بينما كان من المفترض أن يرفع اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن الحصار ويكون مقدمة لوضع حد للاشتباكات، رأى السعوديون حلماً جديداً لليمن. حيث كشفت بعض وسائل الإعلام الإقليمية، في الأيام الماضية، عن خطة السعودية لضم محافظات حضرموت وشبوة والمهرة وأبين في اليمن إلى أراضيها. خطوة لن تقلل التوترات فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تفاقم الاشتباكات في المستقبل.
وفي هذا الصدد، ولمعرفة المزيد من أبعاد هذه القضية، أجرى موقع “الوقت” حواراً مع الخبير في شؤون غرب آسيا سيد هادي أفقهي. وأعلنت السعودية التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها الميدانية في السنوات الثماني الماضية منذ اندلاع الحرب اليمنية، عن نيتها ضم محافظات جنوب اليمن، حضرموت والمهرة وشبوة إلى أراضيها. في الوضع الراهن، ما هو هدف السعودية من اتخاذ مثل هذا القرار وهل يمكنها أن تحقق أي مكسب من هذه السياسة؟
إن أحد المسببات هو التنافس مع الإمارات شريك السعودية في بدء الحرب ضد الشعب اليمني المظلوم. استولى الإماراتيون، بمساعدة الإسرائيليين، على بعض الجزر المهمة في الجزء الجنوبي من اليمن، بما في ذلك مدينة عدن، وهي عاصمة الحكومة اليمنية المستقيلة، مثل سقطرى، وأقام الصهاينة بمساعدة الإمارات قواعد في جنوب هذه الجزيرة.
بالنسبة للسعودية يعتبر خط أنابيب النفط مهما لها لتكون قادرة على نقل نفطها عبر الأراضي اليمنية بعيداً عن مضيق هرمز. لهذا تنظر بعين الطمع لهذه المحافظات الثلاث، والسعوديون يريدون إما احتلال هذه المناطق بالقوة العسكرية، وإذا لم ينجحوا يمكنهم استئجار هذه المحافظات.
تماماً مثلما انفصلت ثلاث محافظات جنوب السعودية وهي عسير وجيزان ونجران عن اليمن في عهد مؤسس المملكة العربية السعودية عبد العزيز آل سعود، حيث ضم السعوديون رسميا هذه المناطق بموجب اتفاقية مدتها 90 عاما موقعة بين عبد العزيز آل سعود وحاكم اليمن آنذاك. الوضع في محافظة حضرموت هو نفسه، وضم هذه المنطقة للسعودية مرده إلى التنافس السعودي مع الإمارات، ولأنهم يتطلعون إلى احتلالها أو استئجارها.
يصعب احتلال هذه المناطق لأن قبائل حضرموت والمهرة متعصبة للغاية ولديها شعور سلبي من وجود القوات السعودية على الأراضي اليمنية، ووقعت اشتباكات عدة مرات بين الجانبين. وكان زعيم قبيلة المهرة قد سبق له أن أدلى بتصريحات قاسية ضد السعوديين، قائلاً للسعوديين إنكم أتيتم لإنقاذنا، بينما أنتم من احتلنا، وأنه ليس من المفترض أن يكون لكم وجود عسكري في اليمن.
قضية أخرى هي موقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي يعترف بالسعودية كاحتلال لليمن، وأنه من غير الممكن للسعوديين أن يضموا بشكل قانوني المحافظات المهمة جغرافياً واستراتيجياً مثل حضرموت والمهرة وشبوة الى الأراضي السعودية. باعتقادي أن السعودية لن تكون قادرة على ضم هذه المحافظات الثلاث ونقل خطوط أنابيبها النفطية عبر هذه المناطق لأنها مخاطرة كبيرة.
بالنظر إلى أن الإمارات تسعى أيضاً لاحتلال المناطق الجنوبية من اليمن، فما هو موقفها من السياسة السعودية الجديدة؟
الإمارات مثل السعودية دولة احتلال والإماراتيون يرعون برلمان جنوب اليمن مالياً، وهناك اشتباكات متقطعة بين القوات الإماراتية والسعودية جنوب اليمن، والرئيس اليمني الهارب عبد ربه منصور هادي طلب مرارا السفر إلى عدن ليظهر أنه الرئيس الشرعي لليمن، لكن الإماراتيين لم يسمحوا له بالاستقرار في عدن.
الإمارات في حالة تنسيق دائم مع أمريكا وإسرائيل، ويعتبر جنوب اليمن منطقة مهمة، والسيطرة على مضيق باب المندب أمر بالغ الأهمية للملاحة الدولية حتى يتمكن الإسرائيليون من أن يكونوا متواجدين هناك. وبالتالي اذا أرادت السعودية ضم محافظات حضرموت والمهرة وشبوة فلن تزعج هذه القضية سياسات الإمارات في جنوب اليمن.
أعلنت السعودية أنها لن تتراجع عن هذه السياسة، فما هي التحديات التي ستواجهها المنطقة؟
هناك جمود في الوضع باليمن الآن وقد استنفدت أطراف النزاع كل قوتها. الآن، لا يمكن لحركة أنصار الله إجراء تغيير كبير في موازين القوى ميدانياً لإجبار السعودية على الخروج من اليمن، ولا يمكن للقوات السعودية والإماراتية أن تكون قادرة على هزيمة أنصار الله وإنهاء الحرب باحتلال صنعاء. شهدنا العام الماضي تقدم أنصار الله والجيش اليمني باتجاه محافظة مأرب، لكن عندما وصلوا إلى بوابات مأرب توقف التقدم. لأن تكلفة الانتصار وتحرير مأرب من المرتزقة السعوديين والإماراتيين فاقت قيمة الانتصار في الحصار.
لذلك، مأرب حاليا تحت الحصار ، لكن ثمن ذلك باهظ، وقد لا يستطيع أنصار الله تحمل هذا الثمن. اقترحت الأمم المتحدة مؤخرا وقف إطلاق النار، وللأسف انتهكت السعودية الاتفاق عشرات المرات، ما أظهر أن كلا الجانبين يريد أن يكون هناك متنفس. رغم أن أنصار الله تمنوا أن يكون وقف إطلاق النار ناجحاً لأن الأمم المتحدة تدخلت هذه المرة، إلا أن شيئاً لم يتغير ولم تلتزم السعودية بأي من بنود اتفاق وقف إطلاق النار، والهجمات السعودية مستمرة.
حتى أن المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام، احتج عدة مرات على أن السعودية لم تف بالتزاماتها على الرغم من وقف إطلاق النار. كان من المقرر رفع الحصار البحري عن اليمن، وإرسال المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد، وإعادة فتح مطار صنعاء، وهو ما لم تسمح به السعودية.
سعت السعودية إلى وقف إطلاق النار من أجل إعادة لملمة قوتها بل حتى السيطرة على المنطقة المحيطة بمأرب من خلال عملية خداع. بالطبع، إن أنصار الله والجيش اليمني كانوا متيقظين لقضية أنه قد ينفذ السعوديون عمليات مفاجئة خلال فترة وقف إطلاق النار، ولم يسمحوا بمثل هذه التحركات.
تركت السعودية قرار تنفيذ خطتها الجديدة لأهالي هذه المحافظات ليتخذوا القرار المناسب في هذا الشأن. ما هو موقف ابناء هذه المناطق من هذا القضية؟
للسعوديين مرتزقة في هذه المحافظات، لكن التوجه العام للشعب هو معارضة الاحتلال، فما بالك قضية الضم. لقد احتل السعوديون هذه المحافظات عمليا، لكن الاحتلال سيتقلب على الأرض، وقد تتسلح القبائل اليمنية لمواجهة قضية الضم، أو قد يصل أنصار الله إلى هذه المحافظات ولا يسمحوا بذلك. لذلك، رغم أن للسعودية الآن وجود عسكري مؤقت في المحافظات الجنوبية لليمن، لكنها غير مطمئنة من مدى نجاحها في ظل موجة معارضة القبائل.
الهدف النهائي للسعودية هو ضم هذه المحافظات ونقل نفطها عبر هذه المنطقة، لكن الوقت لم يحن بعد والآن التغيرات الميدانية والمعادلات العالمية مؤثرة في ذلك. الحرب الأوكرانية تؤثر الآن على موقف أمريكا من السعودية، وقد لا يسمح الأمريكيون للسعودية بفعل هكذا أمر في اليمن. وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان غير مستقر أيضاً بسبب الخلافات داخل العائلة المالكة في السعودية، وفي الواقع إن الحالة الصحية للملك سلمان ليست مواتية ولا توجد أرضية لتنفيذ هذه السياسة الآن.