استخدم النظام الصهيوني والإرهابيون كل أدواتهم لإضعاف المقاومة منذ تشكيل محور المقاومة في المنطقة. لكن كل هذه الجهود جاءت بنتائج عكسية، ولم يكن اغتيال واستشهاد كبار قادة المقاومة خلال السنوات الماضية قادراً على تعطيل تقدم هذه الحركة العظيمة.
الشهيد مصطفى بدر الدين، القيادي البارز في حزب الله، الملقب بـ “ذو الفقار حزب الله”، كان أحد الأشخاص المؤثرين الذين استشهدوا في 13 أيار 2016 في هجوم صاروخي تكفيري قرب مطار عسكري قرب العاصمة السورية دمشق. ولم تفارق ذكرى هذا الشهيد العظيم أذهان قادة المقاومة، وتقام مراسم تأبين سنوية لهذا الشهيد وغيره من شهداء المقاومة.
كما ألقى السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، هذا العام أيضًا، كلمة في ذكرى استشهاد بدر الدين، كما في السنوات السابقة. قال السيد حسن نصرالله عن شخصية الشهيد بدر الدين إن كثيرين من أمثال الشهيد بدر الدين ليسوا معروفين للناس بسبب عملهم الجهادي وصورهم المخفية ولكن بعد استشهادهم تكشف أسماؤهم الحقيقية، وتصنع الأفلام الوثائقية أيضًا عن حياتهم. وشدد الأمين العام لحزب الله على أن الشهيد بدر الدين كان يتمتع بشجاعة وتصميم كبيرين، وأن “هذا الشهيد قضى حياته كلها في مواجهة الصهاينة والتكفيريين.
هذا الشهيد من رموز جيله، جيل مؤمن ومجاهد، باسم ذو الفقار كان حاضرا في كل ساحات القتال من فلسطين الى لبنان وسوريا”. كان الشهيد بدر الدين من الشخصيات التي شكلت في الأيام الأولى لحزب الله مع قادة المقاومة الآخرين المجموعات الجهادية من خلال إعدادها وتدريبها وتجهيزها وتسليحها وإدارتها. في عام 1982، عندما بدأ الغزو الإسرائيلي للبنان، وقف الشهيد بدر الدين، وهو يبلغ من العمر 21 عامًا، في طليعة المقاتلين ضد الإسرائيليين وأصيب في الاشتباكات في منطقة خلدا بالقرب من بيروت، لكنه نجح في إيقاف تقدم الإسرائيليين لبعض الوقت.
الشهيد بدر الدين اعتقل في الكويت لمدة 7 سنوات عام 1983 وأفرج عنه رغم الضغوط الأمريكية لمواصلة سجنه، وعاد إلى لبنان وواصل طريقه في النضال الجاد ضد المحتلين. ونتيجة لهذه لجهاد فصائل المقاومة الموجودة في لبنان، تم طرد المحتلين الإسرائيليين من منطقة الضاحية وبيروت والجبل والساحل اللبناني، وفي عام 1995 تم طرد المحتلين من مناطق صيدا، صور، النبطية. في عام 1995، تولى الشهيد بدر الدين المسؤولية العسكرية المركزية لحزب الله، وحتى عام 1999 شغل هذا المنصب. في هذا المنصب، قاد المقاومة وعززها، وحسب قيادات المقاومة، شهدت أنشطة حزب الله خلال التسعينيات تقدمًا كميًا ونوعيًا، يرجع بحد كبير إلى جهود الشهيد بدر الدين، واستمرت هذه المقاومة الجيدة حتى عام 2000.
وحسب القيادي في حزب الله، كان من أهم التحديات التي واجهها الشهيد بدر الدين خلال خدمته العسكرية المركزية مواجهة العدوان الصهيوني في “معركة نيسان” عام 1996 ، والتي أطلق عليها الصهاينة “مجموعات الغضب”. في هذه المعركة حدثت “مجزرة قانا”، وكانت المقاومة في هذه المعركة مستقرة، وبفضل مقاومتها ومثابرتها وتصميمها أحبطت أهداف الإسرائيليين، وأدت هذه المعركة إلى اتفاق نيسان، الأمر الذي أدى إلى بداية مرحلة جديدة، وظهور موجة جديدة من المقاومة أدت في النهاية إلى انتصار نهائي عام 2000، وترك الصهاينة جنوب لبنان إلى الأبد.
ويرجع هذا الانتصار إلى جهود القادة مثل الشهيد بدر الدين الذين بذلوا قصارى جهدهم لمواجهة العدو الصهيوني حتى لا يبقى شبر واحد من الأراضي اللبنانية في أيدي المحتلين. وكان الإفراج عن الأسرى أحد أبعاد أنشطة مصطفى بدر الدين، ولعب دورًا رئيسيًا في مفاوضات إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.
بعد استشهاد عماد مغنية، تولى الشهيد بدر الدين مسؤوليات مختلفة في حزب الله، وكان من نجاحاته اكتشاف وتدمير شبكات المرتزقة الإسرائيلية منذ عام 2008 وما بعده، والتي لعبت فيها الأجهزة والوحدات الأمنية التابعة لحزب الله دورًا مركزيًا. في هذا وكان هناك تعاون وثيق بين مؤسسة أمن المقاومة وأجهزة أمن الدولة. وبخصوص شهيد المقاومة هذا، قال حزب الله اللبناني إنه تعرض دائما للمضايقات ومحاولات الاغتيال من قبل أجهزة المخابرات التابعة للنظام الصهيوني والولايات المتحدة، وأنه تمت محاولة اغتياله مرارا وتكرارا لكنه نجا.
بدر الدين كمدافع عن الضريح المقدس
دخل الشهيد بدر الدين، كغيره من المقاومة، إلى ساحة المعركة للدفاع عن مرقد حضرت زينب (عليه السلام) عندما بدأ الإرهابيون الحرب في سوريا، وبتضحياتهم مع رفاقهم، استطاعوا توجيه ضربات شديدة للتكفيريين. وكان الشهيد بدر الدين القائد الأعلى لقوات حزب الله على الجبهات السورية، وتولى هذا المنصب لمدة 5 سنوات، من وقت وجود حزب الله في سوريا حتى يوم استشهاده. بالتزامن مع الأحداث في سوريا، توجه الشهيد بدر الدين إلى العراق لبحث الأوضاع بعد وجود تنظيم داعش الإرهابي ولمساعدة قوات الحشد الشعبي في محاربة الإرهابيين.
كما أن موضوع نقل الخبرات العسكرية للقوات اليمنية كان من الأمور التي قام بها الشهيد بدر الدين. بما أن الوضع في سوريا كان خطيراً في بداية الحرب مع التكفيريين وكان احتمال استشهاد عناصر المقاومة مرتفعاً للغاية، فقد عارض السيد حسن نصر الله في البداية وجود بدر الدين على الجبهات السورية وكان بحاجة إلى وجوده لتعزيز قوى المقاومة، وفي النهاية وافق الأمين العام لحزب الله على وجوده في ساحات القتال السورية. السيد ذو الفقار، على الرغم من وجوده الدائم في ساحة المعركة، كان هادئا وفي الوقت نفسه شجاعاً، قليل الخطأ، واثقاً من نفسه وخبيراً في عمله، ولهذا وصفه بعض أعضاء حزب الله بـ “المغامر الحكيم”.
كان مصطفى بدر الدين من أعلى قادة المقاومة في سوريا وكان على اتصال بالإيرانيين والروس وقادة الجيش السوري، وكان يعرف الغوطة، حلب، حمص، القنیطرة، القلمون، وأجزاء أخرى من سوريا. وتقول مصادر تابعة لحزب الله إن معركة مدينة القصير على الريف الغربي لحمص عام 2013، وطرد العناصر الإرهابية من المدينة، هي من أولى إنجازات بدر الدين في محاربة الإرهابيين. وحسب مسؤولين في حزب الله، فإن الشهيد بدر الدين، إلى جانب الشهيد الحاج قاسم سليماني، شاركوا بنشاط في جميع مراحل الحرب السورية وحتى قبل ذلك، وهي سمة مميزة لموقف ودور الشهيد بدر الدين وموقعه الاستراتيجي.
بالنظر إلى أن بدر الدين قاتل إلى جانب اللواء سليماني دفاعًا عن مرقد السيدة زينب عليها السلام في سوريا، فقد كان مع الشهيد سليماني في اللحظات الأخيرة من حياته، ووفقًا لزوجته، فقد لفظ أنفاسه الأخيرة على يدي اللواء سليماني وحقق مراده بالشهادة. وبينما الولايات المتحدة والصهاينة والإرهابيين الذين تحت حمايتهم كانوا سعداء بسماع نبأ استشهاد بدر الدين. وعلى الرغم من أن هذه كانت مأساة كبيرة لحزب الله، إلا أنها لم تمنع جماعة المقاومة اللبنانية من التحرك في سوريا، وبعد ساعات من استشهاد السيد ذو الفقار، عين السيد حسن نصر الله رئيس عمليات حزب الله في سوريا ليبين أن يد المقاومة هناك باقية مهما حدث.
الصهاينة، الذين يعتبرون قادة المقاومة تهديدًا لوجودهم، حاولوا دائمًا تنفيذ مخططاتهم من خلال الاغتيال الجسدي وتشويه سمعة هؤلاء القادة. لم يكن الشهيد بدر الدين في مأمن من الأجواء الإعلامية والحرب النفسية، وقد بذلت وسائل الإعلام السعودية والصهيونية جهودًا كبيرة لتشويه صورة هذا القائد والشهيد العظيم الاخلاقية، وذلك من خلال إشاعة قضايا مثل الفجور أو تجارة الذهب أو الاتهامات بالفساد الخلاقي حول هذا الشهيد في وسائل إعلام الأعداء.
إلا أن هذه الدعاية لم تقلل من الرأي العام الإيجابي تجاه قادة المقاومة الشجعان، وتشيع جنازة هذا الشهيد في لبنان خير مثال على ذلك. على الرغم من تحركات الجبهة العبرية – العربية – الغربية لإضعاف محور المقاومة في المنطقة، إلا أن هذه المجموعات تزداد قوة كل يوم، وسياسة اغتيال كبار القادة لا يمكن أن توقف محور المقاومة عن تحقيق أهدافه، لأن الشخصيات أُخرى ستحل محلهم ويواصلون طريق الانتصار على الأعداء بكل قوتهم.