عقب التهديدات التي أطلقتها المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، باستهداف “إسرائيل” في حال أقرّت الحكومة مسيرة الأعلام الاستفزازيّة، المُقررة يوم الأحد القادم، كشفت القناة الـ13 بالتلفزيون العبريّ في نشرتها الليلية، الثلاثاء الفائت، النقاب عن أنّ كيان الاحتلال وجه رسالةً سريّةً إلى حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس)، بواسطة المصريين والقطريين.
وقال أور هيلر، مُحلّل الشؤون العسكريّة في القناة الـ13، نقلاً عن مصادره الرفيعة بالمؤسسة الأمنيّة، إنّ حكومة الكيان وجهّت رسالة إلى (حماس) في غزّة عن طريق المخابرات المصريّة، وأيضًا عبر المندوب القطريّ لقطاع غزّة، السفير محمد العمادي.
وتنص الرسالة، على أنّ الحكومة الإسرائيليّة ليست معنيةً بالتصعيد مع الحركة، كما أنّها ليست في وارد شنّ حملةٍ عسكريّةٍ ضدّ القطاع كردّ فعلٍ أوْ كمبادرةٍ منها، الرسالة السريّة كما أكّدت أنّ شيئًا لن يتغيّر في مسيرة الأعلام الإسرائيليّة وهي إحياء ذكرى استكمال سيطرة إسرائيل على مدينة القدس، واحتلال الجزء الشرقي منها، وعلى وجه الخصوص البلدة القديمة، وذلك خلال حرب يونيو/حزيران عام 1967، والتي ستجري يوم الأحد القادم الـ29 من الشهر الجاري، وأنّ المسيرة لا تمسّ بالوضع القائم في مدينة القدس، على حدّ تعبير تل أبيب.
رسالة سريّة
في ظل تحذيرات حماس بأنّه يجب على “إسرائيل” فهم رسائل المقاومة الفلسطينية جيدا، بعيدا عن عقلية (الإرهاب) والتطرف التي جبلت عليها، زعمت تل أبيب في رسالتها لحركة (حماس)، أنّ هذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أنّ كيان الاحتلال يخشى تهديدات المقاومة الفلسطينيّة، بل على العكس، فإنّ الكيان على أهبة الاستعداد عسكريًا للردّ على المقاومة الفلسطينيّة في حال قيام الأخيرة بإطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي التي يحتلها العدو، كما حذّرت الرسالة (حماس) من السماح لأيّ من التنظيمات الصغيرة (القصد الجهاد الإسلاميّ) بإطلاق الصواريخ، لأنّ حكومة الاحتلال سترى في حركة حماس فقط المسؤول الوحيد عن إطلاق الصواريخ، كما قالت المصادر للتلفزيون العبريّ.
بالمقابل، أكّدت حماس أنّ “معركة سيف القدس يمكن أن تتكرر في أيّ لحظة، لكن بصورة مختلفة وعبر وسائل أكثر إيلاماً للكيان الإسرائيليّ طالما أن أسباب اندلاعها لا تزال قائمة حتى اليوم”، وقد حذرت الفصائل الفلسطينيّة في الأسابيع الماضية من انفجار الأوضاع والتأكيد على أنه لا يوجد وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني المحتل وأن المقاومة مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساتهم إذا اشتدت جرائم العصابات الصهيونيّة، ما يشي بانفجار مخيف للأوضاع، بعد أن فتحت تل أبيب أبواب جهنم على نفسها من خلال منهج تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام الذي بات ملموساً على كل المستويات، حيث إنّ إرهاب الاحتلال الصهيونيّ وعدوانه يظهر بشكل أبشع في القتل والاقتحام وانتهاك المقدسات والحصار ومنع الإعمار.
ومع حديث الإعلام العبريّ عن خشية “إسرائيل” من صواريخ غزة من خلال تعزيز منظومة القبة الحديديّة في الجنوب واحتواء حوادث إطلاق الصواريخ من القطاع تجاه مستوطنات “غلاف غزة”، أضافت المصادر عينها إنّ منظومة (القُبّة الحديديّة) باتت جاهزةً وحاضرةً لاعتراض صواريخ المقاومة من القطاع، وأنّ جيش العدو على أهبة الاستعداد لتوجيه “ضربات مؤلمة لحركة حماس”.
ولكنّ المصادر ذاتها استدركت قائلةً إنّ هذا التهديد، لا يعني مباشرة أوْ التفافيًا، أنّ “إسرائيل” بصدد التصعيد وشنّ عدوانٍ على قطاع غزّة، كما فعلت في العام الماضي تحديدًا في هذا الشهر في عملية (حارس الأسوار) التي شنّتها الآلة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة في 10 أيار/ مايو 2021، واستمرت 11 يومًا، وخلّفت أكثر من مئتي قتيل فلسطيني وآلاف الجرحى، ناهيك عن الدمار الهائل في البنية التحتية.
وبالتزامن مع التصعيد العسكريّ الإسرائيليّ المستمر في القدس والتعنت المستمر بفرض حصار خانق لتجويع وتعذيب سكان قطاع غزة إضافة إلى سياسة الابتزاز والمماطلة وتعطيل الإعمار التي تمارسها تل أبيب، تعيش الساحة الفلسطينية حالة خطيرة من الاحتقان والتوتر المتزايد نتيجة اقتراب “مسيرة الأعلام” إذ يخطط المستوطنون المتطرفون لإحياء يوم “توحيد القدس” باقتحام كبير للمسجد الأقصى وبمسيرة أعلام إسرائيلية ضخمة يعوضون من خلالها إخفاق مسيرة العام المنصرم التي فرقتها صواريخ المقاومة القادمة من غزة، والتي يمكن أن تكون الفتيل في إشعال التوتر مجدداً على الأراضي الفلسطينيّة، وتقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها، وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة في “إسرائيل”.
جهوزيّة كاملة
أبدت فصائل المقاومة جهوزيتها الكاملة للمعركة، وأكدت أن “يدها على الزناد” للتصدي بكل حزم للممارسات الإسرائيلية في الأقصى”، باعتبار أن التصعيد في القدس والمسجد الأقصى يمكن أن يكون بالفعل الفتيل في إشعال التوتر مجدداً، عقب تصعيد الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين والذي قوبل بردود فعل عديدة من دول كثيرة، وتحذيرات فصائل المقاومة في فلسطين من أن استمرار هذه الجرائم سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع ويصل إلى مرحلة خطيرة للغاية، إضافة إلى أنّ التصعيد الأمنيّ في القدس والضفة الغربية حذر منه مسؤولون إسرائيليون تحسسوا خطر تصرفات حكومتهم الطائشة والسياسية الصهيونيّة العدوانية.
“إذا لم تستوعب إسرائيل رسائل المقاومة عبر الوسطاء، فإنها ستستوعبها عبر الصواريخ”، هذا ما ركّز عليه حديث الحركة الفلسطينيّة المقاومة بالاستناد إلى أنّ الكيان الصهيونيّ القاتل يغيب كل القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض.
إضافة إلى ما ذُكر، تشدّد “حماس” دوماً على أنّ مدينة القدس المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل الغريب، ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، وتؤكّد أنّ الشباب الثائر سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، وقد حذّر إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، سلطات الاحتلال الإسرائيليّ من الإقدام على ارتكاب جرائم جديدة في المسجد الأقصى المبارك، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني والمقاومة لن يسمحا بذلك، مؤكّداً أن مرحلة ما بعد معركة سيف القدس تختلف كليًا عما قبلها، ومشيرًا إلى أن المقاومة “نقلت المعركة إلى داخل الكيان الإسرائيليّ”.
وفي هذا الخصوص، أوضحت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية مؤخراً، أن الشعب الفلسطيني لن يسمح بكسر قواعد الاشتباك، والعودة لممارسات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى، مضيفة إنّ الممارسات التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون تحت حماية الجيش والأمن ستدفع المقاومة للوقوف بحزم وإصرار ضد هذا السلوك والمواقف التي تمس بمنجزات “معركة سيف القدس”، ولا يخفى على أحد أنّ حماس وجناحها العسكري “كتائب القسام” شكلا رأس الحربة في معركة الدفاع عن القدس وغزة وإذلال العدو الغاصب.
رغم مشاركة بقية قوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة في صناعة الإنجاز الفلسطينيّ الكبير، لكن في الواقع تبقى حماس الفصيل الفلسطينيّ الأكبر والأكثر تسليحاً وتنظيماً، والذي قاد مواجهات شرسة مع الكيان المستبد بكل قوة وحكمة واقتدار، وبالتأكيد فإنّ انتصاراتها التاريخيّة الكبيرة مع المقاومة والشعب الفلسطينيّ لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أبناء فلسطين ولا سيما أنّها أذهلت قادة الكيان المجرم، في ظل الواقع السيء والمتدهور الذي تعيشه السلطة الفلسطينيّة التي لم تحضر الاجتماع باعتبارها لم تمثل الأغلبيّة الساحقة من الفلسطينيين ولا تطلعاتهم في يوم من الأيام.
وإنّ حماس بالفعل جادّة في تهديداتها للعدو الصهيونيّ، وقد بيّنت أن صواريخ المقاومة التي فرضت حظر التجوال في تل أبيب قادرة على فرضه أيضًا في جميع الأراضي المحتلة في الداخل الإسرائيليّ، لأنّها تُدرك جليّاً أنّ سلطات العدو التي تمنع أصحاب الأرض والمقدسات من ممارسة شعائرهم في عاصمة بلادهم وتحاول طردهم من ديارهم وترتكب بحقهم أبشع الجرائم، كما تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق حلم الصهاينة بأن تكون القدس عاصمة لمستوطنيهم وكيان احتلالهم فقط، ولجعل ذلك حُلماً مستحيل المنال، لا بد من ردع الكيان الصهيونيّ عن ممارساته العنصريّة والإجراميّة بحق الفلسطينيين وأرضهم، من خلال كل الوسائل.
وعلى الرغم من أنّ الكيان اللقيط في كل رسائله يحاول “استعراض عضلاته”، وخاصة عقب الهزيمة السياسيّة والعسكريّة التي لحقت بها في الفترة الماضية، بعد أن أمطرت صواريخ المقاومة الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، ووجهت صفعة قويّة للكيان ولقّنته دروساً جديدة في العسكرة والاقتصاد، تكرر حماس دوماً أنّ ” مقاومة الشعب الفلسطينيّ ستظل مشرعة بكل الوسائل والأدوات ضد المحتل الصهيوني حتى تحقيق أهدافه المنشودة، وكنس الاحتلال عن مقدساته وكامل أراضيه”.
وهي بالفعل جاهزة دوماً لصد أي مساعٍ إسرائيليّة لسلب حقوق أصحاب الأرض والمقدسات، وخاصة أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة العدو لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ.
اجتياح إسرائيليّ مرتقب
بشدّة، أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية حملات التحريض لحشد أوسع مشاركة لاجتياح القدس المحتلة واستباحة بلدتها القديمة واقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك بمناسبة ما يسمى “يوم القدس”، وحملت الوزارة الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن قراراتها المتطرفة وأنشطتها الاستعمارية التهويدية في القدس، حسب البيان.
وكانت قناة “كان” الإسرائيليّة شبه الرسميّة قد قالت إنّ وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف قرر السماح لمسيرة الأعلام المقرر تنظيمها في يوم الأحد القادم بالمرور عبر باب العامود في مدينة القدس الشرقية المحتلة، ومنه إلى شارع هاجي (طريق الواد) داخل أسوار البلدة القديمة في المدينة، ثم إلى حائط البراق، ودعا غانتس حسب ما أوردته الإذاعة العبرية جميع الأطراف بما في ذلك الساحة الحزبية الإسرائيلية الى إبداء المسؤولية تجاه هذه القضية “الحساسة”.
من ناحية أخرى، قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة إن “المقاومة ملتزمة بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى”، وأضاف النخالة: “معركتنا لأجل القدس لا تزال قائمة على مدار الوقت، والهجمة اليهودية ما زالت في ذروتها ولن نقبل بها، وعلينا أن نكون في كامل جاهزيتنا واستعدادنا”، وجدد تأكيد حركته على ضرورة “وحدة الشعب في كل أماكن وجوده من أجل حماية المقاومة واستمرارها”، مطالبا بوحدة الساحات القتالية لعدم السماح للعدو بالاستفراد بمنطقة دون غيرها. وأضاف إن “وحدة قوى المقاومة في المنطقة ضرورة لا يمكن التفريط بها بأي حال من الأحوال، ويجب الدفع باتجاه تعزيز محور القدس بكل ما نملك من قوة”.
أما حماس، فقد أكّدت على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم، أنّ سماح قيادة الاحتلال للمتطرفين باقتحام المسجد الأقصى المبارك والمساس بقدسيته فيما تسمى مسيرات الأعلام يعد “تجاوزاً للخطوط الحمراء”، وسيجعل ذلك “إسرائيل” تتحمل الأثمان الباهظة لسلوكياتها العنصرية المتطرفة، وحذر برهوم “حكومة الاحتلال من هذا التجاوز الذي من شأنه إشعال الساحة وتفجير الأوضاع.
داعيًا الوسطاء وصناع القرار في المنطقة إلى الضغط على حكومة الاحتلال وكبح جماحها وسحب صواعق التفجير، مؤكدًا أن أي تطورات في المشهد مرتبطة بسلوك العدو في الميدان، وشددّ على أنّ الشعب الفلسطيني في كل ساحات الوطن مستمر في مواجهة كل مخططات الاحتلال وبكل قوة، مؤكدًا أن المقاومة لن تتخلى عن واجبها في حماية شعبنا ومقدساته، وجاهزة للتعامل مع كل السيناريوهات.
ومن الجدير بالذكر أنّه في العام 2021، نظم الآلاف من “المتطرفين” المسيرة التي يحملون خلالها الأعلام التي تمثل كيان الاحتلال الغاشم، واقتحموا منطقة باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة بالقدس، مرددين هتاف “الموت للعرب”، قبل أن يتوجهوا نحو “حائط البراق”، وقد ألغت شرطة الاحتلال الإسرائيلي مسيرة الأعلام العام الماضي لأول مرة في القدس المحتلة، بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخ باتجاه القدس المحتلة تنفيذاً لوعدها في حال لم يتراجع الاحتلال عن قراره.
في الختام وكما تقول الفصائل الفلسطينيّة والشعب، إنّ هذه المدينة المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، ويجب أن يعي الإسرائيلييون بجديّة أكبر تلك العقيدة حيث إنّ القدس هي مركز الصراع مع العدو الصهيونيّ القاتل، وتعد أكبر مدن فلسطين التاريخيّة المحتلّة، من حيث المساحةً وعدد السكان وأكثرها أهميّة دينيّاً واقتصاديّاً.
ومع استمرار المنهج العدوانيّ الإسرائيليّ تزداد قناعة فصائل المقاومة بعدم التخلي عن واجبها في الدفاع عن المسجد الأقصى ودعم جميع الفلسطينيين الذين يؤكّدون أنّ الاعتداءات الصهيونية ستنتهي بعواقب وخيمة في مواجهة السلوك الدمويّ للصهاينة في قضية المسجد الأقصى والقدس