يتجاوز اهتمام الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية “أمان” بشخصية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، الدور التقليدي الذي تؤديه في متابعة قادة المعسكر المعادي لها، في نقاط قوتهم وضعفهم وايديولوجيتهم وآلية تفكيرهم والعوامل المؤثرة في قراراتهم وخياراتهم.
ولذلك رصدت الاستخبارات، بحسب ما كشفت صحيفة “يديعوت احرونوت” في العام الماضي، عن وجود فريق مؤلف من 15 باحثاً يتبعون لوحدة الأبحاث في هذا الجهاز، مهمته متابعة كل ما يتعلق بالسيد نصر الله، ومحاولة توظيف ذلك في فهم وتقدير خيارات حزب الله الابتدائية وايضا ردوده على أي خيارات تنتهجها إسرائيل.
يخضع هذا الفريق مباشرةً لرئيس وحدة الأبحاث في “أمان” حاليًا العميد عميت ساغر، وينتمي إلى ما يسمى “ساحة لبنان” في الاستخبارات. ويعمل طوال الوقت على تحديث معلوماته عن السيد نصر الله، من مصادر علنية وبوسائل استخبارية سرية، ويبنون “ملف نصر الله”،. ويحاولون في نفس الاطار العمل على تشكيل “البروفيل” النفسي له، وكيف يؤثّر على الطريقة التي يعمل بها حزب الله.
وفي هذا الاطار، يقوم الفريق المتخصص بمتابعة السيد نصر الله بتسجيل وترجمة وتحليل خطاباته، بأدق تفاصيلها، بما فيها التعبيرات التي يستخدمها، لغة الجسد، وايضا محاولة استشراف وضعه الصحي عبر مراقبة حالة التنفس خلال خطاباته.
بالاستناد الى خلاصة دراسات هذا الفريق المتخصص أتى كلام رئيس جهاز التقدير الاستخباري، في الاستخبارات العسكرية “امان” العميد عميت ساعر، بأن علاقة السيد حسن نصر الله وحزب الله بايران ليست علاقة تابع بمتبوع، كما هو الكثير من الزعامات اللبنانية، مشيرًا بالنص خلال مقابلته مع صحيفة “اسرائيل اليوم” الى أن السيد “نصر الله ليس خاضعاً للوصاية الإيرانية… وهو لا يتلقى التوجيهات، بل هو شريك في اتخاذ القرارات في إيران… وأنه الشخصية الثانية في المنظومة الشيعية بعد الخامنئي” حسب تعبيره.
اللافت أن هذا التقويم يتعارض مع السياسة الترويجية التي تعمل “اسرائيل” نفسها والجهات الدعائية في الداخل والخارج المعادية لحزب الله على الترويج لها، بمن فيهم مسؤولون اسرائيليون رفيعو المستوى عندما يكون السياق تحريضيًّا. ومن أبرز الأمثلة في هذا المجال كلام قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو اللواء أمير برعام، عندما توجه للشعب اللبناني باللغة العربي! (رغم أن كلمته كانت باللغة العبرية) إن “حزب الله احتلال إيراني للبنان… وإن السيد حسن نصرالله لا يهتم بكم!” (الاخبار/ 6 أيار 2021).
الخلاصة الأخرى التي ترددت على ألسنة العديد من المسؤولين والخبراء، والان تتكرر مع العميد ساعر، وتشكل نقطة ارتكاز من منظور اسرائيلي، في فهم شخصية أمين عام حزب الله، واطاراً تفسيرياً لفهم مواقفه، واستشراف خياراته وخطواته المستقبلية، هو أن السيد نصر الله “ليس إيرانياً أو لبنانياً، هو الأمران معاً: “هو إيراني وشيعي، وأيضاً لبناني”.
واذا ما أخذنا بالحسبان أن من يدلي بهذه المواقف هو رئيس جهاز معادٍ لديه مفرداته المستمدة من مخزونه الايديولوجي والسياسي، ويحاول أن يُكوِّن صورة أقرب الى واقع عدوه – أي حزب الله والسيد حسن نصر الله – ومعنى كلامه هو أن “اسرائيل” تدرك أن حزب الله يعمل لمصلحة الشيعة ولبنان، وايضا هو جزء من محور المقاومة الذي يمتد من لبنان الى طهران، وهي مفاهيم لا ينكرها حزب الله بل يرى في تحالفاته الاقليمية قوة للبنان والمقاومة واستطاع من خلالها مواجهة مخاطر وجودية على لبنان والمقاومة. وفي مواجهة التحديات والمأزق الذي يواجهه لبنان.
والخلاصة الاضافية ايضا هو أن حزب الله في ظل قيادة نصرالله تحوَّل الى طرف فاعل رئيسي في المشهدين اللبناني والاقليمي، على خلاف ما كان عليه لبنان طوال تاريخه مجرد ساحة تنعكس فيها تطورات المنطقة، ويتلقى تداعياتها من دون أن يكون له دور فاعل في رسم مستقبلها التي هو جزء لا يتجزأ منها، وأن مستقبله رهن بتطوراتها ايضا.
اللافت في كلام ساعر ايضا أنه بعد مضي 16 عاما لا تزال الاستخبارات تبذل جهودها للحد من تأثير السيد نصر الله في الواقع الاسرائيلي. وهي اعتمدت منذ حرب العام 2006، منهجا مغايرا في التعامل مع خطاباته ومواقفه عما قبلها. وتبلور هذا الخيار كجزء من العبر المستخلصة من تلك الحرب.
وضمن هذا الاطار يأتي كلام العميد ساعر ايضا عن أمين عام حزب الله أن “هناك تمجيداً مجنوناً ومبالغاً به لنصر الله. يقولون عندنا إنه لا يكذب ولا يخطىء”. وهو أمر يكشف عن أن نتائج الجهود التي تبذلها الاستخبارات وجهاز الدعاية الاسرائيلية كانت محدودة ولم تستطع أن تغير الصورة التي حاولوا محوها واستبدالها بصورة أقل تأثيراً على معنوياتهم وخياراتهم.
العهد الاخباري – جهاد حيدر