على مسافةِ أقلَّ من ثلاثة أسابيع من نهاية فترةِ الهدنة ، لا زال “التعنُّتُ” من جانب تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ هو سيدَ الموقف، وهو ما يعني أن إنقاذَ الاتّفاق بات أمرًا بعيدًا، وبالتالي لن يكون بالإمْكَان البناء عليه لتحقيق تقدم حقيقي في مِلف السلام، خُصُوصاً في ظل إصرار الأمم المتحدة على التواطؤ مع دول العدوان التي يُتوقع أن تحاول التلاعُبَ بالمشهد قبل النهايةِ؛ خوفاً من الاصطدام بعواقب التعنت، غير أنها ستحتاجُ إلى ما هو أكثرُ من تحريك بعض مِلفات الاتّفاق؛ لأَنَّه غيرُ قابل للتجزئة، وبدون تنفيذه بالكامل، فَـإنَّ احتمالاتِ تجديد الهُدنة أَو تطويرها تظل ضعيفة للغاية.
احتجازُ سفينة وقود جديدة
في انتهاكٍ جديدٍ لاتّفاق الهُدنة، أقدمت قوى العدوان، الخميس، على احتجازِ سفينة وقود جديدة كانت متجهةً إلى ميناء الحديدة بعد خضوعها للتفتيش وحصولها على تصاريح الدخول من قبل الأمم المتحدة.
وقال الناطقُ باسم شركة النفط اليمنية، عصام المتوكل: إن السفينة المحتجزة “كورنيت” تحمل على متنها 20 ألف طن من مادة البنزين، و9 آلاف طن من مادة الديزل، وقد تم احتجازها بالتزامن مع إطلاق سفينتين كانتا قد احتجزتا سابقًا، وهو ما يعني أن تحالف العدوان يصر على ممارسة سياسة “التقطير” لإطالة أزمة المشتقات النفطية، الأمر الذي يؤكّـد على نوايا المراوغة والإصرار على تجنب طريق السلام الواضح.
النقل: من المفترض تسيير رحلات يومية بدون قيود
من جهة أُخرى، لا يزالُ مطار صنعاء مغلقاً حتى اللحظة، وهو ما بات يمثل الفجوةَ الأكبرَ في الاتّفاق؛ لأَنَّ معظمَ فترة الهُدنة قد انقضى بدون تسيير رحلة جوية واحدة، الأمر الذي يجعل تحالف العدوان ملزمًا بتعويض جميع رحلات الفترة المنقضية لسد تلك الفجوة، إضافة إلى السماح بجميع رحلات الفترة المتبقية، وإلا سيبقى الأمر في إطار التعنت الذي يعتبر إفشالا متعمدا للاتّفاق.
وفي هذا السياق، قال نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي: إن “توسيع ومضاعفة عدد الرحلات في ما تبقى من فترة الهُدنة يعتبر ضرورةً إنسانيةً ملحةً لتعويض الرحلات التي أعيقت خلال الفترة المنصرمة”.
وأضاف: “هذا لا شك هو المؤشر الذي سيثبت حُسن النوايا ويعيد الثقة في اتّفاق الهُدنة، كما أنه العامل الأهم في مسألة تشجيع الجميع على مواصلة العمل؛ مِن أجلِ السلام بكل صدق وحرص”.
وجدّد وزيرُ النقل بحكومة الإنقاذ الوطني، عبد الوهَّـاب الدرة، التأكيدَ على جُهُوزية مطار صنعاء الدولي التشغيلية والفنية والمهنية لاستقبال كافة الرحلات المدنية والتجارية، مُشيراً إلى أن جاهزيةَ المطار تلبي كافةَ الاشتراطات والمتطلبات الدولية المعمول بها في المطارات العالمية ومنظّمة الطيران المدني “الإيكاو”.
وَأَضَـافَ الدرة أن “عشرين يوماً هي المدة المتبقية من الهُدنة الأممية والمفترض تسيير الرحلات بشكل يومي دون أية قيود”.
وبالتوازي مع ذلك استمرت الخروقات العسكرية الميدانية من جانب قوى العدوان وأدواتها على مستوى العمليات الجوية والبرية.
لا أفقَ للمراوغة
وبهذه المعطيات، فَـإنَّ التقييمَ العامَّ للهُدنة لا يزال هو الفشل؛ بسَببِ تعنت تحالف العدوان، وهو تقييم من المتوقع أن يسعى الأخير للتلاعب به قبل نهاية فترة الهُدنة، من خلال القيام بخطوات جزئية محدودة لتضليل الرأي العام وإيجاد فرصة للمساومة على تمديد حالة “اللا حرب واللا سلام” التي حاولت دول العدوان صناعتها طيلة الفترة الماضية والتي تنطوي على استمرار العدوان والحصار، الأمر الذي يبدو بوضوح أن أُفُقَه مسدود، إذ تتمسكُ صنعاء بضرورة تنفيذ الاتّفاقات كاملة والسير على طريق السلام الواضح الذي يفضي إلى وقف العدوان والحصار وإنهاء الاحتلال بشكل كامل.
وفي هذا السياق، أكّـد عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، أنه “لا قيمةَ حقيقيةً لأية اتّفاقات مع عدم الالتزام الكامل بها”.
وكانت هيئة رئاسة مجلس النواب، جددت قبل يومين التأكيد على التزام صنعاء “بتنفيذ كافة بنود الهُدنة المعلنة برعاية أممية” وحملت دول العدوان ومرتزِقته مسؤولية التنصل عن تنفيذ بنود الهُدنة وما يترتب على ذلك من تداعيات إنسانية كارثية.
وطالبت هيئةُ رئاسة مجلس النواب مجلسَ الأمن والأمم المتحدة، بتحمل المسؤولية الكاملة عن سياسة الكيل بمكيالين فيما يتعلق بالتعاطي مع مظلومية الشعب اليمني وتنصل تحالف العدوان عن تطبيق بنود الهُدنة.
واستنكر بيان رئاسة البرلمان “المحاولة السعوديّة لتضليل الرأي العام بإرسال عدد من العمال اليمنيين المعتقلين في المملكة؛ باعتبَار أنهم أسرى حرب”
كما حذّر من استمرار القرصنة والمناورات البحرية التي تقوم بها دول تحالف العدوان في المياه اليمنية، مؤكّـداً على “أن الممر الدولي آمن ويتم حمايتُه من الدولة المطلة عليه”.
وحذّرت هيئةُ رئاسة مجلس النواب من “ما يبيِّتُه تحالفُ العدوان وأدواته ضد الشعب اليمني ومقدراته بعد تنصله عن تنفيذ بنود الهُدنة وإطلاق الأسرى وفتح المنافذ وصرف مرتبات كافة موظفي الدولة مدنيين وعسكريين”، في إشارة إلى نوايا العدوّ للتوجّـه نحو التصعيد.
وأكّـدت رئاسة مجلس النواب على أهميّة تضافُر الجهود للاستمرار بالتصدي للعدوان.
ويرى مراقبون أن تحالفَ العدوان وبإشراف أمريكي، متجهٌ نحو محاولة تمديد الهُدنة لكن ليس على أَسَاس معالجة الملف الإنساني والتقدم نحو خطوات السلام الفعلي، بل على أَسَاس “كسب الوقت” والالتفاف على خيارات صنعاء ومعادلاتها العسكرية والسياسية؛ بهَدفِ تجنيب دول العدوان الضربات الصاروخية والجوية اليمنية الرادعة،
وجر صنعاء إلى مربع المساومة على المِلف الإنساني، في الوقت الذي يتم فيه التحشيد والتجهيز للتصعيد ميدانيًّا على أكثر من جهة، وهو الأمر الذي برزت مؤشراته وملامحه منذ الأيّام الأولى للهُدنة، وخلال هذه الفترة بشكل خاص.
مع ذلك فَـإنَّ التجارب الماضية تؤكّـد بوضوح أن مخطّط تحالف العدوان يمثل “رهانًا خاسرًا” بالكامل، فقد حاولت دول العدوان والولايات المتحدة سابقًا تقييد خيارات صنعاء العسكرية بالضغوط وبدعايات وتحَرّكات “السلام” المزيَّفة، وهي محاولةٌ كانت الأمم المتحدة منخرطةً فيها بقوة، لكنها فشلت في حماية دول العدوان من عواقب استمرار الحرب والحصار، وظلت معادلة صنعاء الرئيسية للحرب والسلام هي الأكثر ثباتا على الطاولة وفي الميدان.
وبالنظر إلى تحذيراتِ القيادة الثورية والسياسية والعسكرية اليمنية التي سبقت وتخللت فترة الهُدنة، يمكن القول: إن الطريقَ الذي يسلكه تحالف العدوان ورعاته -وإن بدا لهم طويلاً وواعداً- ينتهي بضرباتِ ردع أشدَّ ومفاجآتٍ غيرِ مسبوقة على كُـلّ مستويات المواجهة.