواد غذائية بدلاً من المواد المتفجرة.
كما أظهر الفيلم مشاهد للقوة الصاروخية وهي تطلق إلى مدينة الدريهمـي صواريخ غذائية، في عمليات إمداد جوية وصلت إلى قرابة 2500 صاروخ خلال نحو عام بواقع بين 8 – 10 صواريخ يومياً.
[videopack id=”211802″]https://www.alyemenione.com/wp-content/uploads/2022/06/وثائقي-الدريهمي-حصار-وانتصار-–-الجزء-الثاني-–-الإعلام-الحربي.mp4[/videopack]
مهمة جوية بدون أنظمة ملاحية
جاءت العملية الجوية بعد اشتداد الحصار على المرابطين والمدنيين في المدينة حتى وصل بهم الحال إلى تناول أوراق الأشجار بعد مضي 568 يوماً على حصار المدينة، حينها جاء القرار باستخدام سلاح جديد في المعركة لم يكن في حسبان أحد، يتمثل في طائرة هيلوكوبتر، لتنفيذ العملية الإغاثية التي تكللت بالنجاح.
وفي التفاصيل، فقد جرى تجهيز طائرة طائرة عمودية طراز Mi71 لتنفيذ تلك المهمة، على الرغم من أنها كانت خارج الجاهزية، وكذا مرحلة التخطيط للعملية وتجهيز الطائرة، وغيرها من الجوانب المتصلة بحالة الطقس والمسارات المناسبة وحركة طيران العدوان وانتشار القوات والدفاعات الجوية لقوات التحالف في الميدان.
وأظهر الجزء الثالث من الوثائقي مشاهد لطائرة Mi71 وهي المرة الأولى التي تسير فيها قوات صنعاء طائرة منذ بدء عمليات التحالف في اليمن 2015م، في عملية أطلقت صنعاء عليها اسم “عملية العاشر من رمضان 1441هـ” لتنفيذ إمداد جوي بثلاثة أطنان من المواد الغذائية في مدينة الدريهمـي.
فيما جرى تنفيذ العملية الجوية بدون أنظمة ملاحة جوية، وما كشفه الوثائقي كان استعانة الفريق الملاحي لجهاز “تاب – ipad” لرسم مسار الرحلة التي استغرقت 31 دقيقة قبل عودتها للمكان المخصص منفذه المهمة بنجاح، حسب وشاهد ووصف القائمين على العملية التي لم ينكر حدوثها قوات التحالف معربين عن استغرابهم من الأمر.
جدل حول الأسلوب الغير مألوف
وأثار أسلوب نقل المواد الغذائية عبر الصواريخ اهتماماً واسعاً لدى الخبراء العسكريين يضاف إلى استخدام مروحية عسكرية مأهولة بدون أنظمة ملاحية تشكيك وذهول الكثير من المتابعين نتيجة سيطرة التحالف على كامل أجواء اليمن منذ انطلاق عملياته.
وعلق المتابعين والناشطين في تغريدات لهم عن الطريقة قائلين: “سمعنا بصواريخ أرض جو وعرفناها وصواريخ مضادة للدروع عرفناها وصواريخ بالستية بعيدة وقصيرة المدى عرفناها صواريخ عابرة للقارات تحمل رؤوس نووية سمعناها لكن صواريخ مدد تحمل لحوم وخبز ومواد غذائية وعقاقير ومستلزمات طبية وكل ما يحتاجه المحاصرين فهذا مالم نعرفه ولم نسمع به قط ولم يحصل الا في اليمن”.
فيما اعتبر خبراء في الأنظمة الجوية أن العملية أشبه بمعجزة ويمكن اعتبارها مجازفة انتحارية لفريق الطائرة، إذ من المستحيل تنفيذ عمليات جوية بهذا الشكل البدائي، مشيرين إلى أن خلل بسيط في الطائرة أو “تاب – ipad” الذي اصطحبه الفريق الملاحي في الرحلة كان سيؤدي لنتائج كبيرة ليس أدناها فاجعة إنسانية بحق الفريق أو المدينة المراد إغاثتها.
الأسلوب الغير مألوف نال من انتقادات محسوبين على تحالف العدوان، متناولين الموضوع بسخرية واستهزاء، فالناشط الإخوانية “أسعد الشرعي” تناول الحادثة ساخراً من أن “تأثير الصرخة أوصلت الطعام للمحاصرين في الدريهمـي عبر الصواريخ”.
فيما قال الناشط أصيل السقلدي المحسوب على مرتزقة العمالقة المدعومين إماراتياً أن الوثائقي عبارة عن انتصارات وهمية، زاعماً أن مرتزقة الإمارات والمسماة بالعمالقة اختارت الانسحاب بعد محاصرتها للمدينة لأكثر من عامين حتى لا تراق دماء المواطنين في الدريهمي”، وهو ما اعتبره آخرون تبرير سخيف لهزيمة مرتزقة الإمارات في الساحل الغربي.
مدينة الدريهمـي “بين المعركة والحصار”
ومدينة الدريهمـي، مدينة في محافظة الحديدة، استمر حصارها أكثر من سنتين من قوات التحالف، حيث عمدت قوى التحالف حينها إلى شن اعتداءات إجرامية وحشية شبه اليومية متزامنة مع حصار خانق هدد حياة الأهالي داخل المدينة المحاصرة وتسبب بموت العشرات منهم جوعاً.
هذه المنطقة الاستراتيجية احتضنت واحدة من أعظم المعارك البطولية التي سجلها التاريخ العسكري الحديث، وأعظم ملحمة سطرها ثلة قليلة من قوات صنعاء في مواجهة أكبر حملة عسكرية شنها التحالف لمحاولة محاصرة المجاهدين بداخلها وسحقهم عسكريا.
في بداية سبتمبر 2018 دفع التحالف المدعوم من أمريكا بأكثر من 5 ألوية من المرتزقة “12 الى 17ألف مقاتل” بمشاركة أساطيل من المقاتلات والطائرات المختلفة والبارجات البحرية لفرض حصار خانق ومشدد على المدينة في الدريهمي من أربعة اتجاهات بعد أن استخدم كل ثقله العسكري والاستراتيجي من قوات ومعدات عسكرية، فقد كان حجم استخدمه للعتاد نحو 100 قطعة حربية لكل كيلومتر من جغرافيا الدريهمي وهذه القطع تتوزع ما بين مقاتلات هجوم أرضي وطائرات “أباتشي” ومدرعات.
وبلغ بأبناء الدريهمـي الفاقة والضرر جراء الحصار إلى الحالة التي دفعت الكثير منهم إلى أكل أوراق ما تبقى من الشجر، بعد أن كثفت قوى التحالف من قصفها لمنازل ومزارع المواطنين، فيما كانت قوات صنعاء على درجه عالية من المحافظة على الثبات والصمود والمرابطة المستمرة في المدينة، فرغم حجم الضغط العسكري الذي كانوا يواجهونه من عمليات قصف جوي وبحري وغارات وزحوفات لألوية قوات التحالف من كل اتجاه، إلا أنهم قدموا نموذجًا ملحميًا وصمودًا أسطوريًا لم يستطع التحالف المدعوم أمريكيا من اختراقه أو تجاوزه لمدة عامين من المعارك والمحاولات.
أهمية مدينة الدريهمـي
تعد مدينة الدريهمـي والتي تبلغ مساحتها 695 كلم مربع، بمثابة الخط الدفاعي الأول عن الحديدة، والتي تعد بدورها نافذة بحرية مهمة لصنعاء كما التحالف، نظراً لموقعها الجغرافي المطل على البحر الأحمر، ولاستحواذها على ميناء الحديدة الهام. حيث أن مَن يستطيع ان يثبّت مدينة الدريهمـي كقاعدة عسكرية استطاع بطبيعة الحال، ان يفتح جبهات في أماكن متعددة (المنظر، قطع الشريط الساحلي، والتحيتا) وتحقق الرؤية والرماية باتجاه الحديدة.
بعد تأمين خلفيتها في مدينة التحيتا والجاح، حاولت قوات التحالف الدخول الى الحديدة دون ان يكون ظهرها مكشوفاً لنيران الجيش واللجان الشعبية، وكانت بأمس الحاجة لإسقاط مدينة الدريهمـي، وهو الأمر الذي لم تستطع فعله رغم الحصار المطبق من كل الجهات، وعدم وجود منفذ واحد لدخول المساعدات الإنسانية.
وثائقي “الدريهمـي حصار وانتصار”
وكان قد بدأت صنعاء بعرض سلسلة وثائقية مكونة من خمسة أجزاء تحمل الاسم “الدريهمـي حصار وانتصار”، من يوم الأحد 2022/05/29م وحتى الخميس 2022/06/2م من هذا الشهر، وهي سلسلة وثائقية من إنتاج الإعلام الحربي 1443هـ – 2022م.
وتمثل السلسلة الرواية الرسمية للقوات المسلحة اليمنية حول أحداث الساحل الغربي ومديرية الدريهمـي في محافظة الحديدة والتي تعرضت لحصار قوى العدوان السعودي الأمريكي خلال العامين 2018م – 2020م، إبان تصعيد قوى العدوان آنذاك.
وتكشف السلسلة الوثائقية للمرة الأولى تفاصيل وأسرار أهم وأطول المعارك الاستراتيجية التي خاضها الأهالي والمجاهدين في الساحل اليمني الغربي في مواجهة قوى العدوان السعودي الأمريكي.
ويقدم الوثائقي الرواية الرسمية بتسلسل زمني للأحداث والوقائع الميدانية معززة بمشاهد موثقة وشهادات شخصيات عسكرية ومدينة، من مجاهدي الجيش واللجان الشعبية وأهالي مدينة الدريهمـي، بالإضافة لجهات متابعة وفاعلة في الأحداث من وحدات عسكرية وجهاز الأمن والمخابرات.
وتحتوي السلسلة على مشاهد يُفرج عنها الإعلام الحربي للمرة الأولى، من معارك الجيش واللجان الشعبية في الساحل الغربي ومدينة الدريهمي بمشاركة مختلف الوحدات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية.
بين الفيلم والأحداث
يتفق الفريقان على الوضع الإنساني المنهار للمدينة جراء الحصار، ونتيجة لما مثله الفيلم من إحراج للأطراف المحسوبة على التحالف في شق عسكري جراء الفشل وفي شق إنساني جراء جرائمهم، سادت حالة من المكابرة في صفوف قوات التحالف للإعتراف بمجريات أحداث الدريهمـي أو تقديم رواية تمثل قوات التحالف للرد على رواية صنعاء للأحداث.
فيما يرى طيف من الجمهور اليمني والعربي بعين أخرى، معتبرين الإحراج الناجم عن ظهور قدرات خارجة عن المألوف، وليس بالأسلحة المتطورة والقدرات التكنولوجية المتفوقة، انما ببراعة استخدام العتاد والأسلحة المتوفرة، للوصول إلى الهدف المنشود بأقل الخسائر البشرية والمادية الممكنة، والتي أثبتت بالفعل نجاعتها وجدواها في قلب موازين القوى وتغيير قواعد الاشتباك، يمنع قوات التحالف من تقديم روايتها للأحداث.
يحتوي الفيلم أيضاً على مشاهد كثيرة مثيرة للجدل ومحل اتهامات أطراف الصراع حول مجريات أحداث الفيلم، منها حديث قوات صنعاء عن تدخل وعناية إلهية للمقاتلين ظهرت في الجزء الثالث عندما تحاصر مجموعة منهم بين متارس قوات التحالف، لتمر لحظات تحبس الأنفاس لمواجهة مصير الموت قبل أن تملأ المنطقة رياح كثيفة مكنت قوات صنعاء المُحاصرة بين متارس قوات التحالف من إكمال مهمتهم المتمثلة بالانتقام لأسرة المواطن عمر يماني بعد قصف التحالف منزله بقذيفة مدفعية ادت لاستشهاد زوجته وابنته وأخته”، ومنها معلومات ومستندات حصل عليها جهاز الأمن والمخابرات التابع لحكومة صنعاء، حيث أنه بات يشكل قوة قادرة على الوصول إلى عمق معسكرات التحالف، ورصد تحركاتهم ونشاطاتهم.
يقول عسكريين محسوبين على كلا الطرفين أن العلم والنظريات العسكرية الحديثة عاجزة تمامًا أمام هذه التجربة الفريدة من نوعها وأمام هذا الصمود والثبات والأداء القتالي المتميز الذي قدمته قوات صنعاء، موجهين اللوم لقوات التحالف جراء تعاملها اللا إنساني مع سكان المدينة وفشلهم في حسم المعركة، إلا أن جميع المراقبين أجمعوا على أن الدريهمـي كانت مدرسة عسكرية متكاملة.
موقع الإعلام الحربي لمشاهدة السلسلة الوثائقية وتحميلها